انتقل إلى المحتوى

السيد عبد الحسين شرف الدين العاملي

من ویکي‌وحدت
السيد عبدالحسين شرف الدين العاملي
الإسمالسيد عبدالحسين شرف الدين العاملي
التفاصيل الذاتية
مكان الولادةالكاظمية العراق
الدينالإسلام، الشيعة
الآثارتُعدُّ كتبه "الفصول المهمة"، و"المراجعات"، و"النص والاجتهاد" من أهم مؤلفاته في إثبات حقانية المذهب الشيعي وتحقيق وحدة الأمة الإسلامية.
النشاطاتفقيه محدث شيعي، واديب لبناني مجاهد لعب دوراً بارزاً في حشد الشعب اللبناني للوقوف أمام ظلم الدولة العثمانية ومقاومة الاستعمار الفرنسي، وهو من رواد التقريب بين المذاهب الإسلامية، والوحدة بين الشيعة والسنة من خلال التحاور البناء.

السيد عبدالحسين شرف الدين العاملي فقيه محدث شيعي، واديب لبناني مجاهد لعب دوراً بارزاً في حشد الشعب اللبناني للوقوف أمام ظلم الدولة العثمانية ومقاومة الاستعمار الفرنسي، وهو من رواد التقريب بين المذاهب الإسلامية، والوحدة بين الشيعة والسنة من خلال التحاور البناء، وقد نُقلت عنه في هذا السياق مقولته الشهيرة: إن السياسة هي التي فرقت بين الشيعة والسنة أول يوم، والسياسة هي التي يجب أن تجمعهما وتوحدّهما اليوم، وله مناظرة مع ملك السعودية الأسبق عبد العزيز آل سعود، واستطاع من خلالها أن يقنع ملك السعودية بجواز التبرك بآثار النبي صلی الله عليه و آله و سلم و الأئمة الأطهار عليهم السلام، وهو أيضاً من أوائل المحاربين للهجرة اليهودية إلى فلسطين، وكان يرى أن الهجرة اليهودية إليها تشكل خطراً على مستقبل فلسطين، ويجب الوقوف بوجه هذا الاستعمار الاستيطاني، إتخذ العلامة شرف الدين موقفاً إيجابياً تجاه الحركات التحررية التي كانت تحدث في العالمين الغربي والإسلامي، وفي هذا الإطار أيد الحركة المصرية وتأميم قناة السويس، وكذلك حركة تأميم صناعة النفط في إيران، وتُعدُّ كتبه "الفصول المهمة"، و"المراجعات"، و"النص والاجتهاد" من أهم مؤلفاته في إثبات حقانية المذهب الشيعي وتحقيق وحدة الأمة الإسلامية والكثير من المخطوطات الأصلية لشرف الدين دُمّرت وأُحرقت على أيدي الفرنسيين خلال مراحل النضال والهجرة. ومع ذلك، بقيت منه أعمال قلمية نادرة وخالدة تُعدّ من الروائع العلمية والدينية والأدبية والتاريخية المشرّفة للتشيع بل لعالم الإسلام.

النسب والمولد

هو السيد عبد الحسين بن السيد يوسف بن السيد جواد بن السيد اسماعيل بن السيد محمد بن السيد محمد بن السيد ابراهيم شرف الدين بن السيد زين العابدين ابن السيد نور الدين الموسوي، وأمه السيدة الجليلة زهرا صدر، ابنة آية الله السيد هادي صدر، وحفيدة السيد محمد علي، وأخت المرجع المعروف السيد حسن صدر، ويمتد نسبه الطاهر الزكي بواحد وثلاثين واسطة إلى إبراهيم المرتضى بن موسى بن جعفر (عليه السلام) [١]، وُلد العلامة شرف الدين سنة 1290 هـ في المدينة المقدسة الكاظمية [٢]. نشأ في كنف والدته وتحت رعاية والده العالم الروحاني. وعندما بلغ من العمر سنة واحدة، قرر والده السيد يوسف الهجرة إلى النجف الأشرف لاستكمال مراحل الدراسة العليا، فحمل ابنه الوحيد عبدالحسين ورحل مع أهله وعياله قاصدين النجف الأشرف مع قافلة المسافرين، وفي تلك المدينة نما عبدالحسين وترعرع. والتحق بالكتاب في سن السادسة، وأصبح قادراً على تلاوة القرآن في سن السابعة، مما بعث الأمل في قلب والديه بمستقبله الواعد[٣].

تعليمه ودراساته

بعد عودة العائلة إلى جبل عامل، وفي سن الثامنة، شرع السيد شرف الدين في دراسة الأدب العربي عند والده العالم الروحاني، وأمضى سنوات في تعلم الصرف، والنحو، واللغة، والمعاني، والبيان، والبديع، والشعر، والإنشاء، والتاريخ، والخط، حتى أتقنها بالتمرين والممارسة، وبعد أن اكتسب المعرفة اللازمة في الأدب والمنطق وأصول الفقه، شرع في دراسة الفقه في حضور والده، فتعلَّم كتب "نجاة العباد"، و"المختصر النافع في فقه الإمامية"، و"شرائع الإسلام" [٤].وإلى جانب هذه الكتب، انهمك السيد في مطالعة كتب الأدب، والتاريخ، والتفسير، والفقه، والأصول، والمنطق، والأخلاق، والعقائد، وغيرها، صقل موهبته الواعدة، وحصّل علوماً غزيرة. وفي تلك السنوات، تزوج من ابنة عمه بناءً على اقتراح والديه.

هجرتة الى العراق

في سنة 1310 هـ، شدَّ السيد شرف الدين الرحال إلى العراق برفقة والدته وزوجته وأخيه، واستجابة لنصيحة جده آية الله السيد هادي صدر ومعارفه الآخرين، توجه مع عائلته إلى سامراء. وبعد التشاور وتبادل الرأي مع خاله العالم آية الله السيد حسن صدر، بدأ دراسة الفقه والأصول عند أستاذَيْن مشهورين في الحوزة العلمية في سامراء، وهما: الشيخ حسن الكربلائي (المتوفى 1322 هـ) والشيخ باقر حيدر (المتوفى 1333 هـ) كما كان يحضر كل صبيحة جمعة درس أخلاق آية الله الشيخ فتحعلي سلطان آبادي [٥]. بعد مضي سنة، وعندما غادر مرجع الطائفة الشيعية آية الله الميرزا الشيرازي سامراء متوجهاً إلى النجف الأشرف لأسباب معينة، انضم شرف الدين إلى علماء ومدرسي الحوزة العلمية في سامراء في رحلتهم إلى النجف

العودة إلى الوطن

بعد اثني عشر عاماً من الدراسة والبحث والمناظرات العلمية والعقائدية، بلغ شرف الدين مرتبة سامية في الفقه والاجتهاد، وحصل على إجازات وتأييدات بالاجتهاد من كبار فقهاء النجف، وفي سن الثانية والثلاثين قُبل اجتهاده المطلق من قبل جميع المجتهدين الكبار في الحوزات العلمية في النجف والكاظمين وكربلاء وسامراء. وخلال هذه الفترة، وإلى جانب دراساته العلمية والفقهية، انهمك بنشاط أدبي مكثف سعياً للتمكن التام من أسرار البلاغة والصنائع الأدبية وأساليب الخطابة والكتابة والمناظرة، وتميز في هذه الفنون أيضاً. وفي التاسع من ربيع الأول سنة 1322 هـ، غادر النجف الأشرف مع عائلته، متوجهاً إلى جبل عامل عبر دمشق، [٦]. فاستقبله علماء المنطقة وأعيانها استقبالاً حافلاً. واستقر في البداية في "شحور"، وشرع إلى جانب والده في هداية الناس، والتدريس، وتعليم الشباب وتربيتهم.وبعد ثلاث سنوات، انتقل إلى مدينة صور بدعوة من أهلها. أسس فيها "حسينية صور" فجعلها مركزاً لإقامة البرامج الدينية والاجتماعية المتنوعة. وشكّل فيها حوزة علمية مع والده وأخيه العالم، لكنه فقد والده ثم أخاه بعد فترة وجيزة. ولم تمضِ مدة طويلة حتى أعلن أهل جبل عامل تعاونهم مع السيد عبدالحسين في إصلاحاته.

أساتذته

درس السيد شرف الدين لسنوات في حوزة النجف العلمية على يد عدد من كبار العلماء والفقهاء لاستكمال مراحل الدراسة العليا في الفقه والأصول والحديث والعقائد وغيرها، ومن أبرز أساتذته:

  • آقا رضا الأصفهاني (المتوفى ١٣٢٢ هـ)
  • الشيخ محمد طه النجف (المتوفى ١٣٢٣ هـ)
  • الآخوند الخراساني (المتوفى ١٣٢٩ هـ)
  • الشيخ الشريعة الأصفهاني (المتوفى ١٣٠٣ هـ)
  • الشيخ عبد الله المازندراني (المتوفى ١٣٣٠ هـ)
  • السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي (المتوفى ١٣٣٧ هـ)
  • الميرزا حسين النوري (المتوفى ١٣٢٠ هـ)
  • السيد إسماعيل الصدر (المتوفى ١٣٣٨ هـ)
  • الشيخ فتح الله شريعة الأصفهاني (المتوفى ١٣٣٩ هـ)
  • السيد حسن الصدر (المتوفى ١٣٥٤ هـ).

السمات الأخلاقية

كانت حياته مبنية على أساس القرآن الكريم، والأحاديث الأخلاقية، وسيرة الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) والعلماء الصالحين من السلف، وفيما يلي إشارة موجزة إلى أبرز صفاته الأخلاقية:

الإخلاص

كان إخلاص العلامة شرف الدين مضرب المثل بين الخاص والعام، حتى أن حفيده، الأستاذ السيد حسين شرف الدين، كتب في هذا الشأن يقول:«كانت هناك مدرسة في صور يديرها الخصوم السياسيون لجدّي، عندما كنت طفلاً، ذهبت ذات عصر إلى جوار تلك المدرسة ورميت بضع حجارة، مما تسبب في أضرار طفيفة بالمدرسة، وذلك لأنني كنت متأثراً بالصراعات السياسية التي دارت بين جدي وخصومه حول المدرسة، في تلك الليلة، وبعد صلاة العشاء، جاء إلى منزلنا، فركضت إليه فرحاً. فانتهرني بشدة عن ذلك العمل وقال: مشاكلي السياسية مرتبطة بالدين، أنا أتصارع مع خصومي السياسيين في سبيل الله؛ لكنهم يخلقون المشاكل من أجل مصالحهم الشخصية، أنا أسست المدرسة الجعفرية لإنقاذ أبناءنا وأبناء الناس من المدارس التنصيرية المسيحية، وخاصة أبناء الفقراء والمحتاجين، ولهذا جعلت المدرسة مجانية، خصومي فعلوا الشيء نفسه؛ وإن كان من أجل منافستي، أي أنهم أيضاً أنشأوا مدرسة للطبقات الشيعية الدنيا، والآن إذا استطعت أن أقودهم إلى طريق الصواب وأنفذ برنامج المدرسة الجعفرية هناك أيضاً، فذلك أفضل! وإذا لم أستطع ذلك، فبما أنهم يريدون منافستي، فهم مضطرون لسلوك طريقي وإدارة مدرستهم مثل الجعفرية، وفي هذه الحالة يكون العمل الذي يرضي الله قد تحقق، سواء أتمَّ بيدي أم بيد خصومي.»[٧].

الاهتمام بشؤون الطلاب

مع بداية دخول العلامة إلى لبنان، والتي تزامنت مع الحرب العالمية الأولى، أصدرت الحكومة العثمانية منشوراً يقضي بأن كل من يستطيع حمل السلاح يجب أن يلتحق بالجيش، وكان المستثنى من هذا الحكم فقط أولئك العلماء الدينيون المسجل أسماؤهم في السجلات الرسمية، وهذا الاستثناء شمل علماء السنة والمسيحيين فقط؛ لأن علماء وطلاب الشيعة لم يكن لديهم سجل، ولم يكن هناك من يسجل أسماءهم. تحرك العلامة شرف الدين في هذا الشأن وسعى حتى صدر فرمان من الباب العالي العثماني في إسطنبول يقضي بإعفاء علماء وطلاب الشيعة [٨].

كلام كبارالشخصيات في حقه== عظمة هذه الشخصية الروحية والأخلاقية والمكانة العلمية لهذا الفقيه كانت إلى حد أن الأصدقاء والأعداء عجزوا - ولا يزالون - عن إنكارها. وفي هذا المقام نذكر بعض أقوال الكبار وأبيات الشعر التي قالها بعض الشعراء في وصفه:

آية الله البروجردي

قال آية الله السيد البروجردي (رحمه الله): إنه فخر عالم الإسلام، وأضاف: "قدرة البيان وأسلوب النثر السلس لدى المرحوم السيد شرف الدين، حلمه وقوة استدلاله، كانت نادرة النظير" [٩].

الإمام الخميني

عندما سمع آية الله الإمام الخميني (رحمه الله) نبأ وفاته، علّق درسه قائلاً: "لقد توفي هشام بن الحكم زماننا [١٠].

السيد أبو الحسن الأصفهاني

كان آية الله السيد أبو الحسن الأصفهاني يرى أن العلامة شرف الدين يمتلك شروط المرجعية المطلقة للشيعة، وقال له: "الحوزة العلمية في النجف تحتاج إليك. تعال إلى هنا وتولَّ الأمور التي تخصني أمور مرجعية العالم الشيعي".

السيد محسن الحكيم

كان آية الله السيد محسن الحكيم يصفه بأنه منبع للرحمة والإحسان، وقال: "كان السيد شرف الدين منبعاً للرحمة والإحسان، وكان الجميع يستفيدون من رحمته وإحسانه [١١].

العلامة الأميني

قال العلامة الأميني (رحمه الله): "شرف الدين أحد القمم الشامخة في التشيع، وأحد الأعلام الخفاقة في الإسلام. وهو في هذا العصر ممثل عظمة السادة وبني هاشم. يحق للشيعة أن تفخر بشرف الدين، وبعلمه الواسع وشرفه الوضّاء وتقواه العميقة ومنطقه الفصيح ودعايته النافعة [١٢]. كما أطلق على ذلك العالم الواعي لقب "المصلح الكبير" وقال: "المصلح الكبير، آية الله السيد عبد الحسين شرف الدين العاملي... شخصية موضع اهتمام وإعجاب الأمة الإسلامية، كان دائماً دليلاً للمسلمين في طريق إصلاح الأمة ونشر الإسلام، وقدّّم تضحيات جليلة. جازاه الله خيراً."

الداعي للوحدة الإسلامية

كان شرف الدين، كعالم واعٍ بالزمن، بعيد النظر، وملمًّا بحقائق المدرسة السماوية الإسلامية الأصيلة، يتألم منذ صغره من الأوضاع المضطربة والمؤسفة للمجتمعات الإسلامية في ذلك الوقت، ومن الخلافات العقيمة والمحزنة بين المسلمين. لم يكن يفكر فقط في إصلاح وبناء المجتمعات الشيعية، بل منذ بداية تحركاته الاجتماعية والدينية، كان يفكر في إصلاح وتعزيز جميع البلدان الإسلامية، وإيجاد الوحدة والأخوة بين مختلف فرق المسلمين. لقد كافح طيلة نصف قرن بكامل طاقته العلمية والمعنوية، وبقلمه وبيانه وعمله الصادق، من أجل توحيد أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولم يبخل بأي جهد أو سعي [١٣]. كانت خطوته الأولى الطويلة والجادة في طريق وحدة الأمة الإسلامية هي تأليف كتابه القيم "الفصول المهمة في تأليف الأمة"، الذي طبع في مدينة صور سنة ١٣٢٧ هـ. من هذا التاريخ حتى نهاية عمره (١٣٧٧ هـ)، استمر في السعي لتحقيق هذا الحلم الإلهي وحقق نتائج باهرة ومثمرة. في أواخر سنة ١٣٢٩ هـ، سافر إلى مصر لزيارتها والتعرف على علمائها الدينيين وعلمائها ومفكريها وكتابها، وتهيئة الأرضية لتحقيق وحدة الأمة الإسلامية. كان قد أدرك أن أفضل نقطة لانطلاقته هي جامعة الأزهر، أكبر مركز علمي وديني للمسلمين السنة. قدر الله أن يتعرف شرف الدين على مفتي مصر الكبير والأستاذ الشهير في جامعة الأزهر، الشيخ سليم البشري المالكي. كانت ثمرة هذه المعرفة العلمية والدينية مناقشات ومراسلات مثيرة ومدهشة يمكن أن تكون نموذجاً يحتذى به للعلماء والمفكرين المسلمين في تاريخ الإسلام في طريق وحدة الشعوب المسلمة والوصول إلى الحقائق والأحداث التاريخية. بعد خمسة وعشرين عاماً من تلك الواقعة، في سنة ١٣٥٥ هـ، نشر شرف الدين مجموعة مراسلاته مع الشيخ سليم البشري، والتي بلغت ١١٢ رسالة، مع مقدمة توضيحية، في كتاب بعنوان "المراجعات" في مدينة صيدا. (لمزيد من المعلومات، راجع كتاب المراجعات أو ترجماته، بقلم محمد جعفر إمامي تحت عنوان "رحلة الإمام علي" أو بقلم مصطفى زماني بعنوان "مذهبنا وإمامنا"). من خصائص هذا الكتاب استخدام مفردات جديدة ذات معنى، وجمل قصيرة موسيقية، وتعبيرات بديعة وجذابة، وإثراء المحتوى بأشعار وأمثال العرب، بالإضافة إلى الجوانب العلمية والاستدلالية للكتاب، مما جعل هذا العمل فريداً من نوعه. في مصر، بالإضافة إلى مراسلته للشيخ سليم البشري، التقى شرف الدين بعلماء ومفكرين سنة آخرين وأجرى معهم مناقشات علمية ودينية وفلسفية. وكبار علمائهم مثل الشيخ محمد نجيب، والشيخ محمد سلموطي، والشيخ محمد عبده، والشيخ عبد الكريم الكتاني الإدريسي، قدّروا مكانة شرف الدين العلمية والفكرية وكرموه من خلال كتابة إجازات وتأييدات علمية.

النضالات

ناضل السيد شرف الدين ضد المستكبرين المحليين ومعارضي الإسلام في المنطقة، كما واجه الاستعمار، ونضالاته ضد الاستعمار الفرنسي من أجل استقلال لبنان مشهورة. ومحاولة اغتياله الفاشلة على يد ابن الحلاج بأمر من فرنسا كانت أيضاً في هذا الإطار.

النضال ضد الفرنسيين

في أواخر سنة ١٣٣٠ هـ، بعد أن أدى رسالته وفتح قلوب المعارضين، غادر مصر متوجهاً إلى لبنان، في ذلك الوقت، كان الشعب اللبناني، مثل بقية شعوب الأراضي الإسلامية، يطالب باستقلال بلاده والتحرر من نير العثمانيين. للمرة الأولى، وبتأييد حركات الاستقلال، دخل شرف الدين معترك النضالات السياسية والصراعات الاجتماعية. خلال حروب استقلال لبنان، بقي إلى جانب الشعب وتولى القيادة الدينية والسياسية وإيواء المشردين من أهالي جبل عامل. تمكن السيد شرف الدين، رغم كل الصعوبات، من الوصول إلى دمشق، حيث تجمع حوله المناضلون والعلماء، فوعظهم بخطبه النارية بمسؤولياتهم الجسيمة، مقترحاً ضرورة مواجهة المستعمرين الفرنسيين بجدية. ونتيجة لإجراءاتهم، نفت فرنسا قادة الحركة إلى فلسطين [١٤]. بالإضافة إلى أنشطته السياسية والاجتماعية في دمشق، كان شرف الدين يهتم بأوضاع المنفيين اللبنانيين وغير اللبنانيين من المسلمين. هم والمناضلون اللبنانيون الآخرون مكثوا في دمشق لفترة، حتى وسع الفرنسيون المتآمرون والمعتدون نطاق عدوانهم واحتلوا الأراضي السورية أيضًا. انتقل شرف الدين مع عائلته إلى فلسطين واستقر في مدينة "حيفا". بعد فترة، في عام 1338 هـ، غادر إلى مصر للمرة الثانية متنكراً. بالإضافة إلى حضوره في المساجد والمجالس العلمية والسياسية والأدبية، كان يلتقي يومياً بأفراد ومجموعات مختلفة ويجري معهم حوارات، وكانت معظم خطبه تنشر في صحف مصر آنذاك. في إحدى خطبه الحماسية، قال جملة عميقة ومعبرة تجسد حقيقة الوحدة الإسلامية. السيد رشيد رضا، العالم والكاتب المصري الشهير الذي حضر ذلك المجلس، نشر تلك الجملة بخط عريض في مجلته "المنار"، وكانت الجملة هي:"فَرَّقَتْهُُمَا السِّيَاسَةُ أَوَّلَ يَوْمٍ فَلْتَجْمَعْهُمَا السِّيَاسَةُ." في أواخر سنة ١٣٣٨ هـ، هاجر إلى قرية في فلسطين تسمى "علما" بالقرب من جبل عامل، وأصبح منزله مكاناً لتردد الناس. ثم عزم على التواجد في أقرب نقطة في لبنان، وبذل جهداً مشرفاً لتحرير بلده وشعبه عن قرب.

النضال ضد الإقطاع

كان العلامة شرف الدين أحد حماة العدالة المناضلين في ساحة العدالة وخندق محاربة الظلم. عندما عاد من النجف الأشرف إلى جبل عامل وبدأ زعامته الدينية، تصدى لأولى مظاهر الظلم المتجذرة في جبل عامل، نظام الاستغلال "الإقطاعي".وقف بشجاعة في وجه الملاك والمستغلين الذين كانوا يستنزفون دماء الفلاحين المسلمين المحرومين، ويجبرونهم على عمل أشياء مرهقة مقابل أجر زهيد، ويزيدون يومًا بعد يوم من بؤس وفقر هؤلاء المساكين، بينما كانوا هم أنفسهم يعيشون في أفضل المدن والقرى، ويتمتعون بوسائل رفاهية واسعة، ويعيشون حياة الترف واللهو، فقاومهم بشراسة لسنوات [١٥].

مساندة الحركات التحررية

عارض شرف الدين بشراسة هيمنة الأجانب الغربيين وناضل حتى خروج آخر عملائهم من لبنان والاعتراف باستقلال هذا البلد في عام 1945 م. خلال فترة نضاله ضد الهيمنة الفرنسية في لبنان، كانت فلسطين تحت سيطرة بريطانيا، ولم تظهر بعد قضية فلسطين بالشكل الذي ظهرت به بعد عام 1948 م، لكن الأرضية كانت تُهيأ. في تلك الفترة، رأى شرف الدين أن هجرة يهود العالم إلى أرض فلسطين تشكل خطرًا على مستقبل ذلك البلد، ولهذا السبب، كان دائمًا يحذر من خطر الصهاينة اليهود على فلسطين [١٦]. كان آية الله شرف الدين يتابع الحركات التي كانت تحدث في العالم الإسلامي والعربي ويتخذ موقفًا مناسبًا من كل منها. كان يعرف قادة هذه الحركات جيدًا وكان على اتصال معهم ويدعمهم، وكان يناقش القضايا السياسية في هذه الحركات والنهضات مع المثقفين والمطلعين. ومن بين هذه الحركات، تأميم قناة السويس في مصر وتأميم صناعة النفط في إيران. أيد شرف الدين كلا الحركتين ودعمهما لأنهما كانتا في صالح المسلمين وضد المستعمرين. حركة التحرر العربية في مصر وتأميم قناة السويس التي حدثت عام 1956 م، وكانت من الحركات المبشرة في العالم الإسلامي، لقيت قبولاً ودعمًا من جميع أحرار وضمائر اليقظين، العلامة شرف الدين. كما أن تأميم صناعة النفط في إيران الذي حدث عام 1329 هـ.ش، إلى اطلاع شرف الدين على طبيعتها وأهدافها وقادتها، آية الله السيد أبو القاسم الكاشاني وأهدافه، حظي بتأييد ودعم منه [١٧].

خدماته الثقافية والتعليمية

قرر شرف الدين مواجهة الوضع الثقافي والتعليمي المضطرب والمختل في لبنان، نتج عن توسع وتوطيد هيمنة المستعمرين الغربيين الخائنة في هذه الديار، إصلاح أجهزة التعليم والتربية في مجتمعه. قرر بناء مدرسة في صور. في هذا العمل، دعا جميع من لديهم إمكانية للمساعدة المادية للتعاون. أولاً، في عام 1357 هـ، أنشأ مدرسة ابتدائية لتعليم وتثقيف الطلاب المسلمين "المدرسة الجعفرية". كانت هذه المدرسة تدير مجانًا، وإلى جانب تدريس المناهج الحديثة، كانت تستفيد أيضًا من دروس المعارف والأخلاق الإسلامية بصفته مصلحًا غيورًا ومدركًا، أسس شرف الدين ناديًا فاخرًا وجميلاً "نادي الإمام الصادق (عليه السلام)" منع الشباب من المشاركة في مجالس الأعداء والحساد. بالإضافة إلى ذلك، بنى مسجدًا المدرسة الجعفرية ونادي الإمام الصادق (عليه السلام) يتمكن الطلاب والمرتادون للنادي من أداء فرائضهم الدينية في المسجد. أدرك شرف الدين جيدًا أن بنات اليوم هن أمهات الغد ولهن دور أساسي في تربية الأبناء المسلمين. مع إحساسه بهذه الحاجة، وبعد تهيئة المستلزمات، أسس في عام 1361 هـ مدرسة للبنات "الزهراء". بعد فترة، أغلَق خصومه السياسيون، كانوا من أعوان فرنسا، مدرسة الزهراء بالقوة وبمساعدة الحكومة اللبنانية العميلة والجنود الحكوميين! لكن شرف الدين، دون خوف أو يأس، أقام فصول ذلك العام في منزله واستمر حتى النهاية، وفي العام التالي، أعيد افتتاح المدرسة وبدأت عملها بجانب المدرسة الجعفرية.فيما بعد، أسس أيضًا "الكلية الجعفرية" [١٨].

الخدمات العلمية والمؤلفات

على الرغم من الانشغالات الاجتماعية والسياسية الكثيرة التي شغلت معظم وقت شرف الدين، فإنه لم يغفل عن كتابة مؤلفات قيمة ومتنورة. العمل العلمي والبحثي المهم الذي نجح شرف الدين في إنجازه في السنوات الأخيرة من عمره كان كتابه المشهور والمدهش "النص والاجتهاد". هذا الكتاب هو أحد الآثار الأخرى الموحدة لشرف الدين. في هذا الكتاب، يسرد بناءً على كتب أهل السنة المعتمدة حوالي مائة حالة من الاجتهاد في مقابل النص (أي تطبيق الرأي الشخصي مقابل الكلام الصريح للنبي)، والتي ارتكبها الخلفاء والحكام وبعض أقاربهم في عهد رسول الله أو بعد وفاته، ويعبر عن آرائه العلمية والبحثية والناقدة حول كل حالة[١٩]. يُعدّ كتابة مثل هذا الكتاب القيم، استمراراً لطريق الإصلاح والبناء الثقافي للأمة، والعمل الخالد الأخير والخاتمة الحسنة لحياة حافلة بالكفاح من أجل سعادة ووحدة مسلمي العالم. الكثير من المخطوطات الأصلية لشرف الدين دُمّرت وأُحرقت على أيدي الفرنسيين خلال مراحل النضال والهجرة. ومع ذلك، بقيت منه أعمال قلمية نادرة وخالدة تُعدّ من الروائع العلمية والدينية والأدبية والتاريخية المشرّفة للتشيع بل لعالم الإسلام. نقدم هنا تعريفاً موجزاً بها:

  • 1. الفصول المهمة: نُقل إلى الفارسية أيضاً وطبع تحت عنوان "در راه تفاهم" (في طريق التفاهم).
  • ٢. الكلمة الغراء في تفضيل الزهراء: يتناول سيدة نساء العالم السيدة فاطمة الزهراء (سلام الله عليها).
  • ٣. المراجعات: الجدير بالذكر أن هذا الكتاب نُقل إلى الفارسية في عام ١٣٦٥ هـ، أثناء حياة السيد نفسه، بقلم العلامة "حيدر قلي سردار كابلي".
  • ٤. النص والاجتهاد: نُقل إلى الفارسية أيضاً بقلم علي دواني وطبع تحت عنوان "اجتهاد در مقابل نص" (الاجتهاد في مقابل النص).
  • ٥. أبو هريرة: يتناول التعريف بصحيح البخاري في الحديث، وأبو هريرة، وبيان مقدار صحة الأحاديث التي نُسبت إليه.
  • ٦. المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة: كان مقدمة لكتاب بنفس الاسم في أربعة مجلدات، احترق في الحريق الذي أشعله الفرنسيون ولم يبق سوى هذه المقدمة.
  • ٧. فلسفة الميثاق والولاية: بحث حول الميثاق الإلهي الأزلي.
  • ٨. أجوبة مسائل جار الله: هو رد علمي موثق على ٢٠ سؤالاً وجهها "موسی جار الله" إلى علماء الشيعة.
  • ٩. مسائل فقهية: هي مسائل تستند إلى فقه المذاهب الإسلامية.
  • ١٠. كلمة حول الرؤيا: في المسائل الاعتقادية.
  • ١١. إلى المجمع العلمي العربي بدمشق: هي إجابات علمية على الافتراءات التي كان المجمع العلمي بدمشق يوجهها إلى الشيعة في تلك الأيام.
  • ١٢. ثبت الأثبات في سلسلة الرواة: رسالة في ذكر أساتذة ومشايخ المؤلف من علماء المذاهب الإسلامية.
  • ١٣. مؤلفو الشيعة في صدر الإسلام: يتناول المؤلفين والكتّاب الشيعة من عصر النبوة حتى عصر الإمام الهادي (عليه السلام).
  • ١٤. زينب الكبرى.
  • ١٥. بغية الراغبين في أحوال آل شرف الدين: كتاب أدبي، تاريخي، رجالي، في ترجمة حال علماء أسرة شرف الدين والصدر.

وفاته

لم يتخذ شرف الدين ضعفه الجسدي وأمراض الشيخوخة ذريعة للتهرب من المسؤوليات الشرعية والاجتماعية، وعندما كان راقداً في مستشفى بيروت، كان الكثير من الناس من مختلف الفئات ومن جميع مدن لبنان يزورونه يومياً، وكانت الأيام تمر بين الخوف والأمل والقلق حتى وافته المنية صباح يوم الاثنين ٨ جمادى الثانية سنة ١٣٧٧ هـ، بعد ٨٧ عاماً من العطاء. وبعد يومين من الوفاة وتشييع حاشد في بيروت وبغداد والكاظمية والنجف، دُفن الجسد الطاهر لشرف الدين في الجانب الجنوبي من صحن الإمام علي (عليه السلام) مجاوراً لمرقد أستاذه، الفقيه الكبير السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي [٢٠]

مواضيع ذات صلة

الهوامش

  1. امین، السید محسن، اعیان الشیعه، ج۱، ص۱۳۲
  2. شرف‌الدین، سیدعبدالحسین، بُغیة الراغبین فی آل شرف‌الدین، ص۲۰
  3. آقابزرگ تهرانی، محمدمحسن، نقباء البشر، ج۳، ص۱۰۸۱
  4. الحر، عبدالحمید، الامام السید عبدالحسین شرف‌الدین قائد فکر و علم و نضال، ص۷۶-۷۷
  5. القبیسی، احمد، حیاة الامام شرف‌الدین، ص۳۲
  6. آقابزرگ تهرانی، محمدمحسن، نقباء البشر، ج۳، ص۱۰۸۱
  7. مجله نور علم، جامعه مدرسین حوزه علمیه قم، سال۱۳۶۷ش، شماره۳۲، ص۱۲۹
  8. حکیمی، محمدرضا، شرف‌الدین، ص۲۲۲
  9. مجله نور علم، جامعه مدرسین حوزه علمیه قم، سال۱۳۶۷ش، شماره۳۲، ص۱۲۴
  10. مجله نور علم، جامعه مدرسین حوزه علمیه قم، سال۱۳۶۷ش، شماره۳۲، ص۱۲۴
  11. القبیسی، احمد، حیاة الامام شرف‌الدین، ص۱۲۸
  12. الامینی، عبدالحسین، شهداء الفضیله، ص۱۶۶۱
  13. چاووش وحدت و مصطفی قلی‌زاده، شرف‌الدین عاملی، ص۷۳-۷۴
  14. قبیسی، احمد، حیاة الامام شرف‌الدین، ص۱۱۱-۱۱۲
  15. چاووش وحدت و مصطفی قلی‌زاده، شرف‌الدین عاملی، ص۱۰۱-۱۰۳
  16. ر. ک: حکیمی، محمدرضا، شرف‌الدین، ص۲۲۶-۲۲۸
  17. چاووش وحدت و مصطفی قلی‌زاده، شرف‌الدین عاملی، ص۲۳۰-۲۳۳
  18. شرف‌الدین، سیدعبدالحسین، النص و الاجتهاد، ص۳۳
  19. شرف‌الدین، سیدعبدالحسین، النص و الاجتهاد، ص۳۳
  20. آقابزرگ تهرانی، محمدمحسن، نقباء البشر، ج۳، ص۱۰۸۵-۱۰۸۶