مقاصد الشريعة

من ویکي‌وحدت
مراجعة ١٨:٢٥، ٥ أبريل ٢٠٢٣ بواسطة Wikivahdat (نقاش | مساهمات) (استبدال النص - '=المصادر=↵{{الهوامش|2}}' ب'== الهوامش == {{الهوامش}}')
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)

مقاصد الشريعة: وهي الغاية من الشريعة والأسرار التي وضعها الشارع عند كلّ حكم من أحكامها، سواء أكانت تلك المعاني حِكما جزئية أم مصالح كلّية أم سمات إجمالية وهي تتجمع ضمن هدف واحد، وهو تقرير عبودية اللّه‏ ومصحلة الإنسان في الدارين.

تعريف مقاصد الشريعة لغةً

القصد هو الاعتماد، وقصَدَه أي اعتمده وأمّه[١].
الشرع: ... وشريعة النهر ومشرعته: حيث ينحدر إلى الماء منه، ومنه سمّيت شريعة الدين... لأنّها المدخل إليه[٢].
وشرعت الدواب في الماء تشرع شرعا أو شروعا أي دخلت. دواب شروع وشرّع: شرعت نحو الماء والشريعة والشراع والمشرعة: المواضع التي ينحدر إلى الماء منها. قال الليث: وبها سمّي ما شرّع اللّه‏ للعباد شريعة في الصوم والصلاة والحجّ والنكاح وغيره[٣].

تعريف مقاصد الشريعة اصطلاحاً

لم نأثر عن القدماء تعريفا لمقاصد الشريعة وحتّى الشاطبي الذي يعدّ أوّل من كتب عنها كموضوع مستقلّ ونظّر لها لم نأثر عنه تعريفا وقد اكتفى بشرحها وتقسيمها، حيث قال: «تكاليف الشريعة ترجع إلى حفظ مقاصدها في الخلق، وهذه المقاصد لا تعدو ثلاثة...»[٤]. وهذا فضلاً عن المتقدّمين على الشاطبي الذين يبدو منهم القول بهذه النظرية مثل: ابن تيمية، و ابن القيم، والعز بن عبدالسلام. وما أثرناه من تعاريف أو شبه تعاريف خاصّة بالمتأخّرين.
ورد عن ابن عاشور باعتباره أوّل من لحق الشاطبي في الكتابة عن مقاصد الشريعة: «مقاصد التشريع العامّة هي المعاني والحِكم الملحوظة للشارع في جميع أحوال التشريع أو معظمها، بحيث لا تختصّ ملاحظتها بالكون في نوع خاصّ من أحكام الشريعة» ثُمّ يشرح التعريف بقوله: «فيدخل في هذا أوصاف الشريعة وغايتها العامّة والمعاني التي لا يخلو التشريع عن ملاحظتها. ويدخل في هذا أيضا معانٍ من الحکم ليست ملحوظة في سائر الأحكام، ولكنّها ملحوظة في أنواع كثيرة منها»[٥].
كما وردت عمّن لحقه التعاريف التالية:
هي المعاني والأهداف الملحوظة الشرع في جميع أحكامه أو معظمها [٦].
هي الغاية من الشريعة والأسرار التي وضعها الشارع عند كلّ حكم من أحكامها [٧].
المعاني الملحوظة في الأحكام الشرعية، والمترتّبة عليها سواء أكانت تلك المعاني حِكما جزئية أم مصالح كلّية أم سمات إجمالية وهي تتجمع ضمن هدف واحد، وهو تقرير عبودية اللّه‏ ومصحلة الإنسان في الدارين[٨].
المصالح التي تعود إلى العباد في دنياهم واُخراهم، سواء أكان تحصيلها عن طريق جلب المنافع أو عن طريق دفع المضارّ[٩].
المعاني الملحوظة في الأحكام الشرعية (في العقائد والعبادات والمعاملات) التي تحقّق العبودية للّه‏ تعالى ومصلحة الخلق في الدارين[١٠].
المعاني السامية، والحكم النبيلة، والغايات الحميدة التي ابتغى الشارع تحقيقها في تشريعه، من أجل مصلحة الخلق في دنياهم واُخراهم[١١].
وهناك تعاريف اُخرى كذلك[١٢]. ويبدو من جميعها الاتّفاق في المراد من المقاصد اصطلاحا، وهي المصالح والحِكم التي بنى عليها الشارع أحكامه، وإن اختلفت بعض الشيء.

علاقة مقاصد الشريعة باُصول الفقه

هناك الكثير من المعاصرين ممّن كتب في موضوع المقاصد تناول علاقتها بـ أصول الفقه بنحو كلّي.
وبالإجمال فإنّ هؤلاء أكدوا على أنّ علاقة المقاصد باُصول الفقه تبدو في كون المقاصد الشرعية تعتمد المصالح، وهي الركن الأساس لها، وقد سعى الشارع لتحقيقها للإنسان، وللمصالح عموما دور أساسي في ممارسة المجتهد دوره عند استخدام الآليات الاُصولية.
ففيما يخصّ علاقتها بـ القرآن و السنة و الإجماع فهي أدلّة تثبت وجود مقاصد للشريعة، فهي مصادر تأصيل المقاصد شرعا.
وعلاقتها بالقياس من حيث اشتراكهما في موضوع المصلحة، فإنّ المقاصد تعتمد المصالح، وكذلك القياس؛ باعتبار اعتماده ركن العلة، والأخيرة بدورها لابدّ أن تعتمد الحكمة بناءً على رأي الكثير من الاُصوليين، فلكلّ علّة حكمة ومصلحة دعت الشارع التشريع وفقها، فالقياس يعتمد في حقيقته المقاصد الشرعية ليبني عليها الأحكام القياسية.
وكذلك باقي الآليات الاُصولية: مثل الاستحسان، و سد الذرائع، وبحوث الاجتهاد، و الترجيح، فإنّها جميعا تعتمد بنحو أو آخر المصلحة ممّا يعني اشتراكها مع المقصد في هذا المضمار[١٣].

نبذة عن تاريخ بحث المقاصد

باعتبار أنّ معظم العالم الإسلامي كان يحكمه الفكر الأشعري، الذي كان يرى أنّ أفعال اللّه‏ سبحانه غير معلّلة بالأغراض والمقاصد، فما كان مجال لبحث موضوع مقاصد الشرع. لكن في القرن الخامس والسادس من الهجرة أنكر بعض رجال الأشاعرة فكرة عدم تعليل أفعال اللّه‏ وطرحوا نظرية «مقاصد الشريعة» وأقرّوا بوجود أغراض ومقاصد للشريعة وأنّها لم تشرّع عبثا. من هؤلاء إمام الحرمين الجويني، حيث تناول بحث المصالح وتقسيماتها [١٤]، وكذلك الغزالي[١٥]، وأبرزهم هو أبو إسحاق بن إبراهيم الغرناطي المالكي المعروف بالشاطبي في كتابه (الموافقات) وهو أهمّ ما أثرناه عن المتقدّمين في هذا المجال، حيث خصّ صفحات كثيرة للمقاصد والمصالح وتقسيماتها وأحكامها.
ثمّ طرأ ركود في هذا البحث وتوقّف علماء أهل السنة عن تناوله حتّى عهد الشيخ محمد عبده (من أعلام القرن 13 و14) حيث كانت فكرة تعبدية الشريعة هي الفكرة السائدة، فدعا تلامذته إلى مطالعة ودراسة ما كتبه الشاطبي وكانت هذه الحركة بداية لشوط جديد في مجال الدراسات الخاصّة بموضوع المقاصد الشرعية، فعادت الحياة للكتابات في هذا المجال، وكان العلاّمة الشيخ محمد طاهر بن عاشور أوّل من كتب في المقاصد الذي طبع عام 1393 ـ 1396 ه وحمل عنوان (مقاصد الشريعة الإسلامية)، ثُمّ قام علاّل الفاسي بطبع كتابه (مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها) عام 1411 ه ، ثُمّ الشيخ طه جابر العلواني حيث طبع كتاب (مقاصد الشريعة) عام 1421ه ، ثُمّ تناوب المؤلّفون والباحثون في طبع كتب ومقالات ورسائل ورسائل عديدة في هذا المجال.
وقد أدخل البعض بحوث المقاصد ضمن أصول الفقه على غرار ما فعله الشاطبي، منهم عبدالوهاب خلاف في كتابه (علم اُصول الفقه)[١٦] عام 1361 ه ، و محمد أبو زهرة (1316 ـ 1396) في كتابه (اُصول الفقه)[١٧]، ومحمّد مصطفى الشلبي في كتابه (اُصول الفقه الإسلامي) طبع عام 1406ه وآخرون[١٨].
ويبدو من البعض أنّ جميع علماء أهل السنة المتأخّرين ساروا على منهاج المقاصد في الاُصول الذي قام على منهج التمحيص و الاستقراء[١٩]. ولأجل هذا نجد البعض يتتبّع التوجّه المقاصدي عند كلّ من هؤلاء العلماء[٢٠]، بل نجد بعض علماء أهل السنّة اعتبر معرفة مقاصد الشرع من شروط المجتهد، حيث ينقل رشيد رضا عن الشاطبي اشتراطه شرطين في المجتهد، هما: اتقان العربية ومعرفته بمقاصد الأحكام ويؤيّد رأيه[٢١].
وجلّ من كتب في المقاصد يرجع تاريخ العمل بالمقاصد إلى عهد الصحابة و التابعين، ففي عصر الصحابة يرى هؤلاء أنّ أعمال الصحابة في حقيقتها اتّباع لما ورثوه عن القرآن و السنة اللتين دلّتا على المقاصد، وسيرتهم في هذا المجال حكت هذا، فقد جمع القرآن في عهد أبي بكر وكتب في عهد عثمان، والمقصود من أعمالهم هذه هو حفظ دستور ومصدر تشريع الدولة الناشئة. وكذلك إقامة صلاة التراويح في المساجد لإبراز وحدة المسلمين وتمتين الأواصر بينهم. كما برز أخذ التابعين بالمقاصد في أنّهم ورثوا التراث الذي كان يعمل به الصحابة ومنه العمل بالمقاصد كذلك.
وقد ورد عن إبراهيم النخعي قوله: «إنّ أحكام اللّه‏ تعالى لها غايات، هي حِكَم ومصالح راجعة إلينا».
ومنها قولهم بجواز التسعير إذا دعت مصلحة الجماعة إلى ذلك، كما يرى سعيد بن المسيب، فالإمام عليه رعاية مصالح المسلمين جميعا.
كما أنّ بلال بن عبداللّه‏ بن عمر بن الخطاب أقسم على أنّه لن يأذن للنساء بالذهاب إلى المساجد لما ترتب على خروجهنّ من مفاسد؛ نظرا لتغيّر الزمان وحماية لأعراض النساء من الاعتذار. وموارد اُخرى. بل يعدّ العمل بالمقاصد من ضروب العمل بالرأى الذي أخذت به بعض المدارس عهد التابعين مثل مدرسة العراق والحجاز، بل قد يكون إطلاق الرأي على المصلحة هو الأغلب آنذاك في المدينة بينما إطلاق الرأي على القياس فى العراق هو الغالب[٢٢].
كما يقال: إنّ هناك الكثير ممّن سبق إمام الحرمين الجويني بالقول بالمقاصد مثل: الحكيم الترمذي (من أعلام القرن الثالث)، و أبي منصور الماتريدي (ت333هـ)، وأبي بكر القفال الشاشي (ت365ه) وأبي بكر الأبهري (ت375ه) و الباقلاني (ت403ه)[٢٣].
أمّا عند الشيعة فلم تنل نظرية المقاصد شيئا؛من الاهتمام؛ وذلك لاعتمادها مبدأ تعليل الأحكام الظنّي.
وبرغم أنّ الشيعة كتبوا في تعليل الأحكام مثل الصدوق في كتابه (علل الشرائع) وتناول بعض اُصولييهم هذا الموضوع باختصار[٢٤] أو موضوع القياس وأشار بنحو استطرادي إلى المقاصد[٢٥]، إلاّ أنّ نظرتهم على العموم هو ندرة الموارد التي تعلل فيها الأحكام، وأقصى ما هنالك هو إمكانية الكشف عن حِكَم الأحكام وهي غير العلل، ولا يمكن تعدية الحِكَم و استنباط الأحكام وفقها [٢٦].
ومن الأسباب المحتملة لعدم اهتمام الشيعة بالمقاصد هو وجود الكم الكبير من الروايات التي تدخل في إطار السنة والتي عالجت المستحدثات حتّى أواسط القرن الثالث من الهجرة، والسبب الآخر هو القول بآليات تستخدم لـ الاستنباط تغني عن الحاجة للمقاصد مثل الأصول العملية، فنطاقها واسع جدّا وتغطي جميع المستحدّثات تقريبا.

الألفاظ ذات الصلة

1 ـ مصلحة

عرّفت المصلحة: بأنّها جلب منفعة أو دفع مضرّة[٢٧]. وما يوافق الإنسان في مقاصده لدنياه أو لآخرته أو لهما [٢٨].
والأكثر لم يفرّق بين المقاصد والمصالح، ولذلك نجد عند تقسيمهم للمقاصد إلى ضرورية وحاجية وتحسينية أو قطعية وظنّية تارة يستخدمون مفردة مقاصد واُخرى مفردة مصالح[٢٩]، ما يعني مساوقتهم بين المفردتين إلاّ في المعنى اللغوي، فمن الواضح هناك فرق بينهما لغة.
كما أنّ الغزالي عندما يعرّف المصلحة يساوق بينها وبين المقاصد ويقول: «فإنّ جلب المنفعة ودفع المضرّة مقاصد الخلق، وصلاح الخلق في تحصيل مقاصدهم، لكنّا نعني بالمصلحة المحافظة على مقصود الشارع ومقصود الشرع من الخلق خمسة، وهو أن يحفظ عليهم دينهم ونفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم»[٣٠].
وقد يقال في الفرق بينهما بأنّ الصلاح أو جلبه ودرء الفساد هو أعظم مقصد الشريعة، أي أنّ المصلحة هي أحد مصاديق المقاصد أو أنّ متعلّق المقاصد أو غايات الشريعة هو المصالح[٣١].
أمّا المصالح المرسلة: وهي المصالح التي سكت عنها الشارع ولم ينصّ على اعتبارها أو إلغائها، فهي من صميم المقاصد، لكن الفرق بينهما في أنّ المقاصد أعم من حيث إنّها تثبت بالمصالح التي نصّ عليها أو أجمع عليها كما تثبت من غير نصّ أو إجماع[٣٢].

2 ـ علّة

عرّفت العلّة بعدّة تعاريف:
منها: المعنى الذي يقتضي الحکم[٣٣]. أو عند حدوثه يحدث الحکم[٣٤].
ومنها: الوصف المشتمل على الحکمة الباعثة على تشريع الحكم[٣٥]. أو الموجب لإدراك حكم اللّه‏ فيما لا نصّ فيه[٣٦].
ومنها: ما ثبت الحكم لأجلها أو ما أوجبت الحكم[٣٧]. وفي الفرق بين العلل والمقاصد يذهب البعض إلى أنّ مراد كثير من الاُصوليين من العلّة هو المصلحة[٣٨].
ويذهب آخر إلى كون العلة طريقاً للمقصد، فالإسكار طريق لتحريم الخمر. وهذا التحريم طريق لمقصد حفظ العقل والمال والاُسرة، فالاسكار (كعلّة) طريق لتعطيل مقصد حفظ العقل والمال والاُسرة، والتحريم طريق لتحصيل هذا المقصد، فالعلّة طريق المقصد وليست هي المقصد نفسه[٣٩].

3 ـ حكمة

عرّف الغزالي الحکمة بقوله: «المصلحة المخيلة المناسبة»[٤٠]. وعرّفت أيضاً: بكونها المصلحة المقصودة للشارع من تشريع الحكم[٤١].
وهناك من الاُصوليين من يطلق الحكمة على معنيين:
الأوّل : الأمر الذي إذا نظر إليه في ذاته يُظنّ أنّه علّة .
والثاني: ما يترتّب على التشريع من جلب مصلحة أو دفع مفسدة، وجاء بشواهد على هذين الإطلاقين[٤٢].
يذهب البعض إلى أنّ الحکمة مرادفة للقصد الشرعي، فهي نفس المصلحة وتعبير آخر عن المقصد الشرعي بدليل المبادلة في الاستعمال، فيقال: حكمة تحريم الخمر هي حفظ العقل والمال، كما يقال: مقصد تحريم الخمر هو حفظ العقل والمال[٤٣].

أقسام المقاصد

قسمت المقاصد باعتبارات عديدة إلى عدّة أقسام:

1 ـ تقسيمها باعتبار التصديق بها إلى قطعية وظنّية ووهمية

المقاصد القطعية

هي التي تؤخذ من النصوص المتكررة إلى درجة تنفي احتمال قصد المجاز والمبالغة، مثل قصد التيسير، فقد ورد في عدّة نصوص وآيات مثل: «يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ»[٤٤]. و «وَما جَعَلَ عَلَيْـكُمْ فِى الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ»[٤٥]. و «رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا»[٤٦].
ومن الروايات مثل قوله(ص): «بعثت بالحنيفية السمحة»[٤٧] و«أكفوا من الأعمال ما تطيقون»[٤٨] و«إنّ الدين يسر»[٤٩]. فاستقراء هذه النصوص يثبت قطعية هذا المقصد.

المقاصد الظنّية

هي المقاصد التي تحصل من خلال استقراء كبير في تصرّفات الشريعة، بحيث يكسبنا هذا الاستقراء نوع ظنّ بالمقصد، ويمثّل له بقاعدة «لا ضرار ولا ضرار» وهو خبر آحاد وليس قطعياً، لكن المفهوم الذي استبطنه هذا الحديث مبثوث في مجمل تعاليم الشريعة، كما في قوله تعالى: «وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِّتَعْتَدُوا»[٥٠]. و «وَلاتُضارُّوهُنَّ لِتُضَيِّـقُوا عَلَيْهِنَّ»[٥١]. و «لا تُضارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ»[٥٢]. أو من قبيل دلالة تحريم الخمر على كون مقصد الشريعة حفظ العقول عن الفساد العارض.

والمقاصد الوهمية

هي المقاصد التي يتخيّل فيها صلاح وخير لكنّها عند التأمّل نجد فيها ضرراً، كتناول المخدرات والمسكرات فإنّ متعاطيها يتوهّم فيها مصلحة بينما واقعها ضرر[٥٣].

2 ـ وتقسّم إلى معانٍ حقيقية ومعانٍ عرفية

المعاني الحقيقية

هي التي لها تحقّق في نفسها، بحيث تدرك العقول السليمة ملاءمتها للصحّة أو منافرتها لها، بأن تكون جالبة نفعاً عامّاً أو ضرراً عامّاً. وإدراكها يكون مستقلاًّ دون التوقّف على معرفة قانون أو عادة ، مثل: إدراك كون العدل نافعاً والاعتداء على الآخرين مضرّاً.

المعاني العرفية

العامّة هي المجربات التي ألفتها نفوس الجماهير، واستحسانهم لها ناشئ عن تجربة ملاءمتها لصلاح الجمهور كإدراك كون الإحسان معنى ينبغي تعامل الاُمة به، وكادراك كون عقوبة الجاني رادعة عن تكرارها من قبله أو من قبل غيره[٥٤].

3 ـ باعتبار تأثيرها في المجتمع والأفراد قسمت إلى ضرورية وحاجية وتحسينية

المصالح أو المقاصد الضرورية

هي التي يتوقّف عليها حياة الناس الدينية والدنيوية، بحيث إذا فقدت اختلّت الحياة في الدنيا وشاع الفساد وضاع النعيم الأبدي وحلّ العقاب في الآخرة.
وهي خمس: الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال، وجارية في العبادات والعادات والمعاملات، ففي العبادات حفظ الدين والذي يتمثّل في الإيمان والنطق بالشهادتين والصلاة والزكاة. وفي العادات مثل: حفظ النفس والعقل والمأكولات والمشروبات، وفي المعاملات مثل: نقل الأملاك بعوض أو بغير عوض. وفي العقوبات مثل: القصاص والديّات[٥٥].

الحاجيات

هي المصالح التي يحتاج إليها الناس للتيسير عليهم ورفع الحرج عنهم، وإذا فقدت لا يختلّ نظام حياتهم، لكن يلحقهم الحرج والمشقّة جراءها، ورتبتها بعد الضروريات.
ومثالها جلّ التشريعات التي وضعت لرفع الحرج والمشقّة، ففي العبادات مثل: رخصة قصر الصلاة والإفطار للمسافر. وفي المعاملات العقود التي اُبيحت لتحقيق حاجات الناس من بيع وإجارة وما شابه. وفي العقوبات: شرّع للولي حقّ العفو عن القصاص والأرش. وفي العادات مثل: إباحة الصيد والتمتّع بالصيد[٥٦].

والتحسينيات أو الكماليات

هي المصالح التي تقتضيها المروءة ويقصد بها الأخذ بمحاسن العادات ومكارم الأخلاق، وفقدانها لا يخلّ بنظام الحياة ولا يوجب الحرج والمشقّة، لكن تصبح حياة الناس مستقبحة، وتأتي في المرتبة الثالثة.
مثالها في العبادات: تشريع الطهارة وستر العورة في الصلاة والتزام الزينة والطيب. ومثالها في المعاملات: تشريع الامتناع عن بيع النجاسات ومنع خطبة شخص على خطبة آخر والأمر بالرفق بالزوجة والإحسان إليها. ومثالها في العقوبات: منع التمثيل بالقتلى وتحريم قتل النساء والأطفال في الحروب. ومثالها في العادات: آداب الأكل والشرب والاجتناب عن المأكولات النجسة والمشارب المستخبثة والإسراف والاقتار في المتناولات[٥٧].
وهناك أقسام اُخرى تُدعى مكملات المقاصد السابقة، أي كونها مكملات لكلّ من الضروريات والحاجيات و التحسينيات. فمكمل الضروريات مثل: المماثلة في القصاص فهو مكمل لحفظ النفس وتحريم شرب الخمر القليل حفظاً للعقل؛ لأنّه يؤدّي الى شرب الكثير. ومكمل الحاجي مثل: اشتراط الكفاءة بين الزوجين لتحقيق الوفاق والوئام بينهما. ومكمل التحسيني كآداب الأحداث ومندوبات الطهارات والإنفاق من طيبات المكاسب عند التصدّق.
وهناك تفاصيل وأمثلة كثيرة لكلّ من الأقسام المتقدّمة، وأقدم البعض على التوسعة فيها والبحث عن مصاديقها في الشريعة[٥٨].

4 ـ وباعتبار تعلّقها بعموم الأحكام أو بعضها تقسّم إلى عامّة وخاصّة

المقاصد العامّة

هي التي لا تختصّ بصنف خاصّ من الأحكام وعدم انحصارها بأحكام محدّدة، بل تشمل الشريعة بمجملها وبمختلف أبوابها، ويقابلها المقاصد الخاصّة: وهي التي تكون حاضرة في الأحكام الجزئية أو في باب أو أبواب محددة منها، وتختلف من مجموعة أحكام إلى اُخرى.
وقد عرّف ابن عاشور المقاصد العامّة بقوله: «المعاني والحكم الملحوظة للشارع في جميع أحوال التشريع أو معظمها، بحيث لا تختصّ ملاحظتها بالكون في نوع خاصّ من أحكام الشريعة» ويضيف: «فيدخل في هذا أوصاف الشريعة وغاياتها العامّة والمعاني التي لا يخلو التشريع عن ملاحظتها...»[٥٩].

المقاصد الخاصّة

وهي مقاصد تخصّ مجموعة جزئية أصغر من مجموع أحكام الشريعة مثل: مقاصد العبادات أو المعاملات أو الأخلاق[٦٠].

5 ـ باعتبار تعلّقها بعموم الاُمة ومعظمها أو ببعض أفرادها تقسم إلى كلّية وجزئية وأغلبية

المقاصد الكلّية

وهي المصالح التي يعود نفعها إلى عموم الناس، مثل: حماية العقيدة وحماية الأماكن المقدّسة مثل مكّة المكرمة.
وقد يعود نفعها إلى جميع الاُمة مثل: حفظ مكّة، وقد يعود نفعها إلى معظم الاُمة مثل: المصالح الخاصّة ببعض الأمصار والقبائل من التجارة والصناعة وغيرها ممّن تخصّ أماكن وأمصاراً أو قبائل وقوميات خاصّة.

المصالح الجزئية

وهي المصالح التي تعود إلى الأفراد، ومثالها جميع الأحكام الفردية الواردة في الشريعة والتي تكفلت بحفظ مصالح الأفراد.

المصالح الأغلبية

وهي التي تتعلّق بأغلب الناس، كبناء المصارف الإسلامية لتحفظ أموال الناس، وكذا المستشفيات والمدارس، فهي تعمّ أغلب أفراد الاُمة[٦١].

6 ـ باعتبار وقت حصولها أو تحقّقها تنقسم إلى دنيوية واُخروية

المقاصد الاُخروية

هي التي تحصل في الآخرة ويجدها الإنسان بعد مماته، ولا يمكن معرفة هكذا مقاصد إلاّ من خلال النقل، والمؤمنون يفضلون مصالح الآخرة على مصالح الدنيا.

المقاصد الدنيوية

هي التي تحصل في الدنيا ويجد الانسان آثارها في الدنيا مثل: حفظ الدماء والفروج والعقول. وغير المؤمنين أو ضعّاف الإيمان يرجحون مصالح الدنيا على مصالح الآخرة[٦٢].

7 ـ باعتبار دور وحظّ المكلّف في المقاصد وعدمه تقسم إلى أصلية وتابعة

المقاصد الأصلية

وهي التي لا حظّ فيها للمكلّف، وهي الضروريات المعتبرة في كلّ ملة. وهي ذاتها الضروريات الخمسة: حفظ الدين، والنفس، والنسل، والمال، والعقل.

المقاصد الفرعية

وهي التي روعي فيها حظّ المكلّف، فمن جهتها يحصل له مقتضى ما جبل عليه من نيل الشهوات والاستمتاع بالمباحات وسدّ الحاجة والفقر[٦٣].

الأحکام والمباحث التي حول المقاصد

هناك عدّة بحوث تطرح فيما يخصّ المقاصد، نورد أهمّها هنا:

1 ـ أدلّة القول بالمقاصد الشرعية

استدلّ القائلون بالمقاصد الشرعية بعدّة أدلّة على أنّ للشريعة مقاصد محددة:
منها: الآيات التي تدلّ على أنّ أفعال اللّه‏ كلّها مهما كان صنفها ليست عبثية، بل عن هدف وقصد، وهي مثل: «وَما خَلَقْنا السَّمـواتِ وَالأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ * ما خَلَقْناهُما إِلاّ بِالحَـقِّ»[٦٤] و «لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الكِتابَ وَالمِـيزانَ لِـيَقُومَ النّاسُ بِالْقِسْطِ»[٦٥] و «أَفَحَسِـبْتُمْ أَنَّما خَلَـقْناكُمْ عَـبَثاً»[٦٦]. فهي جميعاً تدلّ على أنّ للّه‏ مقاصد في أفعاله من الخلق وإرسال الرسل والشرائع للناس[٦٧].
ومنها: إنّ استقراء أدلّة كثيرة من القرآن و السنة يوجب اليقين بأنّ أحكام الشريعة اُنيطت بحِكم وعلل ومصالح عامّة[٦٨].
كما أورد البعض[٦٩] شواهد من السنّة لإثبات تجذّر المقاصد في النصوص الدينية، وهي روايات حكت مقاصد وأهداف بعض الاُمور الكونية مثل: الخلق أو أهداف وأغراض التشريع.
منها: الحديث: «إنّما بعثت لاُتمم مكارم الأخلاق»[٧٠]. فقد حكى هذا الحديث الهدف من بعثة الرسول(ص).
ومنها: الحديث: «إنّ الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلاّ غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة»[٧١].
وأورد آخر آثاراً من الصحابة استفاد منها قولهم وعملهم بالمقاصد[٧٢].
كما وردت أحاديث غير قليلة عن طرق الشيعة تناولت نفس الموضوع وأشارت إلى ذات المضامين التي وردت في روايات وردت عن طرق أهل السنة، وهي مثل الروايات التالية: عن الإمام الصادق(ع) أنّه سأله عن شيء من الحلال والحرام فقال: «إنّه لم يجعل شيء إلاّ لشيء»[٧٣].
و الفضل بن شاذان، عن الرضا(ع) إن سأل سائل، فقال: أخبرني هل يجوز أن يكلّف الحكيم عبده فعلاً من الأفاعيل لغير علّة ولا معنى؟ قيل له: لا يجوز ذلك لأنّه حكيم غير عابث ولا جاهل. فإن قال: فأخبرني لم كلف الخلق؟ قيل: لعلل. فإن قال: فأخبرني عن تلك العلل معروفة موجودة هي أم غير معروفة ولا موجودة؟ قيل: بل هي معروفة وموجودة عند أهلها. فإن قال: أتعرفونها أنتم أم لا تعرفونها؟ قيل لهم: منها ما نعرفه، ومنها ما لا نعرفه[٧٤].
وفي جواب الإمام الرضا لمحمّد بن سنان: «جاءني كتابك تذكر أنّ بعض أهل القبلة يزعم أنّ اللّه‏ تبارك وتعالى لم يحلّ شيئاً ولم يحرمه لعلّة أكثر من التعبّد لعباده بذلك. قد ضلّ من قال ذلك ضلالاً بعيداً وخسر خسراناً مبيناً؛ لأنّه لو كان كذلك لكان جائزاً أن يستعبدهم بتحليل ما حرّم وتحريم ما أحلّ حتّى يستعبدهم بترك الصلاة والصيام وأعمال البرّ كلها، والإنكار له ولرسله وكتبه والجحود بالزنا والسرقة وتحريم ذوات المحارم وما أشبه ذلك من الاُمور التي فيها فساد التدبير وفناء الخلق، إذ العلة في التحليل و التحريم و التعبد لا غيره. فكان كما أبطل اللّه‏ عزّ وجلّ به قول من قال ذلك إنّا وجدنا كلّ ما أحلّ اللّه‏ تبارك وتعالى ففيه صلاح العباد وبقاؤهم ولهم إليه الحاجة التي لا يستغنون عنها، ووجدنا المحرم من الأشياء لا حاجة للعباد إليه ووجدنا مفسداً داعياً الى الفناء والهلاك»[٧٥].
وعن الرضا(ع): «اعلم يرحمك اللّه‏ أنّ اللّه‏ تبارك وتعالى لم يبح أكلاً ولا شرباً إلاّ لما فيه المنفعة والصلاح، ولم يحرم إلاّ ما فيه الضرر والتلف والفساد»[٧٦].
أرجع الشيخ محمد أبو زهرة موضوع المقاصد إلى القول بأنّ المصلحة تقيّد الأحكام الشرعية؟ أو أنّ الأحكام معلّلة أم لا؟ وذكر ثلاثة أقوال في هذا المضمار:
الأوّل: نكران كون الأحكام الشرعية معللة بالمصلحة، ويمكن للّه‏ أن يشرع حكماً لا مصلحة فيه، وهو مذهب الأشاعرة و الظاهرية، وذلك باعتبار أنّ اللّه‏ «لا يُسْأَلُ عَمّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ»[٧٧].
الثاني: المصلحة تصلح علّة للأحكام على أنّها أمارة الحكم وليست باعثة حاملة اللّه‏ تعالى عليه، فلا يرد اعتراض على هذا بآية: «لا يُسْأَلُ عَمّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ». وهو لبعض الشافعية و الحنفية.
الثالث: الأحكام تعلّل بالمصلحة؛ لأنّ اللّه‏ وعد بذلك وهو رحيم بعباده يدفعهم نحو المصالح ويمنعهم ويرفع عنهم المفاسد. وهو رأي المعتزلة و الماتريدية وبعض الحنابلة و المالكية[٧٨].

2 ـ طرق إثبات المقاصد الشرعية

أورد البعض عدّة طرق لإثبات المقاصد الشرعية:

الطريق الأوّل: استقراء الشريعة في تصرّفاتها

وهو نوعان:
أ ـ الأحكام الشرعية، فإذا اتّفقت الحکمة فيها نخرج بنتيجة تحدّد المستلهم من هذه العلل. ويمثّل لهذا بحرمة المزابنة بناءً على ما ورد في الحديث من بيع التمر بالرطب: أينقص الرطب إذا جفّ؟ قال نعم. قال: فلا إذن. وهذا يعكس بنحو الإيماء أنّ علّة تحريم المزابنة هي الجهل بمقدار أحد العوضين، أي الرطب عندما يجفّ، وكذلك الحال في النهي عن بيع الجزاف بالمكيل، وهو الجهل بأحد العوضين من خلال استنباط علة النهي. أو أحكام اُخرى من هذا القبيل نعلم من مجموع العلل ونستخلص منها مقصداً واحداً وهو إبطال الغرر في المعاوضات.
ب ـ أن نستقرأ أحكاماً تشترك في علّة واحدة فنستخلص أنّ تلك العلّة هي مقصد من مقاصد الشارع. مثاله: النهي عن بيع الطعام قبل قبضه، وعلّته طلب رواج ووفرة الطعام في الأسواق، وكذلك النهي عن بيع الطعام بالطعام نسيئة. وعلّته ألاّ يبقى الطعام في الذمّة فيفوت رواجه، والنهي عن احتكار الطعام علّته أيضاً المنع من إقلال الطعام في السوق.
ونستخلص من مجموع هذه العلل أنّ اقلال الطعام في أسواق المسلمين مقصد شرعي[٧٩].

الطريق الثاني: ما يستفاد من الآيات واضحة الدلالة

أي الآيات التي لا يختلجها شكّ من حيث الصدور والمتن، فكلّ آية بهذه الصفات يمكن استفادة مقصد شرعي منها مثل: «وَاللّهُ لا يُحِبُّ الفَسادَ»[٨٠]. و «لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى»[٨١].

الطريق الثالث: السنّة المتواترة

سواء كان التواتر معنوياً مثل: كون خطبة العيدين بعد الصلاة أو تواتراً عملياً يحصل من خلال مشاهدة الصحابة تكرار عمل ما من قبل الرسول، من قبيل مشاهدتهم سعيه القيام بالعبادات بالنحو المتيسر، كما ينقل عن الصحابي الذي بدأ بصلاته في شاطئ نهر بالأهواز فانطلق فرسه فقطع صلاته حتّى يدركها ويأخذها، وبرّر عمله بما شهده عن الرسول من التيسير. وممّا يمكن استفادته هنا هو التيسير كمقصد شرعي[٨٢].

الطريق الرابع: الاقتداء بالصحابة

باعتبارهم أقرب الناس إلى النبي الأمر الذي جعلهم خبراء بمقاصد الشريعة مضافاً إلى إلمامهم باللغة العربية وفصاحتهم وبلاغتهم التي تمكّنهم من معرفة المقاصد أكثر من غيرهم حسب ما يذهب إليه أصحاب هذا الرأي[٨٣].

3 ـ شروط المقاصد

اشترطت في المقاصد أربعة شروط:

الشرط الأوّل: الثبوت

أي أن تكون المعاني والأهداف مجزوماً بتحقّقها أو مظنوناً بها ظنّاً قريباً من الجزم.

الشرط الثاني: الظهور

أي وضوحها بحيث لا يختلف الفقهاء في تشخيصها ولا تلتبس عليهم، مثل: حفظ النسب الذي هو مقصد تشريع النكاح.

الشرط الثالث: الانضباط

بأن يكون له معنى محدد لا مردّد ولا مشكك في نطاقه.

الشرط الرابع: الاطّراد

بأن يكون معنى شاملاً غير مختلف باختلاف الأحوال والأمصار والقبائل[٨٤].

4 ـ ثمرات التعرّف على المقاصد

ذكرت عدّة ثمرات للتعرّف على مقاصد الشريعة:
ذكر ابن عاشور فوائد خمسة لمعرفة المجتهد المقاصد الشرعية:
1 ـ فهم أقوال الشريعة.
2 ـ استخدامها لأجل معالجة التعارض.
3 ـ استكشاف العلة لأجل القياس و استنباط حكمه.
4 ـ معرفة أحكام النوازل والمستحدثات.
5 ـ عدم معرفة المجتهد بالمقاصد يجعله موضع تهمة قصوره عن إدراك حكمة الشارع، فيستضعف علمه[٨٥].
ويذهب البعض بأنّ ثمرة المقاصد للمكلّف في أنّها تخفّف عليه الكثير من الأعباء؛ لأنّها قائمة على التيسير ورفع الحرج والمشقّة. وثمرتها للمجتهد في أنّها فتحت الطريق أمامه لاستكشاف أحكام النوازل والمستجدات والمستحدثات في المجال الفقهي. وعملياً استفاد المجتهدون منها الاُمور التالية:
1 ـ الاستعانة بها في مسائل التعارض والترجيح.
2 ـ الاستعانة بها في فهم بعض الأحكام الشرعية.
3 ـ الاستعانة بها في فهم النصوص وتوجيهها.
4 ـ كونها مهمّة في توجيه الفتوى.
5 ـ من خلالها تستنبط علل الأحكام لتتخذ أساساً للقياس.
6 ـ تحكيم المقاصد لغرض تقييم أقوال الصحابة والسلف واستدلالاتهم.
7 ـ الحاجة إليها للتعامل مع أخبار الآحاد.
8 ـ استنباط أحكام الوقائع المستجدة ممّا لم يعثر على دليل عليه ولم نجد ما يقاس عليه[٨٦].
ويذهب ابن عاشور إلى عدم حاجة وعدم تمكّن غير المجتهد من ضبط المقاصد[٨٧]. لكن أورد بعض فوائد مقاصد الشريعة التي تعود إلى المكلّف بالنحو التالي:
1 ـ ترسيخ العقيدة.
2 ـ تحقيق العبودية.
3 ـ الوقوف في وجه الغزو الفكري والعقدي.
4 ـ باعتبار أنّ الاُمور بمقاصدها والأعمال بنيّاتها فدون معرفة القصد لا يتحقّق الأجر والثواب.
5 ـ باعتبار أنّ المسلم داعية إلى اللّه‏ فمن خلال معرفة المقاصد يعرف هو والناس بأنّ الدين يقصد تحقيق مصالحهم[٨٨].
وهناك من فصّل في سرد فوائد ومصاديق المقاصد كثيراً [٨٩].
لكن يبدو أنّ أهمّ الفوائد اثنتان:
الفائدة الاُولى: تظهر في حالة التزاحم، فإنّ هناك ترتيباً بين الأحكام الناشئة عن المصالح الضرورية والحاجية والتحسينية، والضرورية تقدّم على الحاجية، والأخيرة تقدّم على التحسينية.
كما أنّ هناك ترتيباً بين الضروريات نفسها، فيقدّم حفظ الدين على حفظ النفس، ولأجل ذلك وجب الجهاد للدفاع عن الدين، وهي بحسب الترتيب التالي: حفظ الدين، ثُمّ حفظ النفس، ثُمّ العقل، ثُمّ النسل، ثُمّ المال[٩٠]. وقد يقدّم النسل على العقل.
الفائدة الثانية: استكشاف الحکم من خلال المقاصد، فمن خلال هذه الثمرة يمكن استنباط الأحكام الشرعية؛ لكون كلاً من المقاصد بمثابة علّة تامّة للأحكام فأينما تتحقّق يتحقّق الحكم؛ باعتبار أنّ الأحكام تدور مدار العلل[٩١].
رفض الشيخ السبحاني الفائدة الأخيرة من خلال تقسيمها إلى قسمين:
1 ـ أن يكون المقصد علّة تامّة للحكم، وهذا لا شكّ في امكانية استنباط الحكم من خلاله، ويمثّل له بثبوت الخيار في موارد افتقدت الدليل الشرعي الخاصّ؛ وذلك إعمالاً للعلّة، وهي هنا دفع الضرر في المعاملات، فإنّه المقصد الأسنى للشارع، فلو اشتمل العقد على الغبن أو كان المبيع معيباً ولم يكن هناك دليل على الخيار أمكننا استكشاف الخيار عن طريق التعرّف على المقاصد الشرعية.
2 ـ أن يكون المقصد حكمة للحكم وليس علّة، أي يشتمل الحکم على هذا المقصد في أغلب الموارد وليس جميعها، عندئذٍ لا يمكن استكشاف الحكم من خلال ذلك المقصد. ويمثّل له بالإنجاب وتكثير النسل، فإنّه حكمة للنكاح وليس علّة، ولذلك جاز النكاح في موارد من قبيل: زواج العقيم بالمرأة الولود، وزواج المرأة العاقر بالرجل المنجب، ونكاح اليائسة، ونكاح الصغيرة، ونكاح الشاب الشابة مع العزم على عدم الإنجاب حتّى نهاية العمر.
وعليه فالفائدة خاصّة بالقسم الأوّل فقط، كما أنّ الفائدة الاُولى موضع قبول في بحث المقاصد[٩٢].

5 ـ مخاطر إهمال المقاصد

أورد البعض مخاطر إهمال المقاصد وتأثير هذا الإهمال بالنحو التالي:
1 ـ الإهمال يؤدّي إلى إدخال في الشريعة ما ليس منها؛ وذلك الإهمال يؤدّي إلى الإفراط في استخدام القياس والتوسّع فيه وعدم الاعتناء بالنصوص. وقد أشار إلى ذلك ابن قيم الجوزية كذلك[٩٣] و ابن تيمية[٩٤].
2 ـ إظهار العمل في صورة مشروعة مع إهمال المقاصد تحيّل، فالذي يسلك طريق التحيّل بعيد عن فهم وحكمة مقاصد الشارع، ويستحلّ الحيل من لم يفقه حِكم الشارع وابتعد عن فهم مقاصده.
3 ـ إهمال المقاصد يطعن في صلاحية الشريعة وخلودها؛ باعتبار أنّ عدم الاعتقاد والعمل بها يوجب الاعتقاد بعبثية الشريعة وعدم وجود غايات لأعمال وممارسات المكلّفين.
4 ـ إهمال المقاصد يؤدّي إلى عدم معرفة دلالات النصوص و استنباط الأحكام؛ ولأجل معرفة النص وتفسيره بنحو صحيح لا بدّ من معرفة المصالح التي لأجلها نزلت تلك النصوص، ومع اختلاف النصوص وتنوّع تفسيرها تكون المقاصد هي الميزان في استنباط الأحكام منها.
5 ـ إهمال المقاصد يحول بين استنباط الحكم من الأدلّة المتعارضة والمسائل المستجدة، فإنّ في موضوع التعارض بين النصوص و الأدلة تكون المقاصد خير معين لـ الترجيح، وعند إهمالها يقع المجتهدون في حيرة عند وجود تعارض، بينما إذا أخذ بها فإنّ التعارض لا يعالج فحسب، بل يفتح اُفقاً جديداً أمام المجتهدين لمعرفة أحكام المستجدّات كذلك. من هنا يصبح باب الاجتهاد مفتوحاً في ظلّ التطوّرات الحضارية المستمرّة[٩٥].

الهوامش

  1. . اُنظر: ترتيب جمهرة اللغة 3: 137، مادّة: «قصد»، لسان العرب 3: 3233، مادّة: «قصد».
  2. . ترتيب جمهرة اللغة 2: 281، مادّة: «شرع».
  3. . لسان العرب 2: 2013، مادّة: «شرع»، واُنظر: القاموس المحيط: 676، مادّة: «شرع».
  4. . الموافقات 2: 2.
  5. . مقاصد الشريعة ابن عاشور: 49.
  6. . اُصول الفقه الزحيلي 2: 1017.
  7. . المصدر السابق.
  8. . علم المقاصد الشرعية الخادمي: 17.
  9. . المقاصد العامّة للشريعة الإسلامية: 79.
  10. . أهمّية المقاصد: 33.
  11. . موافقه قصد الشارع ومخالفته: 32.
  12. . مقاصد الشريعة الإسلامية احميدان: 16 ـ 23.
  13. . المقاصد الشرعية وصلتها بالأدلّة الشرعية وبعض المصطلحات الاُصولية: 11 ـ 63، مقاصد الشريعة الإسلامية احميدان: 8 ـ 9 و28 ـ 423، موافقة قصد الشارع ومخالفته: 118 فما بعدها.
  14. . البرهان 2: 79 ـ 83.
  15. . المستصفى 1: 257 ـ 259.
  16. . علم أصول الفقه: 197 ـ 210.
  17. . اُصول الفقه: 341 ـ 355.
  18. . اُصول الفقه فيما لا نصّ فيه: 231 ـ 235.
  19. . اُصول الفقه تاريخه ورجاله: 60 ـ 61.
  20. . على سبيل المثال اُنظر: التعليل المقاصدي لعبدالقادر محمّد حرز اللّه‏، والفكر المقاصدي عند رشيد رضا لمنوبة برهاني، ومقاصد الشريعة عند ابن قيم الجوزية لسميح عبدالوهان الجندي. فكتّاب هذه الكتب سعوا لاستنطاق كلمات العلماء المذكورين في مجال مقاصد الشريعة.
  21. . مجلّة المنار مج 7، ج 10: ص 373 ـ 374.
  22. . المقاصد الشرعية ضوابطها تاريخها تطبيقاتها: 65 ـ 80، الفكر المقاصدي عند محمّد رشيد رضا: 67 ـ 75.
  23. . دراسات في فلسفة اُصول الفقه: 81، مقاصد الشريعة عند ابن قيم الجوزية: 71 ـ 75، مقاصد الشريعة الإسلامية احميدان: 38 ـ 40.
  24. . القواعد والفوائد 1: 35، الرسائل التسع: 166 ـ 167.
  25. . نضد القواعد السيوري: 7 و62.
  26. . دراسات في فلسفة اُصول الفقه: 84 ـ 85.
  27. . المستصفى 1: 258.
  28. . معارج الاُصول: 221.
  29. . اُنظر: مقاصد الشريعة في تخصيص النصّ بالمصلحة: 42 ـ 58، مقاصد الشريعة الإسلامية احميدان : 51 ـ 59 أهمّية المقاصد : 161 ـ 163.
  30. . المستصفى 1: 258.
  31. . مقاصد الشريعة الإسلامية ابن عاشور: 62.
  32. . المقاصد الشرعية وصلتها بالأدلّة الشرعية: 30 ـ 31، المقاصد الشرعية عند ابن قيم: 332 ـ 333.
  33. . اللمع: 215.
  34. . الفصول في الاُصول الجصاص 4: 9.
  35. . مذكرة اُصول الفقه: 275.
  36. . القياس حقيقته وحجّيّته: 199.
  37. . الواضح في اُصول الفقه 3: 27.
  38. . تعليل الأحكام مصطفى شلبي: 120.
  39. . المقاصد الشرعية وصلتها بالأدلّة الشرعية: 70 ـ 71، واُنظر: مقاصد الشريعة الإسلامية احميدان: 61 ـ 64.
  40. . المستصفى 2: 178.
  41. . الاُصول العامّة للفقه المقارن: 296.
  42. . الحكمة عند الاُصوليين: 23 ـ 31.
  43. . المقاصد الشرعية وصلتها بالأدلّة الشرعية: 70، مقاصد الشريعة الإسلامية احميدان: 76 ـ 78، طرق الكشف عن مقاصد الشارع: 28، علم مقاصد الشريعة (الخادمي): 21، قواعد المقاصد عند الإمام الشاطبي: 48.
  44. . البقرة: 185.
  45. . الحجّ: 78.
  46. . البقرة 286.
  47. . مسند أحمد 6: 357، الأمالي الطوسي: 528.
  48. . مسند أحمد 7: 91، واُنظر: عوالي اللئالئ 1: 69.
  49. . صحيح البخاري 1: 83، عوالي اللئالئ 1: 69.
  50. . البقرة: 231.
  51. . الطلاق: 6.
  52. . البقرة: 233.
  53. . مقاصد الشريعة ابن عاشور: 37 ـ 40، اُصول الفقه (الزحيلي) 2: 1029، مقاصد الشريعة عند ابن قيم: 161 ـ 162، مقاصد الشريعة الإسلامية (احميدان): 280 ـ 282.
  54. . مقاصد الشريعة ابن عاشور: 49 ـ 50، أهمّية المقاصد في الشريعة: 15 ـ 16.
  55. . المستصفى 1: 257 ـ 258، الموافقات 2: 6 ـ 8.
  56. . المستصفى 1: 258 ـ 259، الموافقات 2: 6 ـ 9، اُصول الفقه أبو زهرة: 344 ـ 346، و 48.
  57. . المستصفى 1: 259، الموافقات 2: 6 ـ 9، أهمّية المقاصد: 38 ـ 40.
  58. . اُصول الفقه أبو زهرة: 348 ـ 350، اُصول الفقه (الزحيلي) 2: 1020 ـ 1050، مقاصد الشريعة الإسلامية (احميدان): 79 ـ 259، المقاصد العامّة (العالم): 161 ـ 165، دراسات في فلسفة اُصول الفقه: 76 ـ 81.
  59. . مقاصد الشريعة ابن عاشور: 49، واُنظر: الفكر المقاصدي عند محمّد رشيد رضا: 173 ـ 181.
  60. . الفكر المقاصدي عند محمّد رشيد رضا: 218 ـ 248، مقاصد الشريعة عند ابن قيم: 158.
  61. . المقاصد العامّة العالم: 172 ـ 173، المقاصد الشرعية عند ابن قيم: 164 ـ 165، مقاصد الشريعة (احميدان): 272 ـ 279.
  62. . الموافقات 2: 26 ـ 30، المقاصد الشرعية عند ابن قيم: 157.
  63. . الموافقات 2: 150 ـ 153 و 336 ـ 338، موافقة الشرع ومخالفته: 78 ـ 112.
  64. . الدخان: 38 ـ 39.
  65. . الحديد: 25.
  66. . المؤمنون: 115.
  67. . مقاصد الشريعة الإسلامية ابن عاشور: 11، المقاصد الشرعية ضوابطها تاريخها تطبيقاتها: 45 ـ 53، مقاصد الشريعة الإسلامية (احميدان): 29 ـ 32.
  68. . مقاصد الشريعة ابن عاشور: 12، مقاصد الشريعة الإسلامية (احميدان): 28 ـ 29، موافقة قصد الشارع ومخالفته: 42 ـ 54.
  69. . المقاصد الشرعية ضوابطها تاريخها تطبيقاتها: 54 ـ 64.
  70. . سنن البيهقي 10: 192، مكارم الأخلاق الطوسي: 8.
  71. . كنز العمال 3: 35.
  72. . مقاصد الشريعة الإسلامية احميدان: 32 ـ 36.
  73. . المحاسن 2: 333، علل الشرائع 1: 8.
  74. . علل الشرائع 1: 251 ـ 252.
  75. . بحار الأنوار 6: 93.
  76. . فقه الرضا: 254.
  77. . الأنبياء: 23.
  78. . اُصول الفقه أبو زهرة: 346 ـ 347، واُنظر: موافقة قصد الشارع ومخالفته: 57 ـ 58.
  79. . مقاصد الشريعة ابن عاشور: 17 ـ 18، أهمّية المقاصد: 86 ـ 92.
  80. . البقرة: 205.
  81. . الأنعام: 164.
  82. . مقاصد الشريعة ابن عاشور: 16 ـ 19.
  83. . أهمّية المقاصد : 100 ـ 101 ، المقاصد العامّة للشريعة العالم: 119 ـ 122.
  84. . مقاصد الشريعة ابن عاشور: 50، واُنظر: اُصول الفقه الإسلامي (الزحيلي) 2: 1019 ـ 1020.
  85. . مقاصد الشريعة ابن عاشور: 13 ـ 15.
  86. . طرق الكشف عن مقاصد الشارع: 43 ـ 58.
  87. . مقاصد الشريعة الإسلامية ابن عاشور: 16.
  88. . أهمّية المقاصد: 113 ـ 117.
  89. . اُنظر: الفكر المقاصدي قواعده وفوائده: 89 الي آخره.
  90. . اُصول الفقه (الزحيلي) 2: 1026 ـ 1028، المقاصد العامّة (العالم): 165 ـ 172، اُصول الفقه فيما لا نصّ فيه: 355 ـ 356.
  91. . اُصول الفقه فيما لا نصّ فيه: 355 ـ 366.
  92. . اُصول الفقه فيما لا نصّ فيه: 361 ـ 363.
  93. . أعلام الموقعين 1: 349 ـ 350.
  94. . مجموع الفتاوى 7: 392.
  95. . أهمّية المقاصد: 128 ـ 138.