الجهاد

من ویکي‌وحدت

الجهاد: وهو القتال الذي هو من فرائض الإسلام بلا خلاف، وله شروط وأحكام سنذکرها تطبیقاً علی فقه الإمامية و الشافعية و الحنفية.

الجهاد

وهو من فرائض الإسلام بلا خلاف.
وشرائط وجوبه الحرية، والذكورة، والبلوغ، وكمال العقل، والاستطاعة بالصحة والقدرة عليه وعلى ما يفتقر إليه من ظهر ونفقة، وأمر الإمام العادل به أو من نصبه أو ما يقوم مقام ذلك من حصول خوف على الإسلام، أو على الأنفس والأموال.
ومتى اختل شرط من هذه الشروط سقط فرض الجهاد وهو مع تكاملها فرض على الكفاية، بلا خلاف إلا من ابن المسيب فإنه قال: هو فرض على الأعيان، ويدل على ذلك بعد الإجماع قوله تعالى: { لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله } [١] لأنه تعالى فاضَلَ بين المجاهدين والقاعدين، ووعد كلا منهم الحسنى، وهذا يدل على أن القعود جائز وإن كان الجهاد أفضل منه. [٢]
في النافع: إذا هجم العدو على بلد وجب على جميع الناس الدفع تخرج المرأة بغير إذن زوجها والعبد بغير إذن المولى لأنه صار فرض عين كالصلاة.

وجوب الجهاد علی الکفار وكيفيته

وأما من يجب جهاده: فكل من خالف الإسلام من سائر أصناف الكفار، ومن أظهره وبغى[٣] على الإمام العادل وخرج عن طاعته، أو قصد أخذ مال المسلم وما هو في حكمه من مال الذمي، وأشهر السلاح في بر أو بحر أو سفر أو حضر بلا خلاف. وأما كيفية الجهاد وما يتعلق به وبالغنائم من الأحكام: فاعلم أنه ينبغي تأخير لقاء العدو إلى أن تزول الشمس، وتصلى الصلاتان، وأن يقدم قبل الحرب الإعذار والإنذار والاجتهاد في الدعاء إلى الحق، وأن يمسك عن الحرب حتى يبدأ بها العدو لتحق الحجة عليه، ويتقلد بذلك البغي.
فإذا عزم أمير الجيش استخار الله تعالى فيه، ورغب إليه في النصر، وعبأ أصحابه صفوفا وجعل كل فريق منهم تحت راية أشجعهم وأبصرهم بالحرب، وجعل لهم شعارا يتعارفون به، وقدم الدارع أمام الحاسر ووقف هو في القلب.
وليجتهد في الوصية لهم بتقوى الله، والإخلاص في طاعته، وبذل الأنفس في مرضاته، ويذكرهم ما لهم من الثواب في الآجل، ومن الفضل وعلو الكلمة في العاجل، ويخوفهم الفرار ويذكرهم ما فيه من عاجل العار وآجل النار.
فإذا أراد الحملة أمر فريقا من أصحابه بها، وبقي هو في فريق آخر ليكونوا فئة تتحيز إليها صفوفهم، فإذا تضعضع العدو زحف هو بمن معه يبعث من أمامه على الأخذ بضم القوم فإذا زالت صفوفهم عن أماكنهم حمل هو حملة واحدة.
ولا يجوز أن يبارز أحد إلا بإذن الإمام أو من نصبه.
ولا يجوز أن يفر واحد من واحد ولا من اثنين، ويجوز من ثلاثة فصاعدا. ويجوز قتال العدو بكل ما يرجى به الفتح من نار ومنجنيق وغيرهما وإن كان فيما بينهم مسلمون، إلا إلقاء السم فإنه لا يجوز أن يلقى في ديارهم.
ولا يقاتل في أشهر الحرم من يرى لها حرمة من الكفار إلا أن يبدءوا فيها القتال.
وجميع من خالف الإسلام من الكفار يقتلون مدبرين ومقبلين، ويقتل أميرهم ويجاز على جريحهم، وكذا حكم البغاة على الإمام إن كان لهم فئة يرجعون إليها، وإن لم يكن لهم فئة، لم يتبع مدبرهم، ولم يجهز على جريحهم، ولم يقتل أسيرهم.
وأسرى من عدا من ذكرناه من المحاربين على أخذ المال إن كانوا قتلوا ولم يأخذوا مالا قتلوا، فإن أخذوا مع القتل مالا صلبوا بعد القتل، وإن تفردوا بأخذ المال قطعوا من خلاف، وإن لم يقتلوا ولا أخذوا مالا نفوا من الأرض بالحبس أو النفي من مصر، إلى مصر دليل ذلك كله إجماع الإمامية.
ومن لا كتاب له من الكفار لا يكف عن قتاله إلا بالرجوع إلى الحق،[٤] لقوله ( عليه السلام ): أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم. [٥]. وكذا حكم من أظهر الإسلام من البغاة والمحاربين.

حكم الجهاد علی أهل الكتاب

ومن له كتاب وهم اليهود والنصارى والمجوس يكف عن قتالهم إذا بذلوا الجزية ودخلوا تحت شروطها، ولا يجوز أخذ الجزية من عباد الأوثان، سواء كانوا عجما أو عربا، ولا من الصابئين ولا من غيرهم[٦] وفاقا للشافعي في عباد الأوثان عربا أو عجما، وخلافا لأبي حنيفة في العجم فإنه قال: يؤخذ من العجم، ولا يؤخذ من العرب.
لنا قوله تعالى: { اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } [٧] وقوله: { فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب } [٨]، [٩] وهذا عام في العرب والعجم.
وأما أهل الكتاب يجوز أخذ الجزية منهم وإن كانوا من العرب وفاقا لجميع الفقهاء. وقال أبو يوسف: لا يجوز.
لنا قوله تعالى: { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون } [١٠]، [١١]، والمجوس كان لهم كتاب ثم رفع عنهم. وهو أصح قولي الشافعي.
وله قول آخر: وهو أنه لم يكن لهم كتاب. وبه قال أبو حنيفة. [١٢]
وأما الصابئة فلا يؤخذ منهم الجزية، ولا يقرون على دينهم. خلافا لجميع الفقهاء، فإنهم قالوا: يؤخذ منهم الجزية إلا أبا سعيد الإصطخري من أصحاب الشافعي. [١٣] والصغار المذكور في الآية هو التزام الجزية على ما يحكم به الإمام من غير أن يكون مقدرة، والتزام أحكام الإسلام عليهم. وقال الشافعي: هو التزام أحكامنا عليهم. ومنهم من قال: الصغار أن يؤخذ الجزية منه قائما، والمسلم جالس. [١٤]
والجزية ما يؤدونه كل سنة مما يضعه الإمام على رؤسهم، أو على أرضهم، وليس لها قدر معين، بل ذلك راجع إلى ما يراه الإمام[١٥] وقال الشافعي: إذا بذل الكافر دينارا في الجزية قبل سواء كان موسرا أو معسرا. وقال مالك: أقل الجزية أربعة دنانير على أهل الذهب، وأربعون درهما على أهل الورق.
لنا إجماع الإمامية وأن تقدير ذلك يفتقر إلى دليل وليس في الشرع ما يدل عليه. [١٦]
وما روي عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وذهب إليه أبو حنيفة أنه وضع على كل واحد من أغنيائهم ثمانية وأربعين درهما، وعلى كل من هو من أوساطهم أربعة وعشرين، وعلى من هو من فقرائهم اثني عشر، إنما هو على حسب ماراه في وقته، وليس بتقدير لها على كل حال.
ولا يجوز أخذها إلا من الذكور البالغين الكاملي العقول.
فإذا أسلم الذمي وقد وجبت عليه الجزية بحؤول الحول سقطت عنه بالإسلام[١٧] خلافا للشافعي فإنه قال: لا تسقط إذا مات أو أسلم، ووفاقا لأبي حنيفة.
وقال الشيخ في الخلاف: والذي يقتضيه المذهب أنه لا يسقط الجزية بالموت لأن الحق واجب عليه فيؤخذ من تركته ولا دليل على سقوطها، ويدل على سقوطها بالإسلام قوله: { حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون } فشرط في إعطائها الصغار، وذلك لا يمكن مع الإسلام، وقوله ( عليه السلام ): لا جزية على مسلم، وقوله: الإسلام يجب ما قبله. [١٨]
والجزية تصرف إلى أنصار الإسلام خاصة على ما جرت به السنة من النبي ( صلى الله عليه وآله ). وشرائط الجزية: أن لا يجاهروا المسلمين بكفرهم، ولا يتناولوا المحرمات في شريعة الإسلام، ولا يسبوا مسلما، ولا يعينوا على أهل الإسلام، ولا يتخذوا بيعة ولا كنيسة، ولا يعيدوا ما استهدم من ذلك.
وتلزم نصرتهم والمنع منهم ما وفوا بهذه الشروط، ومتى أخلوا بشئ منها، صارت دمائهم هدرا، وأموالهم فيئا للمسلمين[١٩] وفي الخلاف: أهل الذمة إذا فعلوا ما يجب به الحد مما يحرم في شرعهم، مثل: الزنا، واللواطة، والسرقة، والقتل، والقطع أقيم عليهم الحد بلا خلاف، لأنهم عقدوا الذمة بشرط أن يجري عليهم أحكامنا.
وإن فعلوا ما يستحلونه مثل: شرب الخمر، وأكل لحم الخنزير، ونكاح المحارم فلا يجوز أن يتعرض لهم ما لم يظهروه بلا خلاف فإن أظهروه وأعلنوه كان للإمام أن يقيم عليهم الحدود وقال الفقهاء: يعذرهم على ذلك ولا يقيم عليهم الحدود التامة. [٢٠] الشيوخ الهرمى، وأصحاب الصوامع، والرهبان يؤخذ منهم الجزية وللشافعي فيه قولان [٢١] ويدل على ما قلنا الآية وعمومها.

حكم الغنيمة

ويغنم من جميع من خالف الإسلام من الكفار ما حواه العسكر وما لم يحوه من الأموال والأمتعة التي تخصهم فقط، من غير جهة غصب دون ما عداها، وللإمام أن يصطفي لنفسه قبل القسمة ما شاء، من فرس، أو جارية، أو درع، أو سيف، أو غير ذلك - وهذا من جملة الأنفال، وأن يبدأ بسد ما ينوبه من خلل في الإسلام، وليس لأحد أن يعترض عليه وإن استغرق ذلك جميع الغنيمة، ثم يخرج منها الخمس لأربابه.
ويقسم ما بقي مما حواه العسكر بين المقاتلة خاصة، لكل راجل سهم ولكل فارس سهمان ولو كان معه عدة أفراس، ويأخذ المولود في دار الجهاد ومن أدرك المجاهدين للمعونة لهم مثل ما يأخذ المقاتل، وحكم غنيمة البحر في القسمة بين من له فرس ومن ليس له، حكم غنيمة البر سواء. [٢٢]
مال الغنيمة لا يخلو من ثلاثة أحوال: ما يمكن نقله وتحويله إلى بلاد الإسلام مثل الدراهم والدنانير والثياب والأثاث، أو يكون أجساما مثل النساء والولدان، أو مما لا يمكن نقله كالأرضين والعقار، فما يمكن نقله يقسم بين الغانمين بالسوية، ولا يفضل راجل على راجل، ولا فارس على فارس، وإنما يفضل الفارس على الراجل وبه قال الشافعي، غير أنه قال: لا يدفع الغنيمة إلى من لم يحضر الوقعة.
وعندنا يجوز أن يعطى من يلحق بهم مددا لهم، وإن لم يحضر الوقعة. ويسهم عندنا الصبيان ومن تولد في تلك الحال.
وقال أبو حنيفة: لا يجوز أن يعطى لغير الغانمين، لكن يجوز أن يفضل بعض الغانمين على بعض[٢٣] والنساء والعبيد والكفار لا سهم لهم، إن شاء الإمام أن يرضخ لهم فعل وعند الشافعي: يرضخ للصبيان ولهؤلاء الثلاثة ولا سهم لهم. [٢٤]
وقال أبو حنيفة: للفارس سهمان: وللراجل سهم واحد مثل ما قلناه.
وفي أصحابنا من قال: للفارس ثلاثة أسهم: سهم له، وسهمان لفرسه. وبه قال الشافعي.
يدل على الأول مضافا إلى روايات أصحابنا، ما روي عن ابن عمر أن النبي ( عليه السلام ) أعطى الفارس سهمين: سهما له، وسهما لفرسه وروى المقداد قال: أعطاني رسول الله سهمين، سهما لي وسهما لفرسي.
ويدل على الثاني ما رواه نافع عن ابن عمر أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أسهم الرجل ولفرسه ثلاثة أسهم، سهما له وسهمين لفرسه وروى الزهري[٢٥] عن مالك بن أوس النضري[٢٦] عن عمر ابن الخطاب و طلحة [٢٧] و الزبير [٢٨] أن النبي ( عليه السلام ) أسهم يوم خيبر لكل فرس سهمين، وعن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال: إن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أعطاني أربعة أسهم سهما لي وسهمين لفرسي، وسهما لأمي وكانت من ذوي القربى. [٢٩]
وإن كان مع الرجل أفراس أسهم لفرسين خلافا لأبي حنيفة والشافعي فإنهما قالا: لا يسهم إلا لفرس واحد. [٣٠]
وإذا دخل دار الحرب راجلا، ثم وجد فرسا، وكان عنده تقضي الحرب فارسا، أسهم له. وإن دخلها فارسا وعند تقضي الحرب كان راجلا لم يسهم له، وفاقا للشافعي، وخلافا لأبي حنيفة فإنه قال: إن دخل فارسا أسهم له وإن خرجت الدابة من يده على أي وجه كان وكان عند تقضي الحرب راجلا، وإن دخلها راجلا لم يسهم له، وإن كان عند تقضيها فارسا.
لنا قوله: { ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم } [٣١] والإرهاب بالسيف يكفي حال القتال لا حال الدخول ولأن الاستحقاق يكون بتقضي القتال بدلالة أن من مات قبل ذلك لم يسهم له بلا خلاف. [٣٢]
ما يؤخذ بالسيف قهرا من المشركين يسمى غنيمة بلا خلاف وعندنا ما يستفيده الإنسان من أرباح التجارات والمكاسب والصنائع يدخل في ذلك أيضا وخالف جميع الفقهاء في ذلك. [٣٣]
لنا أن لفظ الغنيمة حقيقة في جميع ما يستفاد سواء يستفاد بالسيف من المشركين أو بغيره من ضروب المكاسب والصنايع لأنها استعملت فيما ذكرناه، وظاهر الاستعمال يدل على الحقيقة، قال النبي ( عليه السلام ): الصوم في الشتاء غنيمة باردة[٣٤] وقال: اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك إلى آخر الحديث[٣٥] وفي الدعاء: السلامة من كل إثم والغنيمة من كل بر[٣٦] ويقال: أي شئ غنمت اليوم للتاجر والصانع وغيرهما أي شئ استفدت وربحت.

تقسيم الغنائم بالخُمس لأهلها

الخمس يقسم ستة أقسام: سهم لله، وسهم لرسوله، وسهم لذي القربى، فهذه الثلاثة كانت للنبي وبعده لمن يقوم مقامه من الأئمة، وسهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لأبناء السبيل من آل محمد لا يشركهم فيه غيرهم.
واختلف الفقهاء في ذلك فذهب الشافعي إلى أن خمس الغنيمة يقسم على خمسة أسهم: سهم لرسول الله وسهم لذي القربى، وسهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لأبناء السبيل، فأما سهم رسول الله فيصرف في مصالح المسلمين وأما سهم ذي القربى فإنه يصرف إلى ذوي القربى على ما كان يصرف إليهم على عهد رسول الله.
وذهب أبو حنيفة إلى أن خمس الغنيمة يقسم على ثلاثة أسهم: سهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لأبناء السبيل. [٣٧]
سهم ذي القربى ثابت لم يسقط بموت النبي ( صلى الله عليه وآله ) وهو لمن قام مقامه، وقال الشافعي: هو ثابت، وهو خمس الخمس، يصرف إلى أقاربه الغني منهم والفقير، ويستحقونه بالقرابة.
وقال أبو حنيفة سقط سهم ذي القربى بموت النبي ( عليه السلام ) إلا أن يعطيهم الإمام شيئا بحق الفقر والمسكنة، ولا يعطي الأغنياء منهم شيئا.
ويدل على مذهبنا مضافا إلى إجماع الإمامية وأخبارهم قوله تعالى: { ولذي القربى واليتامى والمساكين } [٣٨] وهذه الآية أدلة:
أحدها: أنه أضاف الخمس إلى المذكورين وشرك بينهم بواو الجمع فيقتضي أن يكون بينهم بالسوية.
والثاني أنه أضافه إليهم بلام التمليك وشرك بينهم بواو التشريك فعندنا وعند الشافعي، أن هذه الإضافة إضافة ملك، وعند أبي حنيفة هي إضافة محل، أي هم أهل لذلك فمن قال: الأغنياء لا يعطون فقد خرج عن مقتضى القولين.
والثالث: أن الله جعل لهم السهم بحق القرابة، فالظاهر أن هذا السهم لهم وعند أبي حنيفة لا يستحقونه بالقرابة[٣٩] وعندنا أن سهم ذي القربى للإمام. وعند الشافعي: لجميع ذوي القربى، يستوي القريب فيه والبعيد، والذكر والأنثى، والصغير والكبير، إلا أنه للذكر مثل حظ الأنثيين لأن ذلك يستحق بالإرث الذي يجري مجرى التعصيب. [٤٠]
وهذه الأسهم الثلاثة التي لليتامى، والمساكين، وأبناء السبيل يختص بها من كان من آل الرسول دون غيرهم وخالف جميع الفقهاء في ذلك وقالوا: إنها للفقراء من المسلمين، وأيتامهم، وأبناء سبيلهم دون من كان من آل رسول الله خصوصا. [٤١]
الفئ بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) حكمه في أيامه، في أنه خاصة لمن قام مقامه. وللشافعي فيه قولان،
في أربعة أخماسه وخمس الخمس: أحدهما: يكون للمقاتلين والثاني في المصالح، ويبدأ بالأهم فالأهم، وأهم الأمور الغزاة، وخمس خمس الغنيمة في مصالح المسلمين قولا واحدا. [٤٢]
وما كان للنبي ينتقل إلى ورثته، وخالف جميع الفقهاء في ذلك. [٤٣]
وما كان للنبي من الصفايا قبل القسمة فهو لمن قام مقامه. وقال جميع الفقهاء: أن ذلك يبطل بموته. [٤٤] وما لم يحوه العسكر من غنائم من خالف الإسلام من الكفار، من أرض وعقار وغيرهما فئ لجميع المسلمين المقاتل منهم وغير المقاتل والحاضر والغائب[٤٥] وقال الشيخ في الخلاف: ما لا ينقل ولا يحول من الدور والعقارات فعندنا فيه الخمس لأهله، والباقي لجميع المسلمين يصرف ارتفاعه إلى مصالحهم.
وعند الشافعي: أن حكمه حكم ما ينقل خمس‍ه لأهل الخمس والباقي للمقاتلة. وقال أبو حنيفة: الإمام مخير فيه بين ثلاثة أشياء: أن يقسمه على الغانمين، أو يقفه على المسلمين أو يقر أهلها عليها ويضرب عليها الجزية باسم الخراج.
ويدل على مذهبنا مضافا إلى إجماع الفرقة وأخبارهم ما روي أن النبي ( عليه السلام ) فتح هوازن ولم يقسم أرضها على الغانمين فلو كانت للغانمين لقسمها عليهم. [٤٦]

حكم الأرض المفتوحة عنوة

والأرض المفتتحة بالسيف عنوة، لا يجوز التصرف فيها ببيع ولا وقف ولا غيرهما، وللإمام أن يقبلها بما يراه، وعلى المتقبل - بعد إخراج حق القبالة فيما بقي في يده - الزكاة إذا تكاملت شروطها [٤٧] وهذه الأرض هي سواد العراق ما بين الموصل وعبادان طولا، وما بين حلوان والقادسية عرضا، فهي للمسلمين قاطبة.
وقال الشافعي: كانت غنيمة للغانمين فقسمها عمر بين الغانمين، ثم اشتراه منهم، ووقفها على المسلمين، ثم أجرها منهم، وهذا الخراج هو أجرة.
وقال أبو حنيفة: أقرها في أيدي أهلها المشركين وضرب عليهم الجزية باسم الخراج، فهذا الخراج هو تلك الجزية. وعنده لا يسقط ذلك بالإسلام. [٤٨]
وأما أرض الصلح فهي أرض الجزية إذا شاء الإمام أن يضعها على الأرض بدلا من الرؤس، وتسمى الخراجية وتختص بأهل الكتاب، يصح التصرف فيها لأربابها بسائر أنواع التصرف، وحكم ما يؤخذ من هذه الأرض حكم جزية الرؤس يسقط بالإسلام، وإذا بيعت الأرض لمسلم سقط خراجها، وانتقلت الجزية إلى رؤس بائعها. [٤٩]
وأما أرض الأنفال، وهي كل أرض أسلمها أهلها من غير حرب، أو جلوا عنها، وكل أرض مات مالكها، ولم يخلف وارثا بالقرابة ولا بولاء العتق، وبطون الأودية، ورؤس الجبال والآجام، وقطائع الملوك من غير غصب، والأرضون الموات، فللإمام خاصة دون غيره وله التصرف فيها بما يراه من بيع أو هبة أو غيرهما، وأن يقبلها بما يراه، وعلى المتقبل - بعد حق القبالة وتكامل الشروط - ما بيناه من الزكاة.

حكم الأسير

من أخذ أسيرا قبل أن تضع الحرب أوزارها، وجب قتله، ولم يجز للإمام استبقاؤه.
وإن أخذ بعد الفتح، فالإمام مخير بين المن عليها بالإطلاق أو المفاداة أو الاستعباد. [٥٠]
قال الشافعي: هو مخير بين أربعة أشياء بين القتل، والمفاداة، والمن، والاسترقاق وقال أبو حنيفة: هو مخير بين القتل والاسترقاق والمفاداة بالرجال دون المال.
لنا مضافا إلى إجماع الإمامية وأخبارهم قوله تعالى: { حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها } [٥١]، وما روي الزهري عن جبير بن مطعم[٥٢] أن رسول الله ( عليه السلام ) قال في أسارى بدر: لو كان مطعم بن عدي[٥٣] حيا، وكلمني في هؤلاء السبي لأطلقتهم. فدل على جواز المن وروي أن أبا غرة الجمحي وقع في الأسر يوم بدر فقال: يا محمد إني لذو عيلة، فامنن علي فمن عليه على أن لا يعود إلى القتال، فمر إلى مكة فقال: إني سخرت بمحمد، وعاد إلى القتال يوم أحد فدعا رسول الله أن لا يفلت فوقع في الأسر فقال: إني ذو عيلة، فامنن علي، فقال النبي ( عليه السلام ) أمن عليك حتى ترجع إلى مكة فتقول في نادي قريش: إني سخرت بمحمد مرتين، لا يلسع المؤمن في جحر مرتين فقتله بيده.
ويدل على جواز المفاداة بالمال ما فعله النبي ( عليه السلام ) يوم بدر فإنه فادى جماعة من الكفار والقصة مشهورة. [٥٤]
وإذا غلب الكفار على شئ من أموال المسلمين وذراريهم، ثم ظهر عليهم المسلمون، فأخذوا ذلك، فالذراري خارجون عن الغنيمة، وما عداهم من الأمتعة والرقيق وإن وجده صاحبه قبل القسمة أخذه بغير عوض، وإن وجده بعدها أخذه ودفع الإمام إلى من وقع في سهمه قيمته من بيت المال، لأن لا ينتقص القسمة، دليل ذلك كله إجماع الإمامية. [٥٥]

الهوامش

  1. النساء : 95 .
  2. الغنية 199 - 200 .
  3. في النسخة : ومن بغى . والتصويب حسب الغنية : 200 .
  4. الغنية : 200 - 202 .
  5. سنن ابن ماجة : 2 / 1295 حديث 3927 .
  6. الغنية 202 .
  7. التوبة : 5 .
  8. محمد: 4
  9. الخلاف : 5 / 539 مسألة 1 .
  10. التوبة : 29 .
  11. الخلاف : 5 / 540 مسألة 2 .
  12. الخلاف : 5 / 542 مسألة 3 .
  13. الخلاف : 5 / 542 مسألة 4 .
  14. الخلاف : 5 / 543 مسألة 5 .
  15. الغنية 202 .
  16. الخلاف : 5 / 545 مسألة 9 .
  17. الغنية 202 .
  18. الخلاف : 5 / 547 مسألة 11 .
  19. الغنية 203 .
  20. الخلاف : 5 / 553 مسألة 22 .
  21. الخلاف : 5 / 544 مسألة 7 .
  22. الغنية 203 - 204 .
  23. الخلاف : 4 / 189 مسألة 15 .
  24. الخلاف : 4 / 197 مسألة 20 .
  25. اسمه محمد بن مسلم بن عبيد الله القرشي ، أبو بكر المدني . توفي سنة ( 125 ) . تهذيب الكمال : 26 / 419 رقم 5606
  26. أبو سعيد المدني ، روى عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وروى عن الزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص ، وطلحة بن عبيد الله ، وروى عنه : إبراهيم بن عبيد بن رفاعة الزرقي وسملة بن وردان . توفي سنة ( 92 ) بالمدينة . تهذيب الكمال : 27 / 121 رقم 5729 .
  27. عبيد الله بن عثمان ، أبو محمد ، القرشي التيمي ، أحد أصحاب الشورى قتل يوم الجمل ، وكان شهد ذلك اليوم محاربا لعلي بن أبي طالب ( عليه السلام ) كانت وقعة الجمل سنة ( 36 ) وكان عمره ( 60 ) سنة . أسد الغابة : 2 / 467 رقم 2625 .
  28. بن العوام ، القرشي الأسدي ، أبو عبد الله المدني ، ابن صفية بنت عبد المطلب ، روى عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وروى عنه : الأحنف بن قيس ، والحسن البصري وغيرهما . قتل يوم الجمل في جمادى الأولى سنة ( 36 ) وقبره بوادي السباع ناحية البصرة تهذيب الكمال : 9 / 319 رقم 1971 .
  29. الخلاف : 4 / 199 مسألة 24 .
  30. الخلاف : 4 / 202 مسألة 26 .
  31. الأنفال : 60 .
  32. الخلاف : 4 / 204 .
  33. الخلاف : 4 / 181 مسألة 1 .
  34. كنز العمال : 8 / 452 حديث 23619 .
  35. البحار : 74 / 77 حديث 3 عن أمالي الطوسي : 526 الحديث 1162 .
  36. البحار : 83 / 89 .
  37. الخلاف : 4 / 209 مسألة 37 .
  38. الأنفال : 41 .
  39. الخلاف : 4 / 211 مسألة 38 .
  40. الخلاف : 4 / 216 مسألة 39 .
  41. الخلاف : 4 / 217 مسألة 41 .
  42. الخلاف : 4 / 183 مسألة 3 .
  43. الخلاف : 4 / 184 مسألة 4 .
  44. الخلاف : 4 / 184 مسألة 6 .
  45. الغنية 204 .
  46. الخلاف : 4 / 194 مسألة 18 .
  47. الغنية 204 .
  48. الخلاف : 4 / 196 مسألة 19 .
  49. الغنية ص 204 .
  50. الغنية 204 .
  51. محمد : 4 .
  52. جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل القرشي ، أبو محمد ، روى عن : النبي ( صلى الله عليه وآله ) روى عنه : إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ، وسعيد بن المسيب توفي ي سنة ( 58 ) . تهذيب الكمال : 4 / 506 رقم 904 .
  53. بن نوفل بن عبد مناف ، كان له عند رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يد ، وهو أنه كان أجار رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لما قدم من الطائف ، ودعا ثقيفا إلى الإسلام ، وكان أحد الذين قاموا في نقض الصحيفة التي كتبتها قريش علي بني هاشم وبني المطلب . أسد الغابة : 1 / 323 ضمن رقم 698 .
  54. الخلاف : 4 / 190 مسألة 17 .
  55. الغنية 205 .