الغاية

من ویکي‌وحدت

الغاية: وهو الغرض الذي يقع لأجله الشيء، وهو ما يسمّى بالعلّة الغائية. وهناک مباحث حول الغاية في علم الأصول يجب أن نبحث عنها کتخصيص الحکم بالغاية ودخول الغاية في المغيّا وأن الغاية هل لها مفهوم أو لا؟

تعريف الغاية لغةً

تطلق الغاية في اللغة على معنيين:
الأوّل: المنتهى في الشيء، ومدى الشيء ومسافته وأقصاه ومنتهاه. وقد أخذ هذا المعنى من (غاية السبق)، قصبة تُنصَب في نهاية الموضع الذي تكون المُسابقة إليه ليأْخُذها من يسبق.
الثاني: المنتهى في الجودة والراية والعلامة التي لا نظير لها في جنسها، فيقال للشيء الجيّد: «هو غاية كذا» إن هو علا في جنسه، ومنه قولهم: «أغيا الرجل» إن هو بلغ النهاية في الشرف والأمر[١].

تعريف الغاية اصطلاحاً

أمّا علماء أصول الفقه فالغاية عندهم تتنوع في تعريفاتها تبعا للموضوع التي هي فيه؛ إذ تدخل في العديد من المسائل الاُصولية من قبيل: المخصصات و المقيّدات و المفاهيم. وهي على عدّة معانٍ:
الأوّل: الغايه بمعنى نهاية الشيء وآخره، كما جاء في أكثر المصنّفات الاُصولية[٢].
وقد ساق الشوكاني في إرشاد الفحول تعريفا للغاية قريبا من المعنى الأوّل، وذلك حين عرفها بأنّها: نهاية الشيء المقتضية لثبوت الحكم قبلها وانتفائها بعدها [٣].
الثاني: الغاية بمعنى الغرض الذي يقع لأجله الشيء، وهو ما يسمّى بـ العلّة الغائية[٤].
الثالث: المراد بها: أن يأتي بعد اللفظ العامّ حرف من أحرف الغاية، كاللام، وإلى، وحتّى[٥].
وعليه قد يقال: إنّ الغاية في الاصطلاح عند بعضهم أعمّ من المعنى اللغوي؛ لأنّها تشمل الغرض والعلّة الغائيّة أيضا إضافة إلى المسافة ومنتهى الشيء. وأمّا حسب التعريف الثاني فهو مباين للتعريف اللغوي؛ لأنّ الغرض غير المسافة، إلاّ أن يقال: إنّهما واحد. أي: أنّ الغرض ما يراد الوصول إليه، وكذلك الحال الغاية بمعنى المسافة ومنتهى الشيء.

أقسام الغاية

1 ـ الغاية من حيث الابتداء والانتهاء

تقسم الغاية عند الاُصوليين من حيث الابتداء والانتهاء إلى قسمين:

الأوّل: ابتداء الغاية

التي هي بداية المسافة المرادة بما يدلّ عليها من حروف الابتداء التي من أشهرها: «من»، نحو قولك: «سرت من البصرة إلى الكوفة»، وكقولك: «موعد الدرس من الساعة الثامنة حتّى التاسعة».
وقد ذكر الكثير من الاُصوليين أنّ «من» تأتي لمعانٍ متعددة، ودلالتها على ابتداء الغاية هو الأشهر، سواء في الزمان أم في المكان[٦].
يقول القاضي الباقلاني: «ولمن ثلاثة مواضع: أحدها: إفادة ابتداء الغاية، وهذا أصلها على ما ذكره القوم، وهي نقيضة «إلى»: لأنّ «إلى» تجيء لانتهاء الغاية و«من» لابتدائها»[٧].

الثاني: انتهاء الغاية

لم يختلف الاُصوليون في أنّ «إلى» تأتي لانتهاء الغاية، زمانا ومكانا، مثلما لم يختلفوا في أنّ «من» لابتداء الغاية زمانا ومكانا [٨].
يقول الزركشي في بيان معنى «إلى»: إنّها موضوعة لانتهاء الغاية، زمانا ومكانا [٩].
وهذا الاتّفاق بين الاُصوليين في إفادة «إلى» لانتهاء الغاية لم يكن حكما صادرا منهم وحدهم، بل اتّفق اللغويون أيضا على ذلك على خلاف بينهم[١٠].

2 ـ الغاية من حيث الجهل والعلم بها

الغاية من حيث الجهل والعلم بها على قسمين:

الأوّل: الغاية المعلومة

بالبحث عن حقيقة الغاية المعلومة نجد أنّها تحددت ماهيتها وتميزت فأمكن معرفة بدايتها وحدودها، فكانت بذلك منفصلة عن المغيا بفاصل معلوم. فكما أنّ الغاية لها ابتداء وانتهاء، فكذلك المغيا له بداية ونهاية.
ويوضح ذلك في قوله تعالى: «ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَيْلِ»[١١]، فالصيام ـ وهو المغيا في الآية ـ وقته من طلوع الفجر ويستمرّ إلى اللّيل الحاصل بغروب الشمس، وهو الحدّ الفاصل بين اللّيل والنهار، فإذا غربت الشمس دخل اللّيل وهو نهاية صيام النهار المأمور به في الآية[١٢].

الثاني: الغاية المجهولة

فالغاية المجهولة هي التي لا تُعرف ماهيتها، ولذلك فإنّها غير محدّدة وغير معلومة، وإذا انفصلت عن المغيا، فإنّما تنفصل عنه بفاصل مبهم مجهول[١٣].
ويتّضح ذلك جليا في قوله تعالى تعالى: «لَيَسْجُـنُنَّهُ حَتّى حِـينٍ»[١٤]. فالمدّة التي لبث فيها موسى(ع) لم تكن معلومة، بل كانت مبهمة مجهولة[١٥].

أحكام الغاية

1 ـ التخصيص بالغاية

المراد من التخصيص بالغاية هو أنّ ما بعد الغاية يخرج عن حكم ما قبلها؛ إذ هي تُخرج بعض أفراد مدلول العامّ من الحکم الذي تناوله، وذلك نحو قولنا: «أكرم طلاب العلم إلى أن يفسقوا»، فخرج من عموم الإكرام بعض تقادير مدلول اللفظ، وهو حالة الفسق، ولولا الغاية لعمّ الإكرام جميع طلاب العلم، سواء فسقوا أم لم يفسقوا [١٦].

2 ـ دخول الغاية في المغيا

اختلفت آراء الاُصوليّين في دخول الغاية في المغيا من عدمها إلى أقوال:
الأوّل: عدم الدخول مطلقا، وهو ما ذهب إليه نجم الأئمة[١٧]، واستظهره [[الآ[وند الخراساني|المحقّق الخراساني]][١٨] ورجّحه البروجردي[١٩].
الثاني: الدخول مطلقا، دون أن ينسبوه إلى أحد[٢٠].
الثالث: التفصيل بين ما إذا كانت الغاية من جنس المغيا، وعدم كونها من جنسه، فعلى الأوّل الغاية داخلة فيه، دون الثاني، فمثال الأوّل: «صمت النهار إلى اللّيل». ومثال الثاني: قوله تعالى: «كلّ شيء حلال حتّى تعرف أنّه حرام بعينه»[٢١].
الرابع: التفصيل بين كون الغاية مدخولة لكلمة «حتّى»، وكونها مدخولة لكلمة «إلى» فعلى الأوّل هي داخلة في المغيا دون الثاني، وهو ما اختاره ضياء الدين العراقي[٢٢]، والسيوطي[٢٣]، وادّعى بعض النحاة الإجماع على الدخول في «حتّى»[٢٤]، ومال إليه المحقّق الخوئي[٢٥].
الخامس: التفصيل بين كون الغاية قيّدا للفعل مثل: «سر من البصرة إلى الكوفة»، وبين كونها قيّدا للحكم مثل: «صم إلى اللّيل»، فعلى الأوّل داخلة في المغيا وعلى الثاني خارجة عنه[٢٦].
ولكن الظاهر من كلمات بعض الاُصوليّين، وإليه ذهب أكثر الإمامية و السنة في أنّه لا ظهور لنفس التقييد بالغاية في دخولها في المغيا ولا في عدمه، بل يتبع في ذلك الموارد والقرائن الخاصّة المحفوفة بالكلام[٢٧].

3 ـ مفهوم الغاية

اختلف الاُصوليون في ثبوت المفهوم للغاية، فمنهم من قال بالدلالة على المفهوم مطلقا، وهو ما عليه أكثر الاُصوليين[٢٨]، ومنهم من قال بعدم الدلالة مطلقا [٢٩]، وهناك ثمة من قال بالتفصيل بين كون الغاية غاية لـ الحکم، فيدلّ على المفهوم وبين كونها قيّدا للموضوع، فلا تدلّ على المفهوم[٣٠].

المصادر

  1. . لسان العرب 3: 2963، مادّة: «غيا»، تاج العروس 20: 35، مادّة: «غيا»، النهاية، مادّة: «غيا».
  2. . مبادئ الوصول إلى علم الاُصول: 139، فوائد الاُصول 1 ـ 2: 504، البحر المحيط 3: 344، تشنيف المسامع 1: 381.
  3. . إرشاد الفحول 1: 503، اُصول الفقه الإسلامي شلبي: 424.
  4. . منتهى الدراية 3: 523.
  5. . شرح الكوكب المنير: 202.
  6. . المعتمد البصري 1: 33، البرهان في اُصول الفقه 1 ـ 2: 57، المحصول 1: 166، الإحكام (الآمدي) 1 ـ 2: 55، البحر المحيط 2: 290.
  7. . التقريب والارشاد 1: 411.
  8. . اُصول السرخسي 1: 220، 222، الفصول في الاُصول 1: 93، كشف الأسرار البخاري 2: 331، المحصول 1: 166 ـ 167.
  9. . البحر المحيط 2: 312.
  10. . البرهان الزركشي 4: 232، شرح المفصل (ابن يعيش) 4: 463.
  11. . البقرة: 187.
  12. . الإحكام الآمدي 1 ـ 2: 516، البحر المحيط 3: 349، المهذّب في علم اُصول الفقه المقارن 4: 1664، الجامع لمسائل اُصول الفقه وتطبيقاتها على المذهب: 280.
  13. . الإحكام الآمدي 1 ـ 2: 516، المهذّب في علم اُصول الفقه المقارن 4: 1664، الجامع لمسائل اُصول الفقه وتطبيقاتها على المذهب: 280.
  14. . يوسف: 35.
  15. . كما أشار إلى ذلك القرطبي في الجامع لأحكام القرآن 9: 187.
  16. . الإحكام الآمدي 1 ـ 2: 516، البحر المحيط 3: 344، المهذّب في علم اُصول الفقه المقارن 4: 1664، التمهيد (الكلوذاني) 2: 72، تجريد الاُصول (النراقي): 194 ـ193، أوثق الوسائل: 489.
  17. . حكاه عنه الشيخ الأنصاري في مطارح الأنظار 2: 96.
  18. . كفاية الاُصول: 209.
  19. . نهاية الأفكار 1 ـ 2: 498.
  20. . لم نعثر على القائل، وقال صاحب مفاتيح الاُصول: 99، والقول بالدخول مطلقا شاذ لا يعرف قائله كما صرّح به التفتازاني في التلويح، واُنظر: اُصول السرخسي 1: 221.
  21. . نسبه الكرباسي في إشارات الاُصول: 354 إلى المبرّد، ومثله الرازي في هداية المسترشدين 2: 515.
  22. . مقالات الاُصول 1: 415.
  23. . همع الهوامع في شرح جمع الجوامع 2: 429.
  24. . نسبه ابن هشام في مغني اللبيب 1: 247، إلى شهاب الدين القرافي.
  25. . أجود التقريرات 2: 279.
  26. . درر الفوائد 1: 205.
  27. . كفاية الاُصول: 209، فوائد الاُصول 1 ـ 2: 504، اُصول الفقه المظفر 1 ـ 2: 175، حقائق الاُصول 1: 475، اُصول السرخسي 1: 221 ـ 220، تيسير التحرير 2: 109، واُنظر: كشف الأسرار البخاري 2: 336.
  28. . مطارح الأنظار 2: 93، القوانين المحكمة 1: 415، الفصول الغروية: 153، روضة الناضر 2: 131، التحبير شرح التحرير 6: 2935، الوجيز في اُصول الفقه الإسلامي 2: 161.
  29. . الذريعة المرتضى 1 ـ 2: 407، عدّة الاُصول 2: 478، الإحكام (الآمدي) 3 ـ 4: 88، ونسبه الزركشي في البحر المحيط 4: 47، إلى طائفة من الحنفية.
  30. . كفاية الاُصول: 208.