التعارض
التعارض: اصطلاح أصولي بمعني تنافي الدليلين في مقام الجعل والتشريع بخلاف التزاحم فإنّ التنافي فيه في مقام الامتثال؛ أو هو تنافي الدليلين بحسب الدلالة ومقام الإثبات على وجه التناقض أو التضاد حقيقة أو عرضا. ولا يخفی أنّ التعارض لا يتحقّق إلاّ بعد اتّحاد موضوع الدليلين وإلاّ لم يمتنع اجتماعهما، كما أنّه لا تعارض بين الأصول العملية و الأدلّة الاجتهادية؛ لأنّ موضوع كلٍّ منهما شيء غير موضوع الآخر، فموضوع الأصول الشيء بوصف أنّه مجهول الحكم، بينما موضوع الدليل الاجتهادي نفس الشيء من دون ملاحظة ثبوت حكم مسبق له، فضلاً عن الجهل بحكمه.
تعريف التعارض لغةً
عرضتُ الشيء عرضا، من باب ضرب فأعرض هو بالألف، أي أظهرته وأبرزتُه فظهر هو وبرز... ، وعرض له أمر إذا ظهر[١]... عارضتُ الشيء بالشيء: قابلته به[٢]. عرض له أمر كذا يعرض، أي ظهر، وعرضتُ عليه أمر كذا، وعرضتُ له الشيء، أي أظهرته له وأبرزته إليه[٣].
تعريف التعارض اصطلاحاً
وردت عدّة تعريفات للتعارض عن الأصوليين:
منها: اقتضاء كلٍّ من دليلين عدم مقتضى الآخر[٤].
منها: تقابل الدليلين على سبيل الممانعة[٥].
منها: تنافي الدليلين وتمانعهما؛ باعتبار مدلولهما[٦]. وهو منسوب إلى مشهور أصوليي الشيعة[٧].
وفي شرح هذا التعريف يقال: لا يتحقّق التعارض إلاّ بعد اتّحاد موضوع الدليلين وإلاّ لم يمتنع اجتماعهما، كما أنّه لا تعارض بين الأصول و الأدلّة الاجتهادية؛ لأنّ موضوع كلٍّ منهما شيء غير موضوع الآخر، فموضوع الأصول الشيء بوصف أنّه مجهول الحكم، بينما موضوع الدليل الاجتهادي نفس الشيء من دون ملاحظة ثبوت حكم مسبق له، فضلاً عن الجهل بحكمه[٨].
وأضاف البعض إلى التعريف (في عالم الجعل و التشريع) ليخرج تعارض البينتين في الموضوعات، فإنّ التنافي بينهما ليس في عالم الجعل و التشريع، بل الخارج إلاّ أن يراد من البحث ما يشمل هكذا تعارض فعندئذٍ يوجب إضافة «التكوين» لتصحيح التعريف[٩].
وأضاف بعض آخر عبارة: «على وجه التناقض أو التضاد»[١٠].
منها: هو تنافي الدليلين أو الأدلّة بحسب الدلالة ومقام الإثبات على وجه التناقض أو التضاد حقيقة أو عرضا[١١].
وهو للمحقّق الخراساني، حيث عدل عن تخصيص التعارض بين المداليل إلى الدلالة للإشارة إلى أنّه إذا كان بين الدليلين المتنافيين حكومة أو ورود أو توفيق عرفي أو تخصيص أو تقييد فالدليلان خارجان عن التعارض موضوعا؛ لعدم تنافيهما بحسب الدلالة ومقام الإثبات، بينما يكونان داخلان في التعريف إذا كان المراد من التعارض في المدلول لا الدلالة[١٢].
وبرّر الشيخ المظفر هذا العدول بأنَّ المدلولين يوصفان بأنّهما متنافيان لا متعارضان، وإنّما التعارض وصف للدليلين بما هما دليلان على أمرين متنافيين لا يجتمعان[١٣].
منها: تنافي الدليلين أو الأدلّة، بحيث لا يمكن الجمع بينهما[١٤]. وأراد صاحب هذا التعريف الجمع بين من قال بأنّ التعارض بين الأدلّة بلحاظ مداليلها والذي قال بأنّه بين الأدلّة بلحاظ الدلالات.
منها: هو التنافي بين المدلولين ذاتا بلحاظ مرحلة فعلية المجعول. وهو للشهيد الصدر، وأراد من التقييد بالمدلولين دون الدليلين هو كون الدليل متكفّلاً للجعل لا لفعلية المجعول، والتنافي في هذه المرحلة يعني عدم اجتماع المدلولين في عالم الفعلية معا ولو باعتبار التنافي بين موضوعيهما. وقيّد التنافي بالذاتي لإخراج التنافي المصطنع بينهما الناشئ من تقييد موضوع خطاب بعدم خطاب آخر، دون أن يكون ذلك على أساس التنافي الذاتي بين حكميهما مسبقا، كما أنّ تعريفه ـ خلافا لتعريف أكثر متأخّري الأصوليين ـ عام وشامل لحالة التعارض غير المستقر (أي القابل للجمع العرفي) كذلك، بحيث يشمل الورود الذي أخرجه الأصوليون عن موضوع بحث التعارض[١٥].
منها: هو أن يقتضي أحد الدليلين حكما في واقعة خلاف ما يقتضيه الدليل الآخر فيها[١٦].
وعلى أيّ حال، فإنّ استخدام الأصوليين لمفردة التعارض يبدو منه إرادة معنيين، أحدهما: شامل لجميع أنواع التعارض، مستقرّا وغير مستقرّ، والآخر خاصّ بما إذا كان مستقرّا.
فالقدماء والمتقدّمون من أصوليي الشيعة[١٧] وكذا مجمل أصوليي أهل السنّة[١٨] استخدموا هذا الاصطلاح بمعناه العام، وقد يكون ذلك باعتبار عدم بحث الجمع العرفي بنحو تخصّصي وعدم وضع اصطلاحات خاصّة بها، بينما حدّد متأخّرو أصوليي الشيعة هذا الاصطلاح بالتعارض المستقر غير الشامل لموارد الجمع العرفي[١٩].
وبرغم النقاش الوارد في دخول وعدم دخول موارد الجمع العرفي في التعارض المصطلح، فإنّ جلّ المتأخّرين أدرجوا بحوثه تحت موضوع التعارض، أو تحت عنوان (التعادل والتراجيح[٢٠]) أمّا الغزالي فأدرجه تحت عنوان ترتيب الأدلّة[٢١].
إمكانية حصول التعارض
ذكر البعض ثلاثة آراء في إمكانية حصول التعارض في أدلّة الأحكام الشرعية:
الأوّل: لا يوجد تعارض بين الأدلّة الشرعيه أو العقلية، القطعية أو الظنية في الواقع ونفس الأمر، وما يبدو من وجود تعارض فهو في نظر المجتهد لا أكثر. نسب هذا إلى جمهور الأصوليين من الشيعة و السنّة.
استدلّ على هذا الرأي بوجوه عقلية من قبيل لزوم التناقض ونسبة النقص والعجز عن إنزال الشارع ما لا تعارض فيه، وكذا أدلّة نقلية مثل: «أفَلا يتدبّرون القرآن»[٢٢].
الثاني: إمكانية التعارض مطلقا، سواء كانت الأدلّة عقلية أو نقلية، قطعية أو ظنّية، وهو مذهب جمهور المصوّبة وبعض فقهاء الشافعية وغيرهم.
واستدلّوا عليه بوجوه عقليه ونقلية.
منها: عدم وجود وجه نقلي أو عقلي يدلّ على منع التعارض.
منها: إنّ الاجتهاد الذي جوّزه الرسول يقتضي بطبيعته الاختلاف في الاُمور الاجتهادية.
منها: وجود آيات متشابهات من قبيل: «يدُ اللهِ فَوقَ أيديهم»[٢٣] تؤدّي إلى الاختلاف في الفهم.
الثالث: إمكانية التعارض في الأمارات وعدم إمكانيته في الأدلّة القطعيه. نسبه الأسنوي إلى الجمهور[٢٤].
وطريقة استدلال أصحاب هذا الرأي هو حملهم الأدلّة التي أوردها المانعون عن التعارض على الأدلّة القطعية، وحملهم الأدلّة التي أوردها المجوّزون للتعارض على الأمارات والأدلّة الظنّية[٢٥].
شكّك البعض في نسبة القول الأوّل إلى المشهور؛ وذلك لأسباب من قبيل: وجود إجماع منقول يقابل هذا القول نقله أبو بكر الباقلاني والكيا الهرسي وابن السمعاني، وأسباب اُخرى[٢٦].
كما حملت أقوال العلماء القائلين بإمكانية التعارض على محامل اُخرى من قبيل: كون التعارض ظاهريا، أي في نظر المجتهد فقط وليس في الواقع؛ وذلك لأنّ التعارض منفيٌّ حتّى في القرآن، كقوله تعالى: «أفلا يَتَدَبَّروُن القرآن ولو كان من عندِ غيرِ الله لَوَجَدُوا فيه اختلافاً كثيراً»[٢٧]. باعتبار أنّ مفهوم الآية كون القرآن من عند اللّه فلا اختلاف فيه إذن[٢٨].
أسباب حصول التعارض
همّ البعض بذكر أسباب حصول ظاهرة التعارض بين الأدلّة الشرعية، فورد عنهم ما يلي من أسباب:
1 ـ مستوى إدراك المجتهد لمضامين ومداليل الأدلّة الشرعية؛ باعتبار استحالة صدور التناقض عن الشريعة وصاحبها. وهذا الأمر يشكّل مبرّرا لكمية كبيرة من التعارضات الظاهرة في الشريعة، وقد أسماه الشهيد الصدر بالتعارض الذاتي، في قبال التعارض الموضوعي الثابت في واقع الأمر[٢٩]، وأسماه بعض آخر بالتعارض الظاهري أو فيما يظهر للمجتهد[٣٠].
وسعى بعض لتحليل هذه الظاهرة فأرجعها الشاطبي إلى عدم عصمة المجتهد[٣١]، وأرجعها آخر إلى أمور، أحدها: القصور في العلم، وثانيها: القصور في الفهم، وثالثها: القصور في التدبُّر[٣٢].
2 ـ النسخ، فإنّ النسخ وقع في صدر الاسلام، وأثبته أكثر العلماء، سواء في القرآن أو في السنّة، فالنصّ اللاحق قد يناقض السابق، وذلك لكون اللاحق ناسخا للسابق. هذا إن أخذنا النسخ بمعنى رفع الحكم بعد تشريعه، أمّا إن أخذناه بمعنى التخصيص، فهو داخل في باب التعارض غير المستقر.
3 ـ ضياع القرائن، فإنّ هناك الكثير من القرائن التي تحفّ بالنصّ الشرعي أو سياقه الذي ورد فيه، حذفت لأسباب من قبيل: تقطيع النصّ أو الغفلة عند نقله.
4 ـ تصرّف الرواة والنقل بالمعنى، وهذا ما يصدر عن الرواة أحيانا، فلم يحافظوا على النصّ كما سمعوه أو وصل إليهم، بل ينقلونه بالمعنى أو يوردون توضيحه أو يزيدون عليه إيضاحا وتفسيرا، وبذلك تردنا نصوص متناقضة برغم كونها ليست كذلك في الحقيقة.
5 ـ التدرُّج في البيان، فإنّه درج عن أهل البيت تدرُّجهم في بيان التشريعات وعدم الإقدام على سرد التشريع بتفاصيله في مجلس واحد، فنجدهم أحيانا يؤجّلون التفاصيل إلى مجالس اُخرى؛ وذلك قد يكون بسبب عدم استيعاب المتشرعة للتفاصيل دفعة واحدة في ظلّ الظروف السياسية والإمكانات المحدودة التي يستعصي معها التعليم والتعلُّم، وقد يكون بسبب تطبيق فكرة التدرُّج في مجال التربية والتثقيف التي كان يعملها المعصومون عليهمالسلام، كما كان يفعل ذلك الرسول(ص).
6 ـ التقية، فإنّ أكثر أئمة أهل البيت عاشوا جلّ حياتهم ظروفا عصيبة فرضت عليهم التقية في القول والفعل، فكانت تصدر منهم ما يموّه على الجهات الضاغطة دفعا لضرر المضايقات والإيذاء.
7 ـ ملاحظة ظروف الراوي، فإنّ المعصوم قد يلاحظ حالة خاصّة للسائل يتغيّر وفقها الحكم الشرعي، لكنّ الراوي ينقل الرواية كقضية حقيقة شاملة لجميع الموارد، ما يجعل تعارضا مع روايات صدرت عن المعصوم بيَّن فيها الحكم الشرعي بنحو القضية الحقيقية دون لحاظ ظروف خاصّة للسائل.
8 ـ الدسّ والتزوير، فقد كان أشخاص ومجاميع غير قليلة تهتمُّ بالتزوير والدسّ في الروايات؛ وذلك لأهداف عديدة منها: تبرير مذاهبهم[٣٣].
وفي هذا المجال كتب علماء مجلّدات غير قليلة حدّدوا فيها الموضوع من الحديث، منها: (الموضوعات) لابن القيم الجوزية، و (اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة) للسيوطي.
وقد أكّد البعض على اختلاف الرواة في النقل و النسخ في النصوص الدينية والاختلاف في القراءات القرآنية كأسباب موجبة للتعارض[٣٤].
متعلّق التعارض
يحصل التعارض بين الدليلين المعتبرين من حيث الدلالة أو السند أو جهة الصدور، فيقع بين الآيتين والخبرين القطعيين من حيث السند، والظنّيين من حيث السند أو الدلالة، والأمارتين من الأمارات المعتبرة على اختلافها، والمختلفتين من حيث السند والدلالة، والأصلين اللفظيين أو العمليين[٣٥].
وإذا كان أحدهما قطعيا من جميع الجهات والآخر ظنّيا من بعض الجهات فلا إشكال في تقديم الأوّل على الثاني، ولا معنى لتعارضهما، فإنّ شرط تحقّق التعارض كون الدليلين في قوّة واحدة[٣٦].
وينقل عن البعض منعه التعارض بين الظنّيين؛ لأنّا إذا خيّرنا بين الفعل والترك فقد سوّغنا له الترك، فيكون ذلك ترجيحا لدليل الإباحة، وهو باطل.
لكن ردّ بأنّ التخيير ليس إباحة؛ لأنّه يجوز أن يقال له: إن أخذت بدليل الإباحة فقد أبحتُ لك، وإن أخذت بدليل الحظر فقد حرمتُه عليك[٣٧].
ولا يتصوّر التعارض بين قطعيين من جميع الجهات، ونقل الإجماع عليه[٣٨]، وبرّر ذلك بأنّه ينافي العلم بكذب أحدهما[٣٩]. أو أنّ تعارضهما يستلزم اجتماع النقيضين[٤٠]. أو من باب أنّه ليس بعض العلوم أقوى وأغلب من بعض[٤١]، وتبريرات اُخرى[٤٢].
لكن يجوز أن يتعارضا فيما إذا كان التعارض صوريا غير مستقرّ ناشئا عن فهم المجتهد الذي هو عرضة للخطأ، فيجمع بينهما بحمل أحدهما على كونه ناسخا مثلاً[٤٣].
ولذلك يرى البعض أنّ قصر التعارض على الأدلّة الظنية تحكُّم؛ لأنّ التعارض في الظاهر فقط وليس في الواقع، وكما يصحّ أن يطرأ على الأدلّة الظنّية يصحّ أن يطرأ على الأدلّة القطعية[٤٤].
ومن جانب آخر فإنّ الملحوظ لدى بعض الشيعة، باعتبار عدم اعتدادهم بالأدلّة الظنّية إلاّ الأخبار منها، حصروا بحث التعارض، وفي النتيجة التراجيح بالأخبار فقط[٤٥]، وهو ما صرّح به بعضهم[٤٦]. هذا مضافا إلى وجهة نظر الأخباريين منهم في الاعتماد شبه الكلّيّ على الأخبار.
كما أنّ هناك موارد يمكن إخراجها من التعارض باعتبار الرأي البنائي الذي التزمته بعض المذاهب الفقهية، وقد ذكر البعض الموارد التالية كمثال على ذلك:
1 ـ خبر الواحد مع القياس عند النافين لحجّية القياس.
2 ـ الخبر المسند مع الخبر المرسل عند النافين لحجّية الخبر المرسل.
3 ـ تعارض القياس مع الاستصحاب الذي ينفيه الحنفية.
4 ـ تعارض خبر الواحد أو المشهور أو المتواتر مع المصالح المرسلة عند الجمهور، خلافا لـ المالكية.
5 ـ تعارض خبر الواحد مع إجماع أهل المدينة عند الجمهور، خلافا لـ المالكية[٤٧].
شروط التعارض
تناول البعض ذكر شروط التعارض، وباعتبار عدم التفريق في أصول أهل السنّة بين النوعين الأساسيين من التعارض (أي المستقرّ وغير المستقرّ) نرى الشروط التي ذكروها هنا شاملة لكلا النوعين، بينما من تعرّض من متأخّري الشيعة لشروط التعارض فرّق بينهما، وذكر لكلٍّ منهما شروطا خاصّة.
شروط التعارض في مصادر أهل السنّة
وردت عن الزركشي ما يأتي من شروط:
1 ـ التساوي في الثبوت، فلا تعارض بين الكتاب و خبر الواحد إلاّ من حيث الدلالة.
2 ـ التساوي في القوّة، فلا تعارض بين المتواتر والآحاد، بل يقدّم المتواتر على الآحاد، لكن نقل الخلاف في ذلك، ورأي البعض ثبوت التعارض والتساقط هنا.
3 ـ اتّفاقهما في الحكم مع اتّحاد الوقت والمحلّ والجهة، فلا امتناع بين الحلّ والحرمة والنفي والإثبات في زمانين في محلّ أو محلّين وزمانين و بجهتين، كالنهي عن البيع في وقت النداء والجواز في غيره[٤٨].
وذكر البعض الآخر الموارد التالية شروطا للتعارض:
1 ـ كون المتعارضين كليهما حجّة.
2 ـ كون التنافي بينهما على وجه التناقض. والقائلون بهذا الشرط رتّبوا عليه شروطا اُخرى، ذات صلة بالتناقض، هي:
أ ـ توافر شروط التناقض لحصول التعارض بينهما.
ب ـ عدم إمكان الجمع بين المتعارضين باعتبار التناقض بينهما. وهذا الشرط كسابقه موضع اختلاف الأصوليين، فانقسموا بين مثبت له وبين نافٍ له؛ باعتبار اختلافهم في المراد من التعارض الأصولي ما إذا كان التنافي الظاهري أو التناقض الحقيقي.
3 ـ التساوي بين المتعارضين من حيث القوّة والضعف.
4 ـ عدم إمكان الجمع بينهما.
5 ـ كون التعارض بينهما بنحو يمكن أن يكون أحدهما ناسخا للآخر، إذا علم تاريخه وتأخّره عن الآخر. وهذا الشرط اشترطه السرخسي لإخراج القياسين وأقوال الصحابة عن حالة التعارض، فلا يمكن للقياسين أن يتعارضا؛ لعدم إمكان نسخ أحدهما الآخر، كما لا يمكن لأقوال الصحابة أن تتعارض فيما بينها باعتبارها تمثّل آراء شخصية لا آثارا عن المعصوم.
6 ـ عدم كون المتعارضين قطعيين. وهو شرط منسوب إلى جمهور الشافعية وجميع المانعين عن التعارض بين الأدلّة القطعية[٤٩].
ولم يتّضح فيها بدقّة الإشارة إلى نوعية التعارض ما إذا كان مستقرّا أو غير مستقرّ، ويبدو من بعضها الشمول لكليهما، من قبيل الشرط الأخير.
شروط التعارض المستقر
ذكر الشيخ المظفر الشروط التالية للتعارض المستقرّ:
1 ـ ألاّ يكون أحد الدليلين أو كلٌّ منهما قطعيا؛ لأنّه لو كان أحدهما قطعيا، فإنّه يعلم منه كذب الآخر، والمعلوم كذبه لا يعارض غيره. وأمّا القطع بالمتنافيين بأن كان كلاهما قطعيين، ففي نفسه أمر مستحيل لا يقع.
2 ـ ألاّ يكون الظنّ الفعلي معتبرا في حجّية كلٍّ منهما معا؛ لاستحالة حصول الظنّ الفعلي بالمتكاذبين كاستحالة القطع بهما. نعم، يجوز أن يعتبر في أحدهما المعين الظنّ الفعلي دون الآخر.
3 ـ أن يتنافى مدلولاهما ولو عرضا وفي بعض النواحي ليحصل التكاذب بينهما، سواء كان التنافي في مدلولهما المطابقي أو التضمّني أو الالتزامي. والضابط هنا هو تكاذب الدليلين على وجه يمتنع اجتماع صدق أحدهما مع صدق الآخر.
4 ـ أن يكون كلٌّ من الدليلين واجدا لشرائط الحجّية؛ باعتبار أنّه لو كان أحدهما فاقدا لشرائط الحجّية كان غير صالح لئن يكذّب منافيه، فلا تعارض بين الحجّة واللا حجّة، كما لا تعارض بين اللا حجّتين.
5 ـ ألاّ يكون الدليلان متزاحمين؛ لأنّ التنافي في المتزاحمين من باب الامتثال لا التشريع.
6 ـ ألاّ يكون أحد الدليلين حاكما على الآخر.
7 ـ ألاّ يكون أحد الدليلين واردا على الآخر[٥٠].
وقد أضاف السيد اليزدي شروط تحقّق التناقض التي ذكرها المناطقة، وهي: اتّحاد الموضوع، واتّحاد المحمول، واتّحاد الجهة، واتّحاد الزمان، واتّحاهما في القوّة والفعل، واتّحادهما في الكلية والجزئية، واتّحاد الشرط فيهما، واتّحاد الاضافة فيهما، ووحدة الحمل أوليا أو شائعا صناعيا. واعتبر شمول التعارض للتضاد من باب أنّه يؤول إلى التناقض وإلاّ فهو غير مشمول بحدّ ذاته[٥١].
شروط التعارض غير المستقر
ذكر الشهيد الصدر الموارد التالية كشروط لـ التعارض غير المستقر، وهي في الحقيقة شروط للجمع العرفي كذلك:
1 ـ أن يكون المتكلّم بكلا الكلامين واحدا أو بحكم الواحد، لكي يتسنّى اعتبار أحدهما قرينة على الآخر، والمراد بحكم الواحد هو مثل أئمة أهل البيت عليهمالسلام الذين يعتبرون بمثابة جهة واحدة ممثّلة للشريعة.
2 ـ ألا يكون هناك علم إجمالي بعدم صدور أحد الخطابين من الشارع، فإنّ ذلك يعني كذب أحد الخطابين وعدم صدوره من الشارع، والتعارض هنا يكون بين نفس الخطابين وإن لم يكن هناك تنافٍ بين مدلوليهما.
3 ـ أن يبقى مجال للتعبُّد بمقدار من دلالة ذي القرينة، وأمّا إذا اقتضى الجمع العرفي إلغاء التعبُّد بدلالته رأسا فلا مجال حينئذٍ لإعمال الجمع العرفي، كما لو فرض اقتضاء حمل أحد المتعارضين على كونه إخبارا عن واقعة خارجية لا إنشاء مولويا، عندئذٍ لا يبقى مجال للتعبُّد بدلالة ذي القرينة؛ لأنّها لا تنتهي إلى أثر عملي. والوجه في هذا الشرط هو أنّه مع عدم إمكان التعبُّد بدلالة ذي القرينة يكون التعارض بحسب الحقيقة بين القرينة ودليل التعبُّد بسند ذي القرينة.
4 ـ أن يكون التعارض غير المستقر بين الدليلين ذاتيا قائما على أساس التناقض أو التضاد، وأمّا إذا كان التعارض عرضيا وقائما على أساس العلم الاجمالي بمخالفة مدلول أحدهما للواقع، فسوف يقدّم أقوى الدليلين عندئذٍ، من قبيل: ورود دليل يأمر ظاهرا بصلاة الظهر يوم الجمعة، وورد آخر يصرّح بوجوب صلاة الجمعة، وعلم من الخارج بعدم جعل الفريضتين على المكلّف في ذلك الوقت فلا يمكن جعل الدليل الصريح في وجوب الجمعة قرينة لحمل الأمر بالظهر على الاستحباب. وقد ذكر أكثر من تبرير على هذا، منها: أنّه لا يقدَّم أقوى الدليلين على أضعفهما مع العلم بكذب مفاد أحدهما[٥٢].
موارد التعارض غير المستقر
موارد التعارض غير المستقر التي أخرجها متأخّرو الأصوليين عن موارد التعارض المصطلح عبارة عمّا يلي:
1 ـ التزاحم، وخروجه من باب أنّ التنافي بين الدليلين في هذه الحالة ليس من حيث المدلول، بل من حيث الامتثال وفي مقام الامتثال، بأن توجَّه تكليفان للمكلّف، امتثال أحدهما متوقّف على مخالفة الآخر؛ لعجزه عن امتثال كلّيهما.
2 ـ الحكومة، وخروجها عن التعارض، باعتبار أنّ الدليل الحاكم شارح للمحكوم أو رافعا لموضوعه، ولا يحصل تنافٍ بين دليلين أحدهما شارح للآخر أو نافٍ لموضوع الآخر.
3 ـ الورود، وخروجه عن التعارض، باعتبار أنّ الدليل الوارد يرفع موضوع الدليل المورود تكوينا بواسطة التعبُّد الشرعي، فلا منافاة بين الدليلين.
4 ـ التخصّص، وخروجه عن التعارض من باب أنّ موضوع أحد الدليلين قد خرج عن موضوع الدليل الآخر بالوجدان، فانخرم شرط الاتّحاد في الموضوع.
5 ـ التخصيص، وخروجه من باب أنّ حجيّة كلّ دليل تتوقّف على اُمور ثلاثة، هي: الصدور عن الشرع وكون ظاهره مرادا للمتكلّم، وأنّ إرادته للظاهر جدية، والدليل المخصِّص بمثابة القرينة للكشف عن المراد الجدي للشارع.
وهناك تبريرات اُخرى ذكرت للموارد التي خرّجت عن التعارض المستقر[٥٣].
6 ـ تعارض أدلّة العناوين الأوّلية مع أدلّة العناوين الثانوية، فهنا تقدّم أدلّة العناوين الثانوية على الأوّلية، ولا تلاحظ النسبة بينهما أصلاً؛ لأنّ هذا متفرّع على تعريف التعارض، فإنّه لا تنافي ولا تضادّ هنا لاختلاف العناوين بين الدليلين.
لكن وقع الكلام في وجه تقديم أحدهما على الآخر، فبعض ذهب إلى أنّه من باب الجمع العرفي، كما هو رأي المحقّق الخراساني[٥٤]، وبعض آخر ذهب إلى أنّه من باب الحكومة، باعتبار كون الثانوية ناظرة ومفسرة للأولية وعارضة وطارئة عليها. وذهب آخر أيضا إلى التفصيل بين ما إذا كان العنوان الثانوي مثل الضرر والحرج فبالحكومة، وبين ما إذا كان مثل الشرط والنذر فبالجمع العرفي ، وهو ما ينسب إلى بعض محشي ( كفاية الأصول ) .
لكن أشكل على الرأي القائل بالتفصيل بأنّ الشرط ليس من قبيل العناوين الثانوية أصلاً، والعناوين الثانوية وإن كانت كثيرة لكن الشرط ليس منها[٥٥].
أقسام التعارض
ذكرت أقسام غير قليلة للتعارض، تناولت مجملها الحالات المتصوّرة للدليلين (أو الأدلّة) عندما يكونان متنافيان، فقد يكونان من الكتاب أو من السنّة أو أحدهما من الكتاب والآخر من السنّة أو بين الكتاب و الإجماع أو القياس، وقد يكون التنافي بين القياسين[٥٦]، كما أنّه قد يكون لكلّ قسم أقسام عديدة، فإنّ التعارض في الأحاديث قد يسعى في حلّه من خلال النظر إلى دلالة كلٍّ منهما وقد يسعى لحلّه من خلال النظر إلى سند كلٍّ منهما، فيبحث عن المرجّحات في كلٍّ من الأمرين.
نعرض لهذه الأقسام في باب الحكم، ونقتصر هنا على ذكر التقسيمات المنصبّة على التعارض نفسه، والتي اكتسبت اصطلاحا يتداوله الأصوليون.
القسم الأول: التعارض المستقر وغير المستقرّ
برغم أنّ الكثير من الأصوليين لم يفرّق بين التعارض المستقر و التعارض غير المستقر[٥٧]، لكنّ كثيرا من متأخّري أصوليي الشيعة أكّدوا هذا التقسيم، بل هو من إبداعاتهم، ووردت عنهم أحكام خاصّة لكلٍّ منهما.
التعارض غير المستقر: هو الذي تطبّق عليه قواعد الجمع العرفي، ويزول بمجرّد تطبيقها بتعديل إحدى الدلالتين على وفق الدلالة الاُخرى. وهي من قبيل: التخصيص أو التقييد أو الحكومة[٥٨]. ويسمّى بدويّا؛ باعتبار أنّه يبدو تعارضا في البدء ولا تعارض في الواقع.
وعرّف التعارض المستقر بعبارات من قبيل:
هو التنافي بين الدليلين بنحو يسري إلى دليل الحجيّة، فيقع التنافي في اقتضاءات دليل الحجّية العام لشمول الدليلين معا[٥٩].
أو التعارض الذي يكون بلحاظ دليل الحجّية، لتنافي مفادي الدليلين مع تمامية عموم دليل التعبُّد في كلٍّ منهما[٦٠]. ويوصف بأنّه لا يمكن معه الجمع العرفي[٦١] أو لا يمكن فيه العلاج بالجمع العرفي[٦٢].
أو الذي لا يمكن علاجه ويسري التعارض فيه إلى دليل الحجّية، أي مع حصوله يستحيل ثبوت حجّية كلا الدليلين المتعارضين؛ لأنّ إثباتها يؤدّي إلى إثبات كلٍّ منهما ونفيه في وقت واحد، فالتنافي حاصل في المدلول[٦٣]. ويسمّى التعارض الحقيقي أيضا[٦٤].
القسم الثاني: التعارض الإثباتي والثبوتي
التعارض الإثباتي: هو التعارض غير المستقر المتحقّق في مرحلة الإثبات والدلالة دون السراية إلى مرحلة الثبوت، كالتعارض بين العام والخاصّ، و المطلق والمقيد.
التعارض الثبوتي: هو التعارض المستقر بين مدلولي الدليلين بالذات وبين الدالّين بالعرض، وهو الذي يبحث عن مرجّحات طرفيه من حيث السند أو المضمون أو الجهة، ويحكم فيه بالتساقط أو التخيير أو ما شابه[٦٥].
القسم الثالث: التعارض المستوعب وغير المستوعب
التعارض المستوعب: هو التعارض المستقر الذي يستوعب تمام مدلول الدليل، كما في الدليلين المتعارضين الواردين على موضوع واحد مع كون النسبة بينهما التباين.
والتعارض غير المستوعب: هو التعارض المستقر الذي يشمل جزء من المدلول، كما في العامين من وجه[٦٦].
القسم الرابع: التعارض الذاتي والعرضي
التعارض الذاتي: هو التعارض الحاصل من خلال مؤدّى الدليلين ذاتيهما، بأن يوجب أحدهما الدعاء عند رؤية الهلال وينفي الآخر وجوبه.
التعارض العرضي: هو التعارض الحاصل لأمر عارض خارج عن مؤدّى الدليلين، من قبيل: التعارض بين ما دلّ على وجوب صلاة ظهر يوم الجمعة ووجوب صلاة الجمعة، فإنّ التعارض بين هذين الدليلين يحصل بملاحظة دليل ثالث يثبت عدم وجوب فرضين على المكلّف في ذلك الوقت، ومن خلال الدليل الثالث يثبت لدينا كذب أحد الدليلين[٦٧].
القسم الخامس: التعارض السندي والدلالي
التعارض السندي: هو التعارض الذي نعود فيه إلى السند لأجل معالجته، من قبيل: التعارض المستوعب الذي نعود فيه إلى السند ونلجأ إلى إعمال المرجّحات السندية من أعلمية وأورعية الراوي وما شابه ذلك.
والتعارض الدلالي: هو التعارض الذي يعود إلى مضمون الدليلين المتعارضين، وهو عنوان شامل لكلٍّ من التعارض المستقر وغير المستقرّ. ولأجل معالجته نعود إلى المعالجات الدلالية، كحمل أحدهما على خلاف الظاهر أو على القدر المتيقّن أو ما شابه ذلك[٦٨].
أحکام التعارض
المنهج المألوف والدارج لدى جمهور قدماء ومتقدّمي أصوليي أهل السنّة منهم دراسة التعارض عبر المراحل التالية:
المراحل الأربعة لرفع التعارض
المرحلة الاُولى: الجمع بين المتعارضين.
المرحلة الثانية: ترجيح ما له فضل ومزية على الفاقد لهما.
المرحلة الثالثة: الحكم بنسخ أحد المتعارضين لمقابله عند عدم إمكان الجمع بينهما.
المرحلة الرابعة: سقوط المتعارضين، وذلك عند تكافؤ الدليلين المتعارضين.
استدلّ الجمهور على رأيه باُمور:
منها: كون الشارع قد طرح الأدلّة للاستفادة منها كلّها لا لتعطيل بعضها.
منها: كون الجمع ينزّه الأدلّة عن النقص ويزول به الاختلاف.
وورد عن بعض الحنفية تقديم الترجيح على الجمع وذلك بالنحو التالي:
1 ـ إن علم بتاريخ المتعارضين نسخ اللاحق السابق.
2 ـ إن لم يعلم بتاريخ المتعارضين رجّح أحدهما بأحد المرجّحات المذكورة في محلّها.
3 ـ إن لم يكن مرجّح تساقط المتعارضان وأخذ بالأدنى منهما وفق الترتيب التالى:
أ ـ إذا تعارض آيتان يتركان ويؤخذ بالسنّة.
ب ـ إذا تعارض سنّتان يتركان ويؤخذ بالقياس.
ج ـ إذا تعارض قياسان يكون المجتهد مخيّرا بينهما.
د ـ إذا تعارض الآيتان أو السنتان ولم يجد المجتهد الأدون منهما يحكم بالأصل في المسألة قبل ورود الدليلين.
واستدلّوا على رأيهم باُمور:
منها: اتّفاق العلماء على تقديم الراجح على المرجوح.
منها: كون سيرة الصحابه قائمة على ترجيح أحد الدليلين عند التعارض.
ومنها: دعوى إجماع العلماء على تقديم الترجيح على الجمع.
كما نسب للمحدّثين الترتيب التالي في معالجة التعارض:
1 ـ الجمع بينهما إن أمكن.
2 ـ إن لم يمكن وعلم بتاريخهما يقدَّم المتأخّر منهما كناسخ.
3 ـ إن لم يعلم بالتاريخ يرجّح أحدهما وفق المرجّحات الثابتة.
4 ـ إن لم يكن هناك مرجّح يحكم بالتوقّف أو التساقط[٦٩].
وقريب من منهج جمهور أصوليي أهل السنّة منهج بعض قدماء ومتقدّمي أصوليي الشيعة[٧٠]، والاختلاف بينهما قد يكون ناشئا عمدة عن عدم اعتدادهم بالأدلّة الظنّية إلاّ الأخبار منها، كما يصرّح بعضهم بذلك[٧١]، فحصروا بحوثهم في التعارض بينها فحسب، أمّا مثل تعارض آيتين فالحكم هو الجمع بالتخصيص والتقييد وما شابه، كما هو واضح.
انحصار البحث لدی متأخّري الشيعة في الحالتين
أمّا منهج متأخّري الشيعة فغالبا يبحث التعارض في الحالتين التاليتين:
الحالة الاُولى: التعارض غير المستقر
والحكم الكلّي لحالة التعارض غير المستقر هو الجمع العرفي، وله موارد عديدة بحسب نوعية التعارض الحاصل بين الدليلين.
الجمع بين الدليلين
تطرح معالجة الجمع عند حصول التعارض غير المستقر، حيث لا يوجد تنافٍ في اقتضاءات دليل الحجّية، إمّا لعدم المحذور في فعلية اقتضاءات الحجّية للشمول لكلا الدليلين وإمّا لعدم وجود اقتضاء في الدليل لتخصيصه بأحدهما برغم الشمول لكلا الدليلين[٧٢].
لم يرد تعريف محدّد للجمع بين الدليلين، لكن من الواضح ومن خلال تتبّع كلمات الأصوليين، نجد أنّ المراد منه هو التوفيق بين الدليلين، أي حمل الدليلين أو أحدهما على معنى غير ما يبدو في الوهلة الاُولى، من قبيل: حمل العام على الخاصّ والمطلق على المقيّد، والأمر على الاستحباب، والنهي على الكراهة، أي تأويله أو تأويلهما بما يجعل الوفاق بين مضمونيهما ويرفع التنافي بينهما.
ويقابل اصطلاح الجمع اصطلاح الطرح الذي يعني إلغاء أو إسقاط الدليل عن دلالته واعتباره كالعدم.
رغم ذلك نجد بعض العبارات قد تصلح تعريفا لمصطلح الجمع، من قبيل قولهم:
كون الجمع هو التصرّف أو تأويل أحد الدليل أو كليهما على وجه يرتفع التنافي بينهما، أو الأخذ ببعض المفاد من كلٍّ منهما أو من أحدهما[٧٣].
كما أنّ للجمع أنحاء مختلفة، وفقا للقرائن التي قد تفرض إقرار الحكومة أو الورود أو التخصيص أو التقييد أو الأظهرية أو ما شابه ذلك.
شرائط الجمع
شرائط الجمع بين الدليلين هي ذاتها التي وردت في التعارض غير المستقر، فإنّ ما ذكر من شرط أو شروط للتعارض غير المستقرّ هي شروط للجمع كذلك، لأنّ التعارض غير المستقر لا يتأتّى مع إمكان حصول الجمع.
برغم ذلك ورد عن البعض سردهم لمجموعة من الاُمور عنونوها شروطا للجمع، من قبيل:
1 ـ أن يكون كلا المتعارضين حجّة.
2 ـ ألاّ يؤدّي الجمع إلى بطلان نصّ من نصوص الشريعة أو بطلان جزء منه.
3 ـ مساواة الدليلين المتعارضين، فلا تعارض بين المختلفين، من حيث الضعف والقوّة.
4 ـ ألاّ تكون النسبة بين المتعارضين تناقض أو تضادّ، وإلاّ يحمل أحدهما على اُمور من قبيل كونه ناسخا للآخر.
5 ـ ألاّ يكون أحد المتعارضين ممّا عمل الاُمّة أو جمهورهم بخلافه.
6 ـ ألاّ يكون الجمع بالتأويل البعيد.
7 ـ ألاّ يعلم بتأخُّر أحدهما عن الآخر.
8 ـ أن يكون المجموع به من المتعارضين من المعاني المحتملة للفظ.
9 ـ أن يصدر الجمع ممّن هو أهل للتأويل والجمع.
10 ـ ألاّ يخرج الجامع أو المجتهد بجمعه عن حكمة التشريع وسرّه.
11 ـ أن يقوم دليل على صحّة الجمع و التأويل[٧٤].
وكما هو واضح فإنّ جلّها صالحة لئن تكون شروطا لـ التعارض غير المستقر، برغم أنّ بعضها تناولت جزئيات الجمع وكيفياته، من قبيل ألاّ يكون الجمع بالتأويل البعيد، أو تناولت شرط مَن يقوم بالجمع، وهو أن يكون أهلاً لهذا العمل.
أقسام الجمع
وردت في كلمات الأصوليين الأقسام التالية للجمع:
=1 ـ الجمع العرفي=
الجمع العرفي هو الجمع الذي تتمّ من خلاله معالجة التعارض عبر التصرّف في دلالة أحد الدليلين أو كلاهما، بأن يخصَّص أحدهما أو يقيَّد، وبذلك يشمل كلّ ملائمة وتوافق يمكن إيجاده بين دليلين، على أن يكون عنصر الإطلاقات والاستخدامات العرفية حاصلاً فيه، ويدخل ضمن نطاق قواعد المحاورات العرفية، فيشمل مثل الورود والحكومة[٧٥].
وقد سمّاه البعض أو وصفه بالمقبول[٧٦] والدلالي[٧٧] والدلالتي[٧٨] والعقلائي[٧٩].
ويذكر البعض: إنّ المعيار في الجمع العرفي هو أقوائية أحد الظهورين، وباعتبار اختلاف القرائن الدالّة على هذا فتختلف الأقوائية حسب اختلاف رؤية الفقيه[٨٠]. ولذلك ورد عن البعض قوله: بأنّ أصول الفقه لا يبحث عن القرائن الخاصّة الجزئية للجمع الدلالي، فهي لا تدخل تحت ضابطة كلية، بل يبحث عن القرائن الكلّية التي تشكّل قاعدة عامّة وقانونا كليا للجمع الدلالي[٨١].
=2 ـ الجمع التبرّعي=
الجمع التبرّعي هو الجمع الذي يخرج عن نطاق قواعد المحاورات العرفية، أو يعود إلى تأويل الكلام بنحو لا يساعد عليه العرف من أهل المحاورة، ولا شاهد عليه ولا دليل يثبته، من قبيل: حمل أحد الدليلين على مورد نادر جدّا، ولذلك يعتبره الأصوليون غير حجّة ولا عبرة به[٨٢]، ويُدعى الجمع العقلي كذلك[٨٣].
=3 ـ الجمع الموضوعي والجمع الحكمي=
وهو تقسيم ناظر إلى محلّ الجمع بين الدليلين، فإذا كان التصرّف عند الجمع في الموضوع سمّي موضوعيا، وذلك من قبيل: القول بكون موضوع أحد الدليلين أخصّ من الآخر، وإذا كان التصرّف في حكم الدليل سمّي حكميا، وذلك من قبيل: القول بكون حكم أحدهما أخصّ من الآخر.
لقد ورد هذا التقسيم عن بعض الأصوليين وذكرت له فوائد من قبيل كون الجمع الموضوعي مقدَّما على الجمع الحكمي[٨٤].
نماذج من الجمع العرفي
ويمكن ذكر الاُمور التالية كنماذج تبحث في محالها للجمع العرفي:
1 ـ تقديم الخاصّ على العام. ( تخصيص، تخصُّص)
2 ـ تقديم الدليل الوارد على المورود. ( ورود)
3 ـ تقديم الدليل الحاكم على المحكوم. ( حكومة)
4 ـ تقديم الدليل المقيّد على المطلق. ( تقييد)
5 ـ تقديم الناسخ على المنسوخ أو تقديم النصّ الأحدث على المتقدّم. ( نسخ)
6 ـ تقديم الأهمّ على المهمّ عند التزاحم. ( تزاحم)
7 ـ تقديم النصّ على الظاهر. ( ظهور، نصّ)
8 ـ تقديم الأظهر على الظاهر. ( ظهور)
9 ـ تقديم القرينة على ذي القرينة. ( قرينة)
10 ـ تقديم الأصل السببي على الأصل المسبَّبي.
( الأصل السببي والمسبّبي)
11 ـ تقديم الدليل القطعي على الظنّي. ( حجّية، ظنّ، قطع)
12 ـ التصرّف في مضمون أحد الدليلين وحمله على ما يجعله غير متنافٍ مع الدليل الآخر، من قبيل حمله على العناوين الثانوية كـ التقية.
نماذج مختلف فيها
برغم أنّ الموارد المتقدّمة لا تخلو من نقاشات وردت في محالها إلاّ أنّ هناك الكثير من الموارد التي اختلف في التقديم والتأخير فيها[٨٥]، نورد الموارد التالية التي قد تكون أهمّها أو وقعت موضع نقاش أكثر من غيرها :
=النموذج الأول: تعارض الفعل والقول=
مثَّلوا للتعارض بين الفعل والقول بقوله(ص) بعد نزول آية الحج: «من قرن الحجّ إلى العمرة فليطف لهما طوافا واحدا»[٨٦] وروي عنه إنَّه قرن فطاف لهما طوافين وسعى سعيين.[٨٧]
وقد ذكرت في هذا المجال حالات عديدة وأقوال مختلفة، عدّها البعض إلى ستّين حالة.[٨٨]
([[أفعال الرسول)
=النموذج الثاني: تعارض الفعلين=
تعارض الفعلين، بمعنى إتيانهما في زمان واحد وبنفس الظروف، أمر غير ممكن، لكنّه ممكن على فرض وجودهما في زمانين، وعندئذٍ لابدّ من معالجتهما بالنحو الذي تعالج به النصوص بعد التأكُّد من صحّة نقل الفعل وعدم الوضع والتزوير، وذلك بحمل الثاني على كونه ناسخا للأوَّل أو كونه ذا شروط خاصّة تختلف عن الآخر.[٨٩]
رغم ذلك نقل خلاف وأقوال في هذا الموضوع[٩٠].
(أفعال الرسول)
=النموذج الثالث: دخول التعارض في انقلاب النسبة=
انقلاب النسبة اصطلاح يطلق عند تعارض أكثر من دليلين في وقت واحد، حيث تكون نسبة خاصّة بين دليلين تنقلب عندما تتعارض مع دليل ثالث. وهناك نقاش في كيفية علاج هذه الحالة واختلاف في وجهات النظر، وردت عن متأخّري أصوليي الشيعة[٩١].
=النموذج الرابع: التقديم وفق ترتيب الأدلّة=
اختلفت المذاهب في تقديم الأدلّة الأساسية بعضها على الآخر، فقد يقدَّم أقوال الصحابة مثلاً على الإجماع والعقل، وقد يقدَّم الاستحسان على الاستصحاب والعقل، وهكذا باقي الأدلّة.
ومن جانب آخر، فإنّ أصوليي الشيعة بتفصيلات بحوثهم المتأخّرة قدّموا الطرق و الأمارات على الأصول الشرعية الإحرازية، كما قدّموا الأصول الشرعية العملية غير الإحرازية (سواء كانت تعبّدية أو غير تعبّدية) على الأصول العقلية العملية، وهو ما يتناوله الفقهاء غالبا في بحوثهم الفقهية عن بعض المسائل الجزئية.
(أصول المذهب، ترتيب الأدلّة)
=النموذج الخامس: تبرير تقدّم الأمارات والطرق على الأصول الشرعية العملية=
يبدو اتّفاق الأصوليين على تقديم الأمارات والطرق على الأصول العقلية من باب الورود؛ لأنّها بمثابة البيان الذي يرفع موضوع الأصول العقلية[٩٢]، لكنّهم اختلفوا في تبرير تقدُّم الأمارات والطرق على الأصول الشرعية، وتوجد مبرّرات في هذا المجال :
الأوّل: كون أدلّة الطرق والأمارات واردة على أدلّة الأصول باعتبارين:
أ ـ كون المراد من الشكّ والجهل في موضوع الأصول هو عدم قيام الحجّة على الحكم الشرعي، ومع قيام الطرق و الأمارات يرتفع الموضوع.
ب ـ المراد من الشكّ والجهل بالحكم هو ما يقابل العلم الأعم من الوجداني والتعبّدي ولو بالوظيفة الظاهرية، فيرتفع موضوع الأصول بمجيء الأمارات.
لكن اعتبر هذا مخالفا للظاهر؛ لأنّ الظاهر من الجهل والشكّ في موضوع أدلّة الأصول الشرعية هو الأمر النفسي أو الصفة النفسانية القائمة في نفس الشاكّ المقابل للعلم بالواقع، لا ما ذكر في الوجهين الماضيين[٩٣].
الثاني: ما ذهب إليه الشيخ الأنصاري[٩٤] و المجدّد الشيرازي[٩٥] من كونه من باب حكومة أدلّة الطرق و الأمارات على أدلّة الأصول؛ لرفعها لموضوع الأصول الشرعية تعبّدا أو تنزيلاً، بسبب تقيُّد موضوع الأصول شرعا بالشك والجهل، مع أنَّ أدلة الطرق و الأمارات مطلقة غير مقيّدة.
وبذلك تكون أدلّة الطرق والأمارات رافعة لموضوع الأصول (وهو الجهل) تعبُّدا أو تنزيلاً وإن كان باقيا حقيقة.
وردّه البعض بعدّة ردود، منها: مبنى أصحاب هذا الرأي هو تنزيل الطرق و[الأمارات منزلة العلم، بينما هناك رأي آخر، وهو أنّ حجّيتها تعني اعتبارها بحيث يصلح الاعتماد عليها عمليا كما يعتمد على العلم، لا تنزيلها منزلة العلم[٩٦].
الثالث: التوفيق العرفي، وهو ما ذهب إليه المحقّق الخراساني، حيث يقول: بأنّ العرف لا يتحيّر في مثل هكذا تعارض، ويقدِّم الأمارات على الأصول بعد ملاحظتهما، ولا يلزم منه محذور تخصيص الأكثر، بينما إذا قدّمنا الأصول على الأمارات لزم منه محذور التخصيص بدون مبرّر[٩٧].
الرابع: إنَّ الأمارات تخصّص الأصول، فالأصول عامّة، وهي من قبيل: (المشكوك حلال) بينما الأمارات من قبيل: (التتن حرام) فهي (الأمارات) أخصّ من الأصول، فتخصّصها[٩٨].
لكن أشكل على التبرير الثالث والرابع بأنّ المراد من الجمع العرفي إمّا كون الأمارات خاصّة بالنسبة إلى الأصول مطلقا، والحال أنّ الواقع ليس كذلك، إذ بينهما عموم وخصوص من وجه أو أنّ المراد كون أدلّتها أظهر من أدلّة الأصول، وهذا لا دليل عليه[٩٩].
=النموذج السادس: إذا دار الأمر بين النسخ والتخصيص=
ناقش الكثير من الأصوليين موضوع دوران الأمر بين التخصيص و النسخ، ونوقش هذا الموضوع في بحث التخصيص تارة وفي بحث التعارض تارة اُخرى، وفي بعض المصادر نوقش في كلا الموضعين[١٠٠].
ذكر البعض صوراً لهذه المسألة:
الاُولى: أن يكون الخاصّ متّصلاً بالعام ومقارنا له زمانا.
الثانية : أن يكون الخاصّ بعد العام قبل حضور العمل به.
الثالثة: أن يكون الخاصّ بعد العام وبعد حضور وقت العمل به.
الرابعة: أن يكون العام بعد الخاصّ وقبل حضور العمل به.
الخامسة: أن يكون العام بعد الخاصّ وبعد حضور العمل به[١٠١].
ومن الصور أن يكون الترديد في دليل واحد اشتبه في كونه مخصِّصا أو ناسخا للعام، فإنّ البحث في هذه الصورة غير مثمر بالنسبة إلينا في هذا العصر، ومفيّد بالنسبة إلى من كان في عصر التشريع وصدر الإسلام، فعلى القول بكون الخاصّ ناسخا تصحّ أعمال من عمل وفق العام، وعلى القول بكون الخاصّ مخصِّصا لا ناسخا، فذلك يكشف عن بطلان الأعمال الماضية[١٠٢].
في الصورة الاُولى يحمل على التخصيص؛ لأنّ النسخ رفع الحكم الثابت في الشريعة، والمفروض أنّ العام غير ثابت ليكون الخاصّ رافعا له.
وفي الصورة الثانية قد يقال: بعدم جواز التخصيص لاستلزامه تأخير البيان عن وقت الخطاب، لكن يردُّ بجواز تأخير البيان عن وقت الحاجة فضلاً عن تأخيره عن وقت الخطاب. ( خطاب)
واختلف في الصورة الثالثة، فقد استدلّ على تعيُّن النسخ فيها بعدم معقولية التخصيص لقبح تأخير البيان عن وقت الحاجة، كما استدلّ على تعيّن التخصيص بوجوه هي نفسها التي أوردوها في الصورة الخامسة.
وفي الصورة الرابعة يتعيّن التخصيص؛ لأنّ البناء على النسخ يستلزم لغوية جعل الحكم.
الصورة الخامسة هي الواقع فيها جلّ الكلام بين الأصوليين[١٠٣].
الرازي لم يفصّل بين الصورة الثانية والثالثة ولم يقسّم الحالة إلى ما قبل أو بعد حضور وقت العمل بالأمر، فذهب بالإجمال إلى حمل المورد على النسخ. وكذلك فعل بالنسبة إلى الحالة الرابعة والخامسة، وقال بذهاب الحنفية إلى كون العام ناسخا، بينما رأي الشافعية هو التخصيص، ولم يذكر الدليل[١٠٤]. وهكذا فعل بعض متقدّمي الشيعة[١٠٥].
لكنّ الزركشي نقل تفاصيل في هذه المسألة ونقل عن الهندي بأنّ رأي الرازي خاصّ بما إذا ورد بعد حضور وقت العمل بالعام، فإن ورد قبل حضور العمل كان مخصّصا للعام المتقدّم... وأمّا إذا علم بتقدّم الخاصّ على العام فيحمل على التخصيص، ونسب الحمل على النسخ إلى الحنفية[١٠٦].
مثال هذا الدوران: صدور النهي عن بيع الغرر في ابتداء الهجرة، ونزول: «أوفوا بالعقود»[١٠٧] بعد سنين، أو بالعكس، أي صدور الآية أوّلاً وفي ابتداء الهجرة، ثُمّ صدور النهي عن بيع الغرر بعد سنين. فهنا فرضان:
الفرض الأوّل: إن قلنا بالتخصيص كانت النتيجة عدم وجوب الوفاء بالبيع الغرري، وإن قلنا بالنسخ، أي كون العام ناسخا للخاصّ كانت النتيجة وجوب الوفاء حتّى في البيع الغرري.
الفرض الثاني: إن قلنا بالتخصيص لم يجب الوفاء بالبيع الغرري من الأوّل، وإن قلنا بالنسخ، أي نسخ الخاصّ للعام، لم يجب الوفاء بالعام من حين ورود الخاصّ لا من الأوّل.
ذهب المشهور إلى تقديم التخصيص على النسخ مطلقا، لكن ذهب البعض إلى تقديم النسخ على التخصيص مطلقا.
استدلّ المشهور على رأيه باُمور:
1 ـ النسخ قليل نادر والتخصيص كثير، فيحمل على الكثير الغالب[١٠٨].
2 ـ كون الخاصّ أظهر في دوام الحكم واستمراره من العام في العموم الأفرادي[١٠٩].
3 ـ كون النسخ يتنافى مع ما ورد من كون حلال محمّد حلالاً إلى يوم القيامة وكذا حرامه[١١٠]، وأنّ إطلاقه الأزماني قاضٍ بكون الحكم ثابتا بثبوت الإسلام[١١١].
لكن ردّ الدليل الأوّل حتّى من قبل الذاهبين إلى هذا الرأي؛ وذلك لأنّ الكثرة تفيد الظنّ بالتخصيص ولا توجب الحمل عليه[١١٢].
هذا مع عدم العلم بتقدُّم ورود الخاصّ على حضور وقت العمل بالعام، أمّا مع العلم فيتعيَّن التخصيص؛ لأنّ النسخ حينئذٍ يستلزم البداء المحال على اللّه[١١٣].
أمّا في صورة اقتران ورود الخاصّ والعام، أي ورودهما في زمن واحد، فيتعيّن التخصيص لا لكثرته وندرة النسخ، بل من باب أنّ ورود الخاص مقارنا لورود العام يوجب عدم كاشفية ظهور العام في العموم، ويكون من قبيل ظهور القرينة مع ظهور ذي القرينة[١١٤].
المحقّق الخراساني ممّن ذهب إلى تقديم النسخ على التخصيص، واستدلّ على رأيه هذا بأنّ الأمر هنا من صغريات بحث دوران الأمر بين التقييد والتخصيص، والنسخ هنا يرجع إلى تقييد الإطلاق الزماني الخاصّ، مع أنّ التقييد مقدَّم على التخصيص؛ لأنّ تقديم التخصيص (الخاصّ) متوقّف على ظهور العام في الدوام والاستمرار الزماني، وهو مستفاد من الإطلاق ومقدّمات الحكمة، فيكون معلّقا على عدم البيان، والعموم الأفرادي للعام تنجيزي مستند إلى الوضع فيكون بيانا له[١١٥].
وهناك تفصيلات وصور غير قليلة متصوّرة في المسألة ناقشها بعض الأصوليين[١١٦]، كما أنّه قد تكون آراء مفصّلة بين الصور المزبورة[١١٧].
=النموذج السابع: تعارض الإطلاق الشمولي مع الإطلاق البدلي=
وهذا التعارض من قبيل قوله: أكرم عالما. وقوله: لا تكرم الفاسق. فإنّ النسبة بينهما عموم وخصوص من وجه، يتلاقيان في (العالم الفاسق).
وفي هذا الموضوع رأيان:
الأوّل: تقديم الإطلاق الشمولي على الإطلاق البدلي:
وقد استدلّ على هذا الرأي باُمور:
1 ـ كون مقدّمات الحكمة في الإطلاق الشمولي تمنع عن جريان مقدّمات الحكمة في الإطلاق البدلي؛ لأنّ من مقدّمات الحكمة في الاطلاق البدلي كون الأفراد متساوية الإقدام في تحصيل غرض المولى، فإنّ القتل وشدّة حرمته تختلف من فرد إلى آخر، وقتل الإمام يختلف شدّة عن قتل الإنسان العادي، ومقدّمات الحكمة في الإطلاق الشمولي تمنع عن ذلك، ولا يمكن العكس[١١٨].
2 ـ أنّ تقديم الإطلاق الشمولي يجتمع مع امتثال الإطلاق البدلي وعدم طرده، بخلاف العكس، فإنّه يوجب نفي بعض مصاديق المطلق الشمولي وترك العمل به[١١٩].
3 ـ إنَّ حجّية الإطلاق البدلي تتوقّف على عدم المانع في بعض الأفراد عن التخيير العقلي، والإطلاق الشمولي صالح للمانعية، فلو توقّف عدم صلاحيته للمانعية على وجود الإطلاق البدلي لدار[١٢٠].
وهناك أدلّة ونقاشات اُخرى ذكرها البعض في هذا الرأي[١٢١].
الثاني: وهو ما ذهب إليه بعض المتأخّرين:
من أنّ إعطاء ضابط عام في هذا الباب لا يخلو عن تكلّف، فاللازم التأمُّل في خصوصيات الموارد واستظهار القرائن الواردة في كلّ مورد على حدّة[١٢٢].
=النموذج الثامن: دوران الأمر بين التخصيص والمجاز=
هذا الدروان يحصل في مثل قوله: لا تكرم الفسّاق، مع قوله: لا بأس بإكرام زيد الفاسق. فكما يمكن رفع اليد عن عموم عدم الإكرام بالتخصيص، كذلك يمكن رفع اليد عن ظهور النهي في الحرمة وحمله على الكراهة، لكي تجتمع مع عدم البأس.
يبدو ذهاب المشهور إلى تقديم التخصيص على المجاز مطلقا؛ لكثرة وشيوع التخصيص وقلّة الحمل على المجاز، مضافا إلى أنّ ظهور الكلام في التخصيص أشدّ ظهورا منه في المجاز.
لكن قد يقدّم المجاز لقرائن تكتنف بالكلام تقتضي هذا التقديم[١٢٣].
إلاّ أنّه نقل عن البعض التوقّف في بعض الصور، ونسب إلى بعض آخر[١٢٤] التوقّف مطلقا، منهم: الفاضل الهندي، وذلك بناءً على رأيه في التوقّف في مطلق حالات التعارض في أحوال الألفاظ إلاّ عند وجود قرينة[١٢٥]، وكذا صاحب (المعالم)[١٢٦].
وذكر المجدّد الشيرازي عدّة صور للحالة:
منها: الدروان بين التخصيص الابتدائي وبين المجاز في لفظ واحد.
منها: الدروان بين التخصيص الابتدائي وبين المجاز في لفظين لكن في خطاب واحد.
منها: الدروان بين التخصيص الابتدائي وبين المجاز في لفظين وفي خطابين.
ويضرب هذه الحالات في حالة كون التخصيص ثانويا، لتتضاعف الحالات.
ويبدو منه ترجيحه للتخصيص على المجاز في مجمل هذه الصور[١٢٧].
وذكر محمّد تقي الرازي صورا اُخرى للحالة مع حكمها من وجهة نظره:
منها: أن يكون المجاز مشهورا والتخصيص بعيدا مرجوحا، ولا شبهة في ترجيح المجاز فيها.
منها: أن يكون التخصيص نادرا ـ كما لو اشتمل على إخراج معظم أفراد العام ـ والظاهر هنا ترجيح المجاز؛ لبعد التخصيص، بل امتناعه بناءً على رأي بعض.
منها: أن يكون في المجاز مزية باعثة على رجحانه من غير أن يكون في التخصيص ما يوجب وهنه، فإن كان رجحان المجاز من جهة شهرته، بحيث بلغت شهرته مستوى ترجّحه على الحقيقة فلا شبهة في ترجيح المجاز وإلاّ ففي ترجيحه على التخصيص إشكال.
منها: أن يكون المجاز نادرا والتخصيص اللازم كذلك، فقد يُرجّح التخصيص لغلبة نوعه، لكن الأظهر الرجوع إلى ما هو الظاهر في المقام بلحاظ ما لدينا من قرائن، ومع التكافؤ يتوقّف في المقام[١٢٨].
=النموذج التاسع: تعارض العموم الوضعي مع العموم الإطلاقي=
قد يتعارض العموم الوضعي مع الإطلاق، بحيث تكون النسبة بينهما عموم وخصوص من وجه، فيدور الأمر عندئذٍ بين تقييد المطلق وتخصيص العموم، وقد يعبَّر عن هذا التعارض بدوران الأمر بين التخصيص والتقييد، وهو من قبيل قوله: أكرم عالما، ثُمّ قوله: لا تكرم الفسّاق. فيقع التعارض في العالم الفاسق؛ باعتبار أنّ العالم مطلق وشامل للعادل والفاسق، والفساق جمع محلّى باللام يدلّ على عموم الحكم لجميع أفراد الفاسق.
ورد في هذا التعارض قولان:
الأوّل: تقديم التقييد على التخصيص،
واستدلّ له بوجوه:
منها: كون التقييد أغلب من التخصيص[١٢٩].
منها: كون ظهور الإطلاق تعليقيا، أي أنّه معلَّق على بيان التقليد؛ بينما ظهور العام تنجيزي ومستند إلى الوضع، فيكون ظهور العام بيانا للتقييد وليس للمطلق ظهور في حدّ ذاته.
ردّ الوجه الأوّل: بأنّه لا غلبة للتقييد على التخصيص، وكلاهما بمستوى واحد.
وردّ الوجه الثاني: بأنّه مبني على كون الإطلاق معلّقا إلى الأبد، بينما هو معلّق على عدم البيان في مقام التخاطب.
لكنّ المحقّق النائيني يذهب إلى التعليق المطلق، أي إلى الأبد[١٣٠]، إلاّ أنّه نقل عن المحقّق الخراساني قوله: بأنّ هذا يستلزم جمع كلمات المعصومين وفرضها صادرة في مجلس واحد لكي يستحصل الإطلاق[١٣١].
الثاني: ملاحظة المقامات المختلفة
والخصوصيات والقرائن التي تحفُّ بالمورد ويقدّم أحدهما على الآخر وفق تلك القرائن، ولا يمكن تقديم ضابطة كلّية هنا، وإذا لم تقتضِ القرائن شيئا من التقديم يصل الدور إلى المرجّحات الاُخرى[١٣٢].
=النموذج العاشر: دوران الأمر بين التصرّف في منطوق أحد الخبرين ومفهوم الآخر=
وهذا الصنف من التعارض يحصل في مورد من قبيل قوله: «إذا خفي الأذان فقصّر» وقوله: «إذا خفيت الجدران فقصّر» فعلى فرض قبول مفهوم الشرط يقع تعارض بين مفهوم كلٍّ منهما ومنطوق الآخر.
لقد ذكرت عدّة طرق لحلّ هذا التعارض:
منها: تقييد مفهوم كلٍّ منهما بمنطوق الآخر، ولازمه كفاية أحد الأمرين في حصول حدّ الترخيص.
منها: تقييد إطلاق منطوق كلٍّ منهما بمنطوق الآخر، ولازمه اعتبار خفاء الأذان والجدران معا في وجوب التقصير.
والأمر يعود إلى البحث في أنَّ أيّا أقوى ظهورا، المنطوق أم المفهوم؟ فإذا قلنا بكون المنطوق أقوى ظهورا، كما يذهب إلى ذلك الكثير، بل يطلقها إطلاق المسلّمات التي يستدلّ بها[١٣٣]، تعيّن تقييد مفهوم كلٍّ منهما بمنطوق الآخر، وإن قلنا بكون المفهوم أقوى ظهورا تعيّن تقييد إطلاق منطوق كلٍّ منهما بمفهوم الآخر، وإلاّ فلا ترجيح لأحدهما على الآخر[١٣٤].
واستدلّ على أقوائية كلٍّ منهما باعتبارات خاصّة، من قبيل: كون دلالة المنطوق أقوى؛ لأنّ دلالة اللفظ عليه أصلية بينما دلالة اللفظ على المفهوم تبعية.
كما استدلّ على أقوائية دلالة المفهوم، باعتبار أنّ دلالة اللفظ على المفهوم عقلية، بينما دلالته على المنطوق لفظية، ولا يمكن رفع اليد عن الدلالة العقلية[١٣٥].
قد يقال: بأنّ المنطوق أقوى ظهورا، باعتبار أنّ الكلام سيق لبيان المنطوق، والمفهوم أمر تبعي.
لكن رُدّ هذا بأنّه كلام بلا دليل وقد يساق الكلام لبيان المفهوم، كما لو قيل: سافر إن كان الطريق آمنا. فالمراد بيان عدم السفر عند انعدام الأمان.
ويرى البعض: إنّ المقامات مختلفة وينبغي البحث عن القرائن المكتنفة بالكلام لاستخلاص النتيجة، ولا يمكن ذكر ضابطة كلّية هنا[١٣٦].
الحالة الثانية: التعارض المستقر
هناك أصلان يحكمان التعارض المستقر، هما: الأصل الأوّلي والأصل الثانوي، وفي كلٍّ منهما نقاشات وبحوث.
الأصل الأوّلي في التعارض المستقر
النقاش المطروح هنا هو ماهية الأصل الأوّلي، أي علاج التعارض مع غضّ النظر عمّا ورد من أدلّة كالروايات الواردة في هذا المجال.
وقد طرحت شبهة هنا، وهي الثمرة المتوخاة من هكذا أصل مع وجود أدلّة عالجت التعارض، إلاّ أنّ البعض ذكر لهذا الأصل ثمرة تظهر في تعارض غير الأخبار، كالتعارض بين آيتين من حيث الدلالة أو بين الخبرين المتواترين من حيث الدلالة كذلك، وكذا تعارض الأمارات في الشبهات الموضوعية، كالتعارض بين بيّنتين أو فردين من قاعدة اليد، كالمال الواقع تحت استيلاء مدعيين[١٣٧].
وفي هذا المجال يوجد أكثر من رأي.
أحدها: الجمع بين الدليلين، من باب قاعدة الجمع مهما أمكن أولى من الطرح. ذهب إلى هذا ابن أبي جمهور الإحسائي[١٣٨] والشيخ الطوسي، باعتبار أنّ هذا هو منهجه في (تهذيب الأحكام) وغيره، والشهيد الثاني[١٣٩] والسيّد اليزدي[١٤٠].
(
الجمع مهما أمكن أولى من الطرح)
ثانيها: ما ذهب إليه المحقّق العراقي من التفصيل بين ما إذا كان هناك تنافٍ بين مدلول الخبرين فيحكم بالتساقط المطلق، وبين ما إذا لم يكن تنافٍ بين مدلوليهما وإمكانية صدقهما وإمكانية كذب أحد الراويين، بأن علم بكذب أحدهما المستلزم لدلالة كلٍّ منهما ـ ملازمة ـ على كذب الآخر، فيحكم بالحجّية وتنجيز مدلولهما على المكلّف.
واستدلّ على رأيه بأنّه في الفرض الثاني وإن كان كلٌّ منهما يكذّب الآخر بالالتزام، إلاّ أنّه لا يدلّ على عدم مطابقة مدلوله للواقع، فقد يكون المدلول ثابتا في الشرع ومرادا له، ما يعني عدم ترتّب أثر عملي على هذه الدلالة الالتزامية[١٤١].
لكن رُدّ هذا الرأي بأكثر من رد، من قبيل انتقاض دليله بموارد التكاذب بين الأمارتين صريحا بحسب مدلولهما المطابقتين، كما إذا أخبرت أحدهما بصدور كلام معيّن من المعصوم ونفت الاُخرى صدور الكلام ذاته عن المعصوم، فمن الواضح ارتكازا وعقلائيا هنا وجود تعارض بينهما، بينما يثبت هذا الرأي الحجّية لهما[١٤٢].
ثالثها: التساقط، وهو مذهب مشهور أصوليي الشيعة[١٤٣].
استدلّ على هذا الرأي بالنحو التالي: إذا كان التعارض بين دليلين ثبتت حجّيتهما ببناء العقلاء، كما في تعارض ظاهر آيتين أو خبرين متواترين، فمن الواضح أنّ بناء العقلاء لم ينعقد على العمل بظاهر كلام يعارضه كلام آخر، وإن كان دليل حجّية الدليلين المتعارضين دليلاً لفظيا ـ كما في البينة - فالاحتمالات المتصوّرة بالتصوّر الأوّلي للدليل أربعة:
1 ـ أن يشمل دليل الحجّية كلا المتعارضين.
2 ـ ألاّ يشملهما أصلاً.
3 ـ أن يشمل أحدهما بعينه دون الآخر.
4 ـ أن تقيّد حجّية كلٍّ منهما بالأخذ به، ونتيجة ذلك التخيير وجواز الأخذ بأيٍّ منهما شاء المكلّف.
لا يمكن الأخذ بالاحتمال الأوّل لعدم إمكان التعبُّد بالمتعارضين، فالتعبُّد بهما يرجع إلى التعبُّد بالمتناقضين، وهو غير معقول.
ولا يمكن الأخذ بالاحتمال الثالث لبطلان الترجيح بلا مرجّح.
ولا يمكن الأخذ بالاحتمال الرابع؛ لأنّ لازمه ألاّ يكون شيء من المتعارضين حجّة في فرض عدم الأخذ بهما أصلاً، فيكون المكلّف مطلق العنان بالنسبة إلى الواقع، فيتمسّك بالأصول اللفظية أو العملية. وهذا ما لا يلتزم به القائل بالتخيير كذلك.
فيبقى الاحتمال الثاني، أي عدم شموله لكلّيهما دون إشكال[١٤٤].
لكن اختلف في هذا الدليل، فذكر الشيخ الأنصاري[١٤٥] وتبعه بعض المتأخّرين[١٤٦] أنّ هذا مبني على القول بالطريقية في حجّية الأمارات (كما هو رأي المشهور) أمّا على القول بالسببية والموضوعية فإنّ التعارض هنا يدخل في باب التزاحم، فينبغي ترجيح أحدهما أو التخيير بينهما.
وفصّل المحقّق الخراساني بنحو آخر[١٤٧]، وذهب المحقّق النائيني إلى أنّ هذا واضح بناءً على السببية الموافقة للتصويب إذا كان التعارض لأجل تضادّ المتعلّقين أمّا إذا كان لأجل اتّحاد المتعلّقين فممنوع[١٤٨].
إلاّ أنّ البعض الآخر ذهب إلى عدم الفرق هنا بين ما إذا فسّرنا الحجّية بالطريقية المحضة أو السببية بمختلف أنحائها حتّى المنسوبة إلى الأشاعرة[١٤٩]، بل عدّ دخول التعارض هنا في التزاحم مستحيلاً؛ إذ التزاحم عبارة عن كون المكلّف عاجزا في مقام الامتثال مع صحّة كلّ واحد من التكليفين في مقام الجعل، واجتماع التكليفين في المقام محال؛ لأنّ ذلك يستلزم اجتماع المصلحة وعدمها في شيء واحد، سواء عجز المكلّف عن الامتثال أم لم يعجز[١٥٠].
يردّ الشهيد الصدر الدليل المزبور ويذهب إلى إمكانية الالتزام بالاحتمال الرابع دون لزوم محذور[١٥١]، وبرغم أنّه يذهب إلى كون الأصل الأوّلي هنا هو التساقط لكنّ طريقة استدلاله تختلف، إذ يذهب إلى إمكانية التخيير والترجيح أو التساقط حسب اختلاف فروض التعارض، وبعد تفصيلات وتفريعات كثيرة[١٥٢]، يخرج بالنتيجة التالية: دليل الحجّية العام إن كان لفظيا تعبّديّا وكان التنافي بين الدليلين بنحو التناقض فيكون الحكم التساقط، وإذا كان التنافي بينهما بنحوالتضاد فالحكم عندئذٍ هو حجّية الدليلين في الجملة، وينتج عن ذلك نفي دليل ثالث، أمّا إذا كان التعارض بينهما عرضيا فالحكم هو إعمال كلا الدليلين في مدلوليهما المطابقيين في خصوص ما إذا علم بصدق أحدهما وكانا إلزاميين...[١٥٣]
لكن عمليا يذهب في مجال الأدلّة الظنّية، مثل الخبرين، إلى أنّ دليل حجّيتهما العام ليس لفظيا تعبّديا، بل لبيّا مثل السيرة العقلائية، فالأصل الأوّلي في التعارض عندئذٍ هو التساقط دون شيء آخر؛ لأنّ هذا مقتضاهما عند التعارض، ولم تنعقد الحجّية ولم تبنَ على ارتكاز يقتضي الحجّية في حالة التعارض[١٥٤].
الأصل الثانوي في التعارض المستقر
يتأتّى الأصل الثانوي بعد حالة حصول علم خارجي لدينا بعدم تساقط الدليلين أو بحجّية أحدهما.
وأهمّ الآراء في هذا المجال هي:
الرأي الأوّل: الترجيح وفق أحد المرجّحات وإن فقدت فيُعمل التخيير. وهو رأي المشهور.
استدلّ على هذا الرأي باُمور:
1 ـ الإجماع وسيرة العلماء في العمل وفق المرجّحات عند حصول التعارض، ونسب إلى الصحابة والسلف[١٥٥].
لكن ردّ هذا الدليل بأنّ الكثير من العلماء لم يتعرّضوا لهذا البحث، فلا يمكن القول بحصول الإجماع هنا ، أو كون الإجماع مدركيا، مدركه الأخبار، فلا يكون حجّة.
2 ـ الدليل العقلي، وقد بيّن بأنحاء:
منها: إذا تعارض الظنّان وكان أحدهما أرجح من الآخر يتعيّن العمل بالراجح عرفا، فكذا شرعا.
منها: لو لم يعمل بالراجح لزم العمل بالمرجوح، مع أنّه يقبح العمل بالمرجوح.
3 ـ تقرير النبي(ص) معاذا لمّا بعثه قاضيا إلى اليمن في ترتيب الأدلّة وتقديم بعضها على بعض[١٥٦].
4 ـ الروايات الكثيرة التي لا تخلو من نقاشات[١٥٧]، نذكر نموذجين منها:
النموذج الأوّل: مقبولة عمر بن حنظلة والتي جاء فيها: قال: سألت أبا عبداللّه عليهالسلام عن رجلين من أصحابنا يكون بينهما منازعة في ديْن أو ميراث فتحاكما إلى السلطان أو إلى القضاة أيحلُّ ذلك؟ قال(ص): «مَن تحاكم إليهم في حقّ أو باطل فإنّما تحاكم إلى الطاغوت...» قلتُ: فكيف يصنعان؟ قال: «ينظران مَن كان منكم ممّن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا، فليرضوا به حكما، فإنّي جعلتُه عليكم حاكما، فإذا حكم بحكمنا فلم يُقبل منه فإنّما بحكم اللّه استخفّ...» قلتُ: فإن كان كلّ واحد اختار رجلاً من أصحابنا فرضيا أن يكونا الناظرين في حقّهما فاختلفا فيما حكما وكلاهما اختلفا في حديثكم؟ فقال: «الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما، ولا يُلتفت إلى ما يحكم به الآخر». قال: فقلتُ: فإنّهما عدلان مرضيان عند أصحابنا لا يفضل واحد منهما على صاحبه؟ قال: فقال: «يُنظر إلى ما كان من روايتيهما عنّا في ذلك الذي حكما به المُجمع عليه عند أصحابك فيؤخذ به من حُكمنا ويُترك الشاذُ الذي ليس بمشهور عند أصحابك فإن المجمع عليه لا ريب فيه، وإنّما الاُمور ثلاثة أمر بيّن رُشده فيتّبع وأمرٌ بيّن غيّه فيُجتنب وأمرٌ مشكل يُردّ حُكمه إلى اللّه. قال رسول اللّه(ص): حلالٌ بيّن وحرامٌ بيّن وشبهات بيْن ذلك، فمَن ترك الشبهات نجا...» قال: قلت: فإن كان الخبران عنكم مشهورين قد رواهما الثقاتُ عنكم؟ قال: «يُنظر فما وافق حُكمه حكم الكتاب والسنّة وخالف العامّة فيؤخذ به ويُترك ما خالف حُكمه حُكم الكتاب والسنّة ووافق العامّة». قلت: جُعلت فداك، إن رأيت أن كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب والسنّة ووجدنا أحد الخبرين موافقا للعامّة والآخر مخالفا لهم بأي الخبرين يؤخذ؟ فقال: «ما خالف العامّة ففيه الرشاد». فقلتُ: جعلتُ فداك، فإن وافقهما الخبران جميعا؟ فقال: «يُنظر إلى ما هُم إليه أميل حكّامهم وقضاتهم فيُترك ويؤخذ بالآخر» قلت: فإن وافق حكّامهم الخبرين جميعا؟ قال: إذا كان ذلك فأرجئه حتّى تلقى إمامك، فإنّ الوقوف عند الشبهات خيرٌ من الاقتحام في الهلكات»[١٥٨].
وهي ظاهرة في وجوب الترجيح.
لكن أشكل على الاستدلال بها في موارد:
الأوّل: كون سندها ساقطا لعدم ورود توثيق لعمر بن حنظلة.
وردّ هذا الإشكال بأنّ المشهور عمل بها فيجبر ضعف سندها، أو أنّه يمكن توثيق من نقل عنه بعض العدول مثل صفوان بن يحيى، حيث إنّه نقل عن عمر بن حنظلة، وقد تكون هناك وجوه اُخرى لتصحيح السند.
الثاني: كون موردها اختلاف الحكمين في مستند حكمهما، ولا تشمل تعارض الروايات في مقام الفتوى.
ردّ هذا الإشكال بردود:
منها: إنّ التخيير والترجيح مطروح في المسائل الأصولية، والأخير (الترجيح) يعني اعتبار الراجح حجّة شرعية وطريقا محرزا إلى الواقع، وبهذا لا يفرّق بين باب الحكومة وباب الفتوى.
منها: كون صدر الرواية «ينظر إلى ما كان من روايتهم عنّا» مطلق وكأنّه بصدد بيان الوظيفة الكلّية عند تعارض الأخبار.
الثالث: ذيل الرواية «إذا كان ذلك فأرجه حتّى تلقى إمامك» ظاهر في كون الترجيح يختصّ بزمن الحضور، فلا دليل على لزوم الترجيح في زمن الغيبة.
وردّ هذا بأنّ اختصاص التوقّف وعدم العمل بهما في زمن الحضور لا يعني اختصاص الترجيح بكلّ أصنافه في عهد الحضور.
الرابع: كونها معارضة برواية سماعة بن مهران التي جاء فيها: قلتُ لأبي عبد الله عليهالسلام يرد علينا حديثان، واحد يأمرنا بالأخذ به، والآخر ينهانا؟ قال عليهالسلام: «لا تعمل بواحد منهما حتّى تلقى صاحبك فتسأل». قلت: لا بدّ أن يعمل بواحد منهما، قال: «خذ بما فيه خلاف العامّة»[١٥٩].
ووجه المعارضة أنّ المقبولة تأمر بالتوقّف بعد فقد المرجّحات، بينما الأخيرة تأمر بالترجيح بعد عدم إمكان التوقّف، لحضور وقت العمل أو ما شابه.
ردّ هذا الإشكال بأنّ الأصحاب تركوا العمل بروايه سماعة وأعرضوا عنها، وإعراضهم يضعّفها، بينما تقوى المقبولة بعملهم وفقها[١٦٠].
النموذج الثاني: مرفوعة زرارة التي رواها ابن أبي الجمهور الإحسائي في (غوالي اللئالئ) عن العلاّمة مرفوعا إلى زرارة قال: سألتُ أبا جعفر عليهالسلام فقُلتُ له: جُعلت فداك، يأتي عنكم الخبران والحديثان المعارضان فبأيّهما آخذ؟ فقال: «يا زرارة، خُذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذّ النادر». فقلت: يا سيّدي، إنّهما معا مشهوران مأثوران عنكم؟ فقال: «خذ بما يقول أعدلهما عندك وأوثقهما في نفسك». فقلت: إنّهما معا عدلان مرضيان موثّقان؟ فقال: «أنظر ما وافق منهما العامّة فاتركه وخذ بما خالف، فإنّ الحقّ فيما خالفهم». قلت: رُبّما كانا موافقين لهم أو مخالفين فكيف أصنع؟ قال: «إذا فخذ بما فيه الحائطة لدينك واترك الآخر». قلتُ: إنّهما معا موافقان للاحتياط أو مخالفان له فكيف أصنع؟ فقال: «إذا فتخيّر أحدهما فتأخذُ به ودع الآخر»[١٦١].
وهي كسابقتها ظاهرة في الترجيح.
لكن أشكل عليها بعدّة إشكالات:
منها: كون السند ضعيفا ساقطا عن الاعتبار بسبب الرفع، ومع أنّ صاحب (غوالي اللئالئ) نقلها عن العلاّمة إلاّ أنّها غير موجودة في كتبه حسب تتبّع البعض.
ولذلك أسقطها البعض مثل الشهيد الصدر عن الاعتبار، بينما سعى البعض الآخر لتبرير صحّة العمل بها؛ باعتبار كونها موافقة لسيرة العلماء.
منها: العمل بالمرفوعة يقتضي عدم العمل بها، حيث إنّها معارضة بالمقبولة من حيث تقديمها الشهرة على صفات الراوي، مع أنّ المقبولة تقدّم الصفات على الشهرة، وبناءً على هذه المرفوعة ينبغي تقديم المقبولة على المرفوعة؛ لأنّها المشهورة في هذا الباب.
لكن ردّ الإشكال الأخير بأنّه لا تعارض بين الروايتين؛ باعتبار كون صدر المقبولة ورد في باب الحكم والفتوى لا الخبرين المتعارضين، والمتعلّق بباب تعارض الخبرين هو: «ينظر إلى ما كان من روايتيهما المجمع عليه...» وأوّل المرجّحات في هذا المقطع هو الشهرة كما هو الحال في المرفوعة، ولأجل هذا اعتبرها المحقّق النائيني مؤيّدة للمقبولة[١٦٢].
وهناك روايات اُخرى وردت في هذا الباب، تأتي ذيل بحث الترجيح، استدلّ بها على هذا الرأي.
الرأي الثاني: عدم لزوم الترجيح وجواز التخيير في اختيار أيّهما شاء. نسب إلى القاضي وأبي علي وأبي هاشم[١٦٣]، كما نسب إلى الجبائيين من المعتزلة وحكي عن أهل الظاهر وغيرهم[١٦٤]، كما ذهب إليه المحقّق الخراساني[١٦٥].
استدلّ على هذا الرأي بأدلّة نقلية وباعتبارات كذلك:
منها: الآية: «فاعتبروا يا أولى الأبصار»[١٦٦] وذلك من باب أنّ الأمر بالاعتبار مطلق ويشمل العمل بالمرجوح، فإنّه اعتبار كذلك، أي أنّه يجب أن يعتدَّ به في الاستدلال على الحكم.
رُدّ هذا بأنّ الاعتبار نظر، والنظر والتأمُّل يفيد العمل بالراجح.
منها: الأمارات لا تزيد على البيّنات شيئا، والترجيح غير معتبر فيها، فكذلك في الأمارات.
وردّ هذا بأنّا لا نسلّم عدم الترجيح في البيّنات[١٦٧].
واستدلّ عليه المحقّق الخراساني بتقسيم روايات الباب إلى أربعة:
1 ـ ما دلّ على التخيير مطلقا.
2 ـ ما دلّ على التوقّف مطلقا.
3 ـ ما دلّ على الأخذ بما هو الأحوط منهما.
4 ـ ما دلّ على الترجيح بمزايا مخصوصة ومرجّحات منصوصة.
ورفض دلالة هذه الروايات على لزوم الترجيح، وقال بدلالتها على تمييز الحجّة عن اللاحجّة من الروايات وليست في مقام بيان الترجيح بشهادة قوله: «إنّه زخرف وباطل أو لم نقله أو اضربوه على الجدار». مضافا إلى ضعف سند أهمّ روايات هذا الباب، وهما مقبولة عمر بن حنظلة ومرفوعة زرارة، فتُحمل على استحباب الترجيح.
كما رفض دليل الإجماع على الترجيح بانخرامه بذهاب الكليني إلى التخيير، من خلال ما رود في ديباجته في كتاب (الكافي)[١٦٨].
كما رفض الدليل العقلي الذي أورده المشهور بأنّ وجوب الترجيح خاصّ بما إذا كانت هناك مزية توجب تأكيد الملاك في نظر الشارع[١٦٩].
نسب إلى المشهور رفض استدلالات المحقّق الخراساني المزبورة، فالسيّد الخوئي يقسّم الروايات الآمرة بعرض الأخبار على الكتاب والسنّة إلى طائفتين:
الاُولى: التي ورد فيها تعابير من قبيل «اضربوه على الجدار أو باطل». والمراد من المخالفة هنا بنحو لا يمكن الجمع بينها وبين الكتاب والسنّة بجمع عرفي، بأن كان بينها تباين أو عموم وخصوص من وجه، أي أنّ المخالفة ليست من قبيل المخالفة في التخصيص والتقييد، وإلاّ فإنّ الكثير من الآيات مخصّصة بالروايات، وتفاصيل الكثير من أحكام القرآن نتلقّاها من السنّة.
الثانية: التي وردت في ترجيح أحد الخبرين المتعارضين على الآخر، وورد فيها تعابير من قبيل: «فاعرضوهما على كتاب اللّه، فما وافق كتاب اللّه فخذوه، وما خالف كتاب اللّه فردّوه...». وقد وردت هذه الطائفة لترجيح أحد الخبرين على الآخر لا لبيان الحجّة عن اللاحجّة، ولأجل ذلك قدّم الإمام الترجيح بالشهرة في المقبولة على الترجيح بموافقة الكتاب، وإلاّ لم يكن وجه للتقديم ولكان الخبر المشهور المخالف لعموم الكتاب غير حجّة في نفسه، فكيف يقدّمه الإمام على الشاذ الموافق لعموم الكتاب، كما هو مقتضى اطلاق المقبولة. فالمراد من المخالفة هنا المخالفة بنحو التخصيص والتقييد.
كما أنّ المحقّق الخراساني ركّز في ردّه على المقبولة والمرفوعة، بينما روايات الترجيح غير مقتصرة على هذين الاثنين.
كما رفض ذهاب الكليني إلى التخيير؛ لأنّه يبدو من ظاهر عبارته غير ما فهمه المحقّق الخراساني[١٧٠].
الرأي الثالث: التساقط والرجوع إلى البراءة الأصلية. نسب هذا الرأي إلى الفقهاء، واستدلّ عليه باُمور اعتبارية من قبيل: كون التخيير يلزم الترجيح بلا مرجّح، وهو قول بالتشهّي في الدين، كما أنّه يلزم القول بالتخيير للمفتين والحكّام الشرعيين، وعندئذٍ يلزم أن يكون العامي في تخيير وفسحة دائما[١٧١].
وهناك آراء تفصيلة اُخرى وردت في هذا المضمار، من قبيل: القول بالتخيير إن كان التعارض في الواجبات؛ لأنّ التعارض هنا غير ممتنع، ويحكم بالتساقط إن كان التعارض بين الواجب والإباحة أو التحريم.[١٧٢]
الترجيح
تقدّم الكلام في أنّ رأي المشهور في علاج الخبرين المتعارضين هو الترجيح لأحدهما وفق ما يمتلك من مزايا ترجّحه على الآخر، وفي هذا المجال عدّة بحوث ونقاشات:
1 ـ تعريف الترجيح
وردت عدّة تعاريف للترجيح:
منها: إظهار قوّة لأحد الدليلين المتعارضين لو انفردت عنه لا تكون حجّة معارضة[١٧٣].
منها: تقوية أحد الطرفين ليعلم الأقوى فيعمل به ويطرح الآخر[١٧٤].
منها: تقديم أحد المتعارضين على الآخر في العمل لمزية له عليه[١٧٥].
وهذه التعريفات تعدُّ الترجيح من الأعمال التي يمارسها المجتهد، وأصحابه يشيرون بذلك إلى النقاش الدائر بين بعض الأصوليين في كون الترجيح من شأن المجتهد أم أنّه صفة للدليل[١٧٦].
وهناك تعريفات غير ناظرة إلى هذا النزاع:
منها: اقتران أحد الصالحين للدلالة على المطلوب مع تعارضهما بما يوجب العمل به وإهمال الآخر[١٧٧].
منها: اقتران الأمارة بما يقوى به على معارضها[١٧٨].
منها: فضل أحد المتساويين على الآخر وصفا[١٧٩].
منها: اقتران الدليل الظنّي بأمر يقويه على معارضه بعد قيام التماثل[١٨٠].
2 ـ المرجّحات
وردت مرجّحات كثيرة لحالة التعارض، كما وردت تقسيمات عديدة للمرجّحات.
أمّا متقدّمو الأصوليين[١٨١] وكذا متأخّرو أهل السنّة[١٨٢] فقد ذكروا تقسيمات كثيرة التشعّب؛ وذلك بسبب أنّ طريقة بحثهم التعارض مبنيا على عدم التفريق بين التعارض المستقر وغير المستقرّ. ولذلك ورد عن الآمدي قوله ذيل المرجّحات التي ذكرها: «وقد يتشعّب من تقابل هذه الترجيحات ترجيحات اُخرى كثيرة خارجة عن الحصر»[١٨٣] وكذا ورد عن النراقي[١٨٤].
أمّا متأخّرو أصوليي الشيعة، فقسّمها بعض منهم إلى ثلاثة : سندية ومتنيّة وخارجية ، كما فعل هذا مثل المحقّق القمّي[١٨٥]، وقسّمها آخر مثل نجل الشهيد الثاني إلى أربعة[١٨٦]، وقسمها بعض مثل المحقّق الغروي إلى خمسة[١٨٧].
وقسّمها الشيخ الأنصاري في موضع إلى داخلية وخارجية؛ وذلك باعتبار استقلالها عن الخبر أو عدم استقلالها عنه[١٨٨]، ثُمّ قسّم الداخلية إلى دلالية (أو في الدلالة) وصدورية وجهتية ومضمونية[١٨٩].
وشكّك السيّد اليزدي في اعتبار المرجّحات الخارجية قسما؛ باعتبار أنّه لا معنى للترجيح بما لا يوجب قوّة في أحد الخبرين لا صدورا ولا مضمونا، فهي مرجع لا مرجِّح فكانت التقسيمات إحدى مجالات النقاش بين بعض الأصوليين[١٩٠].
ومن جانب آخر، فإنّ التقسيمات قد تغيّرت على طول تاريخ هذه البحوث، ولذلك نجد اضطرابا في درج المرجّحات، فقد تدرج إحدى المرجّحات في صنف من قبل أصولي، ونفسها تدرج في صنف آخر من قبل أصولي آخر، كما يلحظ هذا بوضوح عند مقارنة المتأخّرين مع المتقدّمين.
أ ـ المرجّحات الداخلية
وهي كلّ مزيّة غير مستقلّة في نفسها، بل متقوّمة بما في الخبر[١٩١]، وقد قسّمها الشيخ الأنصاري إلى دلالية وسندية ومتنية وجهتية.
المرجّحات الدلالية
وهي المرجّحات التي تعنى بدلالات المتن، وتعود إلى مبدأ ترجيح الأظهر على الظاهر، كما أنّها تعود عمدة إلى الجمع العرفي، من قبيل: تقديم التخصيص على النسخ. ولذلك يقال: بتقديم المرجّحات الدلالية على باقي المرجّحات[١٩٢]. وتطرح تحت عنوان الجمع بين الدليلين.
المرجّحات السندية
وهي المرجّحات التي تُعنى بسند الدليل، ولذلك تخصُّ الدليلين الظنّيين صدورا، ولا تشمل القطعيين صدورا؛ لعدم وجود إشكال في سندهما، وقد عدّها البعض بأربعين وجها[١٩٣]. وتدعى المرجّحات الصدورية كذلك[١٩٤].
وهي عبارة عن اُمور:
منها: كون أحد الراويين عدلاً والآخر غير عدل، مع كونه مقبول الرواية من حيث كونه متحرّزا عن الكذب.
منها: كونه أعدل.
منها: كونه أصدق مع عدالة كلّيهما، ويدخل في ذلك كونه أضبط.
منها: علوّ الإسناد؛ لأنّه كلّما قلّت الواسطة قلّ احتمال الكذب.
منها: أن يكون أحدهما مرسلاً والآخر مسندا فيرجّح المسند؛ لأنّ من المحتمل كون المحذوف مجروحا به.
لكن خالف الشيخ الطوسي في ذلك واعتبر المسند والمرسل المقبول متكافئين[١٩٥].
منها: تعدّد الراوي أو كثرة الرواة في أحدهما ووحدة الراوي أو قلّة الرواة في الآخر، فيقدّم متعدد أو كثير الرواة؛ لأنّ رواية الأكثر أقرب إلى الصحّة وأبعد عن السهو[١٩٦].
لكن يذهب البعض إلى عدم كون ذلك مرجّحا، وقد نسب هذا القول إلى الكرخي[١٩٧].
لكن يردّه الشيخ الأنصاري بأنّ عدم الترجيح بهذا المرجّح يستلزم عدم الأخذ بباقي المرجّحات كذلك.
منها: أن يكون طريق تحمّل أحد الراويين أعلى من طريق تحمّل الآخر، كأن يكون أحدهما بقراءته على الشيخ والآخر بقراءة الشيخ عليه، وهكذا غيرهما من أنحاء التحمّل.[١٩٨]
والكثير من المرجّحات الاُخرى التي ذكرت للسند، من قبيل: الترجيح بكبر سنّ الراوي أو قربه من الرسول[١٩٩]، والتي قلّ اهتمام المتأخّرين بها، لرفض بعضهم لها أو لوضوحها عند البعض، ومن المحتمل كونها نظرية قد لا نجد موردا لكثير منها.
وقد ناقش البعض في مجمل هذه المرجّحات، فذهب مثل السيّد الخوئي إلى انعدام الدليل على الترجيح بصفات الراوي، كالأعدلية والأفقهية والأصدقية، فالمرفوعة غير حجّة، والمقبولة كان الترجيح بالصفات فيها بين الحكمين لا بين الروايتين، فقد ورد فيها: «الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما...» ولذلك لم يذكر الكليني هذه الصفات في جملة المرجّحات[٢٠٠].
لكن يرد عليه: بأنّه رغم عدم التصريح بالترجيح بصفات الراوي في الرواية إلاّ أنّ المنشأ في اختلاف الحكمين هو اختلاف الروايتين، فالمناط سارٍ في الروايتين كذلك. ويؤيّد ذلك أنّ الأصدقية صفة تناسب كونها مرجّحة للرواية لا لنفس الحكم[٢٠١].
وهناك نقاشات وردود أكثر وردت في هذا المجال[٢٠٢].
المرجّحات المتنية
وهي التي تعود إلى المتن والنصّ الوارد عن الشارع. وهي في عدّة اُمور:
منها: الفصاحة، فيقدّم الفصيح على غيره؛ لأنّ الركيك بعيد عن كلام المعصوم، إلاّ أن يكون منقولاً بالمعنى.
منها: الأفصحية، ذهب إليه العلاّمة الحلّي ونجل الشهيد الثاني، لكن تأمّل فيه الشيخ الأنصاري، باعتبار أنّ كلام المعصوم الفصيح غير بعيد عن كلام المعصوم، كما أنّ الأفصح ليس أقرب إلى كلامه في مقام بيان الأحكام الشرعية.
منها: استقامة المتن، فإنّ الحديث مستقيم المتن يرجّح على الحديث مضطرب المتن[٢٠٣].
منها: الخبر المنسوب إلى المعصوم قولاً أرجح من المنسوب إليه اجتهادا؛ لقلّة احتمال الخطأ فيه، مع عدم وجود خلاف في قبوله.
منها: المقترن بسبب الحكم أرجح من المجرّد عنه؛ لشدّة اهتمام الأوّل بمعرفة ذلك الحكم بخلاف الثاني.
منها: الخبر المنقول بلفظه أرجح من المنقول بمعناه؛ للإجماع على قبول الأوّل والخلاف في قبول الثاني؛ ولأنّ تطرّق الغلط إلى الثاني أكثر من الأوّل، فالظنّ بصحّته أضعف.
منها: المعتضد بحديث سابق أرجح من غيره.
منها: الدالّ بالمنطوق أرجح من الدالّ بالمفهوم؛ لأنّ المنطوق متّفق عليه والمفهوم مختلف فيه.
منها: ترجيح الأقوى دلالة[٢٠٤].
وغيرها من المرجّحات[٢٠٥].
المرجّحات الجهتية
وهي المرجّحات ذات الصلة بوجه الصدور، من التقية وغيرها، فقد يكون الخبر صادرا لمصلحة مقتضية لبيان خلاف حكم اللّه الواقعي، بأن كانت هناك ظروف تدعو إلى التقية أو قد تكون هناك مصالح تدعو إلى هذا الأمر، وهي غير محصورة.
وهذا الأمر مشهود في الروايات المنقولة عن أئمة أهل البيت عليهمالسلام الذين كانوا يعانون من ظروف تستدعي التقية، فقد يحكمون بما يوافق المذهب السائد والمؤيّد من قبل السلطة لتجنّب ما قد يحصل لأتباعهم من مضايقات[٢٠٦].
وهذا المرجّح ليس تعبّديا، أي ليس كلّ ما وافق المذهب السائد كان صادرا عن تقيّة ولا يعبّر عن وجهة نظر أهل البيت، بل الأمر يعود إلى ما يمكن استفادته من قرائن تفيد كون الصدور عن تقية أم لا.
وناقش أصوليو الشيعة هذا المرجّح، ووردت عنهم آراء مختلفة في تبريره[٢٠٧]. ويأتي المزيد حوله؛ باعتباره من المرجّحات الخارجية.
ب ـ المرجّحات الخارجية
وهي اُمور مستقلّة بنفسها حتّى لو لم يكن هناك خبر، أي غير متقوّمة بالخبر، كما هو شأن المرجّحات الداخلية[٢٠٨].
منها: اعتضاد أحد الخبرين بقرينة من الكتاب[٢٠٩].
منها: اشتهار أحد الخبرين، سواء كان الاشتهار بمعنى اشتهار روايته بين الرواة، بناءً على كشفها عن شهرة العمل به. أو كان بمعنى اشتهار الفتوى به ولو مع العلم بعدم استناد المفتين إليه.
منها: كون رواية الفقيه أرجح من رواية غيره؛ لأنّه يميّز ما يحتاج إلى قرينة وما لا يحتاج، وقد يكتفي بالعبارة وقد يشير إلى الملابسات، بينما غيره يكتفي بالعبارة دون ذكر القرائن ممّا يسبّب الضلال.
منها: رواية الأفقه أرجح من رواية الفقيه؛ لأنّ احترازه عن الغلط أكثر، فالظنّ الحاصل بخبره أقوى.
منها: كون رواية العالم بالعربية أرجح من رواية غيره؛ لتمكّنه من احتراز الوقوع في الخطأ. وقيل: رواية غير العالم أرجح؛ لأنّه يبالغ في الحفظ بينما العالم بالعربية يعتمد على معرفته.
منها: رواية الأعلم بالعربية أرجح من رواية العالم بها؛ لأنّ ظنّ احترازه أقوى.
منها: مخالفة أحد الخبرين مذهب العامّة، أي المذهب السائد والمؤيّد من قبل السلطة عهد صدور الرواية[٢١٠].
وباعتبار اقتران المرجّح الأخير، الوارد في الرواية ذات الصلة، مع مرجّح آخر، وهو موافقة الكتاب، يقرن أحيانا هذان المرجّحان في كلمات أصوليي الشيعة[٢١١].
منها: الترجيح بكثرة الأدلّة؛ باعتبار أنّ كلّ دليل يفيد مقدارا من الظنّ ومجموعها يزيد نسبة الظنّ. نسب هذا الرأي إلى الشافعي[٢١٢] وجمهور الأصوليين[٢١٣].
لكنّ الحنفية رفضوا جواز الترجيح بهذا المرجّح؛ لأنّ الأدلّة إذا كثرت تماثلت وسقط الزائد منها[٢١٤].
وهناك مرجّحات أخرى وردت في هذا الباب[٢١٥].
والدليل على هذا الصنف من المرجّحات هو ما يستفاد من الأخبار من الترجيح بكلّ ما يوجب أقربية أحدهما إلى الواقع وإن كان خارجا عن الخبرين[٢١٦].
واستدلّ العلاّمة الحلّي على هذا الصنف من المرجّحات بإجماع ادّعاه حول وجوب العمل بأقوى الدليلين[٢١٧]، وحكى الإجماع غيره كذلك مثل السيّد المجاهد[٢١٨].
لكن شكّك البعض في هكذا اجماعات، مع أنّها منقولة غير محصّلة؛ وأنّها إن صحّت فتشمل القوي بنفسه لا بدليل خارجي، وهذا هو الظاهر من هذه القاعدة[٢١٩].
الكثير من هذه المرجّحات غير خالية عن النقاش نعرض لموردين منها:
الأوّل: النقاش في أصل اعتبار موافقة الكتاب ومخالفة العامّة من المرجّحات؛ لأنّ الخبر المخالف للكتاب فاقد للحجّية منذ البداية، فهما واردان لتمييز الحجّة عن اللاحجّة من الأخبار لا للترجيح[٢٢٠].
كما أنّ هناك نقاشا في اتّحاد كلٍّ منهما أو استقلالهما، فيذهب السيّد الخوئي إلى استقلال كلٍّ منهما، والأمر يعود إلى ما يستظهر من كلام المعصوم في المقبولة، حيث قال في موضع: «ينظر ما وافق حكمه حكم الكتاب والسنّة، وخالف العامّة فيؤخذ به، ويترك ما خالف الكتاب والسنّة ووافق العامّة». وقال في موضع آخر: «ما خالف العامة ففيه الرشاد»... فاستظهر استقلالهما، لكن استظهر البعض الآخر اتّحادهما استظهارا لذات العبارة[٢٢١].
وهناك نقاشات كذلك في تفسير ووجه الترجيح بمخالفة آراء العامّة، وكذا في المراد من العامّة واُمور من هذا القبيل[٢٢٢]، وكذلك في كونها من صنف المرجّحات الداخلية أو الخارجية[٢٢٣].
الثاني: ذهب الكرخي إلى كون الشهرة ليست من المرجّحات[٢٢٤]، وناقش فيها بعض المتأخّرين مثل السيّد الخوئي، وذهب في النهاية إلى أنّها ليست من المرجّحات؛ باعتبار أنّ ما ورد في المقبولة هو الأخذ بالمجمع عليه. وهذا لا ينافي فرض الشهرة في روايتين متعارضتين بعد أمره بالأخذ بالمجمع عليه، فإنّ الشهرة ـ لغة ـ تعني الوضوح، وما في المرفوعة: «خذ بما اشتهر بين أصحابك» محمول على الشهرة بمعناها اللغوي لا الاصطلاحي؛ لأنّ فرض الشهرة بمعناها الاصطلاحي يوجب دخولها تحت عنوان السنّة القطعية، فتكون الرواية الأخرى خارجة عن دليل الحجّية طبعا، بمقتضى ما دلّ على طرح الخبر المخالف للكتاب والسنّة.
هذا مضافا إلى كون المرفوعة غير حجّة لضعف سندها[٢٢٥].
والشهيد الصدر بعد ما يستدلّ على الشهرة كمرجّح برواية أخرى لا يستبعد ظهور رواية الطبرسي «خذ بما اجتمعت عليه شيعتنا؛ فإنّه لا ريب فيه»[٢٢٦] في كون المراد من الاجتماع هو الاجتماع في العمل والفتوى، أي الشهرة الفتوائية؛ باعتبار أنّ الاجتماع فيها يعود إلى الشيعة لا الرواة بالخصوص، وهو يتناسب مع كون المراد الاجتماع في الرأي والعمل[٢٢٧].
كما لا يستبعد حمل الشهرة في المرفوعة على الشهرة في الفتوى كذلك، وذلك بقرينتين:
الاُولى: افترض السائل إمكان اشتهار روايتين متعارضتين معا، وهذا لا يناسب الشهرة في الرواية المساوق مع قطعية صدورها وإلاّ فلا يبقى مجال للترجيح بالأعدلية والأوثقية عقلائيا.
الثانية: سياق الترجيح بالصفات في المرفوعة يأبى عن إرادة الشهرة الروائية، إذ لو كان المراد ذلك لكان المناسب أن يرجّح ما كان مجموع رواته أعدل وأصدق، بينما الظاهر ممّا ورد في الرواية هو ملاحظة الراويين المباشرين.
وفي النهاية حمل الشهرة في المقبولة على الشهرة في الرواية، وذهب إلى أنّ ظاهر التعبير: «فإن كان الخبران عنكم مشهورين قد رواهما الثقات عنكم» يثبت هذا المعنى[٢٢٨].
كما أنّ هناك نقاشات اُخرى في هذا المجال[٢٢٩].
المرجّحات المنصوصة وغير المنصوصة
المرجّحات التي وردت في كتب الأصوليين، وبخاصّة المتقدّمين منهم، خليط من المرجّحات التي ورد نصٌّ فيها والتي تدعى المنصوصة، والتي لم يرد نصٍّ فيها والتي تدعى غير المنصوصة. وقد اختلف الأصوليون في المرجّحات التي ينبغي إعمالها ما إذا كانت مقتصرة على المنصوصة منها أو تشمل غيرها كذلك، وفي المجال آراء:
الأوّل: الاقتصار على المنصوصة منها، وهو ظاهر كلام الكليني[٢٣٠]، كما أنّه رأي الأخباريين[٢٣١]، وهو مبني على مبدئهم في الاعتماد على ظاهر النصوص والجمود عليها[٢٣٢]، مضافا إلى اعتبارهم أخبار مثل (الكافي) كلّها صحيحة، ممّا دعاهم إلى إهمال النظر في المرجّحات غير المنصوصة[٢٣٣].
كما هو رأي بعض الأصوليين ممّن تقدّم على الشيخ الأنصاري مثل الفاضل التوني، حيث قال: «وأنا لم أبسط القول فيها؛ لأنّ الملاك في بعضها غير ظاهر، والأولى الرجوع في الترجيح إلى ما ورد به، وهو روايات»[٢٣٤].
كما أنّه رأي أكثر الذين تأخّروا عن الشيخ الأنصاري مثل المحقّق الخراساني[٢٣٥]، والسيّد الخوئي[٢٣٦]، والسيّد الكلبايكاني[٢٣٧]، والسيّد الروحاني[٢٣٨]، وبعض آخر[٢٣٩].
استدلّ المحقّق العراقي على هذا الرأي بأنّ الأصل وإن كان يقتضي وجوب الأخذ بكلّ ما يحتمل أن يكون مرجّحا لأحد المتعارضين، للشكّ في حجّية الآخر والأصل عدمها، إلاّ أنّه يجب الخروج عمّا يقتضيه الأصل بإطلاقات أدلّة التخيير، فإنّ المتيقّن من تقييدها ما إذا كان في أحد المتعارضين أحد المزايا المنصوصة، ولا يستفاد من أدلّة الترجيح وجوب الأخذ بكلّ مزية توجب أرجحية أحدهما سندا أو مضمونا، فالقول بوجوب التعدّي عن المرجّحات المنصوصة خالٍ عن الدليل»[٢٤٠].
الثاني: وجوب التعدّي إلى كلّ ما يوجب الأقربية إلى الواقع. يظهر هذا الرأي من المحقّق القمّي؛ باعتبار قوله بأنّ المدار في المرجحات هو حصول الظنّ مهما كان صنفها[٢٤١]، ومال إليه الشيخ الأنصاري ونسبه إلى جمهور المجتهدين[٢٤٢]، كما نُسب إلى المشهور[٢٤٣]. ويبدو أنّ الشهرة المدّعاة وعبارة جمهور المجتهدين ناظرة عمدة إلى عهد الشيخ الأنصاري وما قبله؛ لأنّ أكثر المتأخّرين عن الشيخ ذهب إلى القول بعدم التعدّي.
وقد استدلّ الشيخ الأنصاري على هذا الرأي بوجوه، نورد بعضها:
الأوّل: كون المختار بعد التكافؤ والتعادل هو التخيير، والأصل فيه هو العمل بالراجح، بينما الأصل لو كان المختار هو التوقّف والاحتياط هو عدم الترجيح إلاّ بما علم كونه مرجّحا[٢٤٤].
لكن ردّ هذا بعدّة ردود:
منها: كون الأدلّة لا تنهض على الدلالة على التخيير، ومع عدم وجود مزية منصوصة لا يكون الأخذ بذي المزية متيقّنا، مع أنّ الأصل عدم اعتبار شيء من المتعارضين.
منها: على فرض دلالة الأخبار على التخيير وعلى فرض اعتبار أسانيدها، فإنّها مطلقة من حيث وجود مزية في أحد الخبرين أو عدمه، فقد ورد في بعضها: «يجيئنا الرجلان بحديثين مختلفين، فلا نعلم أيّهما الحقّ؟ فقال: إذا تعلم فموسّع عليك بأيّهما أخذت»[٢٤٥]. وهذا الكلام صادق مع وجود مزية ومع عدمها، وكذلك غير هذا من الأخبار[٢٤٦].
الثاني: الأخبار التي تضمّنت المرجّحات المنصوصة احتوت على قرائن تقتضي التعدّي منها إلى غيرها، فإنّ ميزة الأصدقية والأوثقية اعتبرتا لكونهما موجبين لقوّة احتمال صدق الخبر، فلتسري هذه الخصوصية إلى الأضبطية وإلى النقل باللفظ في قبال النقل بالمعنى، أي تلغى خصوصية المنصوصات لتعمّ غيرها كذلك[٢٤٧].
وردّ هذا باُمور:
منها: إنّ صفات من قبيل الأصدقية وردت في المقبولة، مع أنّها واردة في مجال الحاكم، فموردها الحاكم لا الراوي، ولا دليل على السريان إلى الرواية، مضافا إلى اشتمالها على صفات اُخرى لا ربط لها في تقريب نصّ الراوي إلى الواقع صدورا أو جهة[٢٤٨].
منها: لم يعلّل الترجيح بالصفات المزبورة بالأقربية للواقع، ولعلّ في الأصدقية والأوثقية خصوصية، كما هو الحال في حجّية خبر الواحد، فإنّا لا نتعدّى به إلى مطلق الظنّ[٢٤٩].
الثالث: المرجّحات تشمل كلّ ما يوجب الظنّ. يظهر هذا الرأي من السيّد المجاهد.
واستدلّ عليه بأنّها تفيد الظنّ بالصدور، والظنّ حجّة وفق أصالة حجّيه الظنّ، هذا مضافا إلى أنّ الاقتصار على المزايا المنصوصة لو كان واجبا لزم القول بتحريم غير المنصوصة، مع أنّا لم نجد روايات تحرّمها كما حرّمت القياس مثلاً[٢٥٠].
الرابع: يجوز التعدّي في صفات الراوي دون غيرها. احتمله السيّد اليزدي، بل يظهر ذهابه إليه[٢٥١]. وذكره الشيخ المظفر كأحد الأقوال دون التفصيل فيه[٢٥٢].
استدلّ عليه السيّد اليزدي بالأدلّة التي وردت تحت القول الذاهب إلى الترجيح كأصل ثانوي في التعارض، وهي: الإجماع الذي ادّعاه البعض، وبناء العقلاء، وأضاف إليهما سياق أخبار الترجيح والعلاج، التي تضمّنت فقرات من قبيل الترجيح بالأصدقية في المقبولة والأوثقية في المرفوعة، فيفهم منهما التعدّي في الصفات، من حيث رجوع جميع الصفات التي عُدّت مزايا إلى الأصدقية والأوثقية، فيقال في العدل: كونه أصدق من الفاسق، ويقال في الأضبط: كونه أصدق من غيره، وهكذا... ولذلك اقتصرت الروايتان على ذكرهما دون غيرهما، وبذلك تكون جميع الصفات من المرجّحات المنصوصة[٢٥٣].
3 ـ الترتيب بين المرجّحات
اختلف القائلون بإعمال المرجّحات في مسألة الترتيب بينها، وما إذا كان هناك ترتيب محدّد أم لم يكن، وانقسموا على أقوال:
الأوّل: رعاية الترتيب بالنحو التالي: إذا تعارض حديثان يقدّم الموافق للقرآن والسنّة المقطوعة على المخالف لهما، وإن لم تعلم الموافقة أو المخالفة فالترجيح باعتبار صفات الراوي، ومع التساوي فالترجيح بكثرة الراوي وشهرة الرواية، ومع التساوي فبالعرض على روايات العامّة أو مذاهبهم أو عمل حكّامهم، فيقدَّم المخالف لهم، وإن لم تعلم الموافقة أو المخالفة فيعمل بالأحوط منهما، فإن لم يتيسَّر العمل بالاحتياط يتوقّف إن أمكن التوقّف وإن لم يمكن فالتخيير بينهما.
استظهر هذا الرأي الفاضل التوني من مجموع الروايات الواردة في هذا الباب، ثُمّ نقل قولاً آخر في هذا المجال، وهو أنّ التخيير يختصُّ بالعبادات المحضة والتوقّف بغيرها، واعتبر القول الأخير ممّا تأباه الروايات[٢٥٤].
الثاني: تقديم المرجّحات السندية أو الصدورية على غيرها.
استدلّ على هذا الرأي بعض من ذهب إليه بأنّ المرجّحات السندية مثل: الشهرة توجب أقربية الرواية المشهورة من الواقع قياسا بالمعارضة لها التي تحظى بمرجّح جهتي أو مضموني[٢٥٥].
واستدلّ عليه المحقّق النائيني: بأنّ مرجّح الصدور فرع اعتبار صدور المتعارضين، ومع عدم إحراز الصدور لا يصل الدور إلى ملاحظة جهة الصدور[٢٥٦].
وردّ رأي النائيني واستدلاله: بأنّه مجرّد استحسان لا يصلح لرفع اليد عن ظهور النصوص في تقديم الترجيح بموافقة الكتاب التي هي من المرجّحات المضمونية على الترجيح بمخالفة العامّة، التي هي من المرجّحات الجهتية[٢٥٧].
الثالث: تقديم المرجّح الجهتي (مخالفة العامّة) على المرجّح السندي.
نسبه أكثر من واحد إلى الوحيد البهبهاني دون إيراد التفاصيل والأدلّة[٢٥٨].
وردّ السيد الخوئي هذا الرأي: بأنّ مجرّد المخالفة للعامّة لا توجب الترجيح والقطع بالصدور؛ لكثرة المشتركات بين الشيعة والسنّة[٢٥٩].
الرابع: لزوم رعاية الترتيب حتّى مع القول بالتعدّي وتقدّم المرجّحات الدلالية التي تعنى بالمتن على مرجّحات الصدور والسند، وتقدّم مرجّحات الصدور والسند على مرجّحات جهة الصدور.
ذهب إلى هذا الشيخ الأنصاري واستدلّ عليه: بأنّ المرجّحات الدلالية تدخل في الجمع المقبول الذي يقدّم على الطرح. ويقدّم مرجّح الصدور على مرجّح الجهة؛ لأنّ مورد المرجّح الأخير هو تساوي الخبرين من حيث الصدور، وجهة الصدور متفرّعة على أصل الصدور[٢٦٠].
وردّ هذا: بأنّه بناءً على التعدية تكون المرجّحات في عرض واحد ويلزم عندئذٍ وقوع التزاحم بينها، فلو كان لأحد الخبرين مزية الشهرة في الرواية وللآخر مزية مخالفة العامّة قدّم عندئذٍ الأقوى مناطا في القرب إلى الصدور. أمّا بناءً على الاقتصار على المنصوصات، فإنّ التعبُّد كما اقتضى الاقتصار على أصل المرجّحات يقتضي التعبُّد في الترتيب بينها وفق ما جاء في الروايات[٢٦١].
الخامس: عدم الترتيب بينها.
ذهب إليه البعض مثل المحقّق الخراساني[٢٦٢] والسيّد محمّد سعيد الحكيم[٢٦٣] والسيّد الروحاني[٢٦٤].
واستدلّ عليه المحقّق الخراساني: بأنّ الروايات غير واردة لبيان الترتيب، بل لبيان المرجّحات فقط، فلا يستفاد منها الترتيب[٢٦٥].
4 ـ مرجّحات التعارض بين الدليل العقلي والنقلي
إذا كان الخبر موضع قبول كالمتواتر وأمكن تخصيص القياس كدليل عقلي به أو بالعكس، فيعمل بكلاهما جمعا بين الدليلين[٢٦٦].
وإذا كان الدليل النقلي خاصّا ودالاًّ على الحكم بمنظومه قدِّم على القياس؛ لكونه أصلاً بالنسبة إلى الرأي، ولقلّة تطرّق الخلل إليه.
أمّا إذا دلّ الخاصّ لا بمفهومه على الحكم فهناك مجال للنظر والموازنة بينه وبين القياس حسب قوّته وضعفه[٢٦٧].
أمّا بالنسبة لخبر الواحد، فأهل السنّة مختلفون فيه، فجمهورهم يقدّم خبر الواحد على القياس، وقد ذهب إليه الشافعي[٢٦٨]، ونسب إلى أحمد بن حنبل كذلك.
واستدلّ عليه: بأنّ الخبر قول المعصوم والقياس اجتهاد شخصي، وكذلك كون الخبر يقلّ الخطأ فيه عكس القياس؛ باعتبار كونه اجتهادا.
والمخالفون لرأي الجمهور مختلفون كثيرا، فبعضهم يقدّم القياس على الخبر مطلقا، والبعض الآخر يفصّل، مستدلّين على رأيهم باعتبارات عقلية وكذلك موارد منقولة يبدو منها ترك الصحابة لبعض الأخبار أخذا بالقياس.
كما أنّ أصحاب التفصيل منقسمون من حيث الشروط التي يقدَّم وفقها القياس على الخبر أو بالعكس، تبعا لمستوى اعتبار أو حجّية أو ضعف الخبر، لأجل أنّ ذلك خاضع لسند الحديث تارة ولمتنه اخرى أو لاُمور اُخرى يمكن ترجيح الخبر على القياس أو بالعكس وفقها[٢٦٩].
5 ـ مرجّحات التعارض بين القياس والاستحسان
هناك اختلاف في المراد من الاستحسان وتعريفه، وبناءً على القول بأنّ الاستحسان ليس تشهيا، بل عدولاً عن الحكم في مسألة بمثل ما حكم به في نظائرها إلى خلافه لوجه أقوى اقتضى ذلك، فالاستحسان عندئذٍ قياس خفي، وهو مرجَّح على القياس الجلي للوجه الأقوى المزبور، وقد يكون استثناءً لمسألة جزئية عن حكم الكلّي. وبذلك يبرّر القائلون به تقديمه على القياس عند التعارض[٢٧٠].
6 ـ مرجّحات التعارض بين الأقيسة
يعالج تعارض الأقيسة كتعارض باقي الأدلّة، ففيها يحصل التعارض كما يحصل في باقي الأدلّة، بل أكثر باعتبار خضوع هذا الدليل للاجتهاد والفكر الإنساني[٢٧١].
ويقال في علاجه: إذا كان لأحدهما مزية على الآخر فيعمل وفقها، وإذا لم يكن لأحدهما مزية على الآخر، ففي المجال رأيان على أقلّ تقدير:
الأوّل: التخيير بأيّهما شاء ولا يسقطان، وهو للشافعية.
الثاني: يعمل بأحدهما بعد التحرّي.
أمّا مرجّحات الأقيسة بعضها على بعض فاُمور:
1 ـ المرجّحات بحسب الأصل، من قبيل الموارد التالية:
أ ـ قطعية حكم الأصل، فيرجّح على غير القطعي.
ب ـ قوّة دليل المثبت لأحد القياسين، فإنّه يرجّح على ضعيفه.
ج ـ موافقة أحد القياسين للقواعد الكلّية ومخالفة الآخر لها.
د ـ كون حكم الأصل في أحدهما اتّفق على عدم نسخه، بينما اختلف في الآخر على نسخه، وكثير من المرجّحات الاُخرى.
2 ـ المرجّحات بحسب الفرع، وهي اُمور:
منها: الترجيح بقطعية العلّة في الأصل في أحدهما وعدم قطعية العلّة في الآخر.
منها: كون طريق إثبات العلة في أحدهما أقوى، كما في حالة النصّ القطعي، من طريق الآخر، كما في حالة النصّ الظنّي.
منها: ترجيح قياس الشبه على قياس المعنى.
منها: ترجيح العلّة المتعدّية على القاصرة.
وكثير من المرجّحات الاُخرى.
3 ـ الترجيح بحسب الفرع والأمر الخارجي، وذلك من قبيل:
أ ـ الترجيح بالقطع بوجود العلّة بأن يقطع بوجود العلّة في الفرع في أحدهما ويشتبه بثبوتها في الآخر.
ب ـ الترجيح بالعلم بثبوت أصل أحد القياسين في أحدهما واشتراك الفرع بالنصّ جمله دون الآخر.
ج ـ موافقة أحد القياسين لعمل أهل المدينة دون الآخر.
د ـ موافقة أحد القياسين لعمل الخلفاء الراشدين الأربعة دون الآخر.
هـ ـ موافقه أحد القياسين لظاهر الكتاب أو السنّة دون الآخر.
و ـ موافقة أحد القياسين لقياس آخر دون الآخر.
4 ـ الترجيح بحسب العلّة، وذلك من قبيل الموارد التالية:
أ ـ ترجيح القياس الذي تكون علّته حكمة على الذي علّته وصفا عدميا؛ لأنّ الوصف العدمي لا يكون علّة إلاّ إذا علمنا باشتماله على حكمة قصدها الشارع.
ب ـ ترجيح القياس الذي تكون علّته وصفا عدميا على الذي تكون علّته حكما شرعيا؛ لأنّ الحكم الشرعي لا يكون علّة بمعنى أمارة.
ج ـ ترجيح القياس المعلّل فيه الحكم بعلّة بسيطة على المعلّل الحكم فيه بعلّة مركّبة؛ لأنّ التعليل بالوصف البسيط متّفق عليه، وبالوصف المركّب مختلف فيه؛ ولأنّ البسيط يقلّ فيه الخطأ بعكس المركّب الذي يكثر فيه الاجتهاد.
ووجوه اُخرى كثيرة[٢٧٢].
وقد تناول بعض أصوليي الشيعة موضوع التراجيح بين الأقيسة لا من باب القول به، بل من باب التفريع على القول به من قبل أهل السنّة، كما يصرّح بذلك[٢٧٣].
7 ـ المرجّحات وفق صنف الحكم
ناقش بعض الأصوليين مسألة ما إذا كانت هناك أولوية بين الأحكام، لأجل ترجيح بعضها على بعض عند تعارض دليلين دالّين على حكمين مختلفين، وفي هذا المضمار وردت النقاشات التالية:
1 ـ التعارض بين ما تضمّن الحرمة وما تضمّن الإباحة، وهنا ثلاثة آراء:
الرأي الأوّل: ترجيح الذي حكمه الحرمة على الإباحة، وهو ما نسب إلى جمهور الأصوليين، واستدلّ عليه باُمور:
أ ـ العمل وفق الحرمة أحوط، فإنّ مخالفة الحرمة عصيان، ومخالفة الإباحة ليس كذلك.
ب ـ تقديم الإباحة على الحرمة إيضاح واضح، فإنّ الأصل في جميع الأشياء هو الإباحة، وهذا الدليل لم يفد شيئا جديدا، بل يؤكّد الأصل، بينما الحرمة تؤسّس حكما جديدا، ويقدّم التأسيس على التأكيد وفقا لقاعدة واردة في هذا المجال.
ج ـ قوله(ص): «ما اجتمع الحلال والحرام إلاّ وغلب الحرامُ الحلالَ»[٢٧٤]. وقوله: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك»[٢٧٥].
الرأي الثاني: تقديم الذي يفيد الإباحة، واستدلّ عليه بأنّ الذي يفيد الإباحة يفيد التخيير، وفي التخيير مصلحة للمكلّف تمنعه من الوقوع في الحرج الذي رفع بنصٍ قطعي.
الرأي الثالث: التساوي بينهما؛ باعتبارهما حكمين شرعيين، فلا مرجّح بينهما.
2 ـ التعارض بين ما تضمّن الحرمة وما تضمّن الندب.
ويبدو أنّ الآراء الواردة في المورد الأوّل واردة هنا كذلك.
3 ـ التعارض بين ما تضمّن الحرمة وما تضمّن الوجوب.
وفي هذا المجال رأيان:
الرأي الأوّل: ترجيح الحرمة على الوجوب.
واستدلّ عليه باُمور:
أ ـ كون الغالب أنّ التحريم لدفع المفسدة، واهتمام الشارع بدفع المفسدة أكثر من جلب المصلحة.
ب ـ امتثال الموجب للتحريم أيسر؛ لأنّه يتمّ بمجرّد الترك، بينما ينبغي القصد في الواجب.
ج ـ الترك أسهل في طبع الإنسان.
الرأي الثاني: كونهما متساويين، ولا ترجيح لأحدهما على الآخر؛ باعتبار أنّ كلّيهما حكمان شرعيان بمستوى واحد، ولا مزية لأحدهما على الآخر.
4 ـ التعارض بين ما تضمّن الحرمة وما تضمّن الكراهة.
الرأي الوارد هنا هو ترجيح الحرمة على الكراهة؛ لأنّ التزام الحرمة أحوط، ومفسدة الحرمة أكبر من الكراهة.
5 ـ التعارض بين ما تضمّن الوجوب على ما سوى الحرمة.
وهنا يرجّح ما تضمّن الوجوب على ما تضمّن الحرمة؛ باعتبار أنّ الوجوب أحوط من غيره.
6 ـ التعارض بين ما تضمّن حكما تكليفيا وما تضمّن حكما وضعيا.
يوجد هنا رأيان:
الرأي الأوّل: ترجيح الحكم التكليفي على الحکم الوضعي؛ لما تضمّنه التكليفي من ثواب مع أنّه مقصود من قبل الشارع بالذات، بعكس الوضعي.
الرأي الثاني: ترجيح الوضعي على التكليفي؛ لأنّ الوضعي لا يتوقّف على أهلية المخاطب وفهمه وقدرته على الفعل، بخلاف التكليفي[٢٧٦].
التعادل
لم يرد تعريف محدّد للتعادل من قبل أكثر الأصوليين، إلاّ البعض القليل منهم، حيث عرّفه باستواء الأمارتين[٢٧٧]، أو تكافؤ الدليلين المتعارضين فى كلّ شيء يقتضي ترجيح أحدهما على الآخر[٢٧٨]، كما أنّ استقراء كلماتهم يفيد كونه يعبّر عن حالة تحصل بين الدليلين أو الخبرين بعد إعمال الموازنة بينهما، وذلك حينما يكونان متكافئين من جميع الجوانب ولا مزية توجب ترجيح أحدهما على الآخر. وقد اختلفوا فيما ينبغي أن نعمله هنا، وذلك بسبب اختلاف الروايات الواردة في هذا المجال[٢٧٩]، فوردت أقوال:
القول الأوّل: التخيير في الأخذ بأحدهما
نسب إلى الجبائي وابنه أبو هاشم وإلى كلّ من يذهب إلى التصويب[٢٨٠] وهو رأي مشهور الشيعة كذلك[٢٨١]، بل ذهب نجل الشهيد الثاني إلى أنّه لا يعرف مخالفا له[٢٨٢].
لكن يشكّك السيد الخوئي بذهاب المشهور إلى التخيير، وذلك لانعدام الدليل عليه؛ باعتباره يرفض دلالة الروايات المستدلّ بها على التخيير من جانب، ومن جانب آخر يقول: بأنّ الأصحاب في الفقه عملوا على خلاف التخيير، ولم يعثر على من أفتى به[٢٨٣].
استدلّ على هذا الرأي بثمان روايات، اعتبرها الشيخ الأنصاري مستفيضة بل متواترة[٢٨٤].
منها: رواية سماعة عن أبي عبداللّه عليهالسلام: سألته عن الرجل اختلف عليه رجلان من أهل دينه في أمر كلاهما يرويه أحدهما يأمر بأخذه والآخر ينهاه عنه، كيف يصنع؟ فقال : «يُرجئه حتّى يلقى من يُخبره، فهو في سعة حتّى يلقاه»[٢٨٥].
عبارة «فهو في سعة حتّى يلقاه» ظاهرة في جواز الأخذ بأي الحديثين، وهو معنى التخيير. أمّا قوله: «يرجئه حتّى يلقى من يخبره» فناظر إلى الحكم الواقعي، ولا تتنافى مع التخيير في الحجّية الذي هو حكم ظاهري.
وأشكل السيّد الخوئي على هذه الرواية بأنّ موردها دوران الأمر بين المحذورين، بدليل أنّ أحد الخبرين يأمر والآخر ينهى، والعقل هنا يحكم بالتخيير بين الفعل والترك[٢٨٦].
لكن ردّ هذا باُمور:
الأول: كون التخيير العملي في مورد دوران الأمر بين محذورين ينتهي إليه فيما إذا لم يكن هناك أصل حاكم، كعموم فوقاني يثبت أحد الحكمين الإلزاميين أو أصل عملي منجّز له، وإلاّ كانت النتيجة التعيين لا التخيير.
الثاني: إن اُريد من التخيير التخيير في الحجّية، فالعقل لا يحكم إلاّ بالتخيير في مقام العمل لا في مقام الحجّية المساوق مع حجّية ما يلزم به وتعيينه. وإن اُريد التخيير في مقام العمل، فهذا لا يتوقّف على فرض الدوران بين المحذورين. وعليه يكون هذا إشكالاً آخر على الرواية حتّى لو فرض إطلاق مفادها من حيث المورد؛ لأنّه يساوق البراءة الجارية في غير موارد الدوران بين المحذورين أيضا.
ويشكل الشهيد الصدر على هذه بوجهين آخرين:
أحدهما: من المحتمل قويّا أنّ الملحوظ فيها التعارض الواقع في أصول الدين، بدليل قوله: «أحدهما يأمر بأخذه» ولو كان ناظرا إلى الفروع لكان الأنسب أن يعبّر بقول: «يأمر بفعله».
ثانيهما: في قوله: «فهو في سعة حتّى يلقاه» احتمالات ثلاثة:
1 ـ التخيير في الحجّية.
2 ـ تأكيد للجمله الاُولى: «يرجئه حتّى يلقى من يخبره».
3 ـ السعة العملية في مقام تفريغ الذمّة عن الواقع المجهول بعد حصول التعارض، فيكون بيانا لعدم نشوء تنجيز زائد على ما ورد في الخبرين.
وباعتبار مساواة الاحتمالات يبطل الاستدلال بها[٢٨٧].
وهناك وجوه اُخرى من النقاشات في هذه الرواية[٢٨٨].
منها: ما رواه الطبرسي في الاحتجاج مرسلاً عن الحارث بن المغيرة عن أبي عبدالله عليهالسلام قال: «إذا سمعتَ مِن أصحابك الحديث وكُلّهم ثقة فموسّع عليك حتّى ترى القائم فترد عليه»[٢٨٩].
أشكل عليها بضعف السند بسبب الإرسال، مضافا إلى أنّها تدلّ على حجّية أخبار الثقة إلى ظهور الحجّة ولا دلالة لها على حكم المتعارضين[٢٩٠].
رُدّ هذا الإشكال بإمكان استفادة شمولها لصورة التعارض من الإطلاق؛ لأنّ لسان دليل الحجّية هنا لسان التوسعة بخلاف ما لو كان لسانه لسان جعل المنجزية أو الطريقية أو إيجاب العمل، فلا يمكن أن يشمل مورد تعارض الدليلين.
لكن قد يستشكل على الاستدلال من خلال إبراز احتمال أن يكون المراد من التوسعة هنا هو التوسعة في الوظيفة العملية وبملاك الأصول المؤمنة مع افتراض سقوط المتعارضين عن الحجّية، فلا يكون دليلاً على التخيير في الحجّية.
ويردُّ هذا الإشكال بأنّ موارد التعارض لا تكون مجرى للأصول المؤمّنة دائما، فقد تكون موردا للتنجيز إمّا لوجود عموم فوقاني منجز لا بدّ من الرجوع إليه بعد التعارض أو لوجود أصل عملي منجز كما في باب المعاملات مثلاً[٢٩١].
وهناك استدلالات ونقاشات أكثر وردت في الروايات ذات الصلة[٢٩٢].
القول الثاني: التوقّف وعدم الافتاء أصلاً
وردّ بأنّه إلى متى يمكن التوقّف مع أنّ الحكم قد لا يقبل التأخير. حكاه الغزالي وغيره[٢٩٣]، كما ذهب إليه الأخباريون[٢٩٤]، وذكره الشيخ الأنصاري كأحد الوجوه المطروحة هنا[٢٩٥].
استدلّ البحراني على هذا الرأي ـ بعد مناقشته الروايات الواردة في هذا الباب ـ بخبر الميثمي عن الرضا عليهالسلام الذي ورد فيه ذكر مرجّحات، ثُمّ جاء فيه: «وما لم تجدوه في شيء من هذه الوجوه فردّوا إلينا علمه فنحن أولى بذلك ولا تقولوا فيه بآرائكم وعليكم بالكفّ والتثبّت والوقوف وأنتم طالبون باحثون حتّى يأتيكم البيان من عندنا»[٢٩٦].
وردّ هذا الحديث بوجود محمّد بن عبد الله المسمعي في سلسلة الحديث، وهو ضعيف؛ لأنّ الصدوق نقل عن شيخه فيه كونه سيئ الرأي[٢٩٧].
لكن قيل: بإمكان رجوع سوء الرأي إلى قضايا من قبيل الغلوّ واعتماد المراسيل، وهذا لا يتنافى مع الوثاقة المطلوبة هنا[٢٩٨].
أمّا من حيث الدلالة فهو باعتباره متعرّضا لألسنة نصوص التخيير كان حاكما عليها حكومة تفسيرية فيقدّم عليها ويكون كاشفا عن خلل في ظهورها.
لكن قد يقال: بأنّ الحكومة المزبورة تتمّ في بعض الروايات القابلة للحمل على السعة الواقعية ولا تتمّ في مثل مرسل الحسن بن الجهم الذي هو كالصريح في التخيير الظاهري وكذلك مرفوعة زرارة التي فرض فيها لزوم الترجيح الذي لا مجال ولا محلّ له هنا. وبهذا يكون خبر الميثمي معارضا لمثل الخبرين لا حاكما عليهما.
من جانب آخر، فقد يدّعى انجبار نصوص التخيير بالعمل بها من قبل الأصحاب دون نصوص التوقّف، إلاّ أنّه شكّك في أصل عمل الأصحاب بنصوص التخيير[٢٩٩].
القول الثالث: وجوب الأخذ بما طابق الاحتياط منهما
ذكره الشيخ الأنصاري كأحد الوجوه[٣٠٠]، كما ذكره الشيخ المظفر دون أن ينسبه لأحد خاصّ[٣٠١].
ومن المحتمل كونه عائدا إلى روايات الترجيح بالأحوط، فقد لا يكون قولاً ناظرا إلى ما بعد إعمال المرجّحات على الدليلين.
وهناك آراء اُخرى أوردها بعض الأصوليين[٣٠٢].
الهوامش
- ↑ . المصباح المنير: 402 ـ 404.
- ↑ . المصدر السابق: 404.
- ↑ . الصحاح 3: 1082.
- ↑ . التقرير والتحبير 3: 3.
- ↑ . تقويم الأدلّة: 214، التحبير شرح التحرير 8: 4126، البحر المحيط 6: 109.
- ↑ . تقريرات المجدد الشيرازي 4: 148، نهاية الأفكار العراقي 4 ق 2 : 124.
- ↑ . منتقى الأصول 7: 279.
- ↑ . فرائد الأصول 4: 11 ـ 12.
- ↑ . منتهى الأصول 2: 550 ـ 551.
- ↑ . فرائد الأصول 4: 11، مقالات الأصول 2: 455.
- ↑ . كفاية الأصول: 437.
- ↑ . عناية الأصول في شرح كفاية الأصول 6: 4.
- ↑ . أصول الفقه المظفر 3 ـ 4: 213.
- ↑ . أنوار الأصول 3: 447.
- ↑ . بحوث في علم الأصول 7: 22 ـ 23.
- ↑ . أصول الفقه الإسلامي الزحيلي 2: 1173.
- ↑ . نهاية الوصول الحلّي 5: 296 ـ 297، الوافية: 321 ـ 322.
- ↑ . المستصفى 2: 244 ـ 245، أصول الفقه الإسلامي الزحيلي 2: 1176 فما بعدها.
- ↑ . كفاية الأصول: 437 ـ 438، مصباح الأصول 3: 347 ـ 353.
- ↑ . أنظر: الوافية: 319، فرائد الأصول 4: 11، فوائد الأصول 4: 699.
- ↑ . المستصفى 2: 244.
- ↑ . النساء: 76.
- ↑ . الفتح: 10.
- ↑ . شرح نهاية السؤل على منهاج الأصول 3: 256.
- ↑ . التعارض و الترجيح بين الأدلّة الشرعية 1: 58 ـ 113، مصادر التشريع ومنهج الاستدلال: 487 ـ 490.
- ↑ . إرشاد الفحول 2: 381.
- ↑ . النساء: 82.
- ↑ . مصادر التشريع ومنهج الاستدلال: 519 ـ 521.
- ↑ . بحوث في علم الأصول الهاشمي 7: 29.
- ↑ . أصول الفقه الإسلامي الزحيلي 2: 1174، أصول الفقه الإسلامي (شلبي): 523.
- ↑ . الموافقات 4: 294.
- ↑ . مصادر التشريع ومنهج الاستدلال والتلقي: 488.
- ↑ . بحوث في علم الأصول الهاشمي 7: 28 ـ 42.
- ↑ . التعارض والترجيح بين الأدلّة الشرعية 1: 321 ـ 335، أنظر: مصادر التشريع ومنهج الاستدلال : 490، التعارض والترجيح الحفناوي : 11 ـ 15.
- ↑ . كتاب التعارض: 104.
- ↑ . مفاتيح الأصول: 680، أنوار الأصول 3: 465 ـ 466، أصول الفقه الزحيلي 2: 1175.
- ↑ . مبادئ الوصول الحلّي: 230.
- ↑ . مصادر التشريع ومنهج الاستدلال: 507.
- ↑ . أنوار الأصول 3: 465 ـ 466.
- ↑ . أنيس المجتهدين 2: 973.
- ↑ . المستصفى 2: 244.
- ↑ . نهاية الوصول الحلّي 5: 289 ـ 290، مفاتيح الأصول: 680.
- ↑ . المستصفى 2: 244، أصول الفقه الخضري بك: 359، أصول الفقه (الزحيلي) 2: 1175.
- ↑ . أصول الفقه الزحيلي 2: 1175.
- ↑ . العدة الطوسي 1: 143 ـ 155، معارج الأصول: 154 ـ 158، زبدة الأصول (البهائي): 169 ـ 172.
- ↑ . معالم الدين: 249 ـ 256.
- ↑ . التعارض والترجيح الحفناوي: 107 ـ 108.
- ↑ . البحر المحيط 6: 109 ـ 110، أنظر: تقويم الأدلّة: 214، إرشاد الفحول 2: 361 ـ 364، أصول الفقه الإسلامي شلبي: 524.
- ↑ . التعارض والترجيح بين الأدلّة الشرعية 1: 244 ـ 257، أصول الفقه الإسلامي مطلوب: 443 ـ 444، المختصر الوافي: 243، أصول الفقه (شلبي): 524.
- ↑ . أصول الفقه المظفر 3 ـ 4: 211 ـ 214.
- ↑ . كتاب التعارض اليزدي: 42.
- ↑ . بحوث في علم الأصول الهاشمي 7: 207 ـ 213.
- ↑ . مصباح الأصول 3: 347 ـ 355، بحوث في علم الأصول 7: 14 ـ 17، المحكم في أصول الفقه 6: 48 ـ 72.
- ↑ . كفاية الأصول: 437 ـ 438.
- ↑ . أنوار الأصول 3: 451 ـ 453، عناية الأصول 6: 8 ـ 9.
- ↑ . البحر المحيط 6: 111 ـ 112، المختصر الوافي: 244 ـ 245.
- ↑ . أنظر: الإحكام الآمدي 3 ـ 4: 463 ـ 464، البحر المحيط 6: 111، الوافية: 321 ـ 323.
- ↑ . نهاية الدراية الصدر: 28، دروس في علم الأصول 2: 537.
- ↑ . بحوث في علم الأصول الهاشمي 7: 219.
- ↑ . المحكم في أصول الفقه 6: 129 ـ 131.
- ↑ . مستمسك العروة الوثقى 2: 265.
- ↑ . دروس في علم الأصول 2: 530.
- ↑ . المصدر السابق.
- ↑ . منتهى الدراية الشوشتري 10: 60، تهذيب الأصول 1: 517.
- ↑ . الرافد في علم الأصول: 55 ـ 56.
- ↑ . دروس في علم الأصول 2: 563، بحوث في علم الأصول الهاشمي 7: 223 و 225.
- ↑ . تحريرات في الأصول 7: 357، مصباح الأصول 3: 390، المحكم في أصول الفقه 6: 263 ـ 264 و 283، بحوث في علم الأصول الهاشمي 7: 21.
- ↑ . منتقى الأصول 7: 360، در المنضود 1: 273، شرح العروة الوثقى الصدر 1: 490 ـ 491.
- ↑ . فواتح الرحموت 2: 195، التقرير والتحبير 3: 3، المستصفى 2: 139، التعارض والترجيح بين الأدلة 1: 265 ـ 299، بحوث في التعارض والترجيح: 10 ـ 15، مصادر التشريع ومنهج الاستدلال: 491، أصول الفقه الإسلامي شلبي: 527 ـ 528، المختصر الوافي في أصول الفقه: 247 ـ 251.
- ↑ . العدّة الطوسي 1: 143 ـ 155، معارج الأصول: 154 ـ 158، نهاية الوصول (الحلّي) 5: 276 ـ 365، زبدة الأصول (البهائي): 169 ـ 172، الوافية: 319 ـ 339.
- ↑ . معالم الدين: 249.
- ↑ . بحوث في علم الأصول الهاشمي 7: 45.
- ↑ . درر الفوائد 2: 645، إفاضة العوائد 2: 356، كتاب التعارض: 114 ـ 211، اصطلاحات الأصول: 193، دروس في علم الأصول 2: 535 و2: 544.
- ↑ . التعارض والترجيح بين الأدلّة الشرعية 1: 348 ـ 384.
- ↑ . فوائد الأصول 3: 255 و 264، منتهى الأصول 2: 564 ـ 565، نهاية الأفكار 5: 125، أصول الفقه المظفر 3 ـ 4: 234.
- ↑ . فرائد الأصول 4: 73 و 119 و 136، نهاية الدراية 5 ـ 6: 298، إفاضة العوائد 2: 354.
- ↑ . نهاية الأفكار العراقي ج4، ق2: 131 و 139 و 159، منتهى الأصول 2: 565، محاضرات في أصول الفقه 2: 339.
- ↑ . بلغة الفقيه 3: 59، أصول الفقه المظفر 3 ـ 4: 231 و3 ـ 4: 234.
- ↑ . تحريرات في الأصول 2: 98 و 3: 362، تهذيب الأصول 1: 389.
- ↑ . المحكم في أصول الفقه 6: 78 ـ 79 و 89، عناية الأصول 6: 11، كتاب الصلاة الآملي: 335، نهاية النهاية 2: 243.
- ↑ . أنوار الأصول 3: 455.
- ↑ . منتهى الأصول 2: 565، أصول الفقه المظفر 3 ـ 4: 230، أجود التقريرات 4: 290، زبدة الأصول (الروحاني) 4: 330.
- ↑ . تهذيب الأصول 1: 539، مناهج الوصول إلى علم الأصول 2: 335، منتهى الدراية 9: 499.
- ↑ . فقه الصادق 8: 92 و199 ـ 200 و10: 453 و11: 60 و69، منتهى الدراية 6: 383 و9: 569.
- ↑ . تقريرات المجدد الشيرازي 1: 175 ـ 209، هداية المسترشدين 1: 290 ـ 333، تعليقة على معالم الأصول 2: 204 ـ 228، التعارض والترجيح بين الأدلّة 2: 113 ـ 771.
- ↑ . سنن الترمذي 3: 283 كتاب الحج باب 102 ح947، سنن النسائي 5: 226 كتاب مناسك الحجّ باب طواف القارن.
- ↑ . سنن الدارقطني 2: 258 كتاب الحجّ باب المواقيت ح99 و130 و263، كنز العمال 5: 160 كتاب الحجّ باب القرآن ح12461.
- ↑ . العدَّة في أصول الفقه الطوسي 2: 589، الذريعة 2: 595، معارج الأُصول: 121، الأحكام (الآمدي) 1 ـ 2: 163 ـ 167، البحر المحيط 4: 196، إرشاد الفحول 1: 177، التعارض والترجيح بين الأدلّة 2: 312 ـ 321، المختصر الوافي في أصول الفقه: 246 ـ 247.
- ↑ . المعتمد 1: 359، معارج الأُصول: 121.
- ↑ . الذريعة 2: 593 ـ 594، المحصول ابن العربي: 111، المنخول: 227، البحر المحيط 4: 192، المختصر الوافي في أصول الفقه: 245 ـ 246.
- ↑ . أنظر: عوائد الأيّام: 349 ـ 353، فرائد الأصول 4: 111، أجود التقريرات 4: 300 وما بعدها، مصباح الأصول 3: 386، كفاية الأصول: 452، دُرر الفوائد 1 ـ 2: 681 ـ 683، بحوث في علم الأصول الهاشمي 7: 288.
- ↑ . فرائد الأصول 4: 12 ـ 13، كتاب التعارض: 77.
- ↑ . كتاب التعارض: 89 ـ 90، المحكم في أصول الفقه 6: 111 ـ 112.
- ↑ . فرائد الأصول 4: 13.
- ↑ . تقريرات المجدّد الشيرازي 4: 183 و 188.
- ↑ . كتاب التعارض: 84 ـ 85، المحكم في أصول الفقه 6: 111 ـ 118، نهاية الدراية الغروي 5 ـ 6: 277 ـ 281.
- ↑ . كفاية الأصول: 348.
- ↑ . كتاب التعارض: 90 ـ 92.
- ↑ . أنوار الأصول 3: 450.
- ↑ . نهاية الدراية في شرح الكفاية 5 ـ 6: 345 و5 ـ 6: 345، تسديد الأصول 1: 533 و2: 500، زبدة الأصول الروحاني 4: 389.
- ↑ . زبدة الأصول الروحاني 2: 373.
- ↑ . مصباح الأصول 3: 381 ـ 382.
- ↑ . زبدة الأصول 2: 373.
- ↑ . المحصول الرازي 2: 453.
- ↑ . نهاية الوصول الحلّي 5: 299.
- ↑ . البحر المحيط 6: 143.
- ↑ . المائدة: 1.
- ↑ . تعليقة على معالم الأصول 2: 216، درر الفوائد 1 ـ 2: 681.
- ↑ . تعليقة على معالم الأصول 2: 216.
- ↑ . درر الفوائد 1 ـ 2: 681، إفاضة العوائد 2: 392.
- ↑ . تسديد الأصول 1: 533 ـ 534 و 2: 500 ـ 507.
- ↑ . كفاية الأصول: 450.
- ↑ . تعليقة على معالم الأصول 2: 216.
- ↑ . منتهى الأصول 2: 570 ـ 571.
- ↑ . كفاية الأصول: 450.
- ↑ . منتهى الأصول 2: 570 ـ 577.
- ↑ . نهاية الأفكار البروجردي 5: 151 ـ 155، مصباح الأصول 3: 381 ـ 386، المحكم في أصول الفقه 6: 83 ـ 86.
- ↑ . فوائد الأصول 4: 732، مصباح الأصول 3: 379 ـ 380.
- ↑ . أنوار الأصول 3: 457.
- ↑ . المحكم في أصول الفقه 6: 94.
- ↑ . مصباح الأصول 3: 378 ـ 381.
- ↑ . المحكم في أصول الفقه 6: 92 ـ 96.
- ↑ . الفصول الغروية: 40، أنوار الأصول 3: 462.
- ↑ . تقريرات المجدد الشيرازي 1: 198 ـ 199.
- ↑ . الوافية: 61.
- ↑ . معالم الدين ابن الشهيد الثاني: 139.
- ↑ . تقريرات المجدد الشيرازي 1: 200 ـ 202.
- ↑ . هداية المسترشدين 1: 311 ـ 312.
- ↑ . فرائد الأصول 4: 98، فوائد الأصول 4: 730 ـ 731، زبدة الأصول الروحاني 4: 388.
- ↑ . فوائد الأصول 4: 731.
- ↑ . أنوار الأصول 3: 456.
- ↑ . المحكم في أصول الفقه 6: 89، أنوار الأصول 3: 456.
- ↑ . المحصول الرازي 2: 464، نهاية الوصول (الحلّي) 5: 316، نهاية الأحكام (الحلّي) 2: 512، معالم الدين (ابن الشهيد الثاني): 140، الحدائق الناضرة 3: 246.
- ↑ . أنوار الأصول 3: 461 ـ 462.
- ↑ . زبدة الأصول الروحاني 2: 357 ـ 362.
- ↑ . أنوار الأصول 3: 461 ـ 462.
- ↑ . مصباح الأصول 3: 365.
- ↑ . غوالي اللئالئ 4: 136.
- ↑ . تمهيد القواعد: 283 ـ 284 القاعدة السابعة والتسعون.
- ↑ . كتاب التعارض: 127 ـ 128.
- ↑ . مقالات الأصول 2: 471 ـ 473، فوائد الأصول 4: 755 الهامش 1، بحوث في علم الأصول (الهاشمي) 7: 256.
- ↑ . بحوث في علم الأصول الهاشمي 7: 257.
- ↑ . كفاية الأصول: 441، مصباح الأصول 3: 365، بحوث في علم الأصول الهاشمي 7: 237، المحكم في أصول الفقه 6: 133.
- ↑ . مصباح الأصول 3: 365 ـ 366.
- ↑ . فرائد الأصول 4: 37 ـ 38.
- ↑ . مصباح الأصول 3: 370.
- ↑ . كفاية الأصول 439 ـ 440.
- ↑ . فوائد الأصول 4: 759 ـ 760.
- ↑ . المحكم في أصول الفقه 6: 136 ـ 137.
- ↑ . مصباح الأصول 3: 372.
- ↑ . بحوث في علم الأصول الهاشمي 7: 238.
- ↑ . المصدر السابق: 238 ـ 255.
- ↑ . بحوث في علم الأصول الهاشمي 7: 255 ـ 256.
- ↑ . بحوث في علم الأصول الهاشمي 7: 255 ـ 256.
- ↑ . الإحكام الآمدي 3 ـ 4: 460.
- ↑ . نهاية الوصول 5: 286 ـ 287، المحصول الرازي 2: 443 ـ 444، الإحكام (الآمدي) 3 ـ 4: 463 وما بعدها، البحر المحيط 6: 130 ـ 131 ، المحكم في أصول الفقه 6 : 165 ـ 166، أنوار الأصول 3 : 502 ـ 503.
- ↑ . كتاب التعارض: 238 ـ 270، بحوث في علم الأصول الهاشمي 7: 315 ـ 392، المحكم في أصول الفقه 6: 167 ـ 173.
- ↑ . وسائل الشيعة 27: 107، كتاب القضاء الباب 9 من أبواب صفات القاضي، باب وجوه الجمع بين الأحاديث المختلفة وكيفية العمل بها ح 1.
- ↑ . وسائل الشيعة 27: 122 كتاب القضاء، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، ح 42.
- ↑ . فوائد الأصول 4: 771 ـ 773، بحوث في علم الأصول الهاشمي 7: 367 ـ 389، أنوار الأصول 3: 486 ـ 491.
- ↑ . غوالي اللئالئ 4: 133، أنوار الأصول 3: 492.
- ↑ . فرائد الأصول 4: 68 ـ 70، فوائد الأصول 4: 773 ـ 774، بحوث في علم الأصول الهاشمي 7: 370، أنوار الأصول 3: 492 ـ 493.
- ↑ . الفائق 2: 337.
- ↑ . التعارض والترجيح في الأدلّة الشرعية 2: 219 ـ 220، بحوث في التعارض: 32.
- ↑ . كفاية الأصول: 442 ـ 446.
- ↑ . الحشر: 2.
- ↑ . إرشاد الفحول 2: 375، التعارض والترجيح في الأدلّة الشرعية 2: 220 ـ 222، بحوث في التعارض: 32 ـ 36.
- ↑ . الكافي الكليني 1: 9. حيث يقول بعد ما أورد كلام الإمام «خذوا بالمجمع عليه»: فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه، ونحن لا نعرف من ذلك إلاّ أقلّه، ولا نجد شيئا أحوط ولا أوسع من ردّ علم ذلك كلّه إلى العالم عليه السلام...
- ↑ . كفاية الأصول: 442 ـ 446.
- ↑ . مصباح الأصول 3: 407 ـ 409، نهاية الدراية في شرح الكفاية 5 ـ 6: 324.
- ↑ . المحصول الرازي 2: 506، الفائق 2: 337.
- ↑ . الإبهاج في شرح المنهاج 3: 214.
- ↑ . كشف الأسرار البخاري 4: 134.
- ↑ . المحصول الرازي 2: 443 ـ 444.
- ↑ . نهاية الأفكار ج4، ق2: 185.
- ↑ . الفائق 2: 343، التعارض والترجيح بين الأدلّة الشرعية 1: 119 ـ 121.
- ↑ . الإحكام الآمدي 3 ـ 4: 460.
- ↑ . شرح مختصر المنتهى الأصولي 3: 645، إرشاد الفحول 2: 350.
- ↑ . كشف الأسرار البخاري 4: 133.
- ↑ . أصول الفقه مطلوب: 446.
- ↑ . الإحكام الآمدي 3 ـ 4: 463 فما بعدها، نهاية الوصول (الحلّي) 5: 300 ـ 319، البحر المحيط 6: 149 ـ 193.
- ↑ . بحوث في التعارض والترجيح: 27 ـ 96، التعارض والترجيح بين الأدلّة الشرعية 2: 229 فما بعدها.
- ↑ . الإحكام الآمدي 3 ـ 4: 502.
- ↑ . أنيس المجتهدين 2: 989.
- ↑ . القوانين المحكمة: 415.
- ↑ . معالم الدين: 253 ـ 255 الخاتمة.
- ↑ . الفصول الغروية: 442.
- ↑ . فرائد الأصول 4: 79.
- ↑ . المصدر السابق: 80.
- ↑ . كتاب التعارض: 455.
- ↑ . فرائد الأصول 4: 79، مقالات الأصول 2: 475، عناية الأصول 6: 130، المحكم في أصول الفقه 6: 216.
- ↑ . أجود التقريرات 4: 291 ـ 294، بداية الوصول في شرح كفاية الأصول 3: 179، أصول الفقه الإسلامي شلبي: 529 ـ 533.
- ↑ . بحوث في التعارض والترجيح: 38.
- ↑ . فرائد الأصول 4: 119 ـ 127، فوائد الأصول 4: 778 ـ 779، مصباح الأصول 3: 413، المحكم في أصول الفقه 6: 213 ـ 214.
- ↑ . العدّة (الطوسي) 1: 154، فرائد الأصول 4: 114.
- ↑ . البحر المحيط 6: 150 ـ 152، بحوث في التعارض والترجيح: 39 ـ 45.
- ↑ . نهاية الوصول الحلّي 5: 301، الإحكام (الآمدي) 3 ـ 4: 463.
- ↑ . نهاية الوصول الحلّي 5: 301، فرائد الأصول 4: 114 ـ 116.
- ↑ . البحر المحيط 6: 150 ـ 164، نهاية الوصول 5: 300 ـ 305، التعارض والترجيح في الأدلّة الشرعية 2: 234 ـ 268، المختصر الوافي في أصول الفقه: 255 ـ 257.
- ↑ . مصباح الأصول 3: 414، المحكم في أصول الفقه 6: 174 ـ 177.
- ↑ . فوائد الأصول 4: 784 ـ 785.
- ↑ . بحوث في علم الأصول الهاشمي 7: 372 ـ 374.
- ↑ . فرائد الأصول 4: 117 ـ 118،
- ↑ . اللمع: 173 ـ 178، التعارض والترجيح بين الأدلّة الشرعية 2: 287 ـ 311، بحوث في التعارض والترجيح: 75 ـ 76.
- ↑ . اللمع: 174 ـ 178، المستصفى 2: 246 ـ 249، كتاب التحبير والتقرير 3: 36 ـ 46، نهاية الوصول الحلّي 5: 307 ـ 318، المختصر الوافي: 257 ـ 260، بحوث في التعارض والترجيح: 75 ـ 93.
- ↑ . فرائد الأصول 4: 119 ـ 127، فوائد الأصول 4: 778 ـ 779، مصباح الأصول 3 : 417 ـ 418 ، المحكم في أصول الفقه 6 : 213 ـ 214.
- ↑ . فرائد الأصول 4: 119 ـ 138.
- ↑ . فرائد الأصول 4: 79، عناية الأصول 6: 130، المحكم في أصول الفقه 6: 216.
- ↑ . اللمع: 176، البحر المحيط 6: 175 ـ 177.
- ↑ . نهاية الوصول 5: 300 ـ 305، فرائد الأصول 4: 139 ـ 143.
- ↑ . فرائد الأصول 4: 61، كفاية الأصول: 444، درر الفوائد 2: 665 و 670، مقالات الأصول 2: 478.
- ↑ . المحصول الرازي 2: 446.
- ↑ . بحوث في التعارض: 27 ـ 31.
- ↑ . المحصول 2: 446 ـ 451، كشف الأسرار البخاري 4: 136، بحوث في التعارض: 27 ـ 31.
- ↑ . البحر المحيط 6: 175 ـ 179.
- ↑ . فرائد الأصول 4: 140.
- ↑ . نهاية الوصول الحلّي 5: 286 ـ 287، مبادئ الوصول: 232.
- ↑ . مفاتيح الأصول: 686.
- ↑ . فرائد الأصول 4: 141، زبدة الأصول 4: 407.
- ↑ . كفاية الأصول: 444، أصول الفقه المظفر 3 ـ 4: 254، نهاية الدراية في شرح الكفاية 5 ـ 6: 391.
- ↑ . مصباح الأصول 3: 414 ـ 415، المحكم في أصول الفقه 6: 184 ـ 185، زبدة الأصول 4: 355.
- ↑ . فرائد الأصول 4: 121 ـ 137، فوائد الأصول 4: 789، كتاب التعارض: 496 ـ 528.
- ↑ . عناية الأصول 6: 132، الأصول العامة للفقه المقارن: 355.
- ↑ . نهاية الوصول الحلي 5: 301.
- ↑ . مصباح الأصول 3: 412 ـ 413.
- ↑ . الاحتجاج الطبرسي 1 ـ 2: 358.
- ↑ . بحوث في علم الأصول الهاشمي 7: 361.
- ↑ . بحوث في علم الأصول الهاشمي 7: 371 ـ 372.
- ↑ . المحكم في أصول الفقه 6: 178 ـ 180.
- ↑ . الكافي 1: 8.
- ↑ . الحدائق الناضرة 1: 90، الدرر النجفية 1: 313 ـ 314.
- ↑ . أنظر: أصول الفقه المظفر 3 ـ 4: 261.
- ↑ . الحدائق الناضرة 1: 97.
- ↑ . الوافية: 323 ـ 324.
- ↑ . كفاية الأصول 446 ـ 447.
- ↑ . مصباح الأصول 3: 411 و 420 ـ 422.
- ↑ . إفاضة العوائد 2: 383.
- ↑ . زبدة الأصول الروحاني 4: 377 ـ 382.
- ↑ . منتهى الأصول 2: 602.
- ↑ . فوائد الأصول 4: 774 ـ 775، أنظر: نهاية الأفكار 5: 194 ـ 196.
- ↑ . القوانين المحكمة: 425.
- ↑ . فرائد الأصول 4: 73 ـ 75.
- ↑ . كتاب التعارض: 439، أصول الفقه المظفر 3 ـ 4: 261 ـ 262.
- ↑ . فرائد الأصول 4: 75.
- ↑ . الاحتجاج الطبرسي 1 ـ 2: 357.
- ↑ . نهاية الأفكار العراقي ج4، ق2: 193 ـ 194، منتقى الأصول 7: 418 ـ 422، تسديد الأصول 2: 483.
- ↑ . فرائد الأصول 4: 76.
- ↑ . تسديد الأصول 2: 484.
- ↑ . نهاية الأفكار العراقي ج4، ق2: 193 ـ 194، منتقى الأصول 7: 418 ـ 422، زبدة الأصول (الروحاني) 4: 378، تسديد الأصول 2: 483.
- ↑ . مفاتيح الأصول: 688.
- ↑ . كتاب التعارض: 439.
- ↑ . أصول الفقه المظفر 3 ـ 4: 261.
- ↑ . كتاب التعارض: 439 ـ 453.
- ↑ . الوافية: 333 ـ 335.
- ↑ . منتهى الأصول 2: 607.
- ↑ . فوائد الأصول 4: 781.
- ↑ . مصباح الأصول 3: 420.
- ↑ . كفاية الأصول: 454، منتهى الأصول البجنوردي 2: 607، أصول الفقه (المظفر) 3 ـ 4: 257.
- ↑ . مصباح الأصول 3: 419.
- ↑ . فرائد الأصول 4: 136 ـ 138.
- ↑ . نهاية الأفكار العراقي ج4، ق2: 201، أنظر: حقائق الأصول 2: 589 ـ 590.
- ↑ . كفاية الأصول: 453 ـ 454.
- ↑ . المحكم في أصول الفقه 6: 219 ـ 220.
- ↑ . زبدة الأصول 4: 404.
- ↑ . كفاية الأصول: 456.
- ↑ . بحوث في التعارض والترجيح: 145.
- ↑ . الإحكام الآمدي 4: 248 ـ 299.
- ↑ . الرسالة: 599 ـ 600.
- ↑ . التعارض والترجيح بين الأدلّة الشرعية 2: 447 ـ 479، بحوث في التعارض والترجيح: 145 ـ 156.
- ↑ . كشف الأسرار البخاري 4: 19 ـ 20، التعارض والتعادل بين الأدلّة الشرعية 2: 480 ـ 486.
- ↑ . التعارض والترجيح بين الأدلّة الشرعية 2: 380 ـ 381.
- ↑ . روضة الناظر: 208، البرهان 2: 205 ـ 246، ميزان الأصول 2: 1028 ـ 1031، البحر المحيط 6: 181 ـ 194، المختصر الوافي في أصول الفقه: 263 ـ 266، أصول الفقه أبو زهرة: 292 ـ 293، أصول الفقه (شلبي): 533 ـ 534، التعارض والترجيح بين الأدلّة الشرعية 2: 383 ـ 394، بحوث في التعارض والترجيح: 118 ـ 139.
- ↑ . نهاية الوصول الحلّي 5: 338 ـ 364.
- ↑ . السنن الكبرى البيهقي 7: 169، عوالي اللئالئ 3: 466، ح17.
- ↑ . مسند أحمد بن حنبل 3: 623 ح 1214، عوالي اللئالئ 3: 330 ح214.
- ↑ . الإحكام الآمدي 3 ـ 4: 482، روضة الناظر: 209 ـ 210، كتاب التقرير والتحبير 3: 27 ـ 32، ميزان الأصول 2: 1029، البحر المحيط 6: 169 ـ 174، التعارض والترجيح بين الأدلّة 2: 329 ـ 356.
- ↑ . إرشاد الفحول 2: 342 ـ 343.
- ↑ . أصول الفقه المظفر 3 ـ 4: 121.
- ↑ . أصول الفقه المظفر 3 ـ 4: 237.
- ↑ . البحر المحيط 6: 115.
- ↑ . معارج الأصول: 156، مبادئ الوصول: 233، فرائد الأصول 4: 39، فوائد الأصول 4: 770 ـ 778.
- ↑ . معالم الدين: 250.
- ↑ . مصباح الأصول 3: 426.
- ↑ . فرائد الأصول 4: 39.
- ↑ . وسائل الشيعة 27: 109، الباب 9 من أبواب صفات القاضي باب وجوه الجمع بين الأحاديث المختلفة ح 5.
- ↑ . مصباح الأصول 3: 424.
- ↑ . بحوث في علم الأصول الهاشمي 7: 339 ـ 341.
- ↑ . المحكم في أصول الفقه 6: 227.
- ↑ . وسائل الشيعة 27: 122، الباب 9 من أبواب صفات القاضي باب الجمع بين الأحاديث المختلفة والعمل بها ح 41.
- ↑ . مصباح الأصول 3: 424.
- ↑ . بحوث في أصول الفقه الهاشمي 7: 346 ـ 347.
- ↑ . كتاب التعارض: 238 ـ 244، أنوار الأصول 3: 475 ـ 477، المحكم في أصول الفقه 6: 226 ـ 231.
- ↑ . المستصفى 2: 229، البحر المحيط 6: 115.
- ↑ . الحدائق الناضرة 1: 109، مفاتيح الأصول: 683.
- ↑ . فرائد الأصول 4: 38.
- ↑ . وسائل الشيعة 27: 115 الباب 9 من أبواب صفات القاضي، باب وجوه الجمع بين الأحاديث المختلفة وكيفية العمل بها ح21.
- ↑ . عيون أخبار الرضا 1: 685 ـ 689 باب 30 ح 45.
- ↑ . المحكم في أصول الفقه 6: 239 ـ 240.
- ↑ . المصدر السابق: 239 ـ 243.
- ↑ . فرائد الأصول 4: 39.
- ↑ أصول الفقه المظفر 3 ـ 4: 237.
- ↑ . المستصفى 2: 229 ـ 230، البحر المحيط 6: 115 ـ 116.