انتقل إلى المحتوى

الإستبصار فيما اختلف من الأخبار (کتاب)

من ویکي‌وحدت

الاستبصار فيما اختلف من الأخبار هو أحد المصادر الحديثية الأربعة المعتمدة عند الشيعة الإمامية، ألّفه الفقيه والمحدث الكبير الشيخ الطوسي (385–460 هـ)، ويُعَدّ آخر الكتب الأربعة تأليفًا. جمع المؤلف فيه الروايات الفقهية الواردة عن الأئمة الاثنا عشر، مع بيان موارد الاختلاف بينها، ومحاولة الجمع أو الترجيح بينها وفق منهج فقهي حديثي دقيق.[١]

يتميّز الكتاب بمنهجه الاستدلالي في معالجة تعارض الأخبار، مما جعله مرجعًا أساسًا في باب علاج الخبر المتعارض، وركيزة لكثير من الدراسات الفقهية والأصولية والحديثية لدى الإمامية.

المؤلف

مؤلف الكتاب هو الشيخ محمد بن الحسن الطوسي، الملقب بـشيخ الطائفة، وهو من أعظم فقهاء الشيعة الإمامية في القرن الخامس الهجري وأحد أهم مؤسسي المدرسة العلمية في النجف الأشرف. انتقل من خراسان إلى بغداد وتتلمذ على كبار العلماء مثل الشيخ المفيد والسيد المرتضى، قبل أن يؤسس لاحقًا الحوزة العلمية في النجف.[٢]

ألّف الطوسي العديد من أعمدة التراث الشيعي، من أبرزها: تهذيب الأحكام، الاستبصار، الفهرست، العدة في أصول الفقه، والاقتصاد في الاعتقاد.

سبب التأليف وخلفيته

ألّف الشيخ الطوسي هذا الكتاب بهدف تقديم مرجع حديثي فقهي مختصر ومركّز مقارنة بكتابه الآخر تهذيب الأحكام، بحيث:

  • يجمع الأخبار الفقهية موضع الاختلاف بين الروايات.
  • يبيّن وجه الجمع أو الترجيح بينها.
  • يسهّل على الفقيه استخراج الحكم الشرعي من الروايات المتعارضة.

وقد ذكر في مقدّمته أنّ الدافع الرئيسي للتأليف هو مساعدة الفقهاء على تجاوز الحيرة الناشئة من اختلاف الروايات، وتقديم منهج عملي في علاج التعارض، بعيدًا عن الاستطراد والتفصيل المطوّل الموجود في التهذيب.[٣]

محتوى الكتاب وبنيته

يتكوّن الاستبصار من أربعة أجزاء، مرتّبة على أبواب الفقه، ويشمل أكثر من **5500 حديثًا** بحسب أشهر الإحصاءات، ويغطي جميع أبواب الفقه من العبادات والمعاملات وغيرها.

أهم ملامح بنية الكتاب:

  • يبدأ بذكر الروايات المختلف فيها.
  • ثم يعرض الروايات المخالفة.
  • ثم يبيّن وجه الجمع أو الترجيح.
  • يختتم غالبًا ببيان الراجح عنده من الحكم.

وهو بذلك أول عمل شيعي منهجي في **علم علاج الأخبار المتعارضة**، حتى عدّه بعض المحققين نواة مبكرة لبحوث أصول الفقه في هذا المجال.

منهج الكتاب

يتّسم منهج الاستبصار بخصائص بارزة، منها:

  • الاقتصار على الروايات المبحوثة في الفقه العملي، دون التوسّع في المسائل النظرية.
  • التركيز على الروايات المختلف فيها، بخلاف التهذيب الذي يجمع الروايات مطلقًا.
  • اعتماد قواعد عقلية وروائية في الجمع والترجيح، مثل:
  1. حمل المطلق على المقيد
  2. تقييد العام
  3. النسخ
  4. طرح الخبر الشاذ
  5. تقديم روايات الثقات
  6. مراعاة عمل قدماء الفقهاء

ويرى باحثون أنّ هذا الكتاب مارس دورًا جوهريًا في تمهيد الطريق لظهور المدرسة الأصولية وبلورة قواعدها لاحقًا.[٤]

أهميته ومكانته العلمية

يحظى الاستبصار بمكانة خاصة في التراث الحديثي الإمامي:

  • أحد الكتب الأربعة التي يعتمد عليها الشيعة الإمامية في الفقه والحديث مع: الكافي، من لا يحضره الفقيه، تهذيب الأحكام.
  • يعدّ المرجع الأساس لفهم منهج المتقدمين في الجمع بين الأخبار.
  • أداة رئيسية للباحثين في الفقه المقارن بين مدارس الإمامية.

كما أكسبه كونه آخر الكتب الأربعة نضجًا في المنهج، لأنه جاء بعد تراكم تجربة الشيخ الطوسي في التدريس والبحث والتأليف.

شروح وحواشٍ ودراسات حوله

تداول العلماء الاستبصار بالشرح والتعليق في قرون مختلفة، ومن أبرز الأعمال عليه:

  • شروح متفرقة في الحوزات العلمية، خصوصًا في النجف وقم.
  • دراسات متخصصة في منهجه في التعارض الروائي.
  • بحوث جامعية تناولت مقارنة منهجه بمنهج التهذيب وبما ورد عند العلامة الحلي والشهيد الثاني.

الطبعات والتحقيقات

طُبع الاستبصار عدة مرات، وأشهرها:

  • طبعات حجرية في القرن 13 هـ.
  • طبعة محققة في الأشرف وقم مع تخريج الأحاديث وبيان مصادرها.
  • طبعة مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، مصحوبة بفهارس فنية مفصلة.

كما توجد نسخ خطية قديمة في مكتبات النجف، مشهد، قم، طهران، أصفهان، والكاظمية.

مكانه ضمن الكتب الأربعة

يمتاز الاستبصار عن بقية الكتب الأربعة بما يلي:

  • أكثرها اختصارًا في العرض.
  • أفصلها في معالجة اختلاف الروايات.
  • مكمل لكتاب التهذيب من حيث المنهج، إذ يركّز على الجانب التحليلي بدل الجمع الموسّع للأحاديث.

ولهذا يعتبره العلماء كتابًا **تطبيقيًا عمليًا** في الاستنباط الفقهي.

انظر أيضًا

الهوامش

  1. الطوسي، محمد بن الحسن. الاستبصار، المقدمة.
  2. النجاشي، أحمد بن علي. رجال النجاشي.
  3. الطوسي، الاستبصار، المقدمة.
  4. الخوئي، أبو القاسم. معجم رجال الحديث.