الشهيد الثاني

من ویکي‌وحدت
الاسم الشهيد الثاني‏
الاسم الکامل زين الدين بن علي بن أحمد بن محمّد بن علي بن جمال الدين بن تقي بن صالح الجبعي العاملي الطلوسي
تاريخ الولادة 911ه/1506م
محل الولادة جبع /لبنان
تاريخ الوفاة 966ه/1559م
المهنة أحد أعيان الإمامية وكبار مجتهديهم، وداعية إصلاح
الأساتید
الآثار اسرار الصلوة
   البدایه فی الدرایه
   البدایه فی سبیل الهدایه
   تمهید القواعد الاصولیه و العربیه
   حاشیه ارشاد
   حاشیه تمهید القواعد
   حاشیه القواعد
   حاشیه مختصر النافع
   رسالة فی صلاة الجمعه
   روض الجنان فی شرح ارشاد الاذهان
   کشف الریبه عن احکام الغیبه
   مسالک الافهام فی شرح شرایع الاسلام
   حقیقه الایمان
المذهب شیعه

زين الدين بن علي بن أحمد بن محمّد بن علي بن جمال الدين بن تقي بن صالح الجبعي العاملي الطلوسي المعروف بالشهيد الثاني: أحد أعيان الإمامية وكبار مجتهديهم، وداعية إصلاح.
ولد في جبع (بلبنان) في شهر شوّال سنة إحدى عشرة وتسع مائة للهجرة، وقرأ في الفقه والعربية على والده نور الدين علي إلى أن توفّي والده سنة 925 ه، فانتقل إلى ميس، ولازم زوج خالته علي بن عبد العالي الميسي ما يربو على سبع سنوات، وقرأ عليه في الفقه وانتفع به كثيراً، ثمّ ارتحل إلى كرك نوح، فقرأ على السيّد بدر الدين الحسن بن جعفر الأعرجي الكركي في الأُصولين والنحو.
زار دمشق مرّتين، وقرأ بها على الفيلسوف محمّد بن مكّي الدمشقي في الطبّ والهيئة والفلسفة، وعلى شمس الدين محمّد بن علي بن محمّد بن طولون الحنفي جملةً من الصحيحين.
وورد مصر سنة 942 ه وقرأ بها على كثير من شيوخ أهل السنّة، منهم: شهاب الدين أحمد الرملي المنوفي الشافعي (المتوفّى سنة 957 ه)، وناصر الدين محمّد بن سالم الطبلاوي الشافعي (المتوفّى سنة 966 ه)، وأبو الحسن محمّد بن محمّد بن عبد الرحمان البكري الشافعي (المتوفّى سنة 952 ه)، وزين الدين الجرمي المالكي، وشمس الدين محمّد بن أبي النحّاس، وشمس الدين الديروطي، وغيرهم.
وأحاط إحاطة واسعة بمختلفة المذاهب الإسلامية في الفقه والحديث والتفسير.
وحجّ (بعد أن أقام بمصر ثمانية عشر شهراً)، ورجع إلى بلدته جبع سنة 944 ه، فازدحم عليه أُولو العلم والفضل، وظهر من فوائده ما لم يطرق الأسماع، وفي هذه السنة آنس من نفسه الاجتهاد، والقدرة على استنباط الأحكام الشرعية، إلّاأنّه لم يظهر ذلك حتّى عام 948 ه.
وسافر إلى بلاد الروم، ودخل إسطنبول سنة 952 ه، وأقام بها ثلاثة أشهر ونصفاً، وجُعل مدرّساً للمدرسة النورية ببعلبك، وقد صنّف هناك رسالة في عشرة فنون، وجال في البلاد الرومية، واجتمع بالعلماء.
ومن بعد ذلك توجّه إلى العراق لزيارة المراقد الشريفة، وعاد إلى بلاده سنة 953 ه، فأقام ببعلبك، ودرّس فيها مدّة في المذاهب الخمسة وكثير من الفنون، وأفتى كلّ فرقة بما يوافق مذهبها، وأظهر براعة؛ لِما كان يتمتّع به من علم غزير، ونظر دقيق، وعقلية منفتحة، فانثال عليه العلماء، وانقادت له النفوس.
وعاد الشهيد الثاني إلى جبع، وعكف على التدريس والتأليف، والحكم بين المتخاصمين، واشتهرت فتاواه وآراؤه الفقهية.
قال ابن العودي الجزّيني في حقّ شيخه المترجَم: «بلغ من كلّ فنّ منتهاه... وأمّا الفقه فكان قطبَ مداره وفلك شموسه وأقماره، وكأنّه هوى نجم سعوده في داره... وأمّا الحديث فقد مدّ فيه باعاً طويلًا، وذلّل صعاب معانيه تذليلًا، أدأب نفسه في تصحيحه وإبرازه للناس حتّى فشا.... وأمّا علوم القرآن العزيز وتفاسيره من البسط والوجيز فقد حصل على فوائدها وحازها وعرف حقائقها ومجازها، وعلم إطالتها وإيجازها».
وقال السيّد مصطفى التفريشي: «وجه من وجوه هذه الطائفة وثقاتها، كثير الحفظ، نقي الكلام، له تلاميذ أجلّاء، وله كتب نفيسة جيّدة».
تلمّذ عليه جماعة، وقرأوا عليه في الفقه والأُصول والحديث والمنطق والأدب، منهم:
السيّد نور الدين علي بن الحسين الجزّيني الشهير بالصائغ (المتوفّى سنة 980 ه)، ونور الدين علي بن الحسين بن محمّد بن أبي الحسن الموسوي الجبعي، وعزّ الدين الحسين بن عبد الصمد بن محمّد الحارثي الجبعي (المتوفّى سنة 984 ه)، ومحمّد بن الحسن المشغري العاملي، ونور الدين علي بن عبد الصمد بن محمّد الحارثي الجبعي، وبهاء الدين محمّد بن علي بن الحسن العودي الجزّيني.
وأجاز ل: نصير الدين إبراهيم بن علي بن عبد العالي الميسي، والحسن بن نور محمّد ابن علي الحسيني الشقطي، وتاج الدين بن هلال الجزائري، ومحمود بن محمّد بن علي‏
اللاهيجي
، وعزّ الدين الحسين بن زمعة المدني.
وصنّف كتباً ورسائل كثيرة، وشرح بعض الكتب شرحاً مزجياً (ولم يسبقه إلى ذلك أحد من علماء الإمامية)، وتفرّد بالتأليف في مواضيع لم يطرقها غيره أو طرقها ولم يستوف الكلام فيها، وقد عدّ له السيّد الأمين العاملي (79) مؤلَّفاً، منها: الروضة البهية في شرح «اللمعة الدمشقية» الذي عكف العلماء على شرحه والتعليق عليه وتدريسه من حين تأليفه إلى هذا الوقت، روض الجنان في شرح «إرشاد الأذهان»، المقاصد العلّية في شرح «الرسالة الألفية» في فقه الصلاة، مسالك الأفهام إلى «شرائع الإسلام»، تمهيد القواعد الأُصولية والعربية الذي وصفه مؤلّفه بأنّه كتاب واحد في فنّه، البداية في علم الدراية وشرحه، منية المريد في آداب المفيد والمستفيد، كفاية المحتاج في مناسك الحاجّ، مسكّن الفؤاد عند فقد الأحبّة والأولاد، غنية القاصدين في اصطلاحات المحدّثين، رسالة في ميراث الزوجة، رسالة في عدم جواز تقليد الأموات من المجتهدين، رسالة في حكم صلاة الجمعة حال الغيبة، حاشية على «قواعد الأحكام» في الفقه للعلّامة الحلّي، رسالة في تفسير قوله تعالى: وَ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ‏، رسالة في شرح البسملة، منظومة في النحو وشرحها، جوابات المسائل الهندية، جوابات المسائل الشامية، وله شعر أيضاً.
قُتل المترجم شهيداً سنة ستّ وستّين وتسع مائة للهجرة، وكان قد أمضى السنوات العشر الأخيرة من عمره في خوف وترقّب، فقد نشط أعداؤه وحسّاده في مراقبته ورصد تحرّكاته، وذلك بسبب المكانة المرموقة التي كان يحتلّها الشهيد في أوساط الأُمّة ودوره المتميّز في توعيتها وتعريفها بمذهب أهل البيت عليهم السلام.
قالوا: كتب قاضي صيدا إلى سلطان الروم أنّه وُجد ببلاد الشام مبدع خارج عن المذاهب الأربعة، فأرسل السلطان رجلًا يطلبه، فوجده في طريق الحجّ، وبعد أداء الحجّ أخذه إلى الروم، ولكنّه بعد الوصول إلى ساحل البحر قتله، وأخذ برأسه إلى السلطان، فأُنكر عليه ذلك، وقتل القاتل.
عند مطالعة سيرة هذا الرجل العظيم تجدها مليئة بأحداث هامّة على مستوى الأُمّة، وفيها استكمال لنهج أسّسه الشهيد الأوّل، ألا وهو تقوية المذهب على أساس الحوار مع الآخر.
وتجد الشهيد الثاني يحمل مواصفات قلّ نظيرها، فهو قائد مضحّي وشجاع حكيم يتلمّس خطواته بعين ثاقبة، الميزان فيها رضا اللَّه تعالى ومصلحة الناس.
لم يكن الشهيد همّه طلب العلم لذاته، حتّى إذا ما حصل على الحظّ الوافر منه انطوى على نفسه، وأحاطها بكمّية هائلة من الممنوعات تحت عنوان: أنّها لا تتناسب والمقام!
لقد أدرك الشهيد الثاني خطورة تلك المرحلة التي سوف تكون أشدّ إيلاماً من الاحتلال الصليبي للمنطقة، حيث كانت تواجه فيه عموم المسلمين، في حين أنّ الخطر في الإمبراطورية العثمانية داخلي بين المسلمين أنفسهم، حيث تترّس العثمانيّون خلف المذهب السنّي، وجعلوه غطاءً لكلّ جرائمهم، فكان لا بدّ من وضع حدّ لهذا التترّس من خلال مشروع يضمن وحدة المسلمين، ويجمعهم على قواسم مشتركة.
على هذا الأساس نمت شخصية الشيخ الجبعي مواكبة لكلّ هذه التطوّرات، ومتطلّعة إلى نهضة علمية واجتماعية تكون مانعاً من هذه الذهنية الخطيرة.
بالتأكيد هناك بيئة وبيت وظروف ساهمت في صنع شخصية الشهيد الجبعي، وكما يذكر تلميذه محمّد بن علي بن الحسن العودي (الجزّيني): أنّه وجد في خطّ أُستاذه الشهيد الثاني سيرة حياته، ثمّ ألحقها بالرسالة التي كتبها عن أُستاذه الشيخ الجبعي سمّاها: «بغية المريد في الكشف عن أحوال الشيخ زين الدين الشهيد»، كما جاء في الدرّ المنثور: ولد الشهيد الثاني في بلدة جبع سنة 911 ه، وهي قرية جميلة من قرى جبل عامل ترتفع عن سطح البحر ما يقرب من تسع مائة متر، وتعتبر من أهمّ المصائف في لبنان، يقصدها كبار العلماء والأُدباء والشعراء للاصطياف والنقاهة. فجمالها الطبيعي وهواؤها النقي وماؤها العذب وكلّ ما فيها يدلّ على عظمة الخالق، وليس مستغرباً أو صدفة أن تنتج هذه البقعة أحد كبار فقهاء الإمامية، ومن أصحاب العقول النيّرة التي تدرك حقائق الأشياء والمصالح الكبرى لهذه الأُمّة، مضافاً إلى كونه من سلالة فقهاء، كما ذكر الحرّ العاملي: أنّ جدّه الشيخ‏
صالح الطلوسي هو من تلاميذ العلّامة الحلّي، وهذا يساعد على الاتّجاه المبكّر لطلب العلم، وستكون الأسباب مهيّئة له أكثر من غيره.
يقول الشهيد عن نفسه كما في جاء في الدرّ المنثور: «ولا أحفظ مبدأ انشغالي بالعلم، ولكن كان ختمي لكتاب اللَّه العزيز سنة عشرين وتسع مائة، وسنّي آنذاك تسع سنين، ثمّ اشتغلت بعده بقراءة الفنون العربية والفقه على الوالد قدس سره، إلى أن توفّي سنة 925 ه، وكان جملة ما قرأته عليه من كتب الفقه: المختصر النافع، والشرائع، واللمعة الدمشقية للشهيد الأوّل، ثمّ ارتحلت إلى بلدة «ميس» في جبل عامل، واشتغلت في تحصيل العلم على شيخنا الجليل الشيخ علي بن عبد العالي الميسي إلى سنة ثلاث وثلاثين، ومن جملة ما قرأت عليه: شرائع الإسلام، والإرشاد، وأكثر القواعد، ثمّ ارتحلت إلى بلدة كرك نوح التي تقع في منطقة البقاع على الطريق العامّ، فقرأت على المرحوم المقدّس السيّد حسن ابن السيّد جعفر ابن الأعرج الكركي جملة من الفنون، كقواعد ميثم البحراني في الكلام، والتهذيب في أُصول الفقه، والعمدة الجلّية في الأُصول الفقهية من مصنّفات السيّد المذكور، والكافية في النحو، وغيره من الفنون، ثمّ انتقلت إلى بلدي (جبع) سنة أربع وثلاثين حتّى سنة 937 ه».
وعلى ذلك فإنّ الشهيد الثاني حصل على درجة كبيرة من العلم، وأصبح من المجتهدين الكبار، وتظهر عظمة هذا الفقيه من أنّه لم يكتف بهذا القدر بما عند فقهاء الإمامية، حيث كان يعتقد أنّ الاجتهاد في الفقه الجعفري لا يكتمل إلّابالاطّلاع على الفقه السنّي.
ومن هنا صمّم سنة 937 ه على مغادرة البلاد متّجهاً إلى العواصم التي يتواجد فيها فقهاء ومعاهد أهل السنّة، وفي هذه المرحلة من حياته رسم مشروعاً واضحاً لخدمة هذه الأُمّة، ولتجنيبها مذابح إضافية وتفكيك مذهبي سوف لا يبقي ولا يذرّ، فكان لا بدّ من الوصول إلى السلطة السياسية، وبالتالي إلى المجتمع السنّي، وهذا متوقّف على نشوء علاقة وطيدة مع فقهاء السنّة الذين يشكّلون همزة الوصل مع السلطة السياسية، وهي بدورها
ستتيح فرصة العلاقة المباشرة مع المجتمعات السنّية.
دمشق كانت المحطّة الأُولى، يقول هو رحمه الله كما جاء في الدرّ المنثور: «ثمّ ارتحلت إلى دمشق، واشتغلت فيها عند الشيخ الفاضل والمحقّق الفيلسوف شمس الدين محمّد بن مكّي، فقرأت عليه: كتب الطبّ، وشرح الموجز النفيسي، وغاية القصد في معرفة القصد، ومصنّفات الشيخ المبرور المذكور، وبعض حكمة الإشراق للسهروردي، وقرأت في تلك المدّة أيضاً على المرحوم الشيخ أحمد بن جابر الشاطبية في علم القراءات، وقرأت عليه القرآن بقراءة نافع وابن كثير وأبي عمر وعاصم».
ثمّ عاد الشهيد الثاني إلى بلدته جبع وإلى عائلته حتّى تمام سنة 941 ه، ويستطرد الشهيد الثاني قائلًا: «رحلت إلى مصر في أوّل سنة 942 ه لتحصيل ما أمكن من العلوم، واجتمعت في تلك السفرة بجماعة كثيرة من الأفاضل، فأوّل اجتماعي بالشيخ شمس الدين ابن طولون الدمشقي الحنفي، وقرأت عليه جملة من الصحيحين، وأجازني في روايتهما مع ما يجوز له روايته، واشتغلت في مصر أيضاً على جماعة، منهم الشيخ شهاب الدين أحمد الرملي الشافعي، قرأت عليه: منهاج النووي في الفقه، ومختصر الأُصول لابن الحاجب، وشرح العضدي، مع مطالعة حواشيه، وسمعت عليه كتباً كثيرة في الفنون العربية والعقلية وغيرهما... فمنها: شرح التلخيص، المختصر في المعاني والبيان لملّا سعد الدين، ومنها شرح تصريف العربي، ومنها شرح الشيخ المذكور لورقات إمام الحرمين الجويني في أُصول الفقه، ومنها أذكار النووي، وبعض شرح جمع الجوامع المحلّي في أُصول الفقه، وتوضيح ابن هشام في النحو، وغير ذلك ممّا يطول ذكره، وأجازني إجازة عامّة بما يجوز له روايته سنة 943 ه.
وممّن قرأت عليه في مصر: الملّا حسين الجرجاني، قرأنا عليه جملة من شرح التجريد للملّا علي القوشجي، مع حاشية ملّا جلال الدين الدواني، وشرح أشكال التأسيس في الهندسة لقاضي زاده الرومي، وشرح الجغميني في الهيئة له.
ومنهم الملّا محمّد الأسترآبادي، قرأنا عليه جملة من المطوّل مع حاشية السيّد شريف‏
والجامي.
ومنهم الملّا محمّد الكيلاني، سمعنا عليه جملة من المعاني والمنطق.
ومنهم الشيخ شهاب الدين ابن النجّار الحنبلي، قرأت عليه جميع شرح الشافية للجاربردي، وجميع شرح الخزرجية في العروض والقوافي للشيخ زكريا الأنصاري، وسمعت عليه كتباً كثيرة في الفنون والحديث، منها الصحيحان، وأجازني جميع ما قرآت وسمعت، وما يجوز له روايته.
ومنهم الشيخ أبو الحسن البكري، سمعت عليه جملة من الكتب في الفقه والتفسير وبعض شرحه على منهاج الأحكام.
ومنهم الشيخ المحقّق ناصر الدين اللقايي المالكي محقّق الوقت وفاضل تلك البلدة، لم أرَ في الديار المصرية أفضل منه في العلوم العقلية والعربية، سمعت عليه البيضاوي في التفسير، وغيره من الفنون.
ومنهم الشيخ ناصر الدين الطلاوي الشافعي، قرأت عليه القرآن بقراءة ابن عمرو، ورسالة في القراءات من تأليفاته.
ومنهم الشيخ شمس الدين محمّد بن أبي النحّاس، قرأت عليه الشاطبية في القراءات، والقرآن العزيز للأئمّة السبعة.
ومنهم الشيخ الفاضل الكامل عبد الحميد السمهودي، قرأت عليه جملة صالحة من الفنون، وأجازني إجازة عامّة.
ومنهم الشيخ شمس الدين محمّد بن عبد القادر الفرضي الشافعي، قرأت عليه كتباً كثيرة في: الحساب، والمرشدة في حساب الهند الغباري، والياسمينة وشرحها في علم الجبر والمقابلة، وشرح المقنع في علم الجبر والمقابلة، وسمعت عليه بعض شرح الوسيلة، وأجازني إجازة عامّة.
ومنهم أيضاً عن كثير من علماء مصر يطول ذكرهم هنا، ولكن منهم: الشيخ عميرة الشيخ شهاب الدين بن عبد الحقّ، والشيخ شهاب الدين البلقيني، والشيخ شمس الدين‏
الديروطي
، وغيرهم».
وفي سنة 948 ه- يقول الشهيد الثاني-: «سافرت لزيارة بيت المقدس، واجتمعت في تلك السفرة بالشيخ شمس الدين بن أبي اللطف المقدسي، وقرأت عليه بعض صحيح البخاري وبعض صحيح مسلم، وأجازني إجازة عامّة، ثمّ رجعت إلى الوطن الأوّل».
من هنا نجد في المطالعة السريعة لحياة الشهيد الثاني العلمية أنّ هناك قناعة حقيقة لديه رحمه الله كان قد ألزم نفسه بها، وهي ضرورة الاطّلاع على فكر الآخر، وأنّ الطريقة والأُسلوب التي درس فيها على علماء الشيعة هي نفسها التزمها مع علماء السنّة، ولو كانت مجرّد مجاملة لاكتفى الشهيد بقدر يسير منها، تمكّنه من تحقيق أهدافه السياسية والاجتماعية من خلال جلسات تعارف قصيرة، بينما نراه قد أمضى سنوات من الدرس مع علمائهم، ثمّ استجازهم في رواية كلّ ما أخذه عنهم، ثمّ امتدحهم إن على الصعيد العلمي أو الخلقي، وهذا له دلالة واضحة أنّ الشهيد الثاني يرى إلزامية الاطّلاع على العلوم والفنون عند أهل السنّة؛ ليتمكّن فيما بعد أن يطلق على نفسه لقب «الفقيه الشيعي».
ورحلة الشهيد الثاني إلى القسطنطينية لم تكن صدفة أو نزهة، فهي محفوفة بكثير من المخاطر، وكما قال الشهيد عن هذه الرحلة فيما أدلاه في الدرّ المنثور: «ثمّ برزت إليّ الأوامر الإلهية والإشارات الربّانية السفر إلى جهة الروم والاجتماع بمن فيها من أهل الفضائل والعلوم والتعلّق بسلطان الوقت والزمان السلطان سليمان بن عثمان، وكان ذلك على خلاف مقتضى الطبع ومساق الفهم، لكن ما قدّر لا تصل إليه الفكرة الكلّية والمعرفة القليلة من أسرار الحقائق وأحوال العواقب....». وهنا استطاع الشهيد أن يحقّق بعض أهدافه من خلال علاقة وطيدة بناها في القسطنطينية بعدما وصلها في السابع عشر من شهر ربيع الأوّل سنة 952 ه، كما جاء في أعيان الشيعة.
وكان الشهيد الثاني يصبو أن تنتج هذه العلاقة مع السلطة السياسية إتاحة فرصة لعلاقة مميّزة مع الشارع السنّي، وهذا ما تحقّق من خلال الوظيفة التي حصل عليها، وهي الإشراف على المدرسة النورية في مدينة بعلبك، وأراد الشهيد من خلال هذا الإشراف أن يستكمل‏
فصول مشروعه بالاتّجاه الاجتماعي، وخصوصاً أنّ معظم أهالي بعلبك في ذلك التاريخ كانوا من أهل السنّة.
وهنا يقول تلميذه ابن العودي كما جاء في الدرّ المنثور: «كنت في خدمته في تلك الأيّام، ولا أنسى وهو في أعلى مقام ومرجع الأنام وملاذ الخاصّ والعامّ، يُفتي كلّ فرقة بما يوافق مذهبها، ويدرّس في المذاهب كلّها، وصار أهل البلد كلّهم في انقياده ومن وراء مراده بقلوب مخلصة في الوداد، وحسن الإقبال والاعتقاد، وقام سوق العلم فيها على طبق المراد، ورجعت إليه الفضلاء من أقاصي البلاد، ورقى ناموس السادة والأصحاب في الازدياد، وكانت عليهم تلك الأيّام من الأعياد».
وقد عمل الشهيد الثاني على ضرورة إحياء الحوار بين المسلمين بدلًا عن القطيعة والانغلاق، بأن جعل نفسه ميداناً ونموذجاً لحالة حوار داخلي؛ إذ مضى‏ يجوب مراكز العلم في الجوار، من دمشق إلى القدس ثمّ مصر، التقى‏ كبار شيوخها متعرّفاً قارئاً متحمّلًا، حتّى‏ غدا حجّة في فقه المذاهب، ثمّ خطا خطوة مدهشة باتّجاه تعميم تجربته الشخصية ونقل الحوار الداخلي إلى ميدانه الأجدر به، فإذا هو يجلس في جامع بعلبك الأعظم (المدرسة النورية)، يدرّس ويفتي على المذاهب الخمسة، ويستعرض رأي كلّ مذهب منها، ويشفعه بما يستدلّ له، ثمّ يقارن فيما بينها.
وثقافة الشهيد الثاني الفقهية كانت نتيجة تلاقح المدارس الفقهية الإسلامية في ذهنه الخلّاق، وهذه ظاهرة فذّة في ثقافة الشهيد الفقهية، تجتمع فيه سعة الذهنية الفقهية التي تتّسع إلى أكثر من مذهب ومدرسة.
وقد كان؛ واعياً بضرورة أن يعرف الشيعة فقه المذاهب السنّية، وأن يعرف السنّة فقه المذهب الشيعي؛ لأنّ المعرفة والعلم هما قاعدة التفاهم والتقارب، ولتعزيز الحوار، وتجاوز إشكاليات الانغلاق والجهل المتبادل.
ومن جملة أساتذة أهل السنّة الذين درس الشهيد الثاني على أيديهم: شمس الدين ابن طولون الدمشقي الحنفي، وشهاب الدين أحمد الرملي الشافعي، وشهاب الدين ابن النجّار
الحنبلي، وناصر الدين اللقايي المالكي، وناصر الدين الطلاوي الشافعي، وشمس الدين محمّد بن عبدالقادر الفرضي الشافعي، وغيرهم.

المراجع

(انظر ترجمته في: أمل الآمل 1: 85- 91، تنقيح المقال 1: 472- 473، الكنى‏ والألقاب 2: 381- 386، أعيان الشيعة 7: 143- 158، الطليعة من شعراء الشيعة 1: 358- 360، معجم مؤلّفي الشيعة:
275- 276، معجم المؤلّفين 4: 193، رجالات التقريب: 301- 305، المعجم الوسيط فيما يخصّ الوحدة والتقريب 1: 314- 316).