الفرق بين المراجعتين لصفحة: «الخبر»
Abolhoseini (نقاش | مساهمات) |
(لا فرق)
|
مراجعة ١٦:٤٠، ١٩ يوليو ٢٠٢١
الخبر: وهو كلام يحكي قولَ المعصوم أو فعله أو تقريره، وأما السنة فهي نفس قول المعصوم أو فعله أو تقريره، وعليه تكون السنّة ذات قول المعصوم أو فعله أو تقريره والخبر عاكسا لها. ثم الخبر أعمّ من الحديث؛ باعتبار أنّ الحديث خاصّ بما جاء عن الرسول بينما الخبر يعمّ ما جاء عن الرسول وعن غيره.
تعريف الخبر لغةً
الخبر: معروف، أخبرتُ بكذا واُخبرتُ به، فأنا مخبِر ومخبَرا وتقول العرب: هل من جائبة خبر، أي هل من خبر يجوب البلاد فيجيء من مكان بعيد [١].
الخبر: ما أتاك من نبأ عمّن تستخبر. تقول: أخبرتُه وخبّرتُه [٢].
والخبر بالتحريك: واحد الأخبار. ابن سيدة: الخبر: النبأ. والجمع أخبار، وأخابير جمع الجمع [٣].
تعريف الخبر اصطلاحاً
لم يعرّف البعض الخبر بدعوى كونه معلوما بالضرورة[٤]، لكن ردّ بعض آخر هذه الدعوى بأنّها مقابلة بنقيضها، وأنّ معرفة حقيقة الخبر بحاجة إلى نظر [٥].
برغم ذلك ذكرت عدّة تعاريف له، بعضها ترادف ما ذكر من تعاريف في المنطق كما في التعاريف الثلاثة الاُولى الآتية واُخرى تُخصّ الأصوليين كالتعريفين الأخيرين:
1 ـ ما يدخله أو يحتمل أو يصحّ فيه الصدق والكذب [٦].
2 ـ كلام يفيد بنفسه إضافة مذكور إلى مذكور [٧].
3 ـ اللفظ الدالّ بالوضع على نسبة معلوم إلى معلوم أو سلبها على وجه يحسن السكوت عليه من غير حاجهتمام مع قصد المتكلّم به الدلالة على النسبة أو سلبها [٨].
4 ـ ما ورد عن غير المعصوم من الصحابي و التابعي ونحوهما من العلماء والصلحاء، ومن ثَمّ يقال للمشتغل بالتواريخ: أخباري، وللمشتغل بالسنّة المحدّث [٩]، تمييزا له عن الحديث الذي يطلق على ما ورد عن المعصوم.
5 ـ كلام يحكي قول المعصوم أو فعله أو تقريره [١٠].
الألفاظ ذات الصلة
1 ـ حديث
ذهب الأكثر أو الجمهور إلى مرادفة الحديث للخبر [١١]، لكن ذهب بعض آخر إلى كون الخبر أعمّ من الحديث؛ باعتبار أنّ الحديث خاصّ بما جاء عن الرسول بينما الخبر يعمّ ما جاء عن الرسول وعن غيره [١٢].
ومن حيث استعمال الاصطلاحين، فإنَّه كثيرا ما يوصف الخبر بالآحاد وقلّما يوصف الحديث بالآحاد.
2 ـ رواية
قيل في تعريف الرواية: الخبر المنتهي بطريق النقل من ناقل إلى ناقل حتّى ينتهي إلى المنقول عنه من النبي(ص) أو الإمام عليهالسلام [١٣]. وعليه، فهي نقل الخبر أو الإخبار، وتطلق على نفس الخبر أو الحديث من باب التساهل في التعبير.
3 ـ أثر
استعمل أهل السنة الأثر بمعنى قول الصحابي و التابعي [١٤]. أو بمعنى قول الصحابي فقط [١٥]، كما استعمله بعض الإمامية للإشارة إلى المنقول عن المعصومين، ومن هذا الباب عنونوا بعض جوامعهم الحديثية بمثل «كفاية الأثر» أو «مقتضب الأثر» كما أطلقه بعض آخر على ما يشمل قول الصحابي والتابعي [١٦]، بل وعلى قول المعصوم كذلك [١٧].
4 ـ سنّة
السنّة هي: قول المعصوم أو فعله أو تقريره لغير العاديات [١٨].
وعليه يكون الخبر عاكسا للسنّة؛ باعتباره ناقلاً لقول المعصوم أو فعله أو تقريره، بينما السنّة ذات قول المعصوم أو فعله أو تقريره [١٩].
أقسام الخبر
تكفَّل علم الحديث والاصطلاح ببيان تقسيمات الخبر التي اختلفت على طول تاريخ هذا العلم وفقا لاختلاف وجهات نظر علمائه، كما أنَّ التقسيمات انصبّت على اعتبارات مختلفة، من قبيل: الراوي والمروي عنه وصحّة السند وضعفه، وما شابه ذلك [٢٠].
لكنّ الذي وقع موضع دراسة وبحث الأصوليين هو خبر الواحد، وكذلك المتواتر، فتدارسوا الأوّل من حيث كونه حجّة أم لا، وتدارسوا الثاني من حيث كيفية حصول التواتر وعدد الرواة الذين يحصل بهم التواتر، وناقشوا قليلاً ما الخبر المستفيض أيضا.
حكم الخبر
ناقش الأصوليون الخبر من جهات عديدة، ورحّل المتأخّرون الكثير منها إلى علوم اُخرى من قبيل: علم الحديث والدراية، فبحوث من قبيل: صفات الراوي وكيفية ثبوت عدالته والإرسال في الحديث، أصبحت اليوم تُبحث في غير علم الأصول، لكن البحوث التي لا زالت موضع دراسة الأصوليين هي من قبيل: إفادته العلم أو الظنّ، باعتباره عاكسا للسنّة قولاً وفعلاً وتقريرا، فتدارسوه من حيث ما إذا أفاد العلم كان حجّة دون نقاش؛ باعتبار حجّية العلم والقطع الذاتية. وإذا لم يفد العلم، بل أفاد الظنّ فحسب فلا تكون حجّيته ذاتية، ويكون بحاجة إلى جعل الحجّية للظنّ الذي أفاده الخبر [٢١].
ولأجل ذلك انصبَّ بحثهم عمدة في خبر الواحد وقليلاً في الخبر المتواتر والمستفيض أو أصناف اُخرى يناسب بحثها في علم الحديث والاصطلاح دون الأصول.
1 ـ حکم الخبر المتواتر
الخبر المتواتر: هو الخبر الذي ينقله جمع يمتنع تواطؤهم على الكذب [٢٢].
قال الاُصوليون بحجّية الخبر المتواتر برغم نقاشهم مسائل ذات صلة بموضوع التواتر من قبيل: العدد الذي يحصل به التواتر، وكيفية حصول العلم بالتواتر، وشروط التواتر،وكونه موجبا للعلم بحدّ ذاته ـ كما هو رأي الأكثر ـ أو بقرينة، كما هو رأي القليل، ومسائل من هذا القبيل. ولا يبدو وجود خلاف في حجّية هذا الصنف من الخبر؛ لكونه مفيدا للعلم واليقين، بل كفّر البعض جاحد حجّية الخبر المتواتر [٢٣].
2 ـ حکم الخبر المستفيض
ذكرت التعاريف التالية للخبر المستفيض:
ما كان من الأخبار الآحاد في الأصل، ثُمّ انتشر بعد الصحابة ونقل بنحو متواتر [٢٤].
ما تلقته العلماء بالقبول [٢٥].
رتبة متوسّطة بين المتواتر والآحاد [٢٦].
ما نقله جماعة تزيد على الثلاثة والأربعة [٢٧].
كما اختلفوا في كون الخبر المستفيض يفيد العلم أم الظنّ؟ فنسب إلى بعض، مثل أبي إسحاق الإسفراييني، وأبي منصور التميمي، وابن فورك إفادته العلم [٢٨]، لكنّ الأكثر قالوا بإفادته الظنّ، فالأمر يدور مدار إفادته ما إذا كانت هي العلم أو الظنّ.
ويسمّى الخبر المستفيض مشهورا كذلك [٢٩]، لكن فرّق البعض بينه وبين المشهور، وذلك باعتبار المشهور أعمّ من المستفيض [٣٠]، إلاّ أنَّ الكثير صنّفوه ضمن أقسام خبر الواحد المفيد للظنّ [٣١].
وناقشوا كذلك فيما إذا كان مفيدا للعلم واليقين أو الطمأنينة، فإذا أفاد علما كان حجّة وإلاّ احتاج ما يؤيّد حجّيته من جعل شرعي.
وعلى غرار النقاش في الخبر المتواتر ناقش البعض ما إذا عُدَّ جاحده كافرا أم لا؟ [٣٢]
وتعدُّ الشهرة في الخبر من أسباب الترجيح بين الأخبار المتعارضة، وفقا للمسلك المشهور، ومن هذه الجهة يكون الخبر حجّة [٣٣]، إلاّ أنَّ البعض مثل السيّد الخوئي خالف ذلك واعتبرها غير مرجّحة [٣٤].
3 ـ حکم خبر الواحد
لخبر الواحد عدّة تسميات منها: خبر الآحاد، وهو استعمال رائج، وخبر الخاصّة [٣٥]، وهو استعمال قليل. وقد عرِّف خبر الواحد بعدّة تعريفات:
منها: ما كان من الأخبار غير منته إلى حدّ التواتر [٣٦].
ومنها: ما لا يقطع بصدقه ولا كذبه [٣٧].
ومنها: خبر لا يفيد العلم بنفسه، سواء أفاده بالقرائن أم لم يفده أصلاً [٣٨].
وقد اختلف الأصوليون في خبر الآحاد في موارد مختلفةنورد بعضها هنا:
أ ـ إيجاب خبر الواحد العلمَ
ممّا اختلف فيه الأصوليون هو ما يؤدّي إليه خبر الواحد، حيث ذهب بعض مثل ابن حزم الأندلسي إلى أنّه يفيد العلم، ونسبه كذلك إلى أحمد بن إسحاق المعروف بابن خويذمنداد، عن مالك بن أنس [٣٩].
لكنّ الأكثر من العلماء والمتكلّمين والفقهاء [٤٠] قالوا: بعدم إفادته العلم إلاّ أن تكون هناك قرائن تثبت العلم.
ونسب الجويني إلى الحشوية من الحنابلة كونهم يقولون: بأنّ خبر الواحد العدل يوجب العلم، واعتبره خزيا [٤١].
وتعدُّ مسألة عدم إفادته العلم مسألة وجدانية واضحة برغم ما ورد عن البعض من نقاشات واستدلالات وردود في هذا المجال [٤٢].
ب ـ حجّية خبر الواحد
ممّا اختلف فيه الأصوليون كذلك هو حجّية خبر الواحد حيث وردت أقوال كثيرة في هذا المجال، وأهمّها هو ما نتعرّض إليه هنا من أقوال [٤٣].
طبعا لا شكَّ في حجّية خبر الواحد عند من يقول بإفادته العلم؛ باعتبار حجّية العلم الذاتية. وقد ورد عن ابن حزم الأندلسي قوله: «إنَّ خبر العدل عن مثله إلى رسول اللّه(ص)يوجب العلم والعمل معا، وبهذا نقول» [٤٤].
أمّا الذين قالوا بعدم إفادته العلم، فاختلفوا على أقوال:
القول الأوّل: لا يجوز العمل به عقلاً
يذهب أصحاب هذا الرأي إلى عدم جواز العمل به عقلاً، ونسب إلى بعض أهل البدع من القدرية ومن تابعهم [٤٥]. ونسب كذلك إلى الجبائي وجماعة من المتكلّمين [٤٦].
استدلَّ على هذا الرأي بعدّة اُمور واعتبارات عقلية:
منها: الشرائع لا تكون إلاّ مصالح لنا، ولا يمكن التحقُّق بمصحلة ما تضمّنه خبر الواحد، ولا نأمن كونه مفسدة.
ومنها: إذا لم يجز أن نخبر بما لا نأمن كونه كذبا، كذلك لا يجوز أن نقدم على ما لا نأمن من كونه مفسدة.
ومنها: لا يجوز قبول قول الرسول إلاّ بمعجزة ودليل نقطع من خلاله بالصدق، فغير الرسول أولى في عدم قبول قوله.
ومنها: لم يجز الرسول العمل بقوله إلاّ بدليل قاطع؛ لاحتمال الغلط، وهذا هو شأن خبر الواحد كذلك.
ومنها: إنَّ العمل يتبع العلم، وبما أنَّ الخبر لا يوجب العلم، فالعمل به يكون تبخيتا وتخمينا.
ومنها: لو جاز العمل بخبر الواحد ببعض الأحكام لجاز في سائرها حتّى في الأصول وإثبات القرآن والنبوّات.
ومنها: لو جاز التعبُّد بخبر العدل لجاز بخبر الفاسق كذلك، لعدم الفرق عقلاً بينهما [٤٧].
وردّ السيد المرتضى وغيره هذه الاعتبارات بما يلي:
أمّا الدليل الأوّل: فلأنَّ الخبر إذا أوجب العلم أو الوثوق علمنا بأنَّ ما أخبر به صلاحا وليس فسادا.
وردّ الثاني: بأنَّه إذا كان هناك ما يؤمّن للمكلّف كونه ليس كذبا جاز أن يؤخذ بالخبر.
ورُدَّ الثالث والرابع، وهما متقاربان: بأنَّ استيعاب الإعجاز عن طريق الرسول لا يتمُّ إلاّ من خلال العلم والدليل القاطع ولا طريق آخر، أمّا في مورد البحث فهناك دليل قائم على وجوب العمل بخبر الواحد.
ويردُّ الخامس: بردِّ مقولة تبعيّة العمل للعلم.
ويردُّ السادس: بأنَّه من غير الممتنع نظريا أن تثبت جميع أصول الشريعة بخبر الواحد.
ويردُّ السابع: بأنَّه من الجائز عقلاً أن يتعبّدنا اللّه بالعمل بخبر الفاسق [٤٨].
القول الثاني: يجوز التعبد به عقلاً لكن لم يرد شرعا التعبد به
ذهب إلى هذا الرأي السيد المرتضى، [٤٩] ونسب إلى القاشاني وأبي بكر بن داوود وما يدعو منها بـ الرافضة [٥٠].
كما ذهب إليه القاضي ابن البراج [٥١]، وابن زهرة [٥٢]، وابن إدريس [٥٣]، كما حكي عن الطبرسي [٥٤].
وقد استدلَّ السيّد المرتضى على هذا الرأي بعدم وجود الدليل الشرعي عليه، ورفض الآيات والروايات التي استدلّ بها على حجّية العمل بخبر الواحد [٥٥].
كما استدلَّ ابن زهرة الحلبي على عدم حجّية خبر الواحد بعدم الدليل على حجّيته، وردّ الاستدلالات عن القائلين بالحجّية [٥٦].
كما استدلَّ لهم باُمور اُخرى [٥٧].
لكن ذكر البعض [٥٨] إمكانية الاستدلال لهذا الرأي بالاُمور الآتية:
أوّلاً: الآيات الناهية عن اتّباع غير العلم، من قبيل: «وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً» [٥٩]. و «وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ... مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ...» [٦٠].
وآيات اُخرى تنهى بنحو ما عن اتّباع الظنّ [٦١].
ثانيا: الروايات الدالّة على ردّ ما لم يعلم أنّه قول المعصومين عليهمالسلام والمشكوك فيه أو غير الموافق للقرآن، من قبيل الرواية التالية:
... عن عبد اللّه بن أبي يعفور قال: وحدّثني الحسين بن أبي يعفور العلا أنَّه حضر بن أبي يعفور في هذا المجلس قال: سألت أبا عبداللّه عليهالسلام عن اختلاف الحديث يرويه من نثق به ومنهم من لا نثق به، قال: «إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهدا من كتاب أو من قول رسول اللّه(ص) وإلاّ فالذي جاءكم به أولى به» [٦٢].
ثالثا: الإجماع الذي حكاه السيّد المرتضى عن علماء الشيعة [٦٣].
ردَّت هذه الأدلّة بما يلي:
بالنسبة إلى الآيات فإنّ الظاهر منها هو اتّباع غير العلم في الأصول الاعتقادية لا الفروع، ولو سلّم شمولها للفروع كذلك فهي مخصّصة بأدلّة حجّية خبر الآحاد.
وبالنسبة إلى الروايات فإنّها أخبار آحاد، ولا يمكن الاستدلال بها على رأي الرافضين لحجّية الخبر. وإن كان هناك تواتر إجمالي بصدور بعضها إلاّ أنّ التواتر حجّة فيما اتّفقت فيه، وهو غير مفيد في إثبات عدم حجّية خبر الواحد بنحو كلّي.
وبالنسبة إلى الإجماع فإنّه غير حاصل، ولا حجّية للمنقول فيه، مع أنّه معارض بمثله، وضعيف بذهاب المشهور على خلافه [٦٤].
وذهب المحقّق النائيني إلى أنَّ اصطلاح الخبر الواحد يطلق على معنيين، أحدهما: الخبر غير القطعي وما لا يكون محفوفا بالقرينة القطعية وما بحكمها، ثانيهما: الخبر الذي لا يعتمد عليه ويكون راويه غير ثقة، أي الخبر الضعيف، وقد يكون المراد من الإجماع على عدم حجّية خبر الآحاد الوارد على لسان السيّد المرتضى وغيره هو المعنى الثاني لا الأوّل الذي هو موضع بحثنا [٦٥].
وهناك ردود اُخرى وردت في هذا المضمار، وخاصّة الإجماع المدّعى [٦٦].
القول الثالث: حجيّة خبر الواحد
ذهب أكثر الأصوليين [٦٧] إلى حجّية خبر الواحد.
وقد استدلَّ أصحاب هذا الرأي بالكتاب والسنّة والإجماع وحكم العقل [٦٨]:
الاستدلال بالكتاب
استدلّ بعدّة آيات في هذا المجال:
الآية الاُولى: آية النبأ
وهي قوله تعالى: «إن جاءكم فاسِق بنبأ فتبيّنوا أن تُصيبوا قوما بجهالةٍ فتُصبحوا على ما فعَلتُم نَادِمينَ»[٦٩].
استدلّ بها أصوليو أهل السنّة [٧٠] كما استدلّ بها أصوليو الشيعة مع تفاصيل ونقاشات كثيرة نذكر نماذج منها.
يستدلُّ بها بنحوين:
النحو الأوّل: بلحاظ مفهوم الوصف، وهذا يتمّ من خلال أحد الاعتبارات أو الوجوه التالية:
1 ـ كون مفهوم الوصف حجّة، ولا بدّ أن يكون هنا كذلك.
2 ـ كون الآية تنيط وجوب التبيُّن بعنوان خبر الفاسق، وهو يدلُّ بقانون احترازية القيود على انتفاء شخص الحكم بانتفاء الوصف، وهو مساوق في المقام مع انتفاء سنخ الحكم بوجوب التبيُّن عن خبر العادل، ما يعنى حجّيته [٧١].
3 ـ كون علّة وجوب التبيُّن إمّا أن تكون وصف الفسق في المخبر أو أصل الخبرية، والأوّل وصف عرفي والثاني ذاتي، فإذا كانت العلّة هي الوصف العرفي فمعناه أنّ الخبر لولا وصف الفسق في المخبر لم يجب التبيُّن، وهو المطلوب، وإن كانت العلّة هي الخبرية، فهو خلاف ظاهر الآية [٧٢].
وهناك اعتبارات اُخرى كذلك [٧٣].
لكن ردّ الاستدلال بمفهوم الوصف بوجوه غير قليلة:
منها: أنَّه لا مفهوم للوصف بالنحو الذي يثبت للشرط.
ومنها: كون وجوب التبيُّن في الآية وجوبا إرشاديا لا مولويا، أي أنَّه يرشد إلى عدم حجّية خبر الفاسق، وهو ساكت عن خبر غير الفاسق.
النحو الثاني: لحاظ مفهوم الشرط، و البيان الابتدائي له أنَّ الشرط يدلُّ على انتفاء الحكم عن الموضوع بانتفاء الشرط، والموضوع في المقام هو النبأ، والحكم هو وجوب التبيُّن عنه، والشرط مجيء الفاسق به، فتدلُّ الجملة الشرطية على انتفاء وجوب التبيُّن عن النبأ لو لم يكن الجائي به فاسقا أي كان عادلاً، وهو المطلوب [٧٤].
وعلى العموم فقد اعترض على الاستدلال بالآية ونوقش في مجمل الوجوه المذكورة من قبل الكثير من أصوليي الشيعة.
وتعود بعض الاعتراضات على الاستدلال بالآية إلى إنكار أصل الظهور الاقتضائي للآية على المفهوم، وبعضها دعوى وجود مانع عنه بعد افتراض وجوده بنحو القرينة المتّصلة الرافعة لفعليته، وبعضها إلى دعوى عدم حجّيته بعد افتراض فعلية ظهوره في المفهوم لوجود مانع، وهنا نورد النماذج التالية:
1 ـ إنَّ الشرط في الآية مسوق لبيان الموضوع، وهي من قبيل: إن رزقت ولدا فاختنه. فإنَّ الولد إذا انتفى ينتفي الختان لانتقاء موضوعه، وكذا في المقام فإنَّ انتفاء وجوب التبيُّن عن الخبر عند انتفاء مجيء الفاسق به إنّما هو لانتفاء موضوعه لا للمفهوم، إذ مع عدم مجيء الفاسق بالخبر لا خبر هناك ليجب التبيُّن عنه أو لا يجب.
لكن ردّ هذا الإشكال بأنّ الموضوع في القضية هو النبأ ومجيء الفاسق به شرط لوجوب التبيُّن، فلا تكون القضية مسوقة لبيان تحقّق الموضوع، ويلزم كونها مسوقة لبيان تحقّق الموضوع فيما إذا كان الجزاء متوقّفا على الشرط عقلاً، بينما التوقُّف هنا غير عقلي بل شرعي، فالشرع هوالذي فرض التبيُّن لا العقل.
2 ـ هناك قرينة في الآية تنفي ثبوت المفهوم، وهي: «أَن تُصِيبُوا قَوْما بِجَهَالَةٍ» فهي تعليل وتعني كون العمل بخبر الفاسق عرضة للوقوع في المفسدة، وهذه العلّة تقتضي التبيُّن حتّى في خبر العادل؛ لاحتمال غفلته وخطئه، فخبره عرضة للمفسدة كذلك كما هو حال خبر الفاسق، ونتيجة ذلك عدم جواز العمل بكلّ خبر لا يفيد العلم، سواء جاء به عادل أو فاسق، فلا مفهوم للآية، وهي مجملة من هذه الناحية.
وردّ هذا الإشكال باُمور:
أ ـ كونه مبنيا على أنّ المراد من الجهالة في الآية هو عدم العلم، مع أنّ الظاهر منها كون المراد هو السفاهة، ومن الواضح أنّ العمل بخبر العادل لا يستلزم سفاهة، كما أنّ كبار الصحابة كان يعمل وفقه، ولو كان فيه سفاهة لما عمل به هؤلاء.
ب ـ على فرض كون الجهالة هنا تعني عدم العلم إلاّ أنّ ذلك لا يمنع من حصول المفهوم، والأخير يكون حاكما على عموم التعليل؛ لأنّ خبر العادل يكون علما تعبُّديا، بناءً على أنّ مفاد دليل حجّية الطرق والأمارات هو تتميم الكشف وجعل غير العلم علما بالاعتبار، فيكون خبر العادل خارجا عن عموم التعليل موضوعا.
وهناك الكثير من المناقشات ينقلها أصوليو الشيعة وخاصّة الشهيد الصدر والفياض [٧٥].
ثُمّ إنّه على فرض تمامية الاستدلال بالآية بمجمل وجوهها نوقش في ما إذا كان الاستدلال بها يتمُّ بنحو الاستقلال أو بحاجة إلى ضمِّ مقدّمة خارجية اُخرى هي عدم أسوئية خبر العادل عن الفاسق؛ إذ يحتمل عدم وجوب التبيُّن بمعنى طرحه رأسا وإهماله؟ هناك رأيان، والأصوليون منقسمون في الموضوع [٧٦].
معنى الفسق والوثوق
اختلف في تحديد مفهوم ومعنى الفاسق الوارد في آية النبأ، فبعض فسّره بما يقابل العادل [٧٧]؛ لأنَّه هو الثقة شرعا، وخالف بعض آخر ورآه من تسكن النفس إليه ويُطمئنّ بقوله [٧٨]، وبناءً على هذا يكون المراد من الفسق في الآية هو الفسق الخبري، أي الكذب والوضع في الحديث لا الشرعي الذي يقابل العدالة.
وبرّر أصحاب الرأي الثاني مسلكهم في تفسير الفسق بأنّ إرادة ما يقابل العادل الدارج لدى الأصوليين حاليا غير صحيح؛ لأنَّ العادل بمعناه الأخير شاع مؤخّرا، والمعنى المنسجم مع الآية هو الشائع في الاستعمالات وخاصّة الكتاب، أي ما يقابل المؤمن، فيعمُّ الكافر والمنافق. وقد ورد في بعض الروايات النهي عن إطلاق الفاسق على المؤمن العاصي وأنّه فاسق العمل، مع أنّه لا دليل على اعتبار عدالة المخبر، كما أنّه يلزم ضعف أكثر الأحاديث؛ لعدم العلم بعدالة أحد منهم إلاّ نادرا [٧٩].
و السيد الخوئي اشترط حصول الوثوق النوعي بوثاقة الراوي، بمعنى كونه محترزا عن الكذب، ولا يعتبر الوثوق النوعي بصدقه ومطابقته للواقع ولو بسبب عمل المشهور [٨٠].
وبعض آخر نفى اشتراط كون المخبر ثقة أو عادلاً واشترط حصول الوثوق بالخبر نفسه، بحيث لو حصل وثوق به بسبب عمل الأصحاب وفقه كان حجّة ولو كان رواته غير ثقات؛ لأنّه لا موضوعية للعادل أو الثقة [٨١].
الآية الثانية: آية النفر
وهي: «فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ» [٨٢]. آية النفر
استدلَّ بها أصوليو أهل السنة و الشيعة، وقد بالغ البعض في اعتبارها أوضح الآيات دلالة على حجّية خبر الواحد، بينما جعلها البعض بمثابة حديث: «من حفظ على اُمتي أربعين حديثا ينتفعون بها بعثه اللّه تعالى يوم القيامة عالما فقيها» [٨٣] في عدم الدلالة على حجّية خبر الواحد [٨٤]؛ باعتبار أنَّ الاستدلال بالحديث المزبور على حجّية الخبر ضعيف جدّا كما يتّضح ممّا يلي [٨٥].
يتوقّف الاستدلال بها على اُمور:
الأوّل: أن يكون المراد إنذار كلّ واحد من النافرين لا إنذار مجموع النافرين، بحيث لا يستلزم العلم من إخبارهم؛ لأنّ المجموع إذا أخبر قد يفيد إخباره العلم، أمّا الفرد فلا يفيد عادة.
الثاني: أن يكون المراد من الحذر هو التحفّظ والتجنّب العلمي لا مجرّد الخوف النفساني، والظاهر من الآية هو ذلك، ولا يراد منها الخوف النفساني فقط.
الثالث: أن يكون الحذر والتجنّب العملي واجبا عند إنذار المنذر، وهذا هو الظاهر من الآية، فإنّ التحذّر غاية للواجب (الإنذار) وغاية الواجب واجبة، ولو لم يكن واجبا لزم أن يكون لغوا.
وأورد على الاستدلال بها اُمور نورد نماذج منها:
1 ـ كلمة لعلّ تدلُّ على ترقّب الحذر، وهو الخوف من العقاب، ولا تدلُّ على حصوله بالفعل، فالترقّب هو مفادها عرفا، فهي لا تدلُّ على كون إنذار المنذر حجّة، ولو كان حجّة لحصل لهم الحذر فعلاً.
2 ـ بالنسبة إلى قاعدة غاية الواجب واجبة خاصّة بما إذا كانت قابلة لئن يتعلّق بها التكليف مباشرة، من قبيل أمر المولى بالدخول في المسجد للصلاة فيه، فإنّ الغاية (الصلاة) متعلّقة للتكليف مباشرة. أمّا إذا كانت الغاية فعل شخص آخر خارجا عن اختيار الشخص المأمور بذيها فلا يمكن القول بأنّ غاية الواجب أولى بالوجوب، ولا يمكن تطبيق القاعدة في المقام، فإنّها تنطبق فيما إذا كانت الغاية مقدورة له ولو بالواسطة، أمّا الغاية في مورد الآية المباركة وهي الحذر، حيث إنّها فعل المنذرين (بالفتح) فهي خارجة عن اختيار المنذرين (بالكسر) فلا يمكن تطبيقها، فلا تدلّ الآية على وجوب التحذّر عند إنذارالمنذرين.
3 ـ نوقش في الملازمة المفروضة في الاعتبارات المتقدّمة بين وجوب التحذّر والقبول من جهة وحجّية الخبر من جهة اُخرى، وأنّه إذا كانت هناك ملازمة فهي تختصُّ في حالة الشكّ في التكليف الذي يكون مجرى للبراءة والتأمين عقلاً أو شرعا، ولا يشمل حالة الشكّ في التكليف الذي يكون في نفسه مجرى لأصالة الاشتغال وعدم العذر، من قبيل: الشبهة قبل الفحص أو المقرونة بالعلم الإجمالي؛ وذلك لأنَّ التنجيز هنا يكون لنفس الشكّ لا لقيام الحجّة على الإلزام، بينما هناك قرينة تفيد كون الآية ناظرة إلى الحالة الثانية لا الاُولى، وهي تعليل وجوب الإنذار بالتحذّر في قوله تعالى: «لِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ». فإنَّ تعليل الأمر بشيء بعلّة ظاهر في أنَّ تحقّق ذلك الشيء المأمور به ليس شرطا في مطلوبية تلك العلّة وليس من مقدّمات وجوبه، بل شرط في وجوده ومن مقدّمات وجوده.
وعليه، فالتحذُّر مطلوب في نفسه بقطع النظر عن الإنذار، وأنَّ الإنذار ليس هو سبب التنجيز ووجوب التحذّر، والأمر به محرك وحافز للمكلّفين.
4 ـ نوقش أيضا من حيث إنَّ التحذّر رتّب على إنذار المخبر لا إخباره، والإنذار هو الإخبار الموجب للخوف، والظاهر من الآية الاختصاص بالإنذار من العقاب الناجم عن تنجُّز التكليف لا مخالفة الحكم الشرعي ولو لم يكن فيه عقاب، وذلك بحسب المتفاهم العرفي، وإذا لم تكن ظاهرة في هذا المعنى فلا أقلّ كونها غير ظاهرة في المعنى الآخر، وهو يوجب الإجمال وعدم صحّة الاستدلال بها.
5 ـ نوقش في إطلاق الآية وشمولها لصورة عدم حصول العلم من الإنذار؛ وذلك لكونها ليست في مقام البيان من ناحية وجوب التحذّر، فهي في مقام وجوب النفر والإنذار فقط، ومع هذا لا دلالة لها على الإطلاق.
وغير هذا الكثير من النقاشات والردود [٨٦].
الآية الثالثة: آية الكتمان
وهي: «إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ» [٨٧]. آية الکتمان
ويستدلُّ بهذه الآية من خلال ادّعاء أنَّ تحريم الكتمان ووجوب الإظهار يستلزم وجوب القبول وإلاَّ كان لغوا، فبدلالة الاقتضاء يثبت وجوب القبول، وبمقتضى الإطلاق ثبت وجوبه حتّى في صورة عدم حصول العلم من الإظهار، فتثبت حجّية خبر الواحد.
وإذا أشكل عليه بأنَّ الكتمان لا يصدق مع عدم وجود مقتضٍ للأخبار، كالسؤال ونحوه، فيجاب: بأنَّ هذا لا يقدح بالاستدلال، من حيث إنَّا لو استفدنا الحجّية في الإخبار المسبوق بالسؤال تثبت في مطلق الإخبار؛ لعدم احتمال دخل خصوصية السؤال في حجّية الخبر المبتنية على الكاشفية.
وقد يشكل في أنَّ الكتمان يعني حجب الحقيقة عن الظهور مع توفّر مقتضيات ظهورها، بحيث لو لم يكتم لظهرت الحقيقة، وهذا الكتمان لا يصدق حالة عدم حصول العلم من الإخبار، فلا تدلّ الآية على حجّية خبر الواحد.
ويردُّ بأنَّ الكتمان هو إخفاء الحقيقة نسبيا لا على نحو الإطلاق، فمن لا يكون قوله مفيدا للعلم لعدم وثاقته مثلاً يصدق الكتمان على إخفائه الحقيقة كذلك.
ويشكل على الاستدلال بالآية أيضا بأنّه قد يكون المراد من «الكتاب» هو القرآن لا التوراة و الإنجيل، والآية ناظرة إلى العالمين بالعهدين الذين يعلمون بنبوّة الرسول وفقا للبشائر التي وردت في العهدين رغم ذلك يكتمون الحقيقة، وهو من أعظم المحرّمات. وعليه تكون الآية أجنبية عن المطلوب.
وهناك إشكالات اُخرى وردت على الاستدلال بهذه الآية [٨٨].
الآية الرابعة: آية الذكر
وهي: «وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ» [٨٩]. آية السؤال
ويستدلُّ بها من باب استفادة وجوب القبول بالملازمة من وجوب السؤال، وتثبت حجّية خبر الواحد بإطلاق وجوب القبول وشموله لصورة عدم حصول العلم من الجواب.
وفسِّر أهل الذكر بأهل العلم والاطّلاع، وهو صادق على الرواة؛ باعتبارهم أهل اطّلاع وعلم من طائفة المجتهدين.
وقد أشكل على الاستدلال بالآية هنا باُمور:
منها: عدم وجود ملازمة تعبّدية بين وجوب السؤال ووجوب القبول.
ومنها: سياق الآية يثبت كونها واردة في مقام مخاصمة منكري رسالة النبي(ص) بدعوى أنَّه إنسان كسائر البشر في متطلّباته الطبيعية، وهو أمر لا ينسجم مع كونه مبعوثا إلهيا، فأكّدت هذه الآية وغيرها بأنَّ الرسالات كانت منذ البداية بأيدي بشر، وتحيل المنكرين إلى أهل الذكر من أهل الكتب السابقة لكي يطلعوا المنكرين على هذا الأمر. وهذا أمر غريب عن واقع جعل الحجّية لخبر الواحد.
ويدلُّ على هذا كون متعلّق السؤال في الآية محذوفا ولكنّه غير مطلق؛ وذلك بقرينة التفريع، فالمفهوم من التفريع أنّ السؤال عن بشرية الأنبياء في الرسالات، وهو من حقائق أصول الدين ولا علاقة له بالتعبُّد فيما نحن فيه [٩٠].
وهناك آيات اُخرى استدلّ بها على المطلوب لكن رفضها جلّ الأصوليين، بل حتّى لم يدرجوها ضمن الأدلّة، مثل آية الأذن، وهي قوله تعالى: «وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ» [٩١]. ومثل قوله تعالى: «وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ...» [٩٢]. وقوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ» [٩٣]. وغيرها من الآيات [٩٤].
الاستدلال بالسنّة
استدلَّ بالكثير من الروايات لإثبات حجّية خبر الواحد، وقد بلغت الطوائف لدى البعض خمسة عشر طائفة [٩٥]، واختصرها السيّد محمد تقي الحكيم [٩٦] بالطوائف التالية:
الاُولى: الروايات التي أرجع الأئمة أصحابهم إلى بعضهم الآخر كإرجاعه إلى زرارة بقوله: «إذا أردت حديثا فعليك بهذا الجالس وأشار إلى زرارة» [٩٧].
الثانية: الروايات الدالّة على وجوب الرجوع إلى الرواة، كخبر الاحتجاج: «وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلىرواة حديثنا، فانّهم حجّتي عليكم، وأنا حجّة اللّه عليهم» [٩٨].
الثالثة: الروايات الحاثّة على كتابة الحديث وإبلاغه، كقوله(ص): «من حفظ على اُمتي أربعين حديثا بعثه اللّه فقيها عالما يوم القيامة» [٩٩].
الرابعة: الروايات الذامّة الكذب عليهم والتحذير من الكذابين، مثل الحديث المتواتر عن النبي(ص): «من كذب عليّ متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النار» [١٠٠].
الخامسة: أخبار معالجة التعارض بالأخذ بالمرجحات، كالأعدلية والأصدقية و الشهرة والقول بـ التخيير عند التساوي [١٠١]، فإنّه مع عدم فرض حجّية أخبار الآحاد لا يتصوّر فرض التعارض في أخبار المعصومين.
السادسة: الأخبار الواردة في تسويغ الرجوع إلى كتب الشلمغاني وبني فضّال والأخذ بروايتها وترك آرائهم [١٠٢].
استدلَّ بها بعض أصوليي الشيعة بناءً على وجود تواتر إجمالي يفيد في النتيجة حجية خبر الثقة [١٠٣].
وقد استدلّ اُصوليو أهل السنة بطوائف من الروايات مثل ما يقال من تواتر النقل بإنفاذ الرسول(ص) سعاته إلى القبائل والمدن، لأخذ الزكوات وتعليم الأحكام، من قبيل: إنفاذه معاذا إلى اليمن ليفقّههم في دينهم ويقبض زكواتهم، وكثير من هذه الإنفاذات مع أنّ الرسول ما كان ينفذ لهم جماعة توجب التواتر، بل آحادا يوجب إخبارهم الظنّ فحسب.. [١٠٤]. وروايات اُخرى تأتي في دليل الإجماع و السيرة.
والمورد الأخير (إنفاذ الرسول سعاته) يمكن أن يعود إلى سيرة المسلمين في اعتمادهم خبر الثقة، أي أنّه يحكي دليل السيرة وليس السنّة، ويمكن أن يقال في الاستدلال به إنَّ العمل بخبر الثقة لا بدّ أن يكون حجّة لدى الرسول ما جعله ينفذ أفرادا لا يفيد خبرهم التواتر، فيعود الدليل إلى دليل السنّة.
لكن ردَّ الكثير من الأصوليين هذه الطوائف بنحو أو آخر، إمّا بالقول بضعف سندها وأنّها روايات آحاد لا يمكن إثبات حجّية أخبار الآحاد بها، أو من قبيل: أنّها وردت في أفراد خاصّين، أي حوالة على أشخاص معينين (كما هو في الطائفة الاُولى)، أو من قبيل: أنّ الاستدلال بها يعتمد القول على الملازمة بين وجوب الحفظ وقبول الحجّية (كما هو في الطائفة الثالثة) [١٠٥].
وبعض مثل المحقّق الخراساني لم يذكر أيّا من الروايات التي يمكن الاستدلال بها أصلاً، لكنّه يذهب في ذات الوقت إلى وجود تواتر إجمالي بصدور بعضها من المعصومين ممّا يستفاد حجّية الخبر عموما وإن كانمضمون بعضها محددا بأخبار من أشخاص معينين [١٠٦].
كما يرى الشهيد الصدر عدم صلاحية جميعها للدلالة على المطلوب [١٠٧]، لكن يذهب إلى إمكانية حصول قطع أو اطمئنان شخصي برواية واحدة لخصائص في سندها، من حيث عدم احتمال كذب رواتها، ووردت في (الكافي) الذي يحظى بمقبولية عالية، وتوصف سلسلة الرواة فيها بالذهبية، أو بلحاظ ضمّها إلى روايات اُخرى على أقلّ تقدير. وهي رواية طويلة استدلَّ بالفقرتين التاليتين منها:
الفقرة الاُولى: «العمري ثقتي فما أدّى إليك فعنّي يؤدّي، وما قال لك فعنّي يقول، فاسمع له وأطع، فإنّه الثقة المأمون» [١٠٨].
فإنَّ ذيل هذه الفقرة «فاسمع له وأطع فإنّه الثقة المأمون» بمثابة كبرى كلّية اُشير إليها، وهي أنّ كلّ ثقة مأمون يسمع له، وهذا هو معنى حجّية خبر الثقة.
الفقرة الثانية: «العمري وابنه ثقتان فما أدّيا إليك عنّي فعنّي يؤدّيان، وما قالا لك فعنّي يقول، فاسمع لهما وأطعهما فإنّهما الثقتان المأمونان» [١٠٩].
والاستدلال بهذه الفقرة ذات الاستدلال بالفقرة الاُولى، بل الاستدلال بها هنا أوضح؛ لعدم تفريع التعليل فيها على قوله: «ثقتي» بل على قوله: «إنّهما ثقتان» ما يعني أنّ الحكم مبني على الوثاقة العامّة لا الشخصية.
كما يذهب إلى وجود روايات اُخرى تساوق هذه الرواية من حيث السند والمضمون، وهي بالإجمال لا تخلو من نقاشات وردود [١١٠].
الاستدلال بالإجماع
ادّعي إجماع الشيعة على حجّية الخبر الواحد [١١١]، وادّعى بعض أصوليي أهل السنة إجماع الصحابة على حجّيته، بدليل عملهم بأخبار الآحاد، واعتبروا عملهم بأخبار الآحاد ممّا تواترت الأخبار عليه [١١٢]، وذلك من قبيل: رجوع عمر إلى حديث حمل بن مالك في دية الجنين، حيث ورد فيه: لو لم نسمع هذا لقضينا بغيره [١١٣]، ورجوع عثمان في السكنى إلى حديث فريعة بنت مالك [١١٤]، وينقل عن علي وعبد اللّه بن عمر عملهم بخبر الواحد، كما يقال برجوع الصحابة إلى خبر عائشة في قضية التقاء الختانين [١١٥] وغيرها من الروايات التي يبدو منها العمل بخبر الواحد [١١٦].
ويبدو من الآمدي ترجيحه لهذا الدليل على باقي الأدلّة، حيث اعتبره الأقرب في المسألة [١١٧].
هذا برغم ما يقال من تفاوت بين الصحابة في طريق إثبات السنّة بخبر الواحد، فكان أبو بكر وعمر لا يقبلان الحديث إلاّ بشهادة اثنين على سماعه، أمّا علي فكان يكتفي باستحلاف الراوي على سماع الحديث من الرسول، كما كان الصحابة يرفضون بعض الأحاديث لضعف الثقة بالراوي أو لعلمه بنسخ الحديث أو ما شابه ذلك، وأحيانا يتوقّفون في العمل وفق الحديث، لاُمور اقتضت ذلك.ويُذكر لهذا شواهد عدّة [١١٨].
وادّعى بعض وجود إجماع بين التابعين كذلك على حجّية خبر الواحد [١١٩].
وذهب البعض الآخر إلى أنَّ الاُمّة توارثت قبول قول الوكلاء والاُجراء وقول الناس في بيع الأملاك وإجاراتها ورهنها، وكذلك قبول الشهادات في عامّة الأحكام خصوصا الحدود والقصاص مع احتمال الكذب؛ وذلك لرجحان الصدق بسبب عدالة المخبر [١٢٠].
لكن رفض الشيخ الطوسي الإجماع المستدلّ به لاُمور:
منها: إنّ هذه الأخبار التي يبدو منها إثبات عمل الصحابة كلّها أخبار آحاد، مع أنّه يراد منها إثبات حجّية أخبار الآحاد.
ومنها: لو سلّمنا عمل الصحابة بهذه الأخبار فمن غير المسلّم به كونهم عملوا بها من باب كونها أخبار آحاد، فقد يكون هناك دليل أو قرينة تثبت لهم حجّية ما ورد في هذه الأخبار.
ومنها: على فرض تسليم عمل الصحابة بها لأجل كونها أخبار آحاد، فإنّ هذا لا يثبت إجماع الصحابة على العمل بها، فإنّ الفرض المسلّم به هنا هو عمل بعض الصحابة بها دون جميعهم [١٢١].
كما نوقش في الإجماع المزبور بأنَّ المحصَّل منه غير حاصل، والمنقول لا يمكن الاستدلال به، مع أنَّه معارض بذهاب المشهور على خلافه [١٢٢].
لكن همَّ الشيخ الأنصاري وغيره بتقريب الإجماع بوجوه، وتفصيل الكلام في الموضوع، وردّ بعض الوجوه وقبول الاُخرى.
بعض الوجوه يعود إلى الإجماع المحصَّل أو المنقول، من خلال تتبُّع كلمات العلماء في مجال خبر الآحاد ما إذا كانوا يقولون بحجّيته أم لا؟ أو يحكون الإجماع عن عموم العلماء، وبعضها يعود إلى الإجماع العملي، أي عمل المجتهدين في هذه المسألة الأصولية، وبعضها يعود إلى سيرة المتشرعة والعقلاء، والتقريب الأخير للإجماع موضع قبول أكثر الأصوليين بينما رفض جلّ الأصوليين وجود إجماع محصَّل [١٢٣].
الاستدلال بالسيرة
جلّ من تعرّض إلى دليل السيرة أدرجه ضمن دليل الإجماع ولم يفرد له عنوانا مستقلاً عن الإجماع؛ ويبدو ذلك لاعتباره دليلاً أو شاهدا على وجود إجماع على العمل بخبر الواحد أو كأحد الوجوه التقريبية لوجود الإجماع المفروض [١٢٤].
والأفضل التفريق بين السيرة والإجماع؛ باعتبار أنَّ الإجماع غير ثابت لدى الأكثر بينما السيرة يثبتها أكثر الأصوليين بنحو ما، فبعض يقول بعمل الصحابة بخبر الواحد، وبعض آخر يقول بعمل التابعين أو العلماء بخبر الواحد أو شيئا من هذا القبيل.
وتُصوَّر السيرة بنحوين:
الأوّل: السيرة العقلائية، أي عمل العقلاء بخبر الثقة في مقام تشخيص الوظيفة العملية، مع غضّ النظر عن منشأ سيرتهم ما إذا كانت عادة تصدر منهم أو بناءهم على حجّية خبر الثقة. ولو كانت هذه العادة مخالفة للشرع لكان عليه أن يردع عنها، وعدم الردع دليل على الصحّة والموافقة مع الشرع وعدم تفويت الأغراض بها [١٢٥].
الثاني: سيرة المتشرّعة، أي عمل صحابة الرسول وأصحاب الأئمة المعصومين عليهمالسلام وكذلك علماء الإسلام بأخبار الثقة، ولم يرد ردع عن الشارع تجاه هذه السيرة، مع أنّها كانت سيرة مستحكمة ومعتمدة من قبل جميع المسلمين وبمجمل مذاهبهم الفقهية، فمن المسلَّم به أنّ المسلمين صدر الإسلام لم يتلقّوا جميعهم الأحكام عن الرسول والأئمة مباشرة، بل عن ثقات سمعوها عن المعصوم، ويمكن أن تكون الروايات والأخبار التي يبدو منها جواز العمل بخبر الثقة إمضاءات من الشارع [١٢٦].
الاستدلال بالعقل
استدلَّ بالعقل على حجّية خبر الواحد بأنحاء مختلفة:
منها: إنّا نقطع ببقاء التكاليف إلى يوم القيامة، سيّما بالأصول الضرورية كالصلاة، والزكاة، والصوم، والحجّ، والمتاجر، والأنكحة ونحوها مع أنَّ جلّ أجزائها وشرائطها وموانعها وما يتعلّق بها يثبت بالخبر غير القطعي، بحيث نقطع بخروج هذه الأعمال عن حقائقها إذا تركنا الأجزاء والشرائط المزبورة الثابتة بأخبار الآحاد إذا ما تركنا العمل بهذه الأخبار [١٢٧].
أورد عليه اُمور نورد بعضها:
1 ـ إنَّ العلم الإجمالي حاصل بوجود الأجزاء والشرائط بين جميع الأخبار لا خصوص الأخبار المشروطة بما ذكره، فلازمه إمّا الاحتياط أو العمل بكلّ ما ظنّ صدوره ممّا دلّ على جزئية أو شرطية شيء.
2 ـ شأن العلم الإجمالي هو الاحتياط بالأخبار المثبتة للأجزاء والشرائط وما شابه فيما لم تقم حجّة معتبرة على النفي من قبيل عموم دليل أو إطلاقه، وليس شأنّه الحجّية بحيث يخصِّص أو يقيِّد بالمثبت من الروايات أو العمل بالنافي في قبال حجّة على الثبوت ولو كان أصلاً [١٢٨].
ومنها: إنّا نعلم بكوننا مكلّفين بالرجوع إلى الكتاب والسنّة إلى يوم القيامة، فإن تمكّنا من الرجوع إليهما على نحو يحصل العلم بالحكم أو ما بحكمه فلا بدَّ من الرجوع إليهما كذلك، وإلاّ فلا محيص عن الرجوع على نحو يحصل الظنّ به في الخروج عن عهدة هذا التكليف، فلو لم يتمكّن من القطع بالصدور أو الاعتبار فلا بدَّ من التنزُّل إلى الظنّبأحدهما [١٢٩].
وفي ردّ هذا الاستدلال اعتبره الشيخ الأنصاري عبارة اُخرى عن دليل الانسداد، وباشر بنقضه بناءً على ذلك [١٣٠].
ومنها: الاستدلال بالعقل من خلال تطبيق قواعد منجزية العلم الإجمالي، بدعوى أنَّ ملاحظة الروايات التي بصدد إثبات حجّية خبر الواحد تؤدّي إلى تكوّن علم إجمالي بمطابقة جملة منها مع الواقع، ومن غير المحتمل كون جميعها خلاف الواقع.
وبعبارة اُخرى: إنّ الكلام في الدليل العقلي ينحصر في مقامين:
الأوّل: أصل تنجيز العلم الإجمالي الناشئ من ملاحظة الروايات والاطمئنان بتطابق بعضها مع الواقع.
والثاني: في أنّ نتيجة هذا التنجيز هي نفس نتيجة الحجّية أم لا؟
لكن هناك نقاش في أصل تنجّز هكذا علم وكذلك في كون نتيجة هذا العلم الإجمالي هو حجّية خبر الواحد، فالشهيد الصدر بعد ما ينقل آراء عدّة من الأصوليين ويبدي ملاحظات على كلا المقامين يذهب في النهاية إلى عدم تمامية الدليل العقلي لإثبات حجّية خبر الواحد [١٣١].
ومنها: يعلم بصدور الكثير من الأخبار التي بأيدينا من المعصومين، بحيث تفي معظم الفقه، ولازم هذا لزوم العمل وفق جميع الأخبار المثبتة للتكاليف وجواز العمل وفق النافي منها فيما إذا لم يكن في المسألة أصل مثبت له من قاعدة الاشتغال أو الاستصحاب بناء على جريان هذا الأصل في أطراف ما علم إجمالاً بانتقاض الحالة السابقة في بعضها أو قيام أمارة معتبرة على انتقاضها فيه، وإلاَّ لاختصَّ عدم جواز العمل وفق النافي بما إذا كان على خلاف قاعدة الاشتغال.
ويرد عليه: بأنّ هذا الدليل لا يكاد ينهض على حجّية الخبر، بحيث يقدّم تخصيصا أو تقييدا أو ترجيحا على غيره من عموم أو إطلاق أو مثل مفهوم [١٣٢].
ومنها: إنَّ الخبر يحتمل الصدق والكذب، ووجود العدالة المشترطة في الراوي يرجّح جانب الصدق، ومن المفروض العمل بما ترجّح صدقه [١٣٣].
ومنها: كون عدم العمل بخبر الواحد يستلزم إلحاق الضرر بالمجتمع، فمن قبيل: إرشادات الطبيب ونصائح أهل الخبرة في الطرق وأخبارهم بوجود لصوص فيه وما شابه ذلك تعدُّ أخبار آحاد، وعدم العمل وفقها يستلزم إلحاق الضرر بالمجتمع [١٣٤].
وبعض هذه الوجوه تعود إلى دليل الانسداد، وهو دليل ذو مقدّمات مطوّلة ولا يؤمن به أكثر أصوليي الشيعة.
شبهات حول حجّية خبر الواحد
طرحت عدّة شبهات في مجال حجّية خبر الواحد:
الشبهة الاُولى
يبدو من الآيات الناهية عن العمل بالظنّ النهي عن العمل بخبر الثقة.
وهي من قبيل: «إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ» [١٣٥] و «إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئا» [١٣٦]. وقد تناقل هذه الشبهة الكثير من الاُصوليين حتّى القدماء منهم [١٣٧].
لكن تردُّ هذه الشبهة بوجوه:
الأوّل: ما ورد عن المحقّق النائيني بكون السيرة حاكمة على الأدلّة المزبورة؛ لأنّها تجعل الخبر حجّة، والحجّية معناها جعل الطريقية وكون الخبر علما، فيرتفع موضوع العمل بالظنّ هنا [١٣٨].
الثاني: ما ورد عن المحقّق الخراساني من استحالة رادعية الأدلّة المزبورة عن حجّية خبر الثقة؛ لأنّها تستلزم الدور، فإنَّ رادعيّة المطلقات عن السيرة فرع عدم تخصيص السيرة لها وإلاَّ لم يكن إطلاقها حجّة ليكون رادعا عن السيرة وعدم مخصِّصية السيرة فرع الرادعية فتوقّفت الرادعية على نفسها [١٣٩].
الثالث: إنَّ نفس انعقاد السيرة دليل على عدم شمولها لخبر الثقة، مضافا إلى وجود مناقشات في أصل دلالتها على النهي عن العمل بـ خبر الثقة [١٤٠].
وبرغم عدم خلوّ هذه الردود من المناقشات إلاّ أنَّ المهمّ في هذا المجال هو عدم ثبوت الرادع الشرعي عنها [١٤١].
الشبهة الثانية
تطرح في مجال الاستدلال بالسيرة شبهةٌ، وهي أنَّ السيرة دليل لبّي لا لسان له ليعرف ما إذا كان العمل مبنيا على أمارية وثاقة الراوي وحجّيته أو حصول اطمئنان شخصي من الروايات؟ وبناءً على الأخير يكون المستفاد من السيرة حجّية الاطمئنان والعلم العادي عموما، سواء كان حاصلاً من خبر الثقة أو من غيره. وعليه لا يمكن إثبات حجّية خبر الثقة بالسيرة ولإثباتها من خلال السيرة ينبغي نفي هذا الاحتمال.
ويقال في ردّ هذه الشبهة: إنَّ المسلَّم به من عمل أصحاب الأئمة بالروايات كونه اعتمد على أمارية وثاقة الراوي وحجّيتها لا على أساس حصول الاطمئنان الشخصي بصدورها؛ فإنّ حصول الاطمئنان الشخصي يعدُّ أمرا واهيا، فإنّ كثيرا من الروايات المعتمدة من قبلهم متعارضة أو أنَّ بعضا من الرواة قد لا يكونون بمستوى يوجب الاطمئنان التامّ برواياتهم، وكثير من الاُمور التي تكشف عن كون العمل بها من قبلهم لم ينشأ عن اطمئنانهم بها، بل عن أمارية الوثاقة فحسب.
هذا مع أنّه من غير المحتمل حصول الاطمئنان الشخصي لجميعهم بالروايات المفروضة [١٤٢].
لكنّ السيد الخوئي استظهر من دليل السيرة على حجية خبر الثقة كونها ناشئة عن الوثوق الشخصي أو النوعي بالخبر لا أمارية خبر الثقة [١٤٣].
ورتّب على هذا الرأي عدم جابرية الشهرة للخبر الضعيف؛ لأنَّ كلاهما غير حجّة فانضمام أحدهما للآخر لا يوجب الحجّية [١٤٤].
الشبهة الثالثة
إنّه لا إشكال في حجّية الأخبار المروية مباشرة عن المعصوم، مثل: رواية أحد الصحابة عن النبي(ص) أمّا رواية المحدِّثين اللاحقين، مثل: الكليني أو البخاري عن النبي فليست رواية مباشرة عن الرسول، والذهن ينصرف من حجّية الخبر أو النبأ إلى المباشر منه دون غير المباشر، ما يلزم وجود إشكالين فيها تمنع من القول بحجّيتها:
الأوّل: إنّ خبر الواسطة ليس أثرا شرعيا ولا حكما شرعيا وإنّما موضوع لأثر شرعي، وهذا الأثر الشرعي هو نفس حجّية الخبر، فيلزم اتّحاد الحكم مع الموضوع أو الشرط مع المشروط، فلا تشمل أدلّة حجّية الخبر للأخبار مع الواسطة.
الثاني: إنّ شمول أدلّة حجّية الخبر للأخبار مع الواسطة يلزم منه تأخُّر الموضوع عن حكمه؛ وذلك لأنَّ خبر الكليني ثابت بالوجدان أمّا خبر الراوي المباشر فغير ثابت بالوجدان، بل ثبت بالتعبُّد، ومتوقّف على ثبوت حجّية خبر الكليني، فكيف يعقل أن تكون هذه الحجّية حكما لخبر الراوي المباشر فيلزم من ذلك تقدُّم الحكم على الموضوع، ويكون في طول الحكم، وهو حجّية الخبر الثابتة لخبر الكليني.
وقد اُجيب عن هذه الشبهة بعدّة أجوبة:
منها: إنّ الشبهة تعتمد مبدأً خاطئا وهو كون مفاد دليل حجّية خبر الواحد ثبوت حجّية واحدة، بينما هذا أمر لا واقع موضوعيا له، بل مفاد الدليل هو انحلال الحجّية بانحلال الأفراد في الخارج مع غضّ النظر عمّا يكون الدليل من آية أو رواية أو سيرة؛ لأنّ مفاد الدليل إذا كان مثل مفهوم: آية النبأ فهو قضية حقيقية تنحلّ بانحلال أفراد الموضوع فيها، وإذا كان مثل السيرة فإنّها لا تفرّق بين كون الخبر مع الواسطة أو دونها.
ومنها: حتّى مع فرض كون دليل الحجّية غير شامل للأخبار مع الواسطة على فرض كون الواسطة ملحوظة بنحو الموضوعية والاستقلال، فإنَّه يمكن لحاظ مجموع السلسلة الطولية خبرا واحدا، بحيث يكون كلّ واسطة جزء الموضوع لا تمامه، والموضوع هو كلّ السلسلة، وقول المعصوم حكمه لهذا الموضوع وأثر شرعي له.
ويقرّب هذا بنحوين:
1 ـ لا فرق في حجّية أخبار الثقة بين أن يكون المخبر به تمام الموضوع للحكم الشرعي أو جزءه شريطة أن يكون الجزء الآخر محرزا بالوجدان أو بالتعبُّد؛ فكلٌّ من الوسائط بمثابة الجزء للموضوع.
2 ـ إنّ إخبار الواسطة مثل: الكليني إخبار عن صدور الخبر عن المعصوم بالالتزام على تقدير عدم كذب الراوي المباشر، وحينئذٍ يمكن تطبيق دليل الحجّية على خبرالكليني بلحاظ هذا الأثر الشرعي لا بلحاظ حجّية خبر الراوي المباشر لئلاّ يلزم أحد المحاذير المتقدّمة.
وهناك ردود ونقاشات اُخرى في الموضوع [١٤٥].
ج ـ شروط الأخذ بخبر الواحد
المورد الآخر من موارد الاختلاف بين الأصوليين هو شروط الأخذ بخبر الواحد، حيث وردت عن العلماء والمذاهب الفقهية شرائط متعدّدة للعمل به اختلف فيها حسب المدرسة المعتمدة لدى كلٍّ منهم.
اعتبر بعضها في المخبِر أو الراوي، واُخرى في المخبَر عنه، أي المدلول، وثالثة في الخبر ذاته، أي ألفاظه [١٤٦].
شروط الراوي
ورد عن البعض شروطا للمخبِر أو الراوي، هي:
1 ـ البلوغ، فرواية الصبي مرفوضة أصلاً، لكن استثني من ذلك ما إذا كان الطفل مميزا عند التحمُّل وبالغا عند الأداء [١٤٧].
2 ـ العقل، [١٤٨] فلا تقبل رواية المجنون.
وفي هذا المجال اشترط بعض التكليف [١٤٩]. وبذلك يكون الشرط شاملاً للبلوغ والعقل معا.
3 ـ الضبط، فلا وثوق برواية غير المميّز أو المغفَّل الذي لا يحسن الضبط.
4 ـ الإسلام، فلا تقبل رواية الكافر وإن قبلت في بعض موارد الشهادة [١٥٠].
5 ـ العدالة، وذلك بناءً على ما ورد في الآية من زجر الاعتماد على قول الفاسق في قوله تعالى: «إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا» [١٥١]. والتي تفيد عدم حجّية خبر الفاسق [١٥٢]، وقد تقدّم الاختلاف في المراد بالفسق في الآية.
6 ـ ألاّ يعمل الراوي بخلاف ما يرويه؛ لأنَّ عدم العمل يمثِّل نسخا للرواية، ومن هذا القبيل لم يعمل برواية أبي هريرة التي ورد فيها: «إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا إحداهنّ بالتراب» [١٥٣]؛ لأنَّه عمليا كان يكتفي بالغسل ثلاثا كما روى الدارقطني [١٥٤].
7 ـ ألاَّ يكون الحديث مخالفا للقياس والأصول الشرعية إذا كان الراوي غير فقيه، ولذلك لم يعمل بحديث أبي هريرة الذي ورد فيه: «لا تصرّوا الإبل والغنم، فمن ابتاعها بعد فهو بخير النظرين، بعد أن يحلبها، إن شاء أمسك، وإن شاء ردّها وصاعا من تمر» [١٥٥].
فيذهب القائلون بهذا الشرط إلى أنّ ردّ صاع من تمر بدل اللبن مخالف للقياس وقواعد الشريعة، التي تقتضي ردّ المثل بالمثليّات والقيمة في القيميات.
والشرطان الأخيران وردا عن الحنفية، ولا يبعد اختصاصهما بهم [١٥٦].
8 ـ أن يكون عاقلاً لما يحدّث فاهما له، بحيث يستطيع أداء الحديث بحروفه وألفاظه.
والشرط الأخير اشترطه الشافعي [١٥٧] وأتباعه من الشافعية [١٥٨].
وجعل البعض الضابط في اشتراط الاُمور المذكورة هو أن تؤدّي المواصفات المذكورة إلى ترجيح الاعتقاد بصدقهعلى الاعتقاد بكذبه [١٥٩].
ويبدو أنَّ جلَّ أصوليي الشيعة رحّلوا البحث في شروط الراوي إلى علم الحديث والدراية [١٦٠].
وهناك شروط شكّك في اعتبارها ولم ترد عن الأكثر، من قبيل: عدد الرواة وأنّه لا بدّ أن يكون أكثر من واحد، أو من قبيل: كون الراوي معروف النسب [١٦١].
شرط المخبَر عنه
الشروط العائدة إلى المخبر عنه عبارة عن:
1 ـ ألاّ يعارضه دليل قاطع سمعي من كتاب أو سنّة أو إجماع أو دليل عقلي [١٦٢].
2 ـ ألاَّ يكون موضوع الحديث ممّا تعمُّ به البلوى، والناس بحاجة إلى بيانه، فإنّ موضوعا من هذا القبيل يستدعي النقل بنحو الشهرة و التواتر، ولهذا لم يعمل بخبر رفع اليدين عند الركوع في الصلاة [١٦٣]؛ لأنّ موضوعه ممّا تعمّ به البلوى ولم ينقل بنحو الشهرة أو التواتر.
وقد ورد هذا الشرط عن الحنفية [١٦٤].
3 ـ ألاّ يكون الخبر مخالفا لعمل أهل المدينة، وهو ما اشترطه مالك [١٦٥]؛ باعتبار أنَّ عمل أهل المدينة بمثابة رواية عن الرسول، مع أنَّ أهل المدينة أدرى الناس بالرسول وأحواله، ولهذا ردّ المالكية حديث خيار المجلس: «البيّعان بالخيار ما لم يتفرّقا، فإن صدقا وبيّنا بورك لما في بيعهما، وإن كذبا وكتما مُحقت بركة بيعهما» [١٦٦].
وهذا الشرط خاصّ بالمالكية الذين يرون حجّية عمل أهل المدينة.
4 ـ ألاَّ يكون الخبر مخالفا لحديث أهل العلم بالحديث.
وهذا الشرط اشترطه الشافعي[١٦٧] وأتباعه من الشافعية[١٦٨].
واشترط بعض الشيعة اُمورا خاصّة:
منها: وجود الخبر في الكتب المعتمدة لدى الشيعة كالكافي ومن لا يحضره الفقه والتهذيب وغيرها.
ومنها: عمل جمع من الشيعة بالخبر من دون أن يكون عليه ردّ واضح.
ومنها: ألاّ يتعارض مع خبر أقوى [١٦٩]. والشرط الأخير ورد عن بعض الأخبارية كذلك [١٧٠].
شروط الإخبار
أمّا الشروط العائدة إلى الإخبار أو الخبر فهي أن يكون الإخبار بأحد الألفاظ والمراتب التي ذكرت من قبل الأصوليين وعلماء الاصطلاح والدراية، من قبيل: «سمعت» أو «قال الرسول» أو «أمر الرسول» أو «أمرنا بكذا» أو «من السنّة» أو «عن النبي» أو «كنّا نفعل» أو ما شابه [١٧١].
د ـ مقدار الحجّية الثابتة للخبر
من الموارد المختلف فيها بين الأصوليين هو مقدار الحجّية الثابتة للخبر، فبناءً على ما تقدّم من الشروط، فإنّ المجتهد يحدّد مقدار ما يثبت بالخبر وفقا لما يعتقد به من شؤون ينبغي توافرها في الخبر، وبذلك تتحدّد دائرة ونطاق الأخذ بالخبر وفق الشروط التي تتوافر فيه.
ويذهب البعض إلى عدم وجود جدوى في البحث عن الشروط؛ باعتبار أنّ المقياس والمدار في الحجّية هو الوثاقة والاطمئنان بعدم كذب الراوي، وهو مقتضى ما يدلُّ عليه بناء العقلاء وبعض الأدلّة اللفظية الماضي ذكرها، فمتى ما حصل الوثوق والاطمئنان حصلت الحجّية، وتنتفي متى ما انتفيا [١٧٢].
وأرجع الشهيد الصدر دائرة حجّية خبر الواحد إلى الدليل الذي يعتمده المجتهد في إثبات حجّية هذا الصنف من الأخبار.
فإذا كان الدليل مثل: آية النفر والكتمان، فمقتضاهما حجّية مطلق الخبر إلاَّ ما خرج بدليل خاصّ، والدليل الخاصّ هنا هو عدم حجّية خبر الفاسق، كما هو منطوق آية النبأ.
وإذا كان دليل الحجّية هو مفهوم آية النبأ، فالنتيجة نفس نتيجة ما إذا كان المدرك، والدليل هو آية النفر والكتمان، لكن يبقى تفسير الفسق هنا ما إذا كان المراد به الفسق الشرعي أو الخبري (أي غير الثقة) فإذا كان الشرعي فلا يقال بحجّية غير العادل من الثقات؛ لأنّه لا دليل على حجّية الخبر غير نفس الآية.
وإذا كان دليل الحجّية السنّة و السيرة فيكون الفاسق الخبري خارجا عن موضوع الحجّية؛ لأنَّ المركوز في سيرة العقلاء عدم حجّية أخبار الكاذب، فهي غير شاملة لأخبار الكاذب أصلاً، ولو فرضنا الشمول فإنَّ آية النبأ والأخبار الواردة في التحذير من العمل بأخبار الوضّاعين والكذّابين وغير الثقات كافية في الردع عن إطلاق السيرة. وكذلك الحال في سيرة المتشرعة، حيث إنّها منعقدة على العمل بخصوص أخبار الثقات [١٧٣].
هـ ـ نطاق العمل بالخبر
والمورد الآخر من موارد الاختلاف هو نطاق العمل بالخبر. فلا شكّ في سعة نطاق العمل بالخبر، باعتباره كاشفا عن السنّة التي تشكّل المصدر الثاني للتشريع الديني، فمجال التمسّك به بسعة مجال العلوم الدينية عموما، سواء كانت أصول العقائد أو الفقه أو التفسير أوغير ذلك. وهناك نماذج من موارد النقاش الوارد عن الأصوليين في مجال العمل بالخبر، ليثبت مدى سعة نطاق العمل به وتأثيره على آراء العلماء في مختلف المجالات، نوردها كما يلي:
أصول العقائد
يذكر عدم الاختلاف بإمكان إثبات أصول العقائد بالخبر المتواتر؛ باعتباره دليلاً قطعيا، لكن اختلف العلماء في نطاق ومقدار ما يثبت بخبر الواحد. وقد وردت عنهم آراء مختلفة.
منع بعض المتكلّمين التمسّك بأخبار الآحاد لإثبات العقيدة؛ باعتبار لزوم كون الطريق إلى إثبات العقائد قطعيا، وخبر الآحاد ظنّيّا، لكن يرى بعض آخر مثل الزركشي جواز ثبوتها بالآحاد، ولذلك يمكن إثبات المعجزات بها [١٧٤].
ونسب العلامة الحلي إلى الأخبارية أنّهم يعوّلون على أخبار الآحاد في أصول الدين وفروعه [١٧٥].
وهو غير بعيد، فإنّ الأمين الإسترابادي (أحد زعماء الأخبارية) عندما يورد هذا الكلام لم يرفضه بصراحة [١٧٦] بينما أفرد بحثا تحت عنوان (في بيان انحصار مدرك ما ليس من ضروريات الدين من المسائل الشرعية أصلية كانت أو فرعية في السماع عن الصادقين) ويستدلّ عليه باُمور ...[١٧٧].
ومن الواضح أنَّه ليس كلّ ما ورد عن الصادقين متواترا، بل أكثره خبر آحاد.
إثبات أسماء اللّه
اختلف في إثبات أسماء اللّه بخبر الواحد، فبعض قال بثبوتها به؛ لأنّها كسائر الأحكام الشرعية، وبعض آخر قال بعدم ثبوتها؛ لأنّ شأنها شأن أصل الصفات في لزوم وجود دليل قاطع عليها [١٧٨].
و ـ النسخ بالخبر
من موارد الاختلاف هو إمكانية النسخ بخبر الواحد يذكر أنّ هناك إجماعا على جواز نسخ الكتاب بـ الخبر المتواتر رغم أنّ الشافعي ادّعى عدم وقوعه [١٧٩].
كما أنّ هناك إجماعا على أنّ خبر الواحد لا ينسخ القرآن؛ لأنَّ الناسخ لا بدّ أن يكون أقوى من المنسوخ أو مثله؛ والخبر الواحد ليس مثل القرآن [١٨٠]. ونسب هذا القول إلى عموم المسلمين من الشيعة والسنّة [١٨١]، لكن حكي الخلاف عن أكثر من واحد [١٨٢].
ويذهب البعض إلى جواز نسخ القرآن بالآحاد عقلاً لعدم امتناعه واستحالته، لكن لا يجوز شرعا، إلاّ أنّ قوما من أهل الظاهر جوّز ذلك.
ونسب إلى طائفة اُخرى قولهم بجواز ذلك في زمن النبي(ص) لا بعده؛ بدليل أنّ أهل قبا قبلوا خبر الواحد في نسخ القبلة، مع أنّ الرسول كان يبعث آحاد الصحابة أطراف دار الإسلام فينقلون الناسخ والمنسوخ [١٨٣].
أمّا نسخ السنّة المتواترة بخبر الواحد، فإنّ الكثير قد منعه [١٨٤]، لكن يذهب الآمدي إلى اتّفاق العلماء على جوازه عقلاً لكنّهم اختلفوا في وقوعه سمعا [١٨٥]. ويذهب المحقق الحلي إلى أنّ الأكثر منعه وقال به البعض، مثل أهل الظاهر [١٨٦].
الإجماع المنقول
ذهب البعض إلى عدم ثبوت الإجماع المنقول بخبر الواحد، وبرّر الغزالي ذلك بأنَّ الإجماع دليل قاطع يحكم به على الكتاب والسنّة المتواترة، وخبر الواحد لا يقطع به، فيكون دون مستوى الأدلّة المزبورة [١٨٧].
كما برّر بعض آخر عدم ثبوت الإجماع به بأنّ الإجماع أصل من أصول الدين، لكنّ ردّ بأنَّ السنّة تثبت بخبر الواحد، وهي من أصول الدين فكيف لا يثبت الإجماع به؟[١٨٨]
التخصيص بالخبر
أجمع العلماء على إمكان تخصيص أخبار السنّة المتواترة بالمتواترة، لكن حكي عن داوود، بأنّ الخبرين يتعارضان ولا يبنى أحدهما على الآخر [١٨٩].
كما أنّه لا خلاف في إمكان تخصيص الكتاب بـ الخبر المتواتر [١٩٠].
وفي تخصيص الكتاب والسنّة المتواترة بخبر الواحد مذاهب، أهمّها القولان التاليان:
الأوّل: الجواز مطلقا، وهو المنقول عن الأئمة الأربعة وأكثر أهل السنة [١٩١] والشيعة [١٩٢]، بل نسب إلى الجمهور [١٩٣].
واستدلّ عليه باُمور:
منها: سيرة الأصحاب في العمل بخبر الآحاد في قبال عمومات القرآن، ولا يمنع ذلك قطعية صدور الكتاب وظنّية صدور الخبر؛ لأنّ هذا جارٍ في الخبر المتواتر كذلك.
ومنها: كون الجمع بخبر الواحد جمعا عرفيا يشهد بصحّته العرب، ولا يعتبرونه تعارضا [١٩٤].
الثاني: المنع مطلقا، نقل هذا الرأي عن طائفة من المتكلّمين والفقهاء [١٩٥]. وذهب إليه بعض الحنابلة، وحكى هذا القول الغزالي عن المعتزلة [١٩٦]، وذهب إليه الشيخ الطوسي [١٩٧].
وقد استدلّ عليه باُمور:
منها: إنّ المخصِّص مخالف للكتاب، وما خالف الكتاب ينبغي ردّه، وفق أحاديث العرض على الكتاب.
لكن يردّ بأنّ المراد من المخالفة هنا هي المخالفة على نحو التباين، وإلاّ هناك الكثير من الاُمور التي أخذناها من السنّة مخالفة للكتاب باعتبارها غير مذكورة فيه أصلاً.
ومنها: إنّ الكتاب مقطوع به والخبر مظنون به، ولا يمكن تخصيص المقطوع به بالمظنون به.
وردّ هذا بأنّه رغم قطعية صدور الكتاب إلاّ أنَّ دلالته ظنّية، فيتساوى في هذا الباب مع الخبر.
ومنها: لو جاز التخصيص بخبر الواحد لجاز النسخ.
وردّ هذا أيضا بأنّ هذا هو المفروض لولا الإجماع المانع منه [١٩٨].
الثالث: التوقّف، ذهب إليه البعض مثل المحقّق التوني [١٩٩].
وهناك أقوال تفصيلية اُخرى [٢٠٠].
الأحكام العملية
ورد عن البعض: يقبل خبر الواحد في جميع الأحكام حتّى العقوبات والكفارات؛ وذلك بدليل أنَّ ما استلزم قبولنا خبر الواحد موجود في جميع الأحكام، ولا اختصاص بحكم دون آخر [٢٠١].
وورد عن السيّد الخوانساري: إنَّ اعتبار خبر الواحد في الدماء لا يخلو من إشكال؛ باعتبار أنّ العقلاء لايكتفون في الدماء بخبر الثقة بينما يكتفون به في غيرها، فسيرة العقلاء غير قائمة هنا [٢٠٢].
وورد عن بعض آخر: لا يقبل خبر الواحد في باب الحدود و القصاص؛ لأنّ في خبر الواحد شبهة الغلط وشبهة الكذب فلم يثبت كونه خبرا عن رسول اللّه(ص) بنحو القطع بل مع الشبهة، مع أنّه ورد عن الرسول قوله: «ادرؤوا الحدود بالشبهات» [٢٠٣].
فالشهادة حجّة في الأظهار، أمّا وجوب الحدود في الجملة فيثبت بدليل مقطوع به. ووجوب الحدّ هنا في حقّ من لم يثبت في حقّه بالكتاب فلايمكن إيجاب الحد ابتداءً مع الشبهة.
لكن رُدّ بأنّه على فرض شمول الحديث للمورد، فإنّه مخصَّص في الإثبات في الشهادات باعتبار الحاجة إلى الحدود لأجل دفع الفساد عن العالم، وليس لها طريق إلاّ البينة أو الإقرار، والأخير نادر، فلا بدّ أن يكون الطريق الآخر حجّة [٢٠٤].
المصادر
- ↑ . ترتيب جمهرة اللغة 1: 485 مادّة «خبر».
- ↑ . تهذيب اللغة 7: 157 مادّة «خبر».
- ↑ . لسان العرب 1: 1023 مادّة «خبر».
- ↑ . مبادئ الوصول: 198، اُنظر: المحصول 2: 104.
- ↑ . أنيس المجتهدين 1: 203 ـ 208.
- ↑ . البرهان 1: 215، العدّة الطوسي 1: 63.
- ↑ . ميزان الاُصول 2: 625.
- ↑ . الإحكام الآمدي 1 ـ 2: 253.
- ↑ . نهاية الدراية: 83.
- ↑ . الفصول الغروية: 266، رسائل في دراية الحديث 2: 287، اُصول الحديث وأحكامه السبحاني: 19.
- ↑ . الفصول الغروية: 266، نهاية الدراية: 83، علوم الحديث صبحي الصالح: 11.
- ↑ . تدريب الراوي السيوطي 1: 52، الفوائد الرجالية (الكجوري): 180 ـ 181.
- ↑ . مجمع البحرين 1: 199.
- ↑ . وصول الأخيار: 88، حواشي الشرواني 4: 87.
- ↑ . المجموع شرح المهذب 19: 130.
- ↑ . الوجيزة ضمن الحبل المتين 1: 17، اُصول الحديث وأحكامه (السبحاني): 20.
- ↑ . الرعاية لحال البداية في علم الدراية: 28، الرواشح السماوية: 67.
- ↑ . القوانين المحكمة: 2: 338، وسيلة الوصول إلى حقائق الاُصول 1: 531، اُصول الفقه المظفر 3 ـ 4: 64.
- ↑ . اُصول الفقه الإسلامي الزحيلي 1: 449.
- ↑ . علوم الحديث ابن الصلاح: 7 ـ 8، الاقتراح في بيان الاصطلاح (ابن دقيق العيد): 152 ـ 237، الرعاية لحال البداية: 66 ـ 90 و 164 ـ 173، الرواشح السماوية: 71 ـ 74، اُصول الحديث وأحكامه (السبحاني): 23 ـ 40.
- ↑ . العدّة الطوسي 1: 70.
- ↑ . اُنظر: اُصول الفقه المظفر 3 ـ 4: 71، الاُصول العامّة للفقه المقارن: 188.
- ↑ . البرهان 1: 216 ـ 222، المحصول الرازي 2: 108 ـ 134، الإحكام (الآمدي) 1 ـ 2: 258 ـ 272، ميزان الاُصول 2: 628 ـ 633، المسوّدة: 210 ـ 214، البحر المحيط 4: 238، بحوث في علم الاُصول 4: 327 ـ 338.
- ↑ . ميزان الاُصول 2: 633، اُصول الفقه الإسلامي الزحيلي 1: 453.
- ↑ . ميزان الاُصول 2: 633.
- ↑ . البحر المحيط 4: 249.
- ↑ . الإحكام الآمدي 1 ـ 2: 274، الفصول الغروية: 271.
- ↑ . البحر المحيط 4: 251.
- ↑ . اُصول الفقه المظفر 3 ـ 4: 168، الاُصول العامّة للفقه المقارن: 211.
- ↑ . اُصول الحديث الفضلي: 99.
- ↑ . الاُصول العامّة للفقه المقارن: 210، نهاية الاُصول: 487.
- ↑ . ميزان الاُصول 2: 633 ـ 635.
- ↑ . تقريرات المجدد الشيرازي 4: 302، منتهى الاُصول 2: 612، زبدة الاُصول الروحاني 4: 358، اُصول الفقه (المظفر) 3 ـ 4: 168.
- ↑ . مصباح الاُصول 2: 141.
- ↑ . الرسالة: 369 و 461، كتاب المجروحين ابن حبّان 1: 17، الكاشف في معرفة من له رواية في كتب السنّة 1: 51.
- ↑ . الإحكام الآمدي 1 ـ 2: 274.
- ↑ . البحر المحيط 4: 255.
- ↑ . إرشاد الفحول 1: 200، اُصول الفقه الخضري بك: 215.
- ↑ . الإحكام ابن حزم 1: 112، التبصرة في اُصول الفقه: 298.
- ↑ . المعتمد 2: 92، العدّة الطوسي 1: 97، الإحكام (الآمدي) 1 ـ 2: 274 ـ 280.
- ↑ . البرهان 1: 231.
- ↑ . العدّة الطوسي 1: 100 ـ 102، الذريعة 2: 517 ـ 519.
- ↑ . المعتمد 2: 106، العدّة الطوسي 1: 97 ـ 100، البحر المحيط 4: 259 ـ 260.
- ↑ . الإحكام ابن حزم 1: 112.
- ↑ . التبصرة: 303، شرح اللمع 2: 583.
- ↑ . الإحكام الآمدي 1 ـ 2: 285.
- ↑ . الذريعة 2: 522 ـ 524، اُنظر: شرح اللمع 2: 584 ـ 587، الإحكام الآمدي 1 ـ 2: 300 ـ 303.
- ↑ . الذريعة 2: 524 ـ 528، العدّة الطوسي 1: 103 ـ 105، المستصفى 1: 173 ـ 174.
- ↑ . الذريعة 2: 519 و 528 ـ 554، رسائل الشريف المرتضى 3: 309.
- ↑ . شرح اللمع 2: 587، الإحكام الآمدي 1 ـ 2: 288، المسودة: 214.
- ↑ . المهذب القاضي 2: 598.
- ↑ . غنية النزوع 2: 356.
- ↑ . السرائر مقدّمة المؤلّف 1: 47.
- ↑ . كفاية الاُصول: 294.
- ↑ . الذريعة 2: 519 و 528 ـ 554، رسائل الشريف المرتضى 3: 309.
- ↑ . غنية النزوع 2: 356 ـ 364.
- ↑ . اُنظر: شرح اللمع 2: 587 ـ 603.
- ↑ . كفاية الاُصول: 294 ـ 295.
- ↑ . الإسراء: 36.
- ↑ . النساء: 157.
- ↑ . الأنعام: 116 و 148، يونس: 36، النجم: 28.
- ↑ . وسائل الشيعة 27: 110، كتاب القضاء، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، حديث 11.
- ↑ . رسائل الشريف المرتضى 1: 24.
- ↑ . كفاية الاُصول: 296.
- ↑ . أجود التقريرات 3: 180.
- ↑ . فرائد الاُصول 1: 242 ـ 253، فوائد الاُصول 3: 160 ـ 164، مصباح الاُصول 2: 173 ـ 179، بحوث في علم الاُصول الهاشمي 4: 340 ـ 344.
- ↑ . شرح اللمع 2: 583، ميزان الاُصول 2: 663، المسوّدة: 214، الاُصول العامّة للفقه المقارن: 198.
- ↑ . الاُصول العامّة للفقه المقارن: 198.
- ↑ . الحجرات: 6.
- ↑ . المعتمد 2: 116 ـ 117، العدّة أبو يعلى 2: 74، المحصول 2: 179 ـ 180.
- ↑ . فرائد الاُصول 1: 180 ـ 183، مصباح الاُصول 2: 152 ـ 156.
- ↑ . فرائد الاُصول 1: 254، فوائد الاُصول 3: 165 ـ 168.
- ↑ . بحوث في علم الاُصول الهاشمي 4: 344 ـ 363.
- ↑ . كفاية الاُصول: 296 ـ 297، فوائد الاُصول 3: 164 ـ 165.
- ↑ . مصباح الاُصول 2: 153 ـ 156، تهذيب الاُصول 2: 108 ـ 118، المباحث الاُصولية 8: 227 ـ 289، بحوث في علم الاُصول الهاشمي 4: 344 ـ 363.
- ↑ . المباحث الاُصولية 8: 256 فما بعدها.
- ↑ . مسالك الأفهام 3: 387.
- ↑ . كفاية الأحكام 2: 370، الحدائق الناضرة 19: 438 و 25: 352، العروة الوثقى 6: 146، وسائل الشيعة 30: 260 ـ 261.
- ↑ . الحدائق الناضرة 19: 438، تحريرات في الاُصول 6: 448 ـ 449.
- ↑ . مصباح الاُصول 2: 240.
- ↑ . أجود التقريرات 3: 191.
- ↑ . التوبة: 122.
- ↑ . كتاب الخصال الصدوق 1 ـ 2: 541 باب الأربعين.
- ↑ . الأربعون حديثا البهائي: 71، ح 1.
- ↑ . فرائد الاُصول 1: 286.
- ↑ . المعتمد 2: 110 ـ 116، المحصول 2: 171 ـ 179، العدّة أبو يعلى 2: 73 ـ 74، فرائد الاُصول 1: 277 ـ 287، كفاية الاُصول: 298 ـ 299، مصباح الاُصول 2: 183 ـ 187، المباحث الاُصولية 8: 311 ـ 345، بحوث في علم الاُصول (الهاشمي) 4: 374 ـ 381.
- ↑ . البقرة: 159.
- ↑ . المعتمد 2: 118، فرائد الاُصول 1: 287 ـ 288، مصباح الاُصول 2: 187 ـ 190، أنوار الاُصول 2: 413 ـ 414، بحوث في علم الاُصول الهاشمي 4: 381 ـ 383.
- ↑ . النحل: 43.
- ↑ . مصباح الاُصول 2: 189، المباحث الاُصولية 8: 350 ـ 353، المحكم في اُصول الفقه 3: 253 ـ 255.
- ↑ . التوبة: 61.
- ↑ . البقرة: 143.
- ↑ . النساء: 135.
- ↑ . اُنظر: المعتمد في اُصول الفقه 2: 117 ـ 119، فرائد الاُصول 1: 291 ـ 296، مصباح الاُصول 2: 190 ـ 191.
- ↑ . بحوث في علم الاُصول الهاشمي 4: 385 ـ 395.
- ↑ . الأصول العامّة للفقه المقارن: 202 ـ 203.
- ↑ . وسائل الشيعة 27: 143، باب وجوب الرجوع في القضاء والفتوى إلى رواة الحديث، ح19.
- ↑ . كمال الدين وتمام النعمة: 484، باب 45، ح4.
- ↑ . الكافي 1: 49، باب النوادر، ح7.
- ↑ . من لا يحضره الفقيه 4: 264، باب النوادر.
- ↑ . اُنظر: وسائل الشيعة 27: 106، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، أحاديث الباب.
- ↑ . الغيبة الطوسي: 389 ـ 390، ح 355، وسائل الشيعة 27: 102، باب 8، ح 79.
- ↑ . كفاية الاُصول: 301، المحكم في اُصول الفقه 3: 258 ـ 266، أنوار الاُصول 2: 417 ـ 421.
- ↑ . المعتمد 2: 120 ـ 122، المحصول 2: 180.
- ↑ . مصباح الاُصول 2: 193 ـ 194، المباحث الاُصولية 8: 357 ـ 368.
- ↑ . كفاية الاُصول: 302.
- ↑ . بحوث في علم الاُصول الهاشمي 4: 384 ـ 385.
- ↑ . الكافي كتاب الحجّة باب في تسمية من رآه عليهالسلام 1: 330، ح 1.
- ↑ . الكافي 1: 330، ح 1.
- ↑ . بحوث في علم الاُصول الهاشمي 4: 389 ـ 395.
- ↑ . العدّة الطوسي 1: 126.
- ↑ . البرهان 1 ـ 2: 229، المحصول 2: 180.
- ↑ . سنن أبو داوود 4: 191، ح 4572 و 4573، باب دية الجنين، سنن ابن ماجة 2: 882 كتاب الديات، باب دية الجنين، ح 2641.
- ↑ . سنن أبي داوود 4: 191، كتاب الديات، ح 4572.
- ↑ . كتاب المسند الشافعي: 159.
- ↑ . المعتمد 2: 113 ـ 116، اللمع: 155 ـ 157، التبصرة: 305 ـ 306، المستصفى 1: 175 ـ 176.
- ↑ . الإحكام الآمدي 1 ـ 2: 297.
- ↑ . البرهان 1: 232 ـ 233، اُصول الفقه الإسلامي الزحيلي 1: 465 ـ 467.
- ↑ . إرشاد الفحول 1: 202 ـ 203.
- ↑ . ميزان الاُصول 2: 665.
- ↑ . العدّة الطوسي 1: 114 ـ 126.
- ↑ . كفاية الاُصول: 302.
- ↑ . فرائد الاُصول 1: 311 ـ 350، فوائد الاُصول 3: 191 ـ 195، مصباح الاُصول 2: 195 ـ 197.
- ↑ . كفاية الاُصول: 302، بحوث في علم الاُصول الهاشمي 4: 395.
- ↑ . بحوث في علم الاُصول 4: 396.
- ↑ . فوائد الاُصول 3: 195.
- ↑ . الوافية: 159.
- ↑ . فرائد الاُصول 1: 360 ـ 361، كفاية الاُصول: 305 ـ 306.
- ↑ . هداية المسترشدين 3: 373.
- ↑ . فرائد الاُصول 1: 363 ـ 366.
- ↑ . بحوث في علم الاُصول الهاشمي 4: 409 ـ 421.
- ↑ . كفاية الاُصول: 305.
- ↑ . اُصول الفقه الإسلامي الزحيلي 1: 469.
- ↑ . المحصول 2: 191، ميزان الاُصول 2: 665 ـ 669.
- ↑ . الأنعام: 116.
- ↑ . يونس: 36.
- ↑ . المعتمد 2: 124 ـ 126، العدّة أبو يعلى 2: 79 ـ 80، العدّة (الطوسي) 1: 102.
- ↑ . فوائد الاُصول 3: 195.
- ↑ . كفاية الاُصول: 303.
- ↑ . مصباح الاُصول 2: 197 ـ 200، بحوث في علم الاُصول الهاشمي 4: 396 ـ 398.
- ↑ . بحوث في علم الاُصول الهاشمي 4: 398 ـ 409، أنوار الاُصول 2: 423.
- ↑ . بحوث في علم الاُصول الهاشمي 4: 423، أنوار الاُصول 2: 421 ـ 422.
- ↑ . مصباح الاُصول 2: 196 و 241.
- ↑ . المصدر السابق: 201 ـ 202.
- ↑ . فرائد الاُصول 1: 265 ـ 270، مصباح الاُصول 2: 179 ـ 183، المباحث الاُصولية 8: 289 ـ 308.
- ↑ . المحصول 2: 193، إرشاد الفحول 1: 204.
- ↑ . المستصفى 1: 184.
- ↑ . البرهان 1: 233.
- ↑ . المحصول 2: 194، إرشاد الفحول 1: 204.
- ↑ . الإحكام الآمدي 1 ـ 2: 305.
- ↑ . الحجرات: 6.
- ↑ . اُنظر: الرسالة: 370 ـ 371، المستصفى 1: 183 ـ 186، البرهان 1: 233، ميزان الاُصول 2: 639 ـ 641، الفوائد المدنية: 167.
- ↑ . مسند أحمد 2: 500.
- ↑ . سنن الدارقطني 1: 66، باب ولوغ الكلب، ح 16 و 17.
- ↑ . صحيح البخاري 3 ـ 4: 150، كتاب البيوع، باب 242، ح 397.
- ↑ . اُصول الفقه الإسلامي الزحيلي 1: 470 ـ 471.
- ↑ . الرسالة: 370 ـ 371.
- ↑ . اُصول الشاشي: 195، الإحكام الآمدي 1 ـ 2: 304، اللمع: 161 ـ 163، اُصول الفقه (الزحيلي) 1: 472.
- ↑ . المحصول 2: 193.
- ↑ . الرعاية لحال البداية: 37 ـ 39، نهاية الدراية الصدر: 445، فما بعدها، اُصول الحديث وأحكامه (السبحاني): 131 ـ 135.
- ↑ . المحصول 2: 204 ـ 210.
- ↑ . المحصول 2: 210 ـ 211، ميزان الاُصول 2: 641، كتاب الكفاية في علم الرواية البغدادي : 432.
- ↑ . سنن الدارمي 1: 285، باب التكبير عند كلّ خفض ورفع، السنن الكبرى البيهقي 2: 67 ـ 68، (باب التكبير للركوع وغيره).
- ↑ . المجموع النووي 5: 265، اُصول الفقه الإسلامي (الزحيلي) 1: 470.
- ↑ . البحر المحيط 3: 344، التحبير شرح التحرير 4: 1837.
- ↑ . مسند أحمد 4: 403.
- ↑ . الرسالة: 370 ـ 371.
- ↑ . اُصول الشاشي: 195، الإحكام الآمدي 1 ـ 2: 304، اللمع: 161 ـ 163، اُصول الفقه الإسلامي (الزحيلي) 1: 472.
- ↑ . الوافية: 166.
- ↑ . الفوائد المدنية: 142 ـ 143.
- ↑ . المحصول 2: 218 ـ 235، إرشاد الفحول 1: 217 ـ 228.
- ↑ . الاُصول العامّة للفقه المقارن: 210 ـ 211.
- ↑ . بحوث في علم الاُصول الهاشمي 4: 424 ـ 426.
- ↑ . البحر المحيط 4: 262.
- ↑ . نهاية الوصول 3: 403، اُنظر: الوافية: 159.
- ↑ . الفوائد المدنية: 97 ـ 98.
- ↑ . المصدر السابق: 254 ـ 257.
- ↑ . البحر المحيط 4: 261.
- ↑ . المحصول الرازي 1: 550 ـ 555.
- ↑ . اُصول السرخسي 1: 112، البحر المحيط 4: 79 و 109.
- ↑ . المستصفى 2: 61، البيان في تفسير القرآن: 285، محاضرات في اُصول الفقه 5: 314 ـ 315.
- ↑ . البحر المحيط 4: 108 ـ 109.
- ↑ . روضة الناظر: 45.
- ↑ . الفصول في الاُصول الجصاص 2: 324، اللمع: 128، المستصفى 1 : 148.
- ↑ . الإحكام الآمدي 3 ـ 4: 138.
- ↑ . معارج الاُصول: 171.
- ↑ . المستصفى 1: 235.
- ↑ . معالم الدين: 180.
- ↑ . إرشاد الفحول 1: 514.
- ↑ . معالم الدين نجل الشهيد الثاني: 140، كفاية الاُصول: 235، معتمد الاُصول (الخميني) 1: 329.
- ↑ . الإبهاج في شرح المنهاج 2: 171 ـ 172.
- ↑ . معالم الدين (نجل الشهيد الثاني): 140، مبادئ الوصول إلى علم الاُصول: 143، درر الفوائد 1: 228، تهذيب الاُصول 1: 517، نهاية الاُصول (منتظري): 365.
- ↑ . إرشاد الفحول 1: 514 ـ 515.
- ↑ . كفاية الاُصول: 235 ـ 236، حقائق الاُصول 1: 533 ـ 534، درر الفوائد 1 ـ 2: 228، لمحات الاُصول: 367 ـ 368، إفاضة العوائد 1: 358.
- ↑ . الإبهاج في شرح المنهاج 2: 172.
- ↑ . إرشاد الفحول 1: 514 ـ 515.
- ↑ . العدّة الطوسي 1: 344.
- ↑ . الإبهاج في شرح المنهاج 2: 175، زبدة الاُصول (البهائي: 131 ـ 132، قوانين الاُصول 2: 156 ـ 163، الفصول الغروية: 213 ـ 214.
- ↑ . الوافية: 135 ـ 136.
- ↑ . اُنظر: الإبهاج في شرح المنهاج 2: 172، معالم الدين نجل الشهيد الثاني: 140 ـ 141.
- ↑ . ميزان الاُصول 2: 669، مصباح الفقاهة 5: 248.
- ↑ . جامع المدارك 6 ـ 7: 35 و 247.
- ↑ وسائل الشيعة 28: 47، الباب 24، ح 4.
- ↑ . المعتمد 2: 96 ـ 97، ميزان الاُصول 2: 669 ـ 670.