الثقة

من ویکي‌وحدت

الثقة: وهو بمعنی العدل في اصطلاح المحدثين، وأما في اصطلاح الفقهاء والأصوليين فهو لا يخرج عن المعنی اللغوي أي السکون والاعتماد. وهذه اللفظة تقع صفة للشخص ويقال: رجل ثقةٌ أي عادلٌ.

تعريف الثقة لغةً

الثقة: مصدر (وثِقَ)؛ وثِق بفلان ثقة: ائتمنه[١]، وقال الراغب: «وثقت به أثق ثقة: سكنت إليه، واعتمدت عليه...»[٢] وقد استعمل المصدر: (ثقة)، واُريد به اسم المفعول أي «الموثوق به» كما استعمل (خلق) بمعنى: (مخلوق).
قال الراغب: «... وقالوا: رجل ثقة، قوم ثقة ويستعار للموثوق به»[٣].
وقال في المعجم الوسيط: «الثقة مصدر وقد يوصف به»[٤].
ويستوي فيه المفرد والمثنى والجمع بنوعيهما، فيقال: هو وهي وهما وهم وهنّ ثقة، وقد يجمع في الذكور والإناث على ثقات[٥].
ويظهر من كلمات أهل اللغة: إنّ (وثاقة) مصدر (وثُق) بضم العين، وهي مصدر الشيء الوثيق والمحكم[٦].

تعريف الثقة اصطلاحاً

لا يخرج استعمال الفقهاء والأصوليين لكلمة (ثقة) عن المعنى اللغوي فقد استقرّ معنى (ثقة) في عرف المتشرعة على من يؤتمن على الشيء أيضا، والصادق القول. نعم، قد يطلق أحيانا ويراد به العادل[٧].
ومعنى الثقة في اصطلاح المحدثين يختلف عن معناه اللغوي والأصولي والفقهي، فإنّ هذه اللفظة (ثقة) لم تستعمل في كتب المحدثين إلاّ بمعنى العدل، بل الأغلب عندهم استعمالها خاصّة، وإن استعملت في أبواب الفقه في المعنى الأعم من العدالة[٨]. وعدّها الرجاليون من ألفاظ التعديل، والتوثيق[٩]، وذهب بعضهم إلى كونها دالّة على صفة زائدة على العدالة وهي الضبط[١٠]. وذهب بعض رجاليي الإمامية إلى أنّ لفظ (ثقة) ظاهر في إرادة من يوثق بدينه وأمانته من رجال الإمامية[١١]. فيما تأمّل بعض آخر منهم في كون هذه اللفظة حقيقة في العدل الإمامي عند الإطلاق[١٢].

الألفاظ ذات الصلة

العدل

العدل: مصدر (عَدَل) يقال: عدل يعدل عدلاً وعدالة. ويستعمل بمعنى اسم الفاعل، فيراد من العدل العادل. ومثله (عِلْمٌ) في: «زيد علمٌ»، أي العالم المبالغ في علمه، مع الفرق بين الاستعمالين، فلا يراد من (عدل) المبالغة في العدالة، بل مجرّد الاتصاف بها.
والعدالة عرفا: هي الاستقامة في السلوك. وشرعا هي الاستقامة في تطبيق أحكام الشريعة على السلوك[١٣]. ويراد بالعدل أهلية قبول الشهادة والرواية عن النبي(ص) [١٤] واشترط فيه علماء الجمهور أن يكون مسلما، بالغا، عاقلاً، سالما من أسباب الفسق وخوارم المروءة[١٥].
فيما يرى علماء الإمامية: إنّ غير الإمامي لايتّصف بوصف (العدل)، وأمّا الثقة فقد يكون إماميا وقد يكون غير إمامي إلاّ أنّهم وخلافا لما نسب إليهم[١٦] يعتبرون روايات غير الإمامي حجّة إذا كان ثقة، ويسمّون الروايات التي يرويها الثقات غير الإماميين بـ (الموثّقات)[١٧].

أحکام الثقة

وقع الكلام في اُمور ترتبط بخبر الثقة نشير إلى بعضها إجمالاً:

الأوّل: حجّية خبر الثقة

وقع خبر الواحد محلاًّ للبحث بين الأصوليين واختلفوا فيه بين قائلين بحجّيته واعتباره وبين مانعين، واختلف المجوّزون للعمل به تارة في مستند حجّيته واعتباره، واُخرى في شروط الحجّية، كما اختلف المانعون من العمل به في سبب المنع. ولكلّ من أصحاب الأقوال المشار إليها أدلّة على مذهبه[١٨].

الثاني: ملاك حجّية خبر الواحد

وقع الكلام بين الأصوليين القائلين بـ حجية خبر الواحد في أنّ ملاك الحجّية هل هو وثاقة الراوي أو الملاك فيها هو الوثوق بروايته؟
هناك اتجاهان في المسألة:
الأوّل: اعتبار الوثاقة.
الثاني: اعتبار الوثوق المستنتج من القرائن المحفوفة بالخبر ونحو ذلك[١٩]، كما وقع الكلام لدى القائلين باعتبار الوثوق في أنّ المطلوب هل الوثوق النوعي أو الشخصي؟ وتفصيل الكلام في ذلك موكول إلى محله.

الثالث: حجّة خبر الثقة في الموضوعات

هناك نقاش بين الأصوليين في أنّ خبر الواحد الثقة بعد تسليم حجّيته في إثبات الأحكام هل هو حجّة في إثبات موضوعات الأحكام؟[٢٠] وتمام الكلام في ذلك موكول إلى محلّه.

الرابع: موارد تطبيقية

تعرض الفقهاء للثقة في موارد متعددة:
منها: طرق ثبوت النجاسة حيث بحثوا هناك في أنّ أخبار الثقة حجّة وطريق في ذلك أو لا؟ ومثل هذا البحث يشكل صغرى لكبرى حجية خبر الثقة في الموضوعات، فذهب بعض الإمامية إلى كونه طريقا لثبوت النجاسة[٢١]، ويظهر من فقهاء المذاهب الأربعة أنّ من شروط من يقبل خبره عن نجاسة الماء أو طهارته أن يكون عدلاً[٢٢].
منها: تعيين القبلة.
منها: أذان الثقة حيث ذهب بعض الفقهاء إلى الاعتماد عليه كأمارة على دخول الوقت إذا كان عارفا بالوقت ولم يكن المكلّف متمكنا من تحصيل العلم بدخول الوقت[٢٣]، إلى غير ذلك من الموارد المتعددة التي تشكل تطبيقات لبحث قبول خبر الثقة في الموضوعات.

الهوامش

  1. . أنظر: لسان العرب 4: 4219 مادّة «وثق».
  2. . معجم مفردات ألفاظ القرآن الراغب: 583، مادّة «وثق».
  3. . معجم مفردات ألفاظ القرآن الراغب: 583.
  4. . المعجم الوسيط: 1012 مادّة «وثق».
  5. . أنظر: لسان العرب 4: 4219، المعجم الوسيط: 1012، مادّة «وثِق».
  6. . أنظر: العين 5: 202، لسان العرب 4: 4219، مادّة «وثق».
  7. . دروس في أصول فقه الإمامية 1: 283، أنظر: عدّة الأصول الطوسي 1: 151 ـ 152، أصول الفقه الإسلامي (الزحيلي) 1: 452.
  8. . الرعاية لحال البداية في علم الدراية: 120.
  9. . وصول الأخيار: 192، الرواشح السماوية: 103، فائق المقال: 34، توضيح المقال في علم الرجال: 189 ـ 190.
  10. . حاوي الأقوال 1: 99.
  11. . عدّة الرجال 1: 112، مقباس الهداية 2: 147.
  12. . نهاية الدراية في شرح الوجيزة: 389.
  13. . أنظر: دروس في أصول فقه الإمامية 1: 283.
  14. . الإحكام الآمدي 1 ـ 2: 308.
  15. . علوم الحديث ابن الصلاح: 104، معجم علوم الحديث (الخميسي): 152.
  16. . تاريخ التشريع الإسلامي الخضري: 109.
  17. . أنظر: العدّة في أصول الفقه الطوسي 1: 151 ـ 152، الأصول العامّة للفقه المقارن: 210.
  18. . أنظر: الأصول العامّة للفقه المقارن: 197 ـ 210، أصول الفقه الإسلامي الزحيلي 1: 462 ـ 473.
  19. . أنظر: نتائج الأفكار في نجاسة الكفّار: 64 وما بعدها، المحكم في أصول الفقه 3: 235، أنظر: منهاج الوصول: 165 ـ 168، الأصول العامّة للفقه المقارن: 210 ـ 211.
  20. . أنظر: بحوث في شرح العروة الوثقى 2: 96 ـ 118. حيث قال آخر البحث: «تلّخص من مجموع ما ذكرناه: ان خبر الثقة حجة في الشبهات الموضوعية... الخ» .
  21. . أنظر: بحوث في شرح العروة الوثقى 2: 96 ـ 118.
  22. . جواهر الاكليل 1: 8، مغني المحتاج 1: 28، المغني 1: 54.
  23. . منتهى المطلب 4: 133، 201.