المرجعية الدينية في العراق

من ویکي‌وحدت

المرجعية الدينية : هي منصب ديني يرجع اليه الناس لمعرفة الأحكام الشرعية والحوادث المستجدة .

ويعتقد الشيعة ان المرجعية ثبتت بالدليل الشرعي ، اما في من يتصدى لها فقد ترك المجال لكل من تنطبق عليه شروط أهمها الاعلمية والتقوى ، وبهذا يتصدى لمنصب المرجعية في كل مرحلة مجموعة من العلماء ، ويبقى لكل واحد منهم اجتهاده وطريقته في التصدي ، وينفرد من بينهم ايضاً مرجع يسمى المرجع الاعلى ،الذي تناط به المسؤوليات الكبرى كرعاية الناس وبسط العلم وغيرها من الأمور.

صورة تجمع أشهر مراجع الدين الأحياء في العراق

مفهوم وتاريخ المرجعية لدى الشيعة الإمامية

يحتاج استيعاب مفهوم المرجعية الدينية لدى المذهب الشيعي الاثني عشري إلى فهم التطور التاريخي لذلك المذهب، وفهم المراحل التي مر بها على المستويين الفقهي والمؤسسي، فبنية المؤسسة الدينية التي يتمتع بها ذلك المذهب تختلف عن تلك التي عند أهل السنة والجماعة الذين لا يوجد لديهم مؤسسة دينية بالمعنى المعروف لدى الديانات الإبراهيمية المسيحية واليهودية من جهة، ولدى بعض المذاهب الإسلامية الأخرى كالمذهب الشيعي الاثني عشري والشيعة الإسماعيلية من جهة أخرى.


المرحلة الأولى في تشكل المذهب الشيعي الاثني عشري في هذا السياق، كانت هي عصر حياة الأئمة المعصومين الأحد عشر بحسب المذهب، بدءاً من الإمام علي بن أبي طالب إلى الإمام الحسن العسكري والد الإمام الحجة المهدي الذي غاب غيبة صغرى منذ مولده في عام 250هـ، واختفى لمدة معينة بحسب العقيدة الشيعية، اتصل فيها بأتباعه عن طريق مجموعة من رجاله عرفوا باسم «السفراء الأربعة»، ثم غاب الغيبة الكبرى حتى يومنا هذا، وينتظر الشيعة الاثنا عشرية عودته مرة أخرى مجدداً في آخر الزمان.


جدير بالذكر أن هؤلاء الأربعة هم السفراء الوحيدين للإمام الغائب، وادَّعى آخرون دعاوى أخرى، فهناك من توقف في الترتيب عند الإمام جعفر الصادق وتبنى ترتيباً وتسلسلاً آخر من الأئمة من بعده، وهناك من توقف عند الإمام موسى الكاظم، وهكذا. ومن هنا جاء التفرع والتعدد العقائدي والسياسي الكبير والمعقد داخل التشيع المبكر، قبل أن تضيق دائرة التشيع المذهبي وتنحصر في فرقه المعروفة اليوم، وعلى رأسها الشيعة الاثنا عشرية.

والسفراء الأربعة في المذهب الشيعي الاثني عشري على التوالي هم:

1. عثمان بن سعيد العمري المكنَّى بأبي عمرو السمَّان: تستَّر على دعوته السرية بعمله الظاهر في بيع السمن، وكان يخفي أموال «الخمس» التي كان يدفعها الشيعة للأئمة من آل البيت في وعاء بضاعته.

2. محمد بن عثمان بن سعيد العمري، وهو ابن أبي عمرو السمان، وتولَّى السفارة ردحاً طويلاً من الزمن، حوالي 40 عاماً.

3. الحسين بن روح النوبختي.

4. علي بن محمد السَّمَري، وهو آخر السفراء، ولم يوصِ بعده بالسفارة لأحد، ولذلك انتهى بوفاته عصر الغيبة الصغرى.

بعد نهاية عصر الأئمة وعصر السفراء الأربعة خلال الغيبة الصغرى، بدأ عصر الغيبة الكبرى، وهنا حل العلماء والفقهاء من الشيعة محل الأئمة، سواء في الرجوع إليهم في الفتاوى في أمور الدين والدنيا، أو في تلقي أموال الأخماس، ولا يبلغ من الدارسين تلك المرتبة إلا من بلغ مرتبة الاجتهاد، وهؤلاء من يطلق عليهم لقب «آية الله العظمى».


تاريخ المرجعية الشيعية في العراق

في كتابه «المرجعية الدينية العليا عند الشيعة الإمامية»، يروي المؤرخ والباحث العراقي جودت القزويني تاريخ المرجعية الشيعية في عصر الغيبة الكبرى، ونشأة الحوزات العلمية في بغداد والنجف والحلة وجبل عامل وقم.


يبدأ القزويني سرده من العصر العباسي الثاني الذي شهد ضعفًا غير مسبوق في سلطة الخلافة الإسلامية التي سيطر على عاصمة حكمها بنو بويه الشيعيين؛ الأمر الذي وفر مناخاً ملائماً لازدهار التشيع الذي تبلورت أفكار مذهبه الإمامي خلاله على يد الشيخ المفيد المتوفَّى عام 413هـ، حيث ألَّف الأخير المصنفات الرئيسية التي أسست للمذهب في العقيدة وأصول الفقه، وتعلم على يديه أبرز العلماء والمراجع الشيعة أمثال الشريف المرتضى والشريف الرضي والطوسي.


بعد سقوط دولة بني بويه وصعود السلاجقة في الدولة العباسية، ضاق المجال لفترة من الزمن أمام التشيع، إلا أن اعتناق المغول المذهب الشيعي بعد غزوهم للعالم الإسلامي، أدى إلى ازدهار التشيع من جديد بعد انحساره، وتطور الحوزات العلمية، ولا سيما حوزة مدينة الحلة في العراق.


بعد سقوط دولة المغول، ضعفت حوزة الحلة، وبدأ نجم حوزة جبل عامل في لبنان بالصعود، ويعد خريجي حوزة جبل عامل من أهم أعوان الدولة الصفوية التي تبنت التشيع وفرضته كمذهب رسمي في إيران.


خلال القرن الثامن عشر الميلادي، بدأت الحركة العلمية في مدينة النجف في الازدهار على يد السيد مهدي بحر العلوم والشيخ جعفر كاشف الغطاء، كما ارتفعت مكانتها السياسية أيضًا، حيث استطاعت الحوزة في ذلك الوقت التوسط بين الدولتين القاجارية في إيران والعثمانية في تركيا، وتسوية الخلاف بينهما بتدخل من الشيخ موسى بن جعفر.


لعبت حوزة النجف أيضاً منذ مطلع القرن العشرين، أدواراً سياسية كبيرة، من أبرزها دعمها الحركة الدستورية في إيران في عام 1906، وفي تدشين العديد من المنظمات السياسية والسرية في العراق الحديث، مثل منظمة الشباب المسلم وحزب الدعوة الذي كان تحت مرجعية السيد محسن الحكيم، وبقيادة السيد محمد باقر الصدر الذي يعد أحد أهم المفكرين الإسلاميين الشيعة في القرن الماضي.


ازدادت أهمية الحوزة العلمية في مدينة قم الإيرانية بعد اندلاع الثورة الإسلامية في عام 1979، وارتفعت كل من مكانتها الدينية والسياسية، بعد سيادة نظرية «ولاية الفقيه» في إيران، وتحول المرشد الأعلى للنظام هناك إلى مرجعية دينية للكثير من الشيعة الاثني عشرية حول العالم.


دور المرجعية الدينية في العراق بين 2003-2015

تمثل مرجعية النجف الاشرف هي المرجعية الاولى في المجتمع الشيعي لذلك يمتد مقلدوها في بقاع مختلفة من العالم ، ويرجعون اليها في استيضاح مستجدات المسائل الشرعية ، ويتواصلون معها من خلال حلقة الوكلاء الذين ينوبون عنها في المناطق التي يتواجدون فيها اتباعهم .


وابرز ما تتميز به المرجعية الدينية هو العمق العلمي والزهد في الدنيا والحكمة ، وهذا جعل من المجتمع يرتبط ارتباطاً قوياً بها ، ويستجيب سريعاً لما يصدر عنها ، ويؤكد تاريخ المرجعية الدينية على انها ومع الظروف القاسية التي مرت بها بقيت صامدة تواصل نشاطها وارتباطها ، فقد لعبت دوراً مهما لا على مستوى الشيعة فقط ، بل على مستوى المسلمين وفي مدن مختلفة .

وفي هذه الورقة نماذج من دور المرجعية الدينية في تاريخ العراق الحالي نستعرض منها أنموذج التعايش بين المكونات ، وحفظ دماء العراقيين ، ودورها في المطالبة في الإصلاحات والالتزام بالقانون .


أولاً : الحث على التعايش

يتضح جيداً من خلال مناسبات أو لقاءات متعددة مع المكونات المختلفة من أبناء الشعب العراقي على اهتمام المرجعية الدينية بمسألة التعايش ، وهذا الاهتمام لا يمكن قراءته بمعزل عن الظروف التي مرت بها المرجعية لا سيما في الحقبة التي حكم بها صدام حسين اذ مارس اتجاهها شتى صنوف القتل والتهجير والتعذيب والسجن وغيرها ، مما أعطى صورة بشعة من صور الدكتاتور ، اذ تسنم الاقلية جميع مناصب الدولة ، في جميع محافظات العراق مما عاشت الاكثرية التهميش بكل معانيه .


وبعد ان حدث التغيير عام 2003م ، وأفرزت العملية الديمقراطية نتائج تفرض بتصدي الشيعة لمنصب رئاسة الوزارء ، بقي الشيعة مستهدفين بشكل يومي ، وانتهى هذا الاستهداف أخيراً بهجوم داعش 6\10\2014 على الشيعة أولاً في المناطق الشمالية معلنين الهدف وراء ذلك هو النجف الاشرف وكربلاء المقدسة .


وكما قال أبو محمد العدناني أحد أبرز قيادات تنظيم “داعش” والمتحدث باسمه في كلمة نشرت على مواقع تعنى بأخبار الإرهابيين : “واصلوا زحفكم فانه ما حمي الوطيس بعد ، فلن يحمى الا في بغداد وكربلاء ،فتحزموا وتجهزوا”. وتابع موجهاً الكلمة لرئيس الوزراء : “حقاً ان بيننا تصفية للحساب ،  حساب ثقيل طويل ، ولكن تصفية الحساب لن تكون في سامراء او بغداد، وانما في كربلاء المنجسة والنجف الاشرك ،وانتظروا انا معكم منتظرون”. وغيرها من البيانات التي نصت على هذا المعنى ..


وعوداً على التغيير بعد عام 2003م ، وهذا مما فرض على المرجعية الدينية مسؤوليات كبيرة منها مراقبة العملية السياسية والعمل على رعاية النسيج العراقي ، وهذا ما تطلب توازناً كبيراً في النظر إلى ذلك ، إذ ان المسؤولية تحولت إلى قضية قلق من ردات الفعل الانتقامية، والحذر من استغلال صمت وصبر الأكثرية ، فتحملت المرجعية ثقل المسؤولية وبدأت بتوجيه التوصيات المستمرة لرعاية العملية الديمقراطية التي ترعى جميع المكونات ، بدءاً من إقامة دولة مدنية تحفظ فيها الحقوق من خلال الصندوق الانتخابي ،إلى عملية المحافظة على القرار المشترك وعدم تهميش احد .


وعندما سُئل السيد علي السيستاني عن شكل نظام الحكم أجاب : ”النظام الذي يعتمد مبدأ الشورى والتعددية واحترام حقوق جميع المواطنين“ .

وأجاب في مورد اخر : ”شكل العراق الجديد يحدده الشعب العراقي بجميع قومياته ومذاهبه والية ذلك هي الانتخابات الحرة المباشرة“.

ثانياً : حفظ دماء العراقيين

أولوية عملت عليها المرجعية الدينية ، وقد تتبع العراقيون والمراقبون أحداثاً عصفت بالعراق بدأت من عملية احتلاله ودخول القوات الأجنبية إلى يوم ما رافقه من تشكيل الحكومة المؤقتة وإعداد الدستور الى ممارسة الضغط على الجماهير لمنع الفتن الطائفية لا سيما بعد تفجير مرقد العسكريين في سامراء ، يؤكد على الحرص الشديد لدماء ابناء العراق ومحاولة الابتعاد عن ما يؤدي الى اراقة قطرة دم واحدة .


وقد وجه السيد محمد سعيد الحكيم رسالة الى الشعب العراقي عام 2003م جاء فيها :

”العراق ككثير من البلاد ـ قد جمع طوائف مختلفة في الدين والمذهب والقوميات وغير ذلك من الانتماءات . وهذا أمر واقع فرض نفسه علينا يجب الاعتراف به ، والتعايش معه بالحكمة وحسن التصرف ، بنحو يجنب الجميع المشاكل والمضاعفات الخطيرة التي تفرزها الخلافات والمشاحنات.


ومهما بلغ الخلاف بين الفئات والطوائف المذكورة شدّةً وحدّة فليس من الحكمة إلغاء بعضها لبعض وتجاهلها ، والتعدّي عليها وهضم حقها ، لأن ذلك يؤدي الى :


(أولاً): ظلم الحقيقة .


(ثانياً): يصير سبباً لتعصب الطرف الذي يُتَجاهل ـ مهما كان ضعيفاً ـ واقعه، وتمسّكه به، والاستجابة لدعوات التطرُّف، بنحو يزيد من شقّة الخلاف، ويمنع من فرص التلاقي والتقارب والحوار.


(ثالثاً): يؤدّي إلى تأجيج العواطف ، واستحكام العداء والحقد، بنحو قد ينفجر عن صراع دموي، وفتنة عارمة تضر بالجميع ، وتدمر البلد وتفتت وحدته.


(رابعاً): يكون ثغرة ينفذ منها الأعداء الذي يتربصون بنا الدوائر، والنفعيون الذي يعيشون في المستنقعات، ويتصيدون في الماء العكر. وكفى بتجربة الماضي القريب وما جرى على هذا البلد من مآس ودمار عبرة يستفيد منها اهله في تنظيم أمورهم وتصحيح أوضاعهم.


بل اللازم على أهل البلد الواحد الاعتراف بواقعهم الذي يعيشونه، والتكيّف معه بالاحترام المتبادل بين الجميع، وحسن المخالطة والمعاشرة، وإعطاء كل ذي حق حقه، ومراعاة شعوره، وتجنب الاحتكاك المثير للعواطف، والجارح للشعور“.


وقد اصدر السيد السيستاني بياناً بعد حادثة تفجير سامراء ما نصه :

”لقد اراد المجرمون التكفيريون الذين ارتكبوا ذلك الاعتداء الاثم ان يجعلوا منه منطلقاً لفتنة طائفية شاملة في العراق ، ظناً منهم انها تقربهم من تحقيق اهدافهم الخبيثة في هذا البلد العزيز ، وذلك بعد ان عجزوا عن اشعال نار الفتنة فيه لازيد من عامين منذ بدء الاحتلال ، بالرغم من كل ما ارتكبوه من مجازر وحشية في مختلف الاماكن ولا سيما في المدن المقدسة النجف وكربلاء والكاظمية … وكما ندعو المؤمنين وهم يحيون هذه المناسبة الحزينة ويعبرون عن مشاعرهم الجياشة تجاه ما تعرض له ائمتهم من هتك واعتداء ان يراعوا اقصى درجات الانضباط وان لا يبدر منهم قول او فعل يسيء الى المواطنين من اخواننا اهل السنة الذين هم براء من تلك الجريمة النكراء ولا يرضون بها ابداً“.


ثالثاً : المطالبة بالإصلاحات والالتزام بالقانون

لم تكتف المرجعية بمراقبة أداء الحكومات ، وإنما كانت هناك توجيهات مستمرة لتصحيح مسيرة الأداء الحكومي ، وقد لوحظ وبشكل ملفت للنظر ان المرجعية الدينية قد أغلقت الباب بوجه السياسيين ومنعت من استقبالهم احتجاجاً على عدم الإجابة للمطالب التصحيحية لمسيرة الحكومة. وقد اكد السيد السيستاني مراراً على سوء استغلال السلطة وعلى ضرورة مكافحة الفساد وشدد على لزوم تمكين القضاء من ممارسة دوره في محاسبة الفاسدين ومعاقبتهم، واخرها توجيه كان لرئيس الوزراء العراقي بتحمل المسؤولية للقيام بالإصلاحات الضرورية في الحكومة العراقية وتصحيح النظام القضائي .

أشهر مراجع الدين الأحياء في العراق

تضم الحوزة النجفية حالياً مراجع مشهورين بالعلم والتقوى، ومن بينهم:

السيد علي السيستاني

السيد محمد سعيد الحكيم

الشيخ محمد إسحاق الفياض

الشيخ بشير النجفي

المصدر

مقتبس مع تعديلات من موقعي:www.ida2at.com/www.al-kalima.iq

وراجع كذلك :

1.النصوص الصادرة عن مكتب السيد السيستاني ، حامد الخفاف ،طبعة بيروت ،ص 301- 302 وغيرها.

2.رسالة السيد محمد سعيد الحكيم الى الشعب العراقي العزيز ،طبعة النجف ،ص 10.