كربلاء
كربلاء المقدسة تقع مدينة كربلاء على بعد 100 كيلومتر جنوب غرب بغداد، وفي عهد الإمام علي بن أبي طالب (ع) كانت تعرف باسم "نينوى" و"شط الفرات" وتُعد كربلاء رابع أقدس مدينة عند الشيعة بعد مكة المكرمة والمدينة المنورة والقدس الشريف والنجف الأشرف، حيث شهدت وقائع مأساة عاشوراء، يضم المدينة مرقد الإمام الحسين (ع) وأصحابه الأبرار.
جغرافيا كربلاء
تقع كربلاء عند حدود الصحراء، حيث تحيط بها: شمال غرباً: مدينة الأنبار شرقاً: مدينة بابل الأثرية غرباً: الصحراء الغربية جنوب غرباً: مدينة الحيرة عاصمة المناذرة كانت كربلاء ولا تزال مقصداً لبدو الحجاز والشام لتأمين المؤن، واستمر هذا الوضع حتى عهد قريب.
أصل تسمية كربلاء
اختلف اللغويون والمؤرخون في أصل الكلمة: فريق يرى أصلاً عربياً فريق يرى أصلها غير عربي
رأي ياقوت الحموي
فسر الحموي "كربلاء" بأنها تعني "تراخي الخطى" مشتقاً من "جاء يمشي مكربلاً"، وربما سُميت بذلك لرخاوة أرضها. كما ذكر احتمالات أخرى: من "كربلت الحنطة" (غربلة القمح) لخلو أرضها من الحصى والأشجار الكثيفة من نبات "الكربل" (نوع من الحماض) لكثرة نموه هناك [١].
رأي هبة الله الشهرستاني
يرى في كتاب "نهضة الحسين" أن الاسم مشتق من "كور بابل" بمعنى "مجموعة قرى بابلية" رأي المدرس البستان آبادي: في كتاب "مدينة الحسين":"كربلاء" مركبة من كلمتين آراميتين: "كرب": معبد/حرم "إيلا": الآلهة أي معناها "حرم الآلهة" يشير إلى أن كربلاء كانت معبداً للكلدانيين بالقرب من نينوى وقصر بابل من المحتمل أن يكون الاسم من أصل سامي/آرامي/بابلي مثل العديد من مدن العراق الأخرى [٢].
أسماء كربلاء التاريخية
عرفت عبر التاريخ بأسماء متعددة:
- نينوى (جزء من منطقة الكوفة)
- الغاضرية
- مارية
- العموراء
- النوافيس (جمع "نافوس" - مقبرة مسيحية كانت موجودة قبل الإسلام)
- أرض بابل
- مشهد الحسين
- كربلاء (الاسم السائد حالياً) [٣].
كربلاء في الفقه
تعرف في المصادر الإسلامية -خاصة الفقهية- باسم "الحائر"، حيث يبحث الفقهاء أحكامه وحدوده. معنى "الحائر": من "حار يحير حيراً": الماء عندما يتجمع في مكان ويدور أو من "تحير الأرض بالماء": عندما تمتلئ الأرض بالماء جمعها "حوران" أو "حيران" حسب المشهور وصف اللغويين: الحائر هو الأرض المنبسطة الوسط المرتفعة الأطراف، أو المنخفض المحاط بحفر عميقة تجتمع فيها مياه الأمطار والسيول. ربما سُميت كربلاء بالحائر لوجود مثل هذه المنخفضات فيها قديماً [٤].
الحير
ذُكرت كربلاء في بعض الكتب باسم "الحير" أيضاً. والحير في الواقع اختصار لكلمة "الحائر" عند العامة، حيث يميل أهل العراق إلى اختصار الأسماء، لكن ياقوت الحموي في كتابه "معجم البلدان" فرّق بين الحائر والحير قليلاً، حيث ذكر: "الحائر هو قبر الإمام (ع) وما حوله"، ثم أضاف: "عندما يُقصد كربلاء يُذكر الحير دون إضافة". وهكذا يفرق ياقوت الحموي بين المصطلحين: الحائر: يختص بالقبر وما حوله الحير: اسم مدينة كربلاء عنده
أسماء أخرى لكربلاء
من الأسماء الأخرى لهذه الأرض المقدسة:
- شاطئ الفرات
- الطف
- طف الفرات
- وهذه الأسماء الثلاثة متقاربة المعنى:
- "الطف" يطلق على الأراضي المطلة على البحر أو الواقعة على ضفاف الأنهار
- سُميت أرض كربلاء بالطف لوجود عدة عيون مائية فيها مثل:
- قطقطانة
- رهيمة
- عين الجمل
- نهر العلقم [٥].
كربلاء بعد ظهور الإسلام
كانت كربلاء من أراضي العراق التي فتحها المسلمون في عهد أبي بكر سنة 12 هـ. نُقل أن "خالد بن عرفطة" - طليعة جيش سعد بن أبي وقاص - هو من فتح هذه الأرض وجعلها مقراً لجيشه لفترة، لكنه اضطر لتركها بسبب سوء المناخ والانتقال إلى الكوفة. بعد تأسيس الكوفة وتوسعها، أصبحت كربلاء إحدى القرى المحيطة بها، ولم يذكرها أحد بخصوصية إلا عند وقوع أحداث كربلاء. الوحيد الذي ذكرها كان أمير المؤمنين علي (ع) أثناء مروره بها متوجهاً إلى الشام. ورد في الرواية: "في أحداث معركة صفين، وصل أمير المؤمنين (ع) وأصحابه إلى كربلاء، فأشار بيده إلى الأرض وقال: 'هنا هنا'. فسأله رجل: 'ما هذا يا أمير المؤمنين؟' فأجاب: 'سوف ينزل هنا عزيز من آل محمد (ص)، فويل لهم منكم وويل لكم منهم'. فسأل الرجل: 'ما معنى هذا الكلام؟' فأجاب: 'ويل لهم منكم لأنكم ستقتلونهم، وويل لكم منهم لأن الله سيدخلكم النار بسبب قتلهم [٦].
كربلا بعد حادثة واقعة الطف
تاريخ كربلاءأهم حدث في تاريخ المدينة المقدسة كربلاء هو استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) و72 من أصحابه في يوم عاشوراء سنة 61 هـ (10 أكتوبر 680 م). كان الحسين بن علي (ع) أحد رموز وحدة الشيعة وشخصية بارزة أرهبت الطغاة الأمويين. بعد وفاة معاوية سنة 60 هـ، أمر يزيد والي المدينة بأخذ البيعة من الإمام الحسين (ع)، لكن الإمام رفض بيعة يزيد لعلمه بفساده، واختار النضال لإنقاذ الإسلام من حكم يزيد الذي كان سيؤدي إلى زوال الدين. هاجر الإمام من المدينة إلى مكة، ثم توجه إلى العراق بعد مراسلات مع أهل الكوفة الذين دعوه. أرسل أولاً مسلم بن عقيل، وبعد تأكيد البيعة، غادر مكة متجهاً إلى العراق في 8 ذي الحجة سنة 60 هـ. نقض أهل الكوفة عهدهم واستشهاد مسلم بن عقيل جعلا الأوضاع غير مواتية. حوصر الإمام مع عائلته وأصحابه في كربلاء قبل وصوله الكوفة، ورفض الاستسلام لقوات يزيد، فاستشهد هو وأصحابه عطشى في يوم عاشوراء. منذ ذلك الحين، أصبحت كربلاء مصدر إلهام وعاشوراء منبعاً للثورة والتحرر، وكان استشهاده إحياءً للإسلام وإيقاظاً للضمائر.
تطورات لاحقة
عانت كربلاء من شح المياه حتى القرن 18 حين تم بناء سد على نهر الحسينية، سنة 1801م: تعرضت لأضرار جسيمة بسبب هجوم الوهابيين الذين نهبوها. بعد الهجوم الوهابي، أعلن وجهاء كربلاء حكماً ذاتياً قصير الأمد انتهى باحتلال العثمانيين سنة 1843م. أدى الحكم العثماني إلى هجرة العديد من علماء كربلاء إلى النجف التي أصبحت المركز الديني الرئيسي، حتى أوائل القرن 20: شكل الإيرانيون 75% من سكان كربلاء، لكن نسبتهم انخفضت خلال الاحتلال البريطاني، فترة صدام حسين: تشددت القيود على سكان كربلاء ومنع غير الشيعة من زيارتها. سنة 1991: خلال انتفاضة الشيعة ضد صدام، تعرضت كربلاء لأضرار كبيرة، وكشفت الأحداث عن وحشية النظام [٧].
زيارة الأربعين
يتوجه ملايين المسلمين والشيعة سنوياً إلى كربلاء للمشاركة في المسيرة المليونية لزيارة الأربعين.
الأماكن الزيارية في كربلاء
يُعد وجود مرقد الإمام الحسين (عليه السلام) ومرقد أبي الفضل العباس (عليه السلام) من أهم المقومات التي جعلت كربلاء من أبرز المدن الزيارية للشيعة.
مرقد الإمام الحسين (عليه السلام)
يضم جثمان الإمام الحسين (عليه السلام) وعدداً من بني هاشم وأصحابه الذين استشهدوا في واقعة كربلاء للزيارة فضل كبير في الفقه الشيعي، خاصة في أيام محددة كعاشوراء والأربعين ونصف شعبان تعرض المرقد للهدم عدة مرات عبر التاريخ، منها:
- في عهد الخليفة العباسي المتوكل
- آخرها عام 1411 هـ خلال انتفاضة شعبانية ضد نظام البعث
مرقد أبي الفضل العباس (عليه السلام)
يقع على بعد 378 متراً شمال شرق مرقد الإمام الحسين يُقام فيه عزاء يوم التاسوعا المخصص له (عليه السلام)
أماكن زيارية أخرى
- خيمة الإمام الحسين (خيمته)
- تل زينبية
- مرقد حر بن يزيد الرياحي
- مقام الإمام الصادق (عليه السلام)
- مقام الإمام المهدي (عج)
الأحزاب والتجمعات السياسية والاجتماعية لعبت كربلاء دوراً محورياً في التحولات السياسية بالعراق خلال القرنين الأخيرين بسبب: إقامة مراجع التقليد فيها ازدهار الحوزة العلمية
أبرز المحطات السياسية
- الاحتلال البريطاني
- تأسيس "الجمعية الوطنية الإسلامية" عام 1917 بقيادة محمد رضا الشيرازي لمقاومة الاحتلال
- دور محوري في ثورة العشرين بعد فتوى الجهاد لميرزا الشيرازي
الخمسينيات
- مواجهة المد الشيوعي عبر تأسيس "حزب الدعوة الإسلامية" عام 1956
- انعقاد أول اجتماعاته في كربلاء
- من أبرز قادته: إبراهيم الجعفري ونوري المالكي (من أبناء كربلاء)
الستينيات
- تأسيس "منظمة العمل الإسلامي" التابعة لأسرة الشيرازي عام 1962
- تأسيس "المجلس الأعلى الإسلامي العراقي" من قبل علماء الشيعة
- ظهور تنظيمات شيعية كـ"منظمة بدر" و"تيار الصدر" مع فروع في كربلاء
الحوزات والمراكز العلمية في كربلاء
تعود جذور العلوم الدينية الإسلامية في كربلاء إلى القرون الهجرية الأولى، حيث نشط فيها أصحاب الأئمة المعصومين (عليهم السلام) والرواة الشيعة في تدريس العلوم الشرعية. من أبرزهم:
في القرون الأولى
- عبدالله بن جعفر الحميري (تلميذ الإمام الهادي والعسكري عليهما السلام) الذي ربّى العديد من التلاميذ
- بعد عصر الغيبة: تلقى العلم فيها فقهاء كالنجاشي والسيد بن طاووس والشهيد الأول وابن فهد الحلي
تأسيس الحوزة العلمية
- تشكلت الحوزة العلمية في القرن التاسع الهجري
- من أوائل علمائها: السيد عز الدين حسين بن مساعد الحائري وفيض الله البرمكي البغدادي
- تنافس المدرستان الأصولية والأخبارية، لكن الأخبارية لم تلقَ رواجاً كبيراً
عصر الصفويين
أعاد محمد أمين الأسترآبادي إحياء المدرسة الأخبارية بعد سقوط الصفويين: هاجر علماء إيران إلى كربلاء بسبب اضطهاد الأفغان السنة ونادر شاه وصلت الأخبارية ذروتها في هذه الفترة لكنها تراجعت لاحقاً
القرن الثالث عشر الهجري=
خف نشاط الحوزة بسبب هجرة العلماء إلى النجف أو عودتهم إلى إيران تجدد النشاط مع هجرة محمد تقي الشيرازي من سامراء إلى كربلاء قيادته للحركة ضد الاحتلال البريطاني أعاد الحيوية للحوزة
المدارس العلمية
تأسيس عشرات المدارس على يد علماء إيرانيين مقيمين بالعراق، منها:
- مدرسة السيد مجاهد
- مدرسة صدر الأعظم النوري
- مدرسة الخوئي
- إنشاء 78 مكتبة تحتوي مخطوطات نادرة
المؤسسات الأكاديمية الحديثة
- جامعة كربلاء
- جامعة أهل البيت (عليهم السلام)
- معاهد البحث التابعة للعتبتين المقدستين (الحسينية والعباسية)
- ازدهار البحث العلمي في الدراسات الشيعية بعد سقوط نظام البعث
مواضيع ذات صلة
الهوامش
- ↑ الحموی، یاقوت، معجم البلدان، ج۴، ص۴۴۵
- ↑ الشهرستانی، هبة الدین الحسینی، نهضة الحسین علیهالسّلام، بیروت، ص۱۱۷
- ↑ مدرس بستان آبادی، محمد باقر، شهر حسین علیهالسّلام ، ص۱۰
- ↑ الزبیدی، تاج العروس، ج۱۱، ص۱۱۶
- ↑ الطبری، محمد بن جریر، تاریخ الامم و الملوک، ج۸، ص۳۵۵-۳۵۶
- ↑ المنقری، نصر بن مزاحم، وقعة صفین، ص۱۴۱-۱۴۲
- ↑ مقتبس من مقاله التعرف بمدينة کربلا
