الفرق بين المراجعتين لصفحة: «الإعتکاف»
لا ملخص تعديل |
ط نقل Negahban صفحة مسودة:الإعتکاف إلى الإعتکاف |
(لا فرق)
| |
المراجعة الحالية بتاريخ ٠٨:٥٩، ٢ سبتمبر ٢٠٢٥
الاعتکاف، بمعنى الإقامة في مكان والالتصاق بشيء ما، لكنه في الشرع الإسلام، يعني الإقامة في مكان مقدس بغرض التقرب إلى الله تعالى. الاعتکاف؛ هو فرصة مناسبة جدًا للإنسان الذي غرق في متاهات المادة، ليعيد اكتشاف نفسه ويترك الماديات بنية الاستفادة من القيم الروحية، ويضع نفسه تحت تصرف الله، ويطلب منه أن يثبته على الطريق المستقيم ليتمكن من الارتباط ببحر الله اللامتناهي من الأنس والمحبة، الذي كله مغفرة ورحمة.
الخلفية
الاعتکاف ليس خاصًا بدين الإسلام، بل كان موجودًا في الأديان الإلهية الأخرى واستمر في الإسلام، على الرغم من أنه قد تكون بعض الخصائص والأحكام والشروط قد تغيرت في الشرع المقدس للإسلام.
لا توجد معلومات كافية حول حدود وشروط هذه العبادة في الأديان الأخرى. وقد ذكر العلامة مجلسی في بحار الأنوار عن طبرسی أنه قال: «النبي سليمان (عليه السلام) كان يعكف في مسجد بيت المقدس لمدة عام وسنتين، شهر وشهرين وأقل وأكثر، وكان الماء والطعام يُهيأ له، وكان يعبد الله في نفس المكان[١]».
بعض آيات القرآن تدل على أن الاعتکاف كان موجودًا في الأديان الإلهية السابقة. يقول الله تعالى:
«وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود» (البقرة/125)
من هذه الآية يتضح أنه في زمن حضرت إبراهيم وإسماعيل (عليه السلام) كانت هناك عبادة تُسمى الاعتکاف، وكان أتباع الدين الحنيف يعكفون حول الكعبة.
السيدة مریم (سلام الله عليها) عندما نالت شرف لقاء الملاك الإلهي، ابتعدت عن الناس وعاشت في الخلوة لتتعبد في مكان خالٍ بعيد عن أي هموم، حتى لا ينسها شيء عن محبوبها.
لذلك اختارت جهة الشرق من بيت المقدس، التي قد تكون مكانًا أكثر هدوءًا أو أنقى من حيث أشعة الشمس[٢].
العلامة الطباطبائی كتب في الميزان: إن هدف السيدة مریم (سلام الله عليها) من الابتعاد عن الناس كان التوجه إلى سنة الاعتکاف[٣].
بعض الروايات من أهل السنة تشير أيضًا إلى أن هناك عبادة تُسمى الاعتکاف كانت شائعة بين الناس في زمن الجاهلية[٤].
العلامة حلی في كتاب "تذكرة الفقهاء" أكد مشروعية الاعتکاف في الأديان السابقة[٥].
منذ أن علم النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) الاعتکاف للمسلمين، انتشرت هذه السنة الإسلامية بين المسلمين.
في الوقت الحاضر، تُقام مراسم الاعتکاف في العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك في العديد من الدول الإسلامية، بما في ذلك السعودية (مكة) بشكل خاص. كل عام، يتوجه عدد كبير من المسلمين، يشكل الشباب نسبة كبيرة منهم، من جميع أنحاء العالم إلى المسجد الحرام ويعكفون بجوار بيت الله، وحتى العديد من زوار بيت الله يختارون هذه الأيام المباركة لأداء عمرة مفردة بغرض الحصول على فضيلة الاعتکاف في العشر الأواخر من شهر رمضان.
تُقام مراسم مشابهة في مسجد النبي بجوار قبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). مسجد الكوفة في العراق أيضًا كان مكانًا لإقامة مراسم الاعتکاف في العشر الأواخر من شهر رمضان لسنوات عديدة. وقد اعتكف فيه عدد كبير من الشيعة وأتباع مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، وشارك العديد من العلماء الكبار من الشيعة في هذه المراسم.
تاريخ الاعتکاف في إيران مليء بالتقلبات. في كل عصر، عندما اهتم العلماء البارزون الاعتکاف، تبعهم المسلمون وأعطوا أهمية للاعتکاف.
في عصر الصفويين، بفضل جهود عالمين بارزين في ذلك الوقت هما المرحوم شیخ بهائی (1030- 952 هـ.ق) وشيخ لطف الله الميسي العاملي الأصفهاني (توفي 1032 أو 1034 هـ.ق)، ازدهر الاعتکاف في مدن إيران، وخاصة قزوين وأصفهان.
لحسن الحظ، الآن تُقام مراسم الاعتکاف في العديد من مدن بلادنا في الأيام 13 و14 و15 من شهر رجب (أيام البيض)، وقد بدأت هذه السنة الحسنة أولاً في المدينة المقدسة قم، على يد العالم الرباني میرزا مهدی بروجردی، وانتشرت تدريجياً في مدن أخرى.
القيمة الروحية للاعتکاف
الابتعاد عن الماديات والأمور الدنيوية، والالتزام بـالمسجد، والاستمرار في ذكر الله وعبادته، له قيمة كبيرة وأهمية كبيرة حتى بدون الاعتکاف، حيث يمكن العثور على آيات وروايات وأحاديث كثيرة تدل على ذلك، لكن أهمية الاعتکاف تم التأكيد عليها بشكل خاص في القرآن والأحاديث.
في أساس أول بيت توحيد (الكعبة) على يد نبيين إلهيين، حضرت إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام)، يتم الحديث عن عهد وميثاق أخذ من جانب الله لتطهير «بيت الله» للطائفين والعكوفين والمصلين. تشير الدراسات في تعاليم الأديان الإلهية إلى أن هناك دائمًا طرقًا من الانطواء والابتعاد عن الجماعة في الأديان السماوية.
الاعتکاف في القرآن
يتضح من كلام الوحي أن بين بني إسرائيل كان هناك نوع من الصوم مصحوب بالصمت «صمت» شائع[٦]. النبي موسى (عليه السلام)، على الرغم من المسؤولية الثقيلة لقيادة الأمة، تركهم لفترة وذهب إلى خلوته في جبل الطور للتعبد. وعندما سأله ربه، أجاب:
«وعجلت إليك رب لترضى» (طه/ 84).
يتحدث القرآن الكريم في مكان آخر عن "الرهبانية" وانعزال أتباع النبي عيسى (عليه السلام). يقول:
«ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها» (الحديد/27)؛ ورهبانية ابتدعوها لم نكتبها عليهم إلا طلباً لرضا الله. فلم يراعوها كما ينبغي.»
قال المفسر الكبير للقرآن، العلامة الطباطبائی: «إن لحن الآية الشريفة يدل على أن الله لم يفرض الرهبانية على أتباع النبي عيسى (عليه السلام)، لكنه أقرها[٧]». على الرغم من أنهم بسبب تجاوزهم في الرهبانية وعدم مراعاة حدودها، تعرضوا للذم من الله.
الإسلام، من خلال تقديم عبادة تُسمى "الاعتکاف"، التي هي في الواقع نوع من الخلوة والانطواء، قد وضع حلاً لبناء البشر ومنع فتنة نسيان الله ونسيان النفس. كل هذا يدل على أنه على الرغم من أن روح تعاليم الأديان تدعو إلى الجماعة، فإن الإنسان يحتاج أيضًا إلى برامج تربطه بذاته.
سر هذه المسألة واضح؛ عادةً ما يعزز الحضور المستمر والدائم في مجالات الاجتماع والعمل والجهد العملي روح العمل في الإنسان تدريجيًا.
قد تجعل هذه الروح الإنسان خاليًا من الداخل إلى حد أنه لا يفكر في شيء سوى المزيد من العمل. الشخص العملي والمثقل بالأعمال، في كثير من الأحيان، لا يجد حتى الفرصة لتقييم نتائج أعماله وجهوده بشكل صحيح. لذلك، يعد الاعتکاف فرصة مناسبة للإنسان للبحث عن دوافعه وروحياته، والسعي لإصلاح نقائصه وتحسينها. لذا، فإن الاعتکاف، بميزات التي وضعها الإسلام له، هو استجابة لهذه الحاجة الروحية وفرصة ثمينة للتوجه إلى النفس وإلى الله.
الاعتکاف في الأحاديث
إن مستوى اهتمام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بإقامة الاعتکاف يستحق الكثير من الدقة والتأمل. لقد أثنى الله تعالى على نبيه بخلق عظيم.
«وإنك لعلى خلق عظيم» (القلم /4).
ومع ذلك، لم يكن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يراعي نفسه بعيدًا عن الاعتکاف رغم المسؤولية الاجتماعية الكبيرة التي كانت على عاتقه.
كما جاء في حديث عن الإمام صادق (عليه السلام): «كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا كانت العشر الأواخر يعكف في المسجد ويضرب له قبة من شعر ويشمر المئزر ويطوي فراشه[٨]؛ كان رسول الله يعكف في العشر الأواخر من شهر رمضان في المسجد، وكان يُقيم له خيمة من شعر في المسجد. كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يستعد للاعتکاف ويجمع فراشه.»
وفي حديث آخر من الإمام صادق (عليه السلام) جاء: «كانت بدر في شهر رمضان ولم يعكف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلما كان من قابل اعتكف عشرين. عشرة لعامة وعشرة قضاء لما فاته[٩]؛ حدثت غزوة بدر في شهر رمضان، لذلك لم يتمكن رسول الله من الاعتکاف. وفي شهر رمضان من العام التالي، اعتكف عشرة أيام كتعويض عن العام السابق.»
بالإضافة إلى اهتمامه العملي بالاعتکاف، كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يشجع المؤمنين على القيام بهذه العبادة من خلال بيان فضائلها وأجرها الكبير. في حديث عنه، قال: «الاعتکاف عشرة في شهر رمضان يعدل حجتين وعمرتنين[١٠]؛ عشرة أيام من الاعتکاف في شهر رمضان تعادل حجتين وعمرتنين.»
على الرغم من أن هذا الحديث يشير إلى الاعتکاف لمدة عشرة أيام في شهر رمضان، إلا أن الاعتکاف لفترة أقل من ذلك (شرط أن لا تقل عن ثلاثة أيام) في غير شهر رمضان، وخاصة في «أيام البيض»، له فضيلة وثواب خاص.
وقت الاعتکاف
الاعتکاف من حيث الوقت ليس محدودًا بوقت خاص، وإنما لأنه يتطلب الصوم، يجب أن يتم الاعتکاف في وقت يمكن فيه شرعًا الصوم. لذا، كلما كان الصوم صحيحًا، يكون الاعتکاف صحيحًا أيضًا، لكن أفضل وقت للاعتکاف هو العشر الأواخر من شهر رمضان، وأيام البيض من شهر رجب. الاعتکاف في العشر الأواخر من رمضان ليس بعيدًا عن إعداد الإنسان لفهم ليلة القدر والاستفادة من فضلها. في بلادنا، الآن، الاعتکاف في ثلاثة أيام من شهر رجب أكثر شيوعًا من الاعتکاف في العشر الأواخر من شهر رمضان. وهذه الأيام الثلاثة تحمل أهمية من عدة جوانب:
- ```أولاً:``` إن شهر رجب هو شهر حرام، ومن الروايات يتضح أن الاعتکاف في الأشهر الحرام له فضيلة أكبر مقارنةً بالأشهر الأخرى.
- ```ثانيًا:``` الصوم في شهر رجب له فضيلة خاصة، لأن شهر رجب هو شهر عظيم كان الناس حتى في الجاهلية يحرصون عليه. وقد أضاف الإسلام إلى احترامه ومكانته[١١]. يبدو أن مثل هذا السلوك والاعتقاد تجاه شهر رجب كان متبقيًا من أديان أخرى بين الناس.
مالك بن أنس (إمام المذهب المالكي) قال: أقسم بالله، لم أرَ حتى الآن أحدًا من حيث الورع، والفضيلة، والعبادة، والتقوى أفضل من الإمام الصادق (عليه السلام). كنت أذهب إلى حضرته، وكان يولي لي اهتمامًا ويُظهر لي الاحترام. يومًا ما قلت له: يا ابن رسول الله! ما هو جزاء من يصوم يومًا من شهر رجب بإيمان وإخلاص؟ قال الإمام الصادق (عليه السلام): روى لي أبي عن جده عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: من صام يومًا من شهر رجب بإيمان وإخلاص، غُفرت ذنوبه[١٢].
استنادًا إلى حديث آخر من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، من صام ثلاثة أيام من شهر رجب، يبعد الله بينه وبين النار جهنم بمقدار سبعين عامًا. ينادي الله الرحيم من صام ثلاثة أيام من شهر رجب، قائلاً: حقك علي واجب، ومحبتك وولايتي لك مؤكدة. أيها الملائكة! أشهد أمامكم أنني غفرت ذنوب عبدي[١٣].
بالإضافة إلى الروايات التي تؤكد بشكل عام على فضيلة صوم شهر رجب، تم التأكيد أيضًا على الصوم في الأيام 13 و14 و15 وأداء عمل "أم داود".
مكان الاعتکاف
الاعتکاف من حيث المكان له قيود خاصة. الرأي المعروف هو أن الاعتکاف لا يجوز إلا في أحد المساجد الأربعة (المسجد الحرام، مسجد النبي، مسجد الكوفة، ومسجد البصرة).
قال الإمام رضا (عليه السلام): «الاعتکاف ليلة في مسجد الرسول وعند قبره يعدل حجة وعمرة[١٤]؛ ليلة واحدة من الاعتکاف في مسجد النبي وعند قبره تعادل حجة وعمرة.»
لكن بعض الفقهاء أجازوا الاعتکاف في المسجد الجامع لكل مدينة ومنطقة[١٥].
بالطبع، في ما يتعلق بالمسجد الجامع، يعتقد البعض أنه يجب أن يتم الاعتکاف بنية الرجاء، على أمل أنه قد يكون مقبولًا عند الله[١٦]. الاعتکاف في المساجد الأخرى مثل مسجد الحي والسوق، يُعتبر جائزًا فقط في نظر عدد قليل من الفقهاء الشيعة[١٧]. المقصود من المسجد الجامع في كل مدينة ومنطقة هو المسجد الذي عادةً ما يتجمع فيه عدد أكبر من الناس[١٨]؛ بمعنى آخر، هو المسجد الذي يكون فيه غالبًا عدد أكبر من المساجد الأخرى[١٩].
الشيخ لطف الله الميسي الأصفهاني في كتاب "رسالة الاعتکاف" تناول روايات حول الاعتکاف، وذكر ضمن الأحاديث أدلة جواز إقامة الاعتکاف في المسجد الجامع، نصب القبة، وكذلك إحياء العشر الأواخر من شهر رمضان.
من الواضح أن هناك اختلافًا بين فقهاء الشيعة حول مكان الاعتكاف. هذا الاختلاف ناتج عن الرواية التي تفيد بأن الاعتكاف جائز في المسجد الذي أقام فيه الإمام العادل جماعة. بعض الفقهاء يعتبرون أن الاعتكاف جائز فقط في عدد قليل من المساجد (الكوفة، البصرة، المدينة ومكة)، بينما يعتبر آخرون أن مساجد أخرى أيضًا جائزة للاعتكاف.
من بين هؤلاء، حددت مجموعة فقط المساجد الجامع، بينما اعتبر البعض الآخر جميع مساجد الجماعات. الشيخ لطف الله كان يؤمن بأنه يجوز الاعتكاف في جميع المساجد الجامع وحتى الجماعات، لكنه أشار إلى الرواية التي تتحدث عن "الإمام العادل" قائلاً إن المقصود بالإمام العادل يشمل الإمام المعصوم وغير المعصوم. وأكد الشيخ أن السؤال كان أساسًا عن مساجد بغداد، ومن الواضح أن مفهوم العدل لا يمكن أن يرتبط بالإمام المعصوم لإقامة الصلاة في تلك المساجد.
وأشار إلى آراء بعض الفقهاء المتقدمين الذين يرون أن الاعتكاف جائز فقط في المساجد الأربعة، وذكر أسماء بعض علماء عصره، الذين كانوا غالبًا من علماء جبل عامل، ورأيهم كان أن الاعتكاف جائز في كل مسجد جامع. من بينهم المرحوم الشيخ البهائي الذي كان حيًا عند تأليف هذه الرسالة، وكذلك الشيخ علي بن عبد العالي الميسي، جد الكاتب، والشهيد الثاني والعديد من الآخرين.
قد يطرح هنا سؤال حول ما إذا كان من الأفضل اعتبار الاعتكاف جائزًا في أي مسجد، حتى يتمكن الجميع بسهولة من الاستفادة من هذه العبادة.
في الرد يجب أن نقول: إن العبادات الدينية توقيفية تمامًا، بمعنى أنه يجب أخذ شروطها وأحكامها من النصوص الإسلامية والأحكام الشرعية. كلما تم استخدام أدلة معتبرة تثبت أن مكان الاعتكاف هو المسجد الجامع، لا يمكن التصرف وفقًا للذوق الشخصي في شروط العبادة وتوسيع نطاقها.
بشكل عام، بعض العبادات لها قيود معينة من حيث المكان.
يجب أن تتم مراسم وأعمال الحج في أماكن معينة. لذلك، فإن القيام بأعمال الحج في غير الأماكن المحددة يعد بلا معنى.
فيما يتعلق بالاعتكاف، إذا ثبت بالأدلة المعتبرة أن مكانه هو المسجد الجامع، نفهم أن الشارع المقدس قد طلب منا هذه العبادة فقط في هذا المكان المحدد. بالطبع، في تشريع هذا الحكم كانت هناك مصالح معينة، قد لا يستطيع عقلنا إدراكها بشكل مؤكد. ربما يريد الإسلام من خلال حصر الاعتكاف في المسجد الجامع أن يكون هناك نوع من السيطرة على الكمية والجودة، ومع هذه العبادة، تبرز قيم أخرى مثل الوحدة والمشاركة والتعاطف.
الإنسان المعتكف الذي يلتزم بآداب الاعتكاف، في كل حالة من حالات الصلاة والدعاء والتفكر والسهر والبكاء، يصل إلى كنوز من رحمة الله الخاصة، والتي ستكون أغلى استثمار في حياته وأفضل زاد له في الآخرة.
أيضًا، أحيانًا يريد الله من أجل تأديب الناس أو لعقوبتهم بسبب ظلمهم ومعاصيهم المتزايدة، إنزال العذاب، ويقدر بلاءً مثل الجفاف أو الزلزال أو المرض العام وما شابه ذلك، لكن الأعمال الصالحة لبعضهم تدفع البلاء، وبطريقة لا يدركون بها، تمنع تحقق العذاب والعقاب الإلهي.
الاعتكاف الخالص لعدد كبير من الناس في مجتمعنا يمكن أن يلعب مثل هذا الدور في المجتمع الإسلامي؛ أي عندما لا ترتفع قلة تقدير الناس لنعم الله إلى ذروتها، وعندما تنتشر الغفلة عن الله بأشكال مختلفة بين الناس، ويبعد التعلق بالمال والشهوات جزءًا كبيرًا من المجتمع عن عبادة الله ويجعلهم غير مبالين بحقوق الآخرين، تقترب خطر نزول البلاء، ولكن بكاء المعتكفين وطلبهم ورزقهم، يثير رحمة الله، وبسبب شفاعتهم، يبقى العصاة في أمان.
حکم الاعتكاف
من شرط صحة انعقاده الصوم، وفاقا لأبي حنيفة وأصحابه ، وخلافا للشافعي فإنه قال : يصح الاعتكاف بغير صوم ، ويصح أن يفرد الليل والعيدين و أيام التشريق بالاعتكاف ، لنا ما روي عن علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) أنه قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : لا اعتكاف إلا بالصوم وقوله لعمر : اعتكف وصم[٢٠] وقوله تعالى : { ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد } [٢١] لفظ الاعتكاف شرعي وله شروط شرعية على حسب الخلاف في ذلك ، وعلى كل حال يفتقر فيه إلى بيان ، وإذا لم يبينه سبحانه في الكتاب احتجنا في بيانه إلى الرسول وإذا وجدناه ( صلى الله عليه وآله ) لم يعتكف إلا بصوم كان فعله بيانا ، وفعله إذا وقع على جهة البيان كان كالموجود في لفظ الآية .
ومن شرط انعقاده أن يكون في مسجد صلى فيه النبي ( صلى الله عليه وآله )، أو إمام عادل بعده الجمعة وذلك أربعة مساجد ، المسجد الحرام، و مسجد المدينة، و مسجد الكوفة، والبصرة،[٢٢] " خلافا للشافعي وأبي حنيفة فإنهما قالا : المستحب أن يعتكف في الجامع ، ويصح أن يعتكف في سائر المساجد[٢٣]
لنا أنه لا خلاف في انعقاده فيما ذكرناه من الأمكنة وليس على انعقاده في غيرها دليل ، وقوله تعالى : { وأنتم عاكفون في المساجد } لا ينافي ما ذكرناه ، لأن اللفظ مجمل ولفظ المساجد هاهنا ينبئ عن الجنس لا عن الاستغراق.
ومن شرط انعقاده أن يكون ثلاثة أيام فما زاد. [٢٤] خلافا للشافعي فإنه قال : الاعتكاف عبارة عن اللبث في المسجد ساعة مع الكف عن الجماع[٢٥] وأبي حنيفة فإنه قال : أقله يوم وليلة[٢٦] وذلك لأن الصوم عنده شرط الاعتكاف وليس عند الشافعي شرطا ، لنا طريقة الاحتياط و اليقين لبراءة الذمة لمن وجب عليه الاعتكاف بنذر أو عهد وليس كذلك إذا لم يكن ثلاثة أيام " وتعلقهم بظاهر قوله تعالى : { وأنتم عاكفون في المساجد } وأنه يتناول ما نقص عن ثلاثة أيام ، لا يصح ، لأنا قد بينا أن الاعتكاف إما أن يكون لفظه شرعيا أو لغويا له شروط شرعية ، فلا بد من الرجوع إلى الشرع ، إما في الاسم أو في الشروط ، فعليهم أن يدلوا أن ما نقص عن الثلاثة يتناوله في الشرع هذا الاسم ، وتكمل له الشروط الشرعية حتى تتناول الآية له . وملازمة المسجد شرط في صحة الاعتكاف بلا خلاف إلا لعذر ضروري من إرادة بول ، أو غائط ، أو إزالة حدث الاحتلام ، أو أداء فرض تعين من شهادة أو غيرها ، ويجوز أن يخرج لعيادة مريض "[٢٧] أو زيارة الوالدين والصلاة على الأموات خلافا للشافعي وأكثر الفقهاء فإنه قال : إن فعل ذلك بطل اعتكافه. [٢٨]
وفي الوجيز : لا بأس بعيادة المريض في الطريق من غير تعريج ، ولا بأس بصلاة الجنازة من غير ازورار عن الطريق[٢٩]، لنا ما ورد من الأخبار في الحث على ذلك لأنه على عمومه ، ولا يخرج منه إلا ما أخرجه دليل قاطع ولا دليل عليه .
من خرج لإقامة الشهادة ولم يتعين عليه إقامتها لم يبطل اعتكافه ، خلافا للشافعي فإنه قال : يبطل ، لنا أن الأصل جواز ذلك والمنع يحتاج إلى دليل[٣٠]، وإن تعين عليه الأداء فعليه أن يخرج ويقيم الشهادة ، ولا يبطل اعتكافه .
وللشافعي فيه قولان[٣١] ولا يجوز لمن خرج بعذر أن يجلس تحت سقف مختارا حتى يعود إلى المسجد، ولا التجارة بالبيع والشراء على كل حال. [٣٢]
وفي النافع للحنفية : ولا بأس بأن يبيع ويبتاع في المسجد من غير أن يحضر السلع للضرورة .
وإذا أفطر المعتكف نهارا ، أو جامع ليلا بطل اعتكافه خلافا للشافعي[٣٣] في الإفطار ووفاقا لهما في الجماع[٣٤] ووجب عليه استئنافه وكفارة من أفطر يوما من شهر رمضان[٣٥] خلافا لهما. [٣٦]
لنا قوله تعالى : { ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد } لأنه لم يفصل بين الليل والنهار .
وإن جامع نهارا كان عليه كفارتان : إحداهما لإفساد الصوم والأخرى لإفساد الاعتكاف ، وإن أكره زوجته على الجماع وهي معتكفة انتقلت كفارتها إليه .
والاعتكاف المتطوع به يجب بالدخول فيه المضي فيه ثلاثة أيام ، وهو في الزيادة عليها بالاختيار إلا إن زاد له يومان ، فيلزم تكميل ثلاثة أخرى ، بدليل إجماع الإمامية وطريقة الاحتياط. [٣٧]
وفي النافع من دخل في صوم أو صلاة التطوع ثم أفسدها قضاها ، وقال الشافعي لا شئ عليه لقوله ( صلى الله عليه وآله ) للمرأة التي قالت كنت صائمة إلا أني كرهت أن أرد سؤالك فقال ( عليه السلام ) إن شئت قضيت ، ولأبي حنيفة قوله ( عليه السلام ) لـ عائشة و حفصة [٣٨] وكانتا صائمتين أفطرتا : اقضيا يوما مكانه .
إذا باشر امرأته في حال اعتكافه فيما دون الفرج ، أو لمس ظاهرها بطل اعتكافه ، أنزل أو لم ينزل . وفاقا للشافعي في الإملاء وخلافا له في الأم فإنه قال : لا يبطل ، أنزل أو لم ينزل .
وقال أبو حنيفة: إن أنزل بطل ، وإن لم ينزل لم يبطل .
لنا قوله تعالى : { ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد } وهذا عام في كل مباشرة. [٣٩]
إذا وطأ ناسيا ، لم يبطل اعتكافه وفاقا للشافعي . وقال أبو حنيفة : يبطل ، لنا قوله ( عليه السلام ) : رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. [٤٠]
إذا قال لله علي أن اعتكف شهرا كان بالخيار بين أن يعتكف متفرقا أو متتابعا وفاقا للشافعي . وقال أبو حنيفة : عليه المتابعة إلا أن ينوي اعتكاف نهار شهر ، فإنه لا يلزمه المتابعة . لنا أنه لم يذكر المتتابعة و الأصل براءة الذمة. [٤١]
إذا نذر اعتكاف يومين ، لا ينعقد نذره خلافا للشافعي فإنه قال يلزمه يومان وليلة. ويحكي عن أبي حنيفة يومان وليلتان ، لنا ما قدمناه من الدلالة على أنه لا اعتكاف أقل من ثلاثة أيام. [٤٢]
إذا أذن لزوجته أو أمته في الاعتكاف لم يكن له منعهما وفاقا لأبي حنيفة في الزوجة وخلافا له في الأمة . وقال الشافعي : له منعهما من ذلك . لنا أن جواز المنع بعد ثبوت الاعتكاف يحتاج إلى دليل ولا دليل عليه في الشرع. [٤٣]
لا يجوز للمعتكف استعمال الطيب خلافا للشافعي فإنه قال يجوز ، لنا طريقة الاحتياط. [٤٤]
جستارهای وابسته
الهوامش
- ↑ العلامة مجلسی، بحار الأنوار، ج 14، ص 141.
- ↑ تفسير نمونة، ج 13، ص 33.
- ↑ العلامة طباطبائی، الميزان، ج 14، ص 34.
- ↑ سيد مرتضى، المسائل الناصرية، ص 119.
- ↑ العلامة حلی، تذكرة الفقهاء، ج 6، كتاب الاعتکاف، ص 239.
- ↑ حر عاملي، وسائل الشيعة؛ ج 7، ص 116.
- ↑ الميزان، ج 19، ص 173.
- ↑ حر عاملي، وسائل الشيعة، ج 7، ص 397، رواية 1.
- ↑ نفسه، رواية 2.
- ↑ الشيخ صدوق، من لا يحضره الفقيه، كتاب الاعتکاف، ص 188.
- ↑ الشيخ صدوق، فضائل الأشهر الثلاثة، ص 24، رواية 12.
- ↑ نفسه، ص 38، رواية 16.
- ↑ نفسه، ص 25، جزء من رواية 12.
- ↑ بحار الأنوار، ج 98، ص 151.
- ↑ سيد محمد كاظم طباطبائی، العروة الوثقى، كتاب الاعتکاف، ص 399.
- ↑ الإمام الخميني (ره)، تحرير الوسيلة، ج 1، ص 305.
- ↑ الشيخ محمد حسن نجفي، جواهر الكلام، ج 17، ص 170.
- ↑ الإمام الخميني (ره)، تحرير الوسيلة، ج 1، ص 305.
- ↑ آية الله گلپایگانی، مجمع المسائل، ج 1، ص 154.
- ↑ الخلاف : 2 / 227 مسألة 92 .
- ↑ البقرة : 187 .
- ↑ الغنية 146 .
- ↑ الخلاف : 2 / 233 مسألة 102 .
- ↑ الغنية : 146 .
- ↑ الوجيز : 1 / 105 .
- ↑ الهداية في شرح البداية : 1 / 129 .
- ↑ الغنية 146 - 147 .
- ↑ الخلاف : 2 / 234 مسألة 105 .
- ↑ الوجيز : 1 / 108 .
- ↑ الخلاف : 2 / 235 مسألة 107 .
- ↑ الخلاف : 2 / 236 مسألة 108 .
- ↑ الغنية 147 .
- ↑ الوجيز : 1 / 106 .
- ↑ الهداية في شرح البداية : 1 / 130 .
- ↑ الغنية : 147 .
- ↑ الخلاف : 2 / 238 مسألة 113 .
- ↑ الغنية 147 .
- ↑ بنت عمر بن الخطاب ، كانت قبل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) تحت خنيس بن حذافة السهمي وتزوجها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) . توفيت سنة ( 41 ه ) . أسد الغابة : 6 / 65 رقم 6845 .
- ↑ الخلاف : 2 / 229 مسألة 93 .
- ↑ الخلاف : 2 / 229 مسألة 94 .
- ↑ الخلاف : 2 / 229 مسألة 95 .
- ↑ الخلاف : 2 / 230 مسألة 96 .
- ↑ الخلاف : 2 / 231 مسألة 98 .
- ↑ الخلاف : 2 / 240 مسألة 116 .
منابع
- [https://hawzah.net/fa/Magazine/View/89/3424/16351/%D8%A7%D8%B9%D8%AA%DA%A9%D8%A7%D9%81 الاعتكاف، موقع إعلامي حوزوي، تاريخ نشر الموضوع: 30 سبتمبر 2011 م ، تاريخ الاطلاع: 13 مارس 2022 م.