ليلة القدر
ليلة القدر هي إحدى ليالي شهر رمضان، وهي الليلة التي هي أفضل من ألف شهر. هي ليلة نزول القرآن، وتقدير الأمور، ومغفرة الخطايا. ليلة القدر هي أكبر دليل على الإمامة واستمراريتها عبر الزمن. وفقًا لـالروايات، يتم تقدير مصير الأفراد في هذه الليلة لمدة عام كامل. في تعاليم الإسلام وكلام المعصومين (عليهم السلام) لم يتم تحديد ليلة معينة على أنها ليلة القدر؛ بل تعتبر إحدى ليالي التاسع عشر أو الواحد والعشرين أو الثالث والعشرين من شهر رمضان المبارك. وقد تم التأكيد في الروايات على إحياء (قيام) ليالي القدر، وتم تحديد أعمال خاصة لهذه الليالي.
ليلة القدر
المعنى من "قدر" هو التقدير والقياس، و«ليلة القدر» هي ليلة القياس، وفيها يقوم الله تعالى بتقدير أحداث سنة كاملة، بما في ذلك الحياة والموت، ورزق الإنسان، وسعادته وشقائه، وأمور من هذا القبيل.
أي ليلة هي ليلة القدر؟
في القرآن الكريم، لا توجد آية تصرح بشكل واضح عن تحديد «ليلة القدر»، ولكن من خلال جمع عدة آيات من القرآن الكريم يمكن فهم أن ليلة القدر هي إحدى ليالي شهر رمضان المبارك. يقول القرآن الكريم من جهة: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ (دخان/3)، وهذه الآية تشير إلى أن القرآن نزل بشكل متكامل في ليلة مباركة. ومن جهة أخرى، يقول: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ (البقرة/185)، وهذه الآية تشير إلى أن القرآن نزل بالكامل في شهر رمضان. وفي سورة القدر يقول:إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (آية/ 1).
من مجموع هذه الآيات، يتضح أن القرآن الكريم نزل في ليلة مباركة، في شهر رمضان، وهي ```«ليلة القدر»```، لذا فإن ليلة القدر تقع في شهر رمضان. لكن ما هي الليلة المحددة من ليالي رمضان التي تعتبر ليلة القدر، فلا يوجد شيء في القرآن الكريم يدل على ذلك. ويمكن تحديد تلك الليلة فقط من خلال الأخبار.
في بعض الروايات المنقولة عن الأئمة الأطهار (عليهم السلام), تُعتبر «ليلة القدر» مترددة بين التاسع عشر والواحد والعشرين والثالث والعشرين من شهر رمضان، وفي بعضها الآخر مترددة بين الليلة الواحدة والعشرين والثالثة والعشرين، وفي روايات أخرى محددة في الليلة الثالثة والعشرين[١]، وعدم تحديد ليلة معينة يعود لتعظيم أمر ليلة القدر حتى لا يهين عباد الله أنفسهم بخطاياهم. وبالنظر إلى روايات أهل البيت (عليهم السلام), تُعتبر ليلة القدر من ليالي شهر رمضان، واحدة من الثلاث ليالي التاسع عشر والواحد والعشرين والثالث والعشرين. لكن الروايات المنقولة عن طرق أهل السنة تتباين بشكل عجيب ولا يمكن التوفيق بينها، لكن المشهور بين أهل السنة هو أن الليلة السابعة والعشرين من رمضان هي ليلة القدر[٢]، وأن القرآن نزل في تلك الليلة.
تكرار ليلة القدر في كل عام
```«ليلة القدر»``` ليست محصورة في ليلة نزول القرآن والسنة التي نزل فيها القرآن؛ بل تتكرر هذه الليلة مع مرور السنين، أي في كل شهر رمضان، هناك ليلة قدر تُقدّر فيها أمور السنة القادمة. والدليل على ذلك هو:
- أولاً: نزول القرآن بشكل كامل في إحدى ليالي القدر قبل أربعة عشر قرنًا قد يكون ممكنًا، لكن تحديد أحداث جميع القرون الماضية والمستقبلية في تلك الليلة ليس له معنى.
- ثانيًا: الكلمة "يفرق" في الآية الشريفة: فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (دخان/4) تدل على الاستمرارية بسبب صياغتها المضارعة، وكذلك الكلمة "تنزل" في الآية الكريمة: تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (قدر/4) تدل أيضًا على الاستمرارية بسبب صياغتها المضارعة.
- ثالثًا: من ظاهر العبارة: «شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن» يتبين أنه ما دام يتكرر شهر رمضان، فإن تلك الليلة تتكرر أيضًا. لذا فإن ليلة القدر ليست محصورة في ليلة واحدة؛ بل تتكرر في كل عام وفي شهر رمضان.
في هذا الصدد، في تفسير البرهان من الشيخ الطوسي، رُوي عن أبوذر أنه قال: سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا رسول الله، هل كانت ليلة القدر ليلة في عهد الأنبياء حيث كانت الأمور تنزل عليهم، وعندما كانوا يغادرون الدنيا يتوقف نزول الأمور في تلك الليلة؟ فقال: «لا، بل ليلة القدر ستبقى حتى يوم القيامة[٣]».
عظمة ليلة القدر
في سورة القدر نقرأ: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ* لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ(قدر/1_3). الله تعالى يبيّن عظمة ليلة القدر، مع أنه كان بإمكانه أن يقول: «وما أدراك ما هي، هي خير من ألف شهر»، أي أنه كان يمكن أن يستخدم الضمير بدلاً من كلمة «ليلة القدر» في الآية الثانية والثالثة، لكنه استخدم الكلمة نفسها للدلالة على عظمة هذه الليلة. ومع الآيات التالية، بيّن عظمة هذه الليلة بأنها أفضل من ألف شهر. المقصود من كون هذه الليلة أفضل من ألف شهر هو الأفضلية من حيث فضيلة العبادة. لأن ذلك يتناسب مع غرض القرآن، حيث أن كل اهتمام القرآن هو أن يقرب الناس إلى الله ويحييهم من خلال العبادة. وقيام تلك الليلة أو عبادتها أفضل من عبادة ألف شهر. سُئل الإمام الصادق (عليه السلام): كيف تكون ليلة القدر أفضل من ألف شهر؟ (مع أنه في تلك الألف شهر يوجد ليلة قدر واحدة في كل اثني عشر شهرًا). فأجاب: «العبادة في ليلة القدر أفضل من العبادة في ألف شهر لا توجد فيها ليلة قدر[٤]».
أحداث ليلة القدر
نزول القرآن
ظاهر الآية الشريفة: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ(قدر/1) هو أن القرآن كله نزل في ليلة القدر، ولأن التعبير جاء بصيغة "إنزال" التي تدل على الكمال والدفع، وليس تنزيلاً، الذي يدل على النزول التدريجي.
القرآن الكريم نزل بطريقتين:
- النزول دفعاً (مرة واحدة) في ليلة محددة.
- النزول تدريجياً على مدى ثلاث وعشرين سنة من نبوة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله).
آيات مثل: وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا (الإسراء/106) تبين النزول التدريجي للقرآن. في النزول دفعاً (مرة واحدة)، لم ينزل القرآن الكريم، الذي يتكون من سور وآيات، مرة واحدة؛ بل نزل بشكل إجمالي، حيث أن الآيات التي تتعلق بالأحداث الشخصية والحوادث الجزئية لها ارتباط كامل مع الزمان والمكان والأشخاص وظروف خاصة تتعلق بتلك الأشخاص وتلك الظروف وفي ذلك الزمان والمكان، ومن الواضح أن مثل هذه الآيات لا يمكن أن تتحقق إلا إذا حدث ذلك الزمان والمكان وتلك الأحداث الخاصة، بحيث إذا تم تجاهل تلك الأزمان والأماكن والأحداث الخاصة وفرض أن القرآن نزل مرة واحدة، ستُحذف قهراً مواضيع تلك الآيات ولن يتم تطبيقها عليها، لذا فإن القرآن لم ينزل مرتين بنفس الهيئة، بل هناك فرق بين نزولين للقرآن، والفرق يكمن في الإجمال والتفصيل. نفس الإجمال والتفصيل المذكور في الآية الشريفة: قالب:نص القرآن. وفي ```«ليلة القدر»``` نزل القرآن الكريم بشكل إجمالي ودفعة واحدة على النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)، ثم نزل بالتفصيل والتدريج وعلى شكل آيات على مدى ثلاث وعشرين سنة.
تقدير الأمور
الله تعالى في ليلة القدر يقدّر أحداث السنة المقبلة، مثل الموت والحياة، وسعة أو ضيق الرزق، والسعادة والشقاء، والخير والشر، والطاعة والمعصية وغيرها. في الآية الشريفة: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ(قدر/1)، كلمة ```«قدر»``` تدل على التقدير والقياس، والآية الشريفة: فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ(دخان/4) التي نزلت في وصف ليلة القدر تدل أيضًا على التقدير. لأن كلمة «فرق» تعني فصل وتحديد شيئين عن بعضهما. والفرق بين كل أمر حكيم لا يعني سوى تحديد ذلك الأمر وتحديد الواقعة التي يجب أن تحدث. الأمور بموجب القضاء الإلهي لها مرحلتان: واحدة إجمالية وغامضة، والأخرى تفصيلية. وليلة القدر، كما يتبين من الآية السابقة، هي الليلة التي تخرج فيها الأمور من المرحلة الإجمالية والغموض إلى مرحلة الفصل والتفصيل.
نزول الملائكة والروح
حسب الآية الشريفة: تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ(قدر/4)، تنزل الملائكة والروح في هذه الليلة بإذن ربهم. والمقصود من الروح هو الروح التي من عالم الأمر، وقد قال الله تعالى عنها: قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ...(الإسراء/85). في هذا السياق، هناك نقاشات مفصلة في تفسير المیزان، لكن لأسباب اختصار الموضوع، سنكتفي بروايتين حول نزول الملائكة وما هو الروح.
- النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) قال: عندما تأتي ليلة القدر، تنزل الملائكة الذين يسكنون في ```«سدرة المنتهى»```، وجبريل واحد منهم، في حين أن جبريل يأتي مع الآخرين حاملين أعلامًا. علم فوق قبري، وعلم فوق بيت المقدس، وعلم في المسجد الحرام، وعلم على طور سيناء، ولا يبقى مؤمن أو مؤمنة في هذه الأماكن إلا ويقوم جبريل بتحيتهم، إلا من كان دائم الخمر أو مدمنًا على أكل لحم الخنزير أو يضع الزعفران على جسده[٥].
- سُئل الإمام الصادق (عليه السلام) عن الروح. فقال: الروح أكبر من جبريل، وجبريل من نوع الملائكة، والروح ليست من ذلك النوع. أليس ترى أن الله تعالى قال: «تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ»، إذًا يتضح أن الروح غير الملائكة[٦].
السلام والأمان
القرآن الكريم يبيّن هذه الميزة «ليلة القدر» بقوله: سَلَامٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ الْفَجْرِ (قدر /5). كلمة سلام تعني خلوها من الآفات الظاهرة والباطنة. وجملة «سلام هي» تشير إلى أن العناية الإلهية قد تعلق بأن تشمل رحمتها جميع عبادها الذين يتوجهون إليه، وكذلك في خصوص ليلة القدر، تُغلق أبواب العذاب، بمعنى أنه لا يُرسل عذاب جديد. وهذا يعني أنه في هذه الليلة، لا يكون كيد الشياطين مؤثرًا، كما تم الإشارة إليه في بعض الروايات. بعض المفسرين قالوا: المقصود من كلمة «سلام» هو أن الملائكة تمر على كل مؤمن مشغول بالعبادة وتُسلم عليه.
وصلات خارجیة
الهوامش
المصادر
- القرآن الكريم.
- سيد محسن الأمين، أعيان الشيعة، تحقيق: حسن الأمين، بدون تاريخ، بدون مكان.