انتقل إلى المحتوى

محمد بن يعقوب الكليني

من ویکي‌وحدت

محمد بن يعقوب الكليني المعروف بـالكليني وشيخ الكليني، ثقة الإسلام الكليني صاحب كتاب الكافي وأشهر العلماء وفقيه ومحدث بارز في الشيعة في النصف الأول من القرن الرابع الهجري. التقى بالعديد من آخر الأشخاص الذين سمعوا الحديث مباشرة من الإمام العسكري (عليه السلام) أو الإمام الهادي (عليه السلام)، واستفاد من محضر أساتذة كبار.

الولادة

سنة ولادة الكليني غير معروفة، لكن وفاته كانت في ٣٢٨ أو ٣٢٩ هـ، وقد عاصر سفراء الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، أي النواب الخاصين لذلك الإمام. ولد في قرية كلين التي تبعد ٣٨ كيلومترًا جنوب غرب مدينة ري الحالية، وتقع على بعد خمسة كيلومترات من الطريق، وقد خرج من هذه القرية فقهاء ومحدثون كبار من بينهم محمد بن يعقوب الكليني وعمه المرحوم علان.

التعليم والأساتذة

بعد أن أنهى مراحل الدراسة الأولى وتعرف على مصادر الرجال والحديث، هاجر الكليني من كلين إلى ري. كانت «ري» آنذاك مدينة كبيرة تضم مذاهب وأفكارًا متعددة تعيش في سلام تام، وإن كان هذا السلام أحيانًا يتعرض لهزات سياسية. فرقة الإسماعيلية، بدافع السيطرة على إيران، استثمرت في هذه المنطقة أكثر من غيرها، ونشرت أفكارها وآرائها.

لذلك أصبحت «ري» نقطة التقاء بين أفكار فرقة الإسماعيلية ومذاهب الشافعية والحنفية والشيعة. خلال هذه الفترة، لم يقتصر الكليني على دراسة تعاليم مذاهبه فقط، بل تعرّف على أفكار ومعتقدات الفرق الأخرى، واكتشف الطبيعة الحقيقية لبعض هذه الفرق التي كانت تحاول إبعاد التشيع عن مساره الصحيح. درس الحديث في هذه المدينة عند أساتذة كبار مثل «أبو الحسن محمد بن أسدي الكوفي»[١]، وأظهر قدرة كبيرة في الكتابة والنقاش حول الأحاديث.

يجب أن نعتبر عصر الكليني عصر الحديث، إذ انتشرت حركة جمع وكتابة الأحاديث في جميع الممالك الإسلامية، وكان الباحثون عن علم الحديث ينتقلون من مدينة إلى أخرى ومن مجلس إلى آخر طلبًا للرواية والزيادة في ذخائرهم العلمية. كان نشاط أهل السنة في هذا العصر ملحوظًا إلى حد أن كثيرًا من علومهم الحديثية تعود إلى هذه الفترة التي استمرت حوالي قرن، حيث تم تأليف الصحاح الستة (كتب الحديث الستة لأهل السنة).

في ذلك الوقت، كان طلاب الإمام الهادي (عليه السلام), الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) والإمام الرضا (عليه السلام) لا زالوا أحياء، لكن لم يكن بحوزتهم سوى كتب ومقالات صغيرة متناثرة، وكثير من هذه الكتب ضاعت في ذلك العصر. وإدراكًا منه لخطر فقدان الأحاديث، هاجر الكليني إلى قم - مدينة المحدثين وتلاميذ الأهل البيت (عليهم السلام).

في قم، كان الرواة ومحدثون في كل مسجد وحسينية ينقلون الحديث، وكان كثير منهم من آخر المحدثين الذين سمعوا الحديث مباشرة من الأئمة (عليهم السلام). وجود هؤلاء العلماء جعل محبي كلام أهل البيت (عليهم السلام) يهاجرون إلى هذه المدينة، وكان الكليني منهم.

استفاد من محضر أساتذة كبار مثل أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري، أحمد بن إدريس القمي (المعروف بالمعلم)، عبد الله بن جعفر الحميري (مؤلف كتاب قرب الأسانيد) وابنه محمد بن عبد الله الحميري. بلغ عدد الأساتذة والمحدثين الذين استفاد منهم الكليني حوالي خمسة وثلاثين. ومن بين أساتذة الكليني علي بن إبراهيم القمي صاحب تفسير القمي مكانة كبيرة؛ وهو محدث ورد اسمه في أكثر من سبعة آلاف ومائة وأربعين (٧١٤٠) حديثًا في روايات كتاب الكافي[٢].

تنقل الكليني في جمع أحاديث أئمة الشيعة بين قرى ومدن عديدة، وكان يستقي الحديث من كل محدث يصادفه. كانت الكوفة من المدن التي زارها، وكانت مركزًا علميًا كبيرًا آنذاك، وقليل من المحدثين أو الباحثين لم يزروا هذه المدينة ويستفيدوا من علماءها. كانت الكوفة مركزًا لتبادل الأفكار ونقطة انطلاق في العالم الإسلامي حيث كان الجميع يروجون لمذاهبهم بحرية، فكان لكل من كتاب ومحدثي المذاهب الإسلامية مجالس للدروس والنقاشات ونقل الأحاديث.

كان ابن عقدة من سكان الكوفة، وهو من حافظي الحديث الكبار، وذاكرة قوية جعلته آية من آيات الحفظ في العالم[٣]. كان كثير من كبار المذاهب يتعلمون منه. رغم أنه كان «زيديًا جاروديًا» من الناحية المذهبية، إلا أن ورعه وتقواه جعلاه محدثًا موثوقًا به، وثقت به جميع المذاهب في نقل الأحاديث. استفاد الكليني كثيرًا من هذا الرجل الكبير ورواياته.

بعد تحصيل العلم والحديث من عشرات الأساتذة والمحدثين في المدن والقرى، وصل الكليني في النهاية إلى بغداد. أظهر في رحلاته علمه وفضله وصور صورة حية عن الشيعة الحقيقيين في أذهان الناس، فلم يكن مجهولًا عند دخوله بغداد. كان الشيعة يفتخرون به، وأهل السنة ينظرون إليه بإعجاب. تقواه وعلمه وفضله سرعان ما جعلت كلا من الشيعة وأهل السنة يلجأون إليه في المسائل الدينية، حتى إن العامة والخاصة كانوا يرجعون إليه في الفتاوى، ولذلك كان أول من لقب بـ ثقة الإسلام[٤].

التلاميذ والرواة

روى عن شيخ الكليني العديد من العلماء، من بينهم:

  1. أحمد بن أحمد كاتب كوفي؛
  2. أحمد بن علي بن سعد سعيد كوفي؛
  3. أبو غالب أحمد بن محمد الرازي؛
  4. عبد الكريم بن عبد الله بن نصر بزار التونسي؛
  5. علي بن أحمد بن موسى دقاق؛
  6. محمد بن أحمد السناني الزاهري؛
  7. أبو الفضل محمد بن عبد الله بن مطلب الشيباني؛
  8. محمد بن علي ماجيلويه؛
  9. محمد بن عصام الكليني؛
  10. جعفر بن محمد بن قولويه القمي (مؤلف كتاب كامل الزيارات)؛
  11. هارون بن موسى تلعكبري؛
  12. محمد بن أحمد صفواني؛
  13. محمد بن إبراهيم النعماني (مؤلف كتاب غيبة النعماني).

المؤلفات

مجموع كتاب الكافي الذي يشمل أصول الكافي (مجلدان)، فروع الكافي (خمسة مجلدات)، وروضة الكافي (مجلد واحد)، ويحتوي على ١٦١٩٩ حديثًا عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). كتاب ألفه الكليني بعد عشرين عامًا من الجهد الدؤوب. بهذا العمل الخالد، أثبت الكليني تفوق وفضل علماء التشيع ليس فقط في عصره، بل في تاريخ الإسلام كله. ما أنجزه في عشرين سنة للتشيع، هو ما حققه أكبر ستة علماء أهل السنة خلال قرن كامل.

بالإضافة إلى تأليف مجموعة الكافي، كتب شيخ الكليني الرد على القرامطة[٥]، تفسير الرؤيا (تعبير الأحلام)، مجموعة شعرية تحتوي على قصائد في مدح وفضائل أهل البيت (عليهم السلام)، كتاب رسائل الأئمة الأطهار (عليهم السلام) وكتاب رجال.

الوفاة

توفي المرحوم الكليني بعد سبعين عامًا من الحياة، قضى منها عشرين عامًا في جهد وبحث وعناء لتدوين كتاب الكافي، وذلك في شهر شعبان سنة ٣٢٩ هـ[٦].

المزار

يقول نجاشي: دُفن الكليني في قبره عند باب الكوفة في بغداد في الجانب الغربي، وكان ابن عبدون (توفي عام ٤٢٣ هـ) يعرف قبره، وقال إنه رآه على طريق طائي، وكان عليه لوح مكتوب عليه اسمه واسم أبيه، وقد تهالك في أواخر القرن الرابع. والآن قبره في الجانب الشرقي من دجلة قرب باب جسر عتيق (جسر مأمون)، فإذا جاء أحد من الشرق متجهًا إلى الكرخ، يكون المقبر على يساره. يزور الشيعة هذا المكان منذ قرون باسم قبر الكليني، كما يحترمه السُنة أيضاً، وهذه العادة المستمرة والتقليد القديم يدعونا لاحترام هذا المكان، حتى وإن لم يكن الدفن هناك مثبتًا تاريخيًا.

يقول محمد تقی مجلسی: قبر الكليني في بغداد ويعرف بشيخ المشايخ، ويزوره الجميع، وسمعت من جماعة من الشيعة أن ذلك قبر محمد بن يعقوب الكليني، وزرته بنفسي هناك[٧].

انظر أيضاً

الهوامش

  1. مفاخر الإسلام، علي دواني، ج ٣، ص ٢٦
  2. معجم رجال الحديث، آية الله الخوئي، ج ١١، ص ١٩٤
  3. مفاخر الإسلام، ج ٣، ص ٥٥
  4. ريحانة الأدب، ميرزا محمد علي مدرس التبريزي، ج ٥، ص ٧٩
  5. في زمن كانت فرقة «القرامطة» تتبنى عقائد مختلطة من الزرادشتية، المانوية، والإسلام، ونشرت أفكارها المخالفة، قام الكليني بشجاعة نقد عقائدهم وكتب كتاب «الرد على القرامطة» لتنبيه الشيعة إلى هذا الانحراف.
  6. ريحانة الأدب، ج ٥، ص ٨٠
  7. أصول الكافي - ترجمة مصطفوي، المقدمة، ص ٨

المصادر