انتقل إلى المحتوى

المیزان فی تفسیر القرآن (کتاب)

من ویکي‌وحدت

الميزان في تفسير القرآن المعروف بـتفسير الميزان، هو عمل جليل العلامة السيد محمد حسين طباطبائي (1281-1360 هـ ش) باللغة العربية. الميزة البارزة لهذا التفسير هي إصرار المؤلف على منهج «تفسير القرآن بالقرآن» في شرح الآيات.

يقوم هذا التفسير بتفسير الآيات بشكل مجموعات (الآيات ذات السياق الواحد معًا)، وبعد تفسير بعض هذه المجموعات، يتناول المؤلف بحوثًا عميقة قرآنية، حديثية، فلسفية، عرفانية، أدبية، أخلاقية، تاريخية، اجتماعية وغيرها. ترجم تفسير الميزان إلى الفارسية والإنجليزية والأردية، وأُعدت ثلاثة أنواع من الفهارس بالفارسية والعربية، وأُجريت بحوث تحليلية ونقدية متعددة على هذا الكتاب؛ ومؤخرًا نُشر موجز في مجلد واحد (خلاصة شرح الميزان) باسم خلاصة الميزان في بيروت.

تعريف المفسر والتفسير

العلامة الراحل، الحكيم الإلهي، مفسر القرآن وعالم الإسلام الكبير في العصر الحديث، سيد محمد حسين طباطبائي، وُلد في 29 ذو الحجة سنة 1321 هـ ق الموافق 1280 هـ ش في إحدى أحياء مدينة تبريز ضمن أسرة علم وتقوى وسادة حسنيين، حيث كان شيخ الإسلام طباطبائي قاضي من عائلات العلماء في تلك المدينة التي ينتهي نسبها إلى الحسن المثنى ابن الإمام الحسن المجتبى.

بعد دراسته للمقدمات والآداب والفقه والأصول، سافر في عام 1344 هـ ق إلى النجف لاستكمال تحصيله، وهناك قضى عشر سنوات مستفيدًا من أساتذة مثل ميرزا محمد حسين النائيني (ت 1354 هـ ق) ومحمد حسين الأصفهاني المعروف بـكمباني في الفقه والأصول، وسيد حسين بادكوبي في الفلسفة، وميرزا علي آقا قاضي في الأخلاق والتصوف، وسيد أبو القاسم خوانساري في الرياضيات. عاد إلى تبريز عام 1354 هـ ق.

مكث في تبريز سنتين، ثم انتقل عام 1365 هـ ق (1325 هـ ش) إلى مدينة قم حيث بدأ بالتدريس في الفلسفة والتفسير وتأليف العديد من الكتب القيمة. عاد العلامة طباطبائي إلى قم عام 1364 هـ ق / 1325 هـ ش[١]، وبدأ تفسيره في ثلاثينيات القرن العشرين، ونُشر الجزء الأول والثاني من الميزان عام 1335 هـ ش، لكن التفسير تبلور في الأربعينيات. توفي هذا العالم الجليل بعد فترة طويلة من المرض في ليلة الثامن عشر من محرم الحرام 1402 هـ ق / 1360 هـ ش عن عمر يناهز الواحد والثمانين في قم، وكانت وفاته مصيبة عظيمة لا تُعوّض للعالم الإسلامي والحوزات العلمية، وأُقيمت له جنازة مهيبة في قم ودُفن بجانب مرقد فاطمة بنت موسی (المعصومة)، وأُقيمت مجالس تأبين في مدن أخرى.

تُعد عودة طباطبائي من تبريز إلى قم نقطة مهمة لفهم توجهه نحو المسائل العقلية والاجتماعية وشخصيته، إذ جاء في فترة كانت فيها الحركات الفكرية في إيران بعد فترة من القمع تحت حكم رضا خان تتمتع بحرية نسبية، وكانت تنشر صحف ومطبوعات مختلفة. في تلك الفترة، تصاعد الهجوم على الإسلام ونشاط الحركات غير الدينية في الدول الإسلامية خاصة إيران. كانت التيارات الدينية ضعيفة ونشر الكتب الدينية قليلًا مقارنة بغيرها. شهد طباطبائي نشاطات فكرية مادية وحزب توده ومحاولات تقی ارانی بين الشباب، وكان الوضع الاقتصادي المتردي وتخلف المسلمين سببًا لهجوم على الإسلام وتعاليمه. لم يقتصر حزب توده على الجوانب الاقتصادية والسياسية بل تحدى المسلمين علميًا وفلسفيًا عبر فلسفة المادية الجدلية. من أمثلة ذلك تقی ارانی مؤسس مجلة "دنیا" وأحد قادة حزب توده الذي كتب عن تعارض العلم والفلسفة مع الدين قائلاً: «إما أن نتبع الحكمة الإلهية ونؤمن بالله وننكر كل العلوم والصناعات والاختراعات، أو نقبل هذه ونخالف الحكمة الإلهية».

هذا الهجوم أثار حركة معرفية في الحوزات الدينية، إذ توسعت الثقافة المكتوبة واللغة الأدبية، وكتب البعض ردودًا على النظريات الفلسفية مثل كتاب أصول الفلسفة ومنهج الواقعية، بينما كتب آخرون لإثبات أن الإسلام لا يتعارض مع العلم وأن هناك تحريفًا وسوء فهم في المفاهيم الدينية.

من جهة أخرى، ركز المبشرون المسيحيون بعد فشلهم في تنصير المسلمين على زعزعة عقائدهم الأساسية، وساعد المستشرقون هؤلاء المبشرين في إثارة الشبهات حول القرآن وشخصية النبي وترجمة هذه الأعمال، مما أتاح طرح الشبهات. يظهر حضور العلامة في الرد على شبهات المادية والمبشرين المسيحيين وبعض المثقفين غير المسلمين في تفسيره بوضوح[٢].

تغيرت معاني وتفسيرات الطباطبائي بفعل الافتراضات العلمية ومسؤولية تصحيح انحرافات الشباب، إذ تناول موضوعات لم يسبق لها مثيل. لا بد من الاعتراف بدور هذه التحولات والمعلومات الخارجية في توجه صاحب تفسير الميزان نحو هذه المواضيع والإجابات التفصيلية، ومراعاة ملاءمتها للعصر والتفكير الاجتماعي.

لذلك كتب تفسير الميزان في هذا السياق، فأصبح من أعظم الأعمال العلمية في مجال المعارف وتفسير القرآن في العصر الحديث، وحقًا أصبح فريدًا ومصدر فخر الشيعة، وأعظم تفسير شيعي جامع بعد تفسير الشيخ الطوسي ومجمع البيان لـالطبرسي. يتميز بقوة مادته العلمية وخصوصية منهجه.

الميزة الأساسية لتفسير الميزان

الميزة الأساسية لهذا التفسير هي استخدام منهج «تفسير القرآن بالقرآن» بمعناه الخاص، أي الاعتماد الكامل على القرآن لفهم وتفسير نفسه. هذا المنهج عنده لا يقتصر على جمع الآيات لفهم معنى الكلمات فقط، بل يضع المواضيع المشتركة في سور مختلفة جنبًا إلى جنب، ولا يستخدم مصادر أخرى لفهم رسالة الآية.

كتب العلامة طباطبائي مقدمة في بداية التفسير يعرض فيها نظرة عامة على تطور التفسير وأساليبه، وينتقد طريقة بعض أهل الحديث والحشوية الذين يقللون من حجية القرآن ويعتبرون التفسير مستندًا فقط إلى حديث، بل ويرون أن القرآن غير مفهوم لنا. وفي نهايتها يشرح منهجه، معتبرًا منهج أهل البيت (عليهم السلام) في تفسير القرآن بالقرآن، ويشير إلى نماذج من تفسيرهم في أجزاء مختلفة من الكتاب.

من أبرز خصائص طباطبائي اهتمامه بالعقل وقيمته في الثقافة الدينية. يقول في تحليل مكانة العقل وأهميته في الشريعة:

«إذا بحثت في كتاب الله تعالى بدقة، سترى أن هناك أكثر من ثلاثمائة آية تدعو الناس إلى التفكير والتذكر والتعقل، أو تعلم النبي حجة لإثبات حق أو رد باطل... الله في القرآن لم يأمر عباده في أي آية أن يؤمنوا بالله أو بأي شيء منه بلا فهم، أو يسيروا في طريق أعمى... حتى في الأحكام التي وضعها للعباد والتي لا يستطيع العقل البشري تفصيل مقاييسها، ذكر السبب»[٣].

جانب آخر هو اهتمامه بالتحقيق العقلي والعقلانية، إذ يتناول المسائل والشبهات بالعقل والبرهان ويفحصها بدقة، وهذا واضح حتى في تحليلاته التاريخية والحديثية. تأملاته العقلية في تفسير القضايا الإسلامية، فلسفية واجتماعية وأخلاقية، لا تحتاج إلى توضيح. قلما توجد قضية لم تمر عليها عيناه الناقدة وعقله الحاد بدراسة دقيقة[٤].

غالبًا ما يرد التفسير على تعارض آية بأخرى، يطرح أدلة على التناقض ويرد عليها. كمثال، في آية: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (المائدة/29) التي نقلت عن قابيل قوله إنه يريد أن يحمل ذنب نفسه وذنب هابيل بقتله، يثير تساؤلًا عن مدى توافق حمل ذنب الآخرين مع العقل، خصوصًا مع آية: أَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (النجم/28) التي تنص على أن لا يحمل أحد وزر آخر.

يرد بأن التعارض مع العقل النظري صعب، أما مع العقل العملي فلا، لأن المجتمع أحيانًا يحمّل القاتل ديون المقتول لأسباب اجتماعية وقانونية، وهذا لا يتعارض مع الآية، إذ يمكن اعتبار ذنوب المقتول تُحسب على القاتل، أي أن القاتل يتحمل ذنوب المقتول ويُحاسب عليها[٥].

من الجوانب الملفتة في الميزان، اهتمامه بالجوانب الاجتماعية في التفسير. هذه الصفة تنبع من توجهات المؤلف الاجتماعية. هذا الاهتمام لم يكن موجودًا في التفاسير السابقة، بل حتى بين المفسرين المعاصرين من لم يعطوه أهمية، واكتفوا بشرح كلام الوحي من منظور فردي. أما العلامة فقد تناول قضايا مثل الحكومة، الحرية، العدالة الاجتماعية، النظام الاجتماعي، مشاكل الأمة الإسلامية، أسباب تخلف المسلمين، حقوق المرأة، تنظيم الحياة الاجتماعية وغيرها، مما يدل على أنه يعطي القرآن بعدًا اجتماعيًا وليس فقط فرديًا.

القضايا البارزة في تفسير الميزان

من القضايا البارزة في تفسير الميزان، الانتباه إلى شبهات وأشكاليات المعارضين ونقدها. رغم اهتمام العلامة بشبهات فرق مثل الأشاعرة والمعتزلة والمرجئة وغيرها من الفرق الإسلامية، إلا أن تركيزه الأساسي كان على شبهات المادية والمستشرقين والرد عليها. من ضمن ذلك، نقاش تعارض العلم والدين أو العقل والدين الذي طرحه بعض فلاسفة الغرب والمثقفين المحليين، وقد أبدى اهتمامًا خاصًا به في مناسبات مختلفة.

جانب آخر مهم هو محاولة التوفيق بين الدين وتطورات العصر. رغم أن العلامة كتب كتابًا مستقلًا عن الإسلام واحتياجات العصر، وعلاقة الأحكام الثابتة والمتغيرة، إلا أنه خصص في هذا التفسير جزءًا لهذه القضية وناقش شمولية الأحكام الدينية. وهو يرى أن القرآن يحتوي على جميع العلوم والمعارف ويمكنه تلبية احتياجات الإنسان المعرفية والهداية[٦].

جانب آخر هو اهتمامه بالقضايا الكلامية، حيث يعتمد في هذا المجال على البحث والتحقيق، وتقديم البراهين والإقناع وإيصال كلام الوحي بلغة أخرى، مع مراعاة الإنصاف والابتعاد عن التعصب، وهو واضح في نقله للمباحث الفلسفية في التفسير، إذ أن من يدافع عن توافق العقل والدين لا بد أن يستعين بالأفكار البشرية والقواعد الفلسفية في شرحها.

كمثال، في الرد على شبهه عقلية تتساءل: إذا ارتكب الإنسان ذنبًا عظيمًا، لماذا عذابه أبدي؟ ولماذا قال الله: وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّأُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ (البقرة /167) «لن نخرجهم من النار». يبدأ ببيان سبب الأبدية من الآيات والأحاديث، ثم ينتقل إلى التحليل العقلي، وفي النهاية يقدم تحليلًا فلسفيًا مستندًا إلى مشيئة الحكمة المتعالية حول المعاد، ويقول: إذا قلنا إن الله يعذب هذا الإنسان عذابًا دائمًا، فهذا يشبه القول بأن الله يمنحه النار المحترقة، فالنفس المذنبة هي العذاب، فالعذاب الإلهي ليس انتقامًا، بل هو تأثير قدرة واستعداد الشخص المذنب. وأيضًا، أن العذاب مؤلم إذا تعارض مع طبيعة الإنسان، لكن قد يكون تأثير ظاهرة ما متوافقًا مع طبيعة الإنسان، أي يصدر بسهولة وبدون إجبار، لكنه مؤلم، مثل من يعاني من كوابيس تظهر له بسهولة ويعاني منها.[٧].

لذا، فإن العلامة الفيلسوف ينقل المباحث الفلسفية بحذر للدفاع عن حرمات الوحي، ولا يعطي الأولوية أو الأصلية للمباحث العلمية والفلسفية، ولا يستخدم مصطلحاتها في التفسير، مع أنه يشير إلى مناهج جيدة في ضوء العقل والقواعد العلمية.

طريقة العلامة طباطبائي في التفسير تبدأ بقراءة عدة آيات من سورة، ثم يأتي قسم بعنوان "بيان الآيات" يتناول فيه موضوعات لغوية وأدبية وتفسير معاني الآيات مع الآيات المماثلة وقضايا الدلالة. بعد ذلك يأتي قسم نقل ونقد الأحاديث والأخبار، حيث يستفيد من مصادر حديثية متنوعة من الفريقين، ويشكل الجزء الأكبر من نقاشه نقاشًا دلاليًا للأخبار. بعد هذا القسم، توجد مباحث مستقلة موضوعية في تفسير الميزان، وهي عميقة وواسعة النطاق في مجالات متعددة، ونادرة الظهور في تفاسير العصر.

تم إجراء دراسات متعددة حول تفسير الميزان، وقد تُرجم إلى الفارسية والإنجليزية والأردية، وأُعدت ثلاثة أنواع من الفهارس بالفارسية والعربية، وأُجريت بحوث تحليلية ونقدية متنوعة عليه؛ ومؤخرًا نُشر موجز في مجلد واحد باسم خلاصة الميزان في بيروت.

قام السيد إلياس كلانتري بتلخيص التفسير كاملاً تحت اسم «مختصر الميزان»[٨]. كما أُنجزت أعمال متنوعة أخرى في استخراج البحوث الموضوعية مثل التوحيد، النبوة، المعاد والإمامة بشكل مستقل، مما يدل على اهتمام الباحثين بهذا التفسير.

الهوامش

  1. خضير جعفر، تفسير القرآن بالقرآن عند العلامة الطباطبائي، ص 16
  2. مثال في تفسيره عن نسب أعمال الإنسان الظاهرة والباطنة إلى الله في فصل بعنوان: كلام في نسب مصنوعات الإنسان إلى الله تعالى في الجزء الأول ص 400.
  3. علامة طباطبائي، الميزان، ج 5، ص 255، طبعة بيروت، ج 5، ص 415، ترجمة محمد باقر موسوي همداني، طبعة قم، جامعه مدرسين.
  4. العقلانية والتحقيقات الدقيقة لم تكن محل دهشة فقط لعلماء الشيعة، بل أشاد بها باحثون في علوم القرآن مثل الدكتور "فهد الرومي" من علماء "السلفية" في السعودية في كتاب "اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر الهجري"، ج 1، ص 249. يمكن الاطلاع على تفصيل ذلك في كتاب: "المفسرون حياتهم ومنهجهم" تحت باب تفسير الميزان.
  5. الميزان، ج 5، ص 304-305.
  6. للاطلاع على الفكر الاجتماعي في هذا التفسير بشكل مفصل: إيّازي، سيد محمد علي، الفكر الاجتماعي في تفسير الميزان، مجلة مبين، العدد 2، ص 8 (رقم سابق). وكذلك لمراجعة رؤية العلامة في مسألة الشمولية راجع كتابه "شمولية القرآن"، ص 104، دار كتاب مبين.
  7. الميزان، ج 1، ص 412-415.
  8. للاطلاع على منهج عمل السيد كلانتري: مجلة بينات، العدد 6، ص 184.

المصادر

[١] مقتبس من موقع "معرفی تفسیر الميزان فی تفسیر القرآن" - راسخون rasekhoon.net