الفرق بين المراجعتين لصفحة: «الشيخ عباس القمي»
أنشأ الصفحة ب' الشيخ عباس القمي (توفي 1359 هـ) هو عالم شيعي كبير من القرن الرابع عشر الهجري. كان الشيخ عباس القمي أحد كبار المحدثين والمؤرخين الشيعة، وقد خلد اسمه في العالم الشيعي بتأليفه كتاب "مفاتيح الجنان". ألف خلال عمره المبارك أكثر من 60 كتاباً، ومن أشهر مؤلف...' |
لا ملخص تعديل |
||
| سطر ١: | سطر ١: | ||
{{صندوق معلومات شخص | |||
الشيخ عباس القمي (توفي | | العنوان = الشيخ عباس القمي | ||
| الصورة = عباس کعبی.jpg | |||
| الإسم = عباس القمي | |||
| الإسم الکامل = الشيخ عباس القمي | |||
| الملقب = | |||
| سائر الأسماء = | |||
| سنة الولادة = | |||
| تأريخ الولادة = 1294 هـ | |||
| مكان الولادة = [[ايران]] | |||
| سنة الوفاة = | |||
| تأريخ الوفاة =1359 هـ | |||
| مكان الوفاة = | |||
| الأساتذة = | |||
| التلامذة = | |||
| الدين = الإسلام | |||
| المذهب = الشيعة | |||
| الآثار = | |||
| النشاطات = {{hlist|أحد كبار [[المحدث|المحدثين]] والمؤرخين [[الشيعة]]، ألف خلال عمره المبارك أكثر من 60 كتاباً، ومن أشهر مؤلفاته: "مفاتيح الجنان"، "سفينة البحار"، و"[[منتهى الآمال]]".}}. | |||
| الموقع = | |||
}} | |||
'''الشيخ عباس القمي''' (توفي ) هو عالم شيعي كبير من القرن الرابع عشر الهجري، وكان أحد كبار [[المحدث|المحدثين]] والمؤرخين [[الشيعة]]، وقد خلد اسمه في العالم الشيعي بتأليفه كتاب "[[مفاتيح الجنان]]". ألف خلال عمره المبارك أكثر من 60 كتاباً، ومن أشهر مؤلفاته: "مفاتيح الجنان"، "سفينة البحار"، و"[[منتهى الآمال]]". | |||
== ولادته وتكويه العلمي == | == ولادته وتكويه العلمي == | ||
| سطر ١٠: | سطر ٣٠: | ||
ولشوقه الوصف لتعرّف رواة الحديث ونقلة أخبار أهل البيت (عليهم السلام)، انجذب إلى المحدث الكبير الحاج [[ميرزا حسين النوري]] (المتوفى 1320 هـ) وحضر دروسه، وكان الشيخ عباس القمي يحرص على كتابة ما يتعلمه من أستاذه بدون نقصان، ونقله كما سمعه. ولم يمض وقت طويل حتى حصل بفضل ذاكرته القوية وجهده المتواصل على مكانة رفيعة عند أستاذه، حتى أنّه في تلك الفترة كُلّف نسخ كتاب "مستدرك الوسائل". | ولشوقه الوصف لتعرّف رواة الحديث ونقلة أخبار أهل البيت (عليهم السلام)، انجذب إلى المحدث الكبير الحاج [[ميرزا حسين النوري]] (المتوفى 1320 هـ) وحضر دروسه، وكان الشيخ عباس القمي يحرص على كتابة ما يتعلمه من أستاذه بدون نقصان، ونقله كما سمعه. ولم يمض وقت طويل حتى حصل بفضل ذاكرته القوية وجهده المتواصل على مكانة رفيعة عند أستاذه، حتى أنّه في تلك الفترة كُلّف نسخ كتاب "مستدرك الوسائل". | ||
كان [[المحدث القمي]] يعتبر الالتزام بحضور هذا الأستاذ الكبير منّة من [[الله]] تعالى، فيقول: "... فَمَنَّ الله تعالى عَلَيّ بِمُلَازَمَةِ ثِقَةِ الإسْلَامِ النُّورِيِّ الطَّبْرَسِيِّ، قُمْتُ بِنَسْخِ كِتَابِ مُسْتَدْرَكِ الْوَسَائِلِ لَهُ، وَأُرْسِلَ إلى إِيرَانَ لِطَبْعِهِ" <ref>واعظ خیابانی، میرزا علی، علمای معاصر، ص 181 و 182</ref>. | كان [[المحدث القمي]] يعتبر الالتزام بحضور هذا الأستاذ الكبير منّة من [[الله]] تعالى، فيقول: "... فَمَنَّ الله تعالى عَلَيّ بِمُلَازَمَةِ ثِقَةِ الإسْلَامِ النُّورِيِّ الطَّبْرَسِيِّ، قُمْتُ بِنَسْخِ كِتَابِ مُسْتَدْرَكِ الْوَسَائِلِ لَهُ، وَأُرْسِلَ إلى إِيرَانَ لِطَبْعِهِ" <ref>واعظ خیابانی، میرزا علی، علمای معاصر، ص 181 و 182</ref>. | ||
أمضى أربع سنوات في حضور المحدث النوري، وكان اجتهاده خلال هذه السنوات الأربع بالغاً حتى أصبح من الطلاب الممتازين عند الأستاذ. ثم عاد إلى قم سنة 1322 هـ، وانشغل بالتأليف والتدريس والوعظ وإرشاد الناس، وأقام في هذه المدينة المقدسة حتى سنة 1329 هـ. في هذه الفترة سافر لزيارة بيت الله | أمضى أربع سنوات في حضور المحدث النوري، وكان اجتهاده خلال هذه السنوات الأربع بالغاً حتى أصبح من الطلاب الممتازين عند الأستاذ. ثم عاد إلى قم سنة 1322 هـ، وانشغل بالتأليف والتدريس والوعظ وإرشاد الناس، وأقام في هذه المدينة المقدسة حتى سنة 1329 هـ. في هذه الفترة سافر لزيارة [[بيت الله الحرام]]، وبعد عودته من الزيارة بقي مقيمًا في [[قم]]. وفي سنة 1332 هـ هاجر إلى مشهد المقدسة لأسباب -خاصة الضيق المادي- وأقام هناك <ref>تاریخ قم، 274</ref>. | ||
== ملاحظات حول خصائصه الأخلاقية == | == ملاحظات حول خصائصه الأخلاقية == | ||
| سطر ٣١: | سطر ٥١: | ||
=== الزهد === | === الزهد === | ||
كانت حياة المحدث القمي بسيطة جدًا، لدرجة أنها كانت أقل من مستوى حياة الطالب العادي. كان لباسه عبارة عن قَبَاء (عباءة) من الكرباس نظيف جدًا ومعطر. كان يقضي عدة سنوات، شتاءً وصيفًا، بذلك القباء الكرباسي. لم يكن يفكر أبدًا في اللباس والترف. كان سجادة بيته من النوع الجلدي. لم يكن يستخدم "سهم الإمام" (الحصة الشرعية) وكان يقول: "أنا لا أهل لاستخدامها!". ذات يوم في النجف الأشرف، حضرت امرأتان محترمتان مقيمتان في بومباي من أقارب آقا كوجك (من وجهاء النجف) وطلبتا منه أن يقدما له مبلغ ٧٥ روبية شهريًا ليعيش في رفاهية. في تلك الأيام، لم تتجاوز مصاريف عائلته الشهرية ٥٠ روبية. امتنع الحاج الشيخ عباس عن قبولها. وأصر ميرزا محسن محدث زاده (ابنه الصغير) عليه أن يقبل، لكنه رفض، حتى يئست المرأتان المحترمتان وذهبتا. | كانت حياة المحدث القمي بسيطة جدًا، لدرجة أنها كانت أقل من مستوى حياة الطالب العادي. كان لباسه عبارة عن قَبَاء (عباءة) من الكرباس نظيف جدًا ومعطر. كان يقضي عدة سنوات، شتاءً وصيفًا، بذلك القباء الكرباسي. لم يكن يفكر أبدًا في اللباس والترف. كان سجادة بيته من النوع الجلدي. لم يكن يستخدم "سهم الإمام" (الحصة الشرعية) وكان يقول: "أنا لا أهل لاستخدامها!". ذات يوم في النجف الأشرف، حضرت امرأتان محترمتان مقيمتان في بومباي من أقارب آقا كوجك (من وجهاء النجف) وطلبتا منه أن يقدما له مبلغ ٧٥ روبية شهريًا ليعيش في رفاهية. في تلك الأيام، لم تتجاوز مصاريف عائلته الشهرية ٥٠ روبية. امتنع الحاج الشيخ عباس عن قبولها. وأصر ميرزا محسن محدث زاده (ابنه الصغير) عليه أن يقبل، لكنه رفض، حتى يئست المرأتان المحترمتان وذهبتا. | ||
بعد ذهابهما، قال الابن لأبيه: "أنا أيضًا لن أقترض بعد الآن من تجار السوق للمصاريف اليومية!" فقال الحاج الشيخ عباس: "اصمت! أنا الآن أنفق هذا المبلغ ولا أعرف كيف سأجيب الله | بعد ذهابهما، قال الابن لأبيه: "أنا أيضًا لن أقترض بعد الآن من تجار السوق للمصاريف اليومية!" فقال الحاج الشيخ عباس: "اصمت! أنا الآن أنفق هذا المبلغ ولا أعرف كيف سأجيب الله و[[الإمام المهدي]] (عجل الله فرجه الشريف) يوم القيامة. أنا متحير في جواب هذا المبلغ، فكيف أثقل حملي أكثر؟!" | ||
=== الالتزام بالتهجد والدعاء === | === الالتزام بالتهجد والدعاء === | ||
من الصفات الحميدة الأخرى لذلك المرحوم التزامه بصلاة الليل وقيام الليل وقراءة القرآن وتلاوة الأدعية والأوراد والأذكار المأثورة عن الأئمة المعصومين (عليهم السلام). يقول ابنه الأكبر في هذا الشأن: «حسب ما أتذكر، لم يفت عليه القيام آخر الليل، حتى في الأسفار». كان مثل الشيخ الطوسي الذي طبّق كتاب "مصباح المتهجد" على نفسه أولاً، هو نفسه كان يطبق "مفاتيح الجنان" قبل الآخرين <ref>دوانی، علی، شیخ عباس قمی مرد تقوا و فضیلت، ص۴۲ - ۴۵</ref>. | من الصفات الحميدة الأخرى لذلك المرحوم التزامه بصلاة الليل وقيام الليل وقراءة القرآن وتلاوة الأدعية والأوراد والأذكار المأثورة عن [[الأئمة]] المعصومين (عليهم السلام). يقول ابنه الأكبر في هذا الشأن: «حسب ما أتذكر، لم يفت عليه القيام آخر الليل، حتى في الأسفار». كان مثل الشيخ الطوسي الذي طبّق كتاب "مصباح المتهجد" على نفسه أولاً، هو نفسه كان يطبق "مفاتيح الجنان" قبل الآخرين <ref>دوانی، علی، شیخ عباس قمی مرد تقوا و فضیلت، ص۴۲ - ۴۵</ref>. | ||
=== طيب الخلق في السفر === | === طيب الخلق في السفر === | ||
| سطر ٤٧: | سطر ٦٧: | ||
* شرح حكم نهج البلاغة (شرح الكلمات القصار للإمام علي عليه السلام في نهج البلاغة). | * شرح حكم نهج البلاغة (شرح الكلمات القصار للإمام علي عليه السلام في نهج البلاغة). | ||
* وقائع الأيام (فيض العلام في عمل الشهور ووقائع الأيام): يتناول هذا الكتاب بالإضافة إلى الأحداث والحوادث التاريخية، الأعمال المرتبطة بالأيام والأشهر القمرية. | * وقائع الأيام (فيض العلام في عمل الشهور ووقائع الأيام): يتناول هذا الكتاب بالإضافة إلى الأحداث والحوادث التاريخية، الأعمال المرتبطة بالأيام والأشهر القمرية. | ||
* سفينة البحار: هذا الكتاب هو فهرس موضوعي لكتاب بحار الأنوار للعلامة المجلسي. وقد وضعه المؤلف في مجلدين لتسهيل الرجوع إلى بحار الأنوار. | * سفينة البحار: هذا الكتاب هو فهرس موضوعي لكتاب بحار الأنوار للعلامة [[محمد باقر المجلسي|المجلسي]]. وقد وضعه المؤلف في مجلدين لتسهيل الرجوع إلى بحار الأنوار. | ||
* مفاتيح الجنان: كتاب مشهور يُستخدم في معظم الأماكن المقدسة وبيوت الشيعة، كُتب | * مفاتيح الجنان: كتاب مشهور يُستخدم في معظم الأماكن المقدسة وبيوت الشيعة، كُتب ب[[اللغة العربية]] وتمت ترجمته إلى الفارسية. هذا الكتاب فريد من نوعه في مجاله؛ إذ جمع العديد من الأدعية والنوافل والمستحبات وزيارات الأئمة الأطهار (عليهم السلام) في مكان واحد وجعلها في متناول الجميع. | ||
* منتهى الآمال في تاريخ النبي والآل: يتناول سيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، | * منتهى الآمال في تاريخ النبي والآل: يتناول سيرة [[رسول الله]] (صلى الله عليه وآله وسلم)، و[[ فاطمة الزهراء|السيدة فاطمة الزهراء]] (سلام الله عليها)، و[[الأئمة الأطهار]] (عليهم السلام)، وتواريخ ولاداتهم ووفياتهم والأحداث في عصورهم. | ||
* منازل الآخرة: كتاب قيّم طُبع عدة مرات، يتناول مراحل رحلة الآخرة الصعبة استنادًا إلى الروايات ويذكر الزاد اللازم لها. | * منازل الآخرة: كتاب قيّم طُبع عدة مرات، يتناول مراحل رحلة الآخرة الصعبة استنادًا إلى الروايات ويذكر الزاد اللازم لها. | ||
| سطر ٥٥: | سطر ٧٥: | ||
انتقل المحدث القمي إلى رحمة الله بعد عمر حافل بالجهد والخدمة للإسلام و[[المسلم|المسلمين]]، وتحمل المشقات والمرارات في عصره، خاصة في أواخر عمره التي تزامنت مع مؤامرات أعداء [[الإسلام]] وموجة إزاحة [[الدين]] في عهد [[رضاخان]]، وذلك ليلة الثلاثاء الثاني والعشرين من شهر ذي الحجة سنة 1359 هـ. وبعد تشييعه، دُفن في النجف الأشرف في الصحن المطهر [[علي بن أبي طالب (أميرالمؤمنين)|للإمام علي]] (عليه السلام) بجوار أستاذه الميرزا حسين النوري. | انتقل المحدث القمي إلى رحمة الله بعد عمر حافل بالجهد والخدمة للإسلام و[[المسلم|المسلمين]]، وتحمل المشقات والمرارات في عصره، خاصة في أواخر عمره التي تزامنت مع مؤامرات أعداء [[الإسلام]] وموجة إزاحة [[الدين]] في عهد [[رضاخان]]، وذلك ليلة الثلاثاء الثاني والعشرين من شهر ذي الحجة سنة 1359 هـ. وبعد تشييعه، دُفن في النجف الأشرف في الصحن المطهر [[علي بن أبي طالب (أميرالمؤمنين)|للإمام علي]] (عليه السلام) بجوار أستاذه الميرزا حسين النوري. | ||
مواضيع ذات صلة | ==مواضيع ذات صلة== | ||
مفاتيح الجنان (كتاب) | *[[مفاتيح الجنان (كتاب)]] | ||
صلاة الليل | *[[صلاة الليل]] | ||
مشهد | *[[مشهد]] | ||
قم | *[[النجف]] | ||
*[[قم]] | |||
==الهوامش== | |||
{{الهوامش}} | |||
[[تصنيف:الشخصيات]] | |||
[[تصنيف:إيران]] | |||
[[تصنيف:العلماء]] | |||
مراجعة ٢١:٢٨، ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٥
| الشيخ عباس القمي | |
|---|---|
| الإسم | عباس القمي |
| الإسم الکامل | الشيخ عباس القمي |
| التفاصيل الذاتية | |
| یوم الولادة | 1294 هـ |
| مكان الولادة | ايران |
| یوم الوفاة | 1359 هـ |
| الدين | الإسلام، الشيعة |
| النشاطات |
|
الشيخ عباس القمي (توفي ) هو عالم شيعي كبير من القرن الرابع عشر الهجري، وكان أحد كبار المحدثين والمؤرخين الشيعة، وقد خلد اسمه في العالم الشيعي بتأليفه كتاب "مفاتيح الجنان". ألف خلال عمره المبارك أكثر من 60 كتاباً، ومن أشهر مؤلفاته: "مفاتيح الجنان"، "سفينة البحار"، و"منتهى الآمال".
ولادته وتكويه العلمي
وُلد الشيخ عباس سنة 1294 هـ في قم[١]. كان والده محمد رضا القمي رجلاً متديناً ومرجعاً للناس في معرفة الواجبات الشرعية. أما والدة الشيخ عباس، السيدة زينت، فكانت من النساء المتدينات والتقيات يقول الشيخ عباس القمي عنها: "كل توفيق أنا فيه فهو ببركة والدتي؛ لأنها كانت تحرص على إرضاعي وهي على طهارة كاملة" [٢]. تزوج الشيخ عباس بعد عودته من النجف إلى قم، حيث اختار زواج ابنة السيد زكريا القزويني أحد علماء قم، لكن هذا الزواج انتهى بالطلاق بعد مدة. وعندما أقام الشيخ في مشهد، تزوج ابنة آية الله السيد أحمد الطباطبائي [٣].
دراسة الشيخ عباس القمي
قضى الشيخ عباس القمي طفولته ومراهقته في مسقط رأسه مدينة قم ودرس المقدمات على أيدي أساتذة كبار. وكان قد أنهى المراحل الأولى من الدراسة الحوزوية في سن المراهقة، وفي سنة 1316 هـ سافر إلى النجف الأشرف طلباً للعلم [٤]. ولشوقه الوصف لتعرّف رواة الحديث ونقلة أخبار أهل البيت (عليهم السلام)، انجذب إلى المحدث الكبير الحاج ميرزا حسين النوري (المتوفى 1320 هـ) وحضر دروسه، وكان الشيخ عباس القمي يحرص على كتابة ما يتعلمه من أستاذه بدون نقصان، ونقله كما سمعه. ولم يمض وقت طويل حتى حصل بفضل ذاكرته القوية وجهده المتواصل على مكانة رفيعة عند أستاذه، حتى أنّه في تلك الفترة كُلّف نسخ كتاب "مستدرك الوسائل". كان المحدث القمي يعتبر الالتزام بحضور هذا الأستاذ الكبير منّة من الله تعالى، فيقول: "... فَمَنَّ الله تعالى عَلَيّ بِمُلَازَمَةِ ثِقَةِ الإسْلَامِ النُّورِيِّ الطَّبْرَسِيِّ، قُمْتُ بِنَسْخِ كِتَابِ مُسْتَدْرَكِ الْوَسَائِلِ لَهُ، وَأُرْسِلَ إلى إِيرَانَ لِطَبْعِهِ" [٥]. أمضى أربع سنوات في حضور المحدث النوري، وكان اجتهاده خلال هذه السنوات الأربع بالغاً حتى أصبح من الطلاب الممتازين عند الأستاذ. ثم عاد إلى قم سنة 1322 هـ، وانشغل بالتأليف والتدريس والوعظ وإرشاد الناس، وأقام في هذه المدينة المقدسة حتى سنة 1329 هـ. في هذه الفترة سافر لزيارة بيت الله الحرام، وبعد عودته من الزيارة بقي مقيمًا في قم. وفي سنة 1332 هـ هاجر إلى مشهد المقدسة لأسباب -خاصة الضيق المادي- وأقام هناك [٦].
ملاحظات حول خصائصه الأخلاقية
اعتبر الشيخ عباس القمي في زمانه من أكبر المربين ومعلمي الأخلاق الإسلامية بين الناس وفي الحوزات العلمية، وكان متحلياً بجميع الأخلاق الحسنة والصفات الإنسانية الفاضلة. ومن صفاته الأخلاقية أنه كان مولعاً بالمطالعة والكتابة. يقول زميله في الدراسة آية الله الشيخ آقا بزرگ الطهراني عنه: "... كان دائم الانشغال بالعمل، وكانت لديه رغبة شديدة في الكتابة والبحث والتحقيق. لم يكن شيء يصرفه عن هذه الرغبة والعشق، ولا يعترف بأي مانع في هذا الطريق"
=الألفة مع الكتاب
من سمات المحدث القمي البارزة حبه الشديد للكتابة والقراءة، لدرجة يمكن القول إنه كان مُجسدًا في الكتاب والقلم. كان المحدث إما في المكتبة أو مع الكتاب. نادرًا ما كان يُرى غير منشغل بالدراسة والبحث في كتاب. زميله في الدراسة والعصر آية الله الشيخ آقا بزرگ التهراني، يقول عنه: «... كان دائمًا منشغلًا بالعمل، وكان لديه شغف شديد بالكتابة والمناقشة والبحث. لا شيء كان يصرفه عن هذا الشغف والحب ولا يعترف بأي عائق في هذا الطريق». يقول ابنه الأكبر في هذا الشأن: «في طفولتي المبكرة، كلما خرجت مع والدي المرحوم من المدينة، كان من الصباح الباكر حتى المساء منشغلًا بالكتابة والدراسة بانتظام». عندما كان يسافر إلى بلدان بعيدة للزيارة، كان يقضي أوقات فراغه مع الكتاب. «سافر مع مجموعة من التجار إلى سوريا. كانوا يقولون: كلما ذهبنا للتنزه، كان هو يجلس منشغلًا بالدراسة والتأليف، وبغض النظر عن إصرارنا على خروجه معنا، كان يمتنع، وفي الليل أيضًا عندما كنا نخلد للنوم، كان هو منشغلًا بالدراسة والتأليف». كان حب المحدث القمي للكتاب شديدًا لدرجة أنه حصل على أقل قدر من المال، كان ينفقه على شراء الكتب، وأحيانًا كان يمشي على الأقدام من قم إلى طهران لاستقباله (أي الكتاب). هو نفسه يقول: «عندما كنت أدرس في قم، كنت في ضيق مادي شديد، لدرجة أنني كنت أجمع قرشًا وقرشين حتى يصبح المبلغ ثلاثة تومانات مثلاً. ثم آخذه وأمشي من قم إلى طهران، وأشتري به كتابًا، وأعود إلى قم وأواصل دراستي»[٧].
التواضع والإخلاص
من السمات الأخرى له تواضعه الشامل والكبير الذي كان يظهره. في البيت، والمدرسة، والشارع، كان يحترم كل من يراه - صغيرًا كان أم كبيرًا. في حضور العلماء، وخاصة أولئك الذين يتعاملون مع حديث وأخبار أهل البيت (عليهم السلام)، كان يظهر ذروة التواضع والخشوع. لم يكن يجلس أبدًا في صدر المجالس التي يدخلها، ولم يقدم نفسه أبدًا على الآخرين. كان يتجنب الافتخار والاعتداد بالنفس بشدة، ولم يكن لديه أي غرور على الإطلاق. كان المحدث القمي مخلصًا وزاهدًا. يُحكى أنه «في إحدى السنوات، طلب منه رجل محسن أن يقبل أن يكون راعيًا لمجلس للمحدث، وتعهد بتقديم مبلغ خمسين دينارًا عراقيًا له. في ذلك الوقت، كانت تكاليف معيشة المحدث الشهرية ثلاثة دنانير. فقال المحدث القمي: "إني أخطب للإمام الحسين (عليه السلام) لا لغيري"، وبهذا رفض قبول ذلك المبلغ». كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من سماته الأخرى. هو نفسه لم يكن يقترب من الذنب أبدًا ولم يسمح لفكرة الذنب بأن تحتل مكانًا في ذهنه. كان يتضايق من المنكرات ويمنع الآخرين من ارتكابها. لم يجرؤ أحد على الاغتياب في حضرته، وكان يتضايق من الكذب [٨].
تأثير الكلمة
من السمات الأخرى للمحدث القمي تأثير كلمته، حيث أن كلامه وخطابه كانا ينبعان من القلب، وكان هو نفسه مقتنعًا بها ويعمل بها قبل الآخرين، فكان له أثر عميد ودائم في المستمعين والمخاطبين. قال بعض من حظي بشرف الحديث معه وحضر دروسه الأخلاقية ومواعظه المفيدة: «كان كلامه النافذ بحيث يمنع الإنسان لمدة أسبوع كامل من جميع السيئات والأفكار الباطلة والذنوب، ويوجهه نحو الله والعبادة». وكثير ممن لم تكون سمعتهم حسنة، استفادتهم من الشيخ، أقبلوا على طريق الإنسانية والصلاح [٩].
الزهد
كانت حياة المحدث القمي بسيطة جدًا، لدرجة أنها كانت أقل من مستوى حياة الطالب العادي. كان لباسه عبارة عن قَبَاء (عباءة) من الكرباس نظيف جدًا ومعطر. كان يقضي عدة سنوات، شتاءً وصيفًا، بذلك القباء الكرباسي. لم يكن يفكر أبدًا في اللباس والترف. كان سجادة بيته من النوع الجلدي. لم يكن يستخدم "سهم الإمام" (الحصة الشرعية) وكان يقول: "أنا لا أهل لاستخدامها!". ذات يوم في النجف الأشرف، حضرت امرأتان محترمتان مقيمتان في بومباي من أقارب آقا كوجك (من وجهاء النجف) وطلبتا منه أن يقدما له مبلغ ٧٥ روبية شهريًا ليعيش في رفاهية. في تلك الأيام، لم تتجاوز مصاريف عائلته الشهرية ٥٠ روبية. امتنع الحاج الشيخ عباس عن قبولها. وأصر ميرزا محسن محدث زاده (ابنه الصغير) عليه أن يقبل، لكنه رفض، حتى يئست المرأتان المحترمتان وذهبتا. بعد ذهابهما، قال الابن لأبيه: "أنا أيضًا لن أقترض بعد الآن من تجار السوق للمصاريف اليومية!" فقال الحاج الشيخ عباس: "اصمت! أنا الآن أنفق هذا المبلغ ولا أعرف كيف سأجيب الله والإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) يوم القيامة. أنا متحير في جواب هذا المبلغ، فكيف أثقل حملي أكثر؟!"
الالتزام بالتهجد والدعاء
من الصفات الحميدة الأخرى لذلك المرحوم التزامه بصلاة الليل وقيام الليل وقراءة القرآن وتلاوة الأدعية والأوراد والأذكار المأثورة عن الأئمة المعصومين (عليهم السلام). يقول ابنه الأكبر في هذا الشأن: «حسب ما أتذكر، لم يفت عليه القيام آخر الليل، حتى في الأسفار». كان مثل الشيخ الطوسي الذي طبّق كتاب "مصباح المتهجد" على نفسه أولاً، هو نفسه كان يطبق "مفاتيح الجنان" قبل الآخرين [١٠].
طيب الخلق في السفر
كان المرحوم المحدث القمي في السفر يراعي حال مرافقيه ويتعامل معهم بلطف فوق العادة ويتآلف معهم. وكما كُتب عنه، كان في السفر شخصًا ظريفًا، طيب الحديث، حسن السلوك [١١].
آثار وتأليفات الشيخ عباس القمي
كان المحدث القمي من العلماء العاملين والمخلصين، وألَّف في مجالات التاريخ، والرجال، والتراجم، وعلوم القرآن، والأخلاق، والعقائد، وعلم الحديث. وفيما يلي بعض أمثلة على مؤلفاته:
- الكلمات اللطيفة (في علم الأخلاق).
- الدر النظيم في لغات القرآن العظيم.
- كحل البصر في سيرة سيد البشر، أي: سرمة العين، حول حياة سيد البشر النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).
- كتاب نقد الوسائل (وهو مختصر لكتاب وسائل الشيعة للشيخ الحر العاملي).
- شرح حكم نهج البلاغة (شرح الكلمات القصار للإمام علي عليه السلام في نهج البلاغة).
- وقائع الأيام (فيض العلام في عمل الشهور ووقائع الأيام): يتناول هذا الكتاب بالإضافة إلى الأحداث والحوادث التاريخية، الأعمال المرتبطة بالأيام والأشهر القمرية.
- سفينة البحار: هذا الكتاب هو فهرس موضوعي لكتاب بحار الأنوار للعلامة المجلسي. وقد وضعه المؤلف في مجلدين لتسهيل الرجوع إلى بحار الأنوار.
- مفاتيح الجنان: كتاب مشهور يُستخدم في معظم الأماكن المقدسة وبيوت الشيعة، كُتب باللغة العربية وتمت ترجمته إلى الفارسية. هذا الكتاب فريد من نوعه في مجاله؛ إذ جمع العديد من الأدعية والنوافل والمستحبات وزيارات الأئمة الأطهار (عليهم السلام) في مكان واحد وجعلها في متناول الجميع.
- منتهى الآمال في تاريخ النبي والآل: يتناول سيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، والسيدة فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)، والأئمة الأطهار (عليهم السلام)، وتواريخ ولاداتهم ووفياتهم والأحداث في عصورهم.
- منازل الآخرة: كتاب قيّم طُبع عدة مرات، يتناول مراحل رحلة الآخرة الصعبة استنادًا إلى الروايات ويذكر الزاد اللازم لها.
الوفاة
انتقل المحدث القمي إلى رحمة الله بعد عمر حافل بالجهد والخدمة للإسلام والمسلمين، وتحمل المشقات والمرارات في عصره، خاصة في أواخر عمره التي تزامنت مع مؤامرات أعداء الإسلام وموجة إزاحة الدين في عهد رضاخان، وذلك ليلة الثلاثاء الثاني والعشرين من شهر ذي الحجة سنة 1359 هـ. وبعد تشييعه، دُفن في النجف الأشرف في الصحن المطهر للإمام علي (عليه السلام) بجوار أستاذه الميرزا حسين النوري.
مواضيع ذات صلة
الهوامش
- ↑ القمی، الفوائد الرضویه، ۱۳۲۷ش، ص۲۲۱
- ↑ دوانی، مفاخر اسلام، ۱۳۷۹ش، ج۱۱، ص۴۰
- ↑ احمدیان، خاتم المحدثین حاج شیخ عباس قمی، ۱۳۸۰ش
- ↑ واعظ خیابانی، میرزا علی، علمای معاصر، ص 181
- ↑ واعظ خیابانی، میرزا علی، علمای معاصر، ص 181 و 182
- ↑ تاریخ قم، 274
- ↑ دوانی، علی، شیخ عباس قمی مرد تقوی و فضیلت، ص۱۸
- ↑ پندهایی از رفتار علمای اسلام، ص ۱۷.
- ↑ عبداللهزاده، خلیل، محدث قمی حدیث اخلاص، ص۴۱ - ۴۶
- ↑ دوانی، علی، شیخ عباس قمی مرد تقوا و فضیلت، ص۴۲ - ۴۵
- ↑ عبداللهزاده، خلیل، محدث قمی حدیث اخلاص، ص۴۱ - ۴۶،