محمد بن الحسن الحر العاملي
محمد بن حسن حرّ عاملي محدّث كبير وفقيه عالم صاحب مؤلفات ثمينة وقيمة، شيخ الإسلام وزعيم الشيعة، وُلد ليلة الجمعة 8 رجب سنة 1033 هـ في قرية مشغرة بمنطقة جبل عامل لبنان في أسرة دينية، عالمة ومحبّة لآل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
نشأ الشيخ في مدرسة أساتذة كبار مثل فيض الكاشاني، وهو صاحب كتاب وسائل الشيعة، أحد أهم المراجع الحديثية الشيعية التي ما زالت مرجعاً لاستنباط العلماء والمجتهدين. كان الشيخ حرّ يتبع في الفقه مذهب الأخباريين، لكنه كان أخباريًا معتدلاً.
السيرة الذاتية للشيخ حرّ عاملي
محمد بن حسن بن علي بن محمد بن حسين، المعروف بالشيخ حرّ عاملي، وُلد ليلة الجمعة 8 رجب سنة 1033 هـ في أسرة عالمة ومحبّة لآل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في قرية مشغر، إحدى مناطق جبل عامل (جبح)[١]، وقد نشأ في بيئة علمية[٢]. وقد أسلمت منطقة جبل عامل على يد أبوذر الغفاري وأصبح شيعية، وتعرف فيها على أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بواسطة ذلك القائد العظيم. تلقى تعليمه وتربيته في البداية من والده وعمه، ثم تعلم على يد أساتذة كبار.
جبل عامل هي موطن شخصيات بارزة من علماء الشيعة مثل محقق ثاني، شهيد أول، شهيد ثاني[٣] والشيخ بهائي، ويعود تشيّع هذه المنطقة إلى تبعید أبو ذر. كتب الشيخ حر عاملي في كتابه «أمل الأمل»[٤]: «عندما نُفي أبو ذر إلى الشام في عهد عثمان وبقي هناك فترة، أصبح كثير من أهل تلك المنطقة شيعة. ثم نقله معاوية إلى القرى، فذهب إلى جبل عامل ومنذ ذلك الحين توجه الناس إلى التشيع.» وأضاف القاضي نور الله الشوشتري: «لا توجد قرية في تلك المنطقة إلا وفيها جمع من فقهاء وأعلام الإمامية.»[٥]
ينحدر نسب الشيخ حر عاملي المشغري إلى حر بن يزيد الرياحي الشهيد والحرّ في واقعة كربلاء عبر 36 واسطة.
كتب آية الله العظمى سيد شهاب الدين المرعشي في سجع البلابل عن عائلة والدته: «والدة حر عاملي هي ابنة علامة الشيخ عبد السلام، وكانت فاضلة وأديبة.»
وذكر الشيخ حر عن جدّه من جهة الأم: «كان عالماً جليلاً، رفيع القدر، زاهداً، عابداً، فقيهاً حافظاً للحديث وموثوقاً به، وكان زهد وعبادة لا يضاهيه أحد. وكان أستاذاً بارعاً في الفقه والأدب العربي.»[٦]
إلى جانب الزهد والتقوى في جدّه من جهة الأم، ورث الشيخ حر عن جده من جهة الأب شهادة الحرّ بن يزيد بن ريّاحي كأصل لهذه العائلة. وكان الشهيد الشيخ علي، ابن محمد حر عاملي المشغري، جدّ الشيخ حر من جهة الأب.
عن الشيخ حسن (والد الشيخ حر عاملي)، كتب الشيخ حر: «كان عالماً فاضلاً، ماهراً، جديراً، أديباً، فقيهاً، وموثوقاً به، حافظاً للقرآن ومتمكناً من علوم العربية والفقه والأدب. وكان الناس يرجعون إليه في مسائل الفقه خاصة في المواريث.»[٧]
أخوه الأصغر أحمد بن حسن كان من علماء الإمامية، وله اهتمام خاص بالتأريخ، وله مؤلفات في تفسير القرآن، واثنان من المؤلفات التاريخية، وهوامش على المختصر النافع وعدة مؤلفات أخرى. ومن كتبه الدر المسلوك في أخبار الأنبياء والأوصياء والخلفاء والملوك، وهو تاريخ عام يتناول الأحداث حتى سنة 1086 هـ، وفي نهايته يذكر معلومات عن نفسه مثل سفره إلى العتبات سنة 1070 هـ، وحجه سنة 1071 هـ، وإقامته في مشهد سنة 1086 هـ. كما أشار إلى وقوع زلزال في 1084 هـ تسبب في تدمير قبة الحرم ومنارتين في المسجد الجامع، وأمر شاه سليمان الصفوي بإعادة بناء المباني المتضررة. بعد وفاة أخيه الشيخ حر، تولى منصب شيخ الإسلام في مشهد. في 1115 هـ، استدعاه شاه سلطان حسين إلى أصفهان.
أخوه الآخر الشيخ زين العابدين كان أيضاً من علماء الإمامية وشاعرًا، وكتب شرحاً بعنوان المناسک المرویة فی شرح الإثنی عشرية الحجیة على رسالة حجّ الشيخ بهائي وله أثر في التاريخ بالفارسية، وتوفي في صنعاء أثناء عودته من الحج سنة 1078 هـ. وأخوه الآخر الشيخ علي كان عالماً فاضلاً درس عند والده والشيخ حر، وتوفي في 1078 هـ.
كان للشيخ حر أربعة أبناء: محمد رضا، حسن، أحمد، محمود، وابنة تسمى أم سيد صالح، زوجة تلميذ الشيخ حر عاملي، سيد محمد بن إبراهيم شرف الدين (جدّ والد سيد حسن صدر). وُصف محمد رضا، مثل والده، بأنه فقيه ومحدّث أخباري، ومن آثاره تنظيم مجموعة من شعر الشيخ بهائي.
بدأ الشيخ حر دراسته في مسقط رأسه مشغري، وعند والده وعمّه وجماعة من علماء المنطقة. ثم أكمل دراسته في جبع عند عمه وزين الدين محمد (حفيد صاحب معالم) وعدد من مشايخ المنطقة. عاش في جبل عامل حتى سن الأربعين، وخلال تلك الفترة حجّ مرتين.
في سنة 1073 هـ، قصد الشيخ حر زيارة [[أئمة معصومين (ع)]|الأئمة المعصومين]] في العراق، ومنها توجه إلى مشهد لزيارة الإمام علي بن موسى الرضا (ع) واستقر هناك. في 1087 و1088 هـ، حجّ وزار الأئمة المعصومين في العراق مرتين، ثم توجه إلى أصفهان حيث التقى بعلماء كبار مثل علامة مجلسي، ومنحه الأخير إذن الرواية، كما منحه الشيخ حر إذن الرواية. في تلك الرحلة عُين قاضي القضاة وشيخ الإسلام في خراسان بأمر من شاه سليمان الصفوي، لكنه رفض المنصب. عاد بعد ذلك إلى مشهد.
أساتذة الشيخ حر عاملي
طوال حياته في وطنه جبل عامل، تلقى الشيخ حر عاملي العلوم على يد أساتذة كبار من آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) واستفاد منهم كثيراً، مما ساعده على أن يكون عالماً كبيراً ومجتهداً مشهوراً، ومنهم:
- والده حسن بن علي (توفي 1062 هـ)
- عمه الشيخ محمد بن علي حر (توفي 1081 هـ)
- جده من جهة الأم الشيخ عبد السلام بن محمد حر
- عمّ والدته الشيخ علي بن محمود عاملي
- الشيخ زين الدين، صاحب معالم وابن الشهيد الثاني
- الشيخ حسين ظهيري
- السيد حسن الحسيني العاملي
- الشيخ عبد الله حرفوشي
- السيد ميرزا جزائري النجفي
- الشيخ علي حفيد الشهيد الثاني
- العلامة الشيخ حسين بن حسن بن ظهير الدين العاملي الظهيري
- علامة مجلسي، أشهر وأعظم أساتذة الشيخ حر عاملي، وغواص في بحار الأخبار والأحاديث، وقد ذكر الشيخ حر في كتابه أمل الآمل مرات عدة أنه نقل عن المرحوم مجلسي أحاديث.
- فيض الكاشاني، زينة فقهاء الحديث ونموذج للسالكين، وقد رأيت بعض تلامذته يكتبون اسمه بخطهم.
- العلامة مولى محمد طاهر بن محمد حسن الشيرازي النجفي، مؤلف كتب مشهورة مثل «حجة الإسلام» في شرح تهذيب الأحكام وحكمة العارفين وفوائد الدينية في حكماء الصوفية وغير ذلك، وأشار الشيخ حر إلى تلميذه عند هذا الأستاذ في كتاب أمل الآمل.
- العلامة المحقق آقا حسين خوانساري، شارح كتاب الدروس.
- العلامة السيد هاشم البحراني، صاحب تفسير البرهان.
- مولى محمد الكاشي.[٨]
- العلامة مولى محمد الكاشاني المقيم في قم.
تلامذة حر عاملي
لم يكن الشيخ حر مجرد باحث ومحقق وناقد، بل كان من أنجح المعلمين في عصره، وكان يدرّس في مشهد المقدس، في صحن الإمام علي بن موسى الرضا (ع)، وقد كان درس الشيخ من أفخم دروس عصره. رغم عدم وجود عدد دقيق لتلاميذ الشيخ، فإن ما ورد من أقوال معاصريه يشير إلى كثرة طلابه، ومن أشهر من روى عنه:
- الشيخ مصطفى بن عبد الواحد بن سيار حوبز
- الشيخ محمد رضا ابن الشيخ مصطفى
- الشيخ حسن ابن الشيخ مصطفى
- السيد محمد بن محمد باقر الحسيني الأعرجي المختاري النائيني
- السيد محمد بن محمد بدیع الرضوي المشهدي
- مولى محمد فاضل بن محمد مهدي المشهدي
- السيد محمد بن علي بن محيي الدين الموسوي العاملي
- مولى محمد صالح بن محمد باقر القزويني المعروف برغني
- مولى محمد تقی بن عبد الوهاب أسترآبادي المشهدي
- مولى محمد تقی دهخوارقاني القزويني
- السيد محمد بن أحمد الحسيني الجيلاني[٩]
مؤلفات الشيخ حر عاملي
- وسائل الشيعة (مجموعة من الروايات في أحكام الشرع في جميع أبواب الفقه، كُتبت خلال عشرين سنة)
- جواهر السنية
- صحيفة ثانية
- الإيقاظ من الهجعة برهان على الرجعة
- خلق الكافر
- الفوائد الطوسية
- بداية الهداية
- أمل الآمل
- إثبات الهداة
- هداية الأمة
- تعليق على كتاب المزار[١٠]
- كتاب الفصول المهمة في أصول الأئمة[١١]
- كتاب في ردّ الصوفية
- كتاب الإجازات
- كتاب كشف التعمية في حكم التسمية
- كتاب في إثبات أن صلاة الجمعة واجب عين.
- كتاب نزهة الأسماع في الإجماع
- كتاب في إثبات التواتر في القرآن
- كتاب في علم الرجال
- كتاب في تنزيه الأئمة المعصومين عن النسيان والسهو
- كتاب في الأخلاق
- كتاب في إبطال مسألة عمومية «حديث المنزلة»
- ديوان الإمام زين العابدين (عليه السلام)
- حاشية على كتاب الكافي للمرحوم الكليني
- حاشية على كتاب «من لا يحضره الفقيه»
- حاشية على كتاب تهذيب الشيخ الطوسي
- رسالة الإثني عشرية في الرد على الصوفية
- حاشية على الاستبصار للشيخ الطوسي[١٢][١٣]
الوفاة
توفي في 21 رمضان 1104 هـ، الموافق 6 خرداد 1072 ش، عن عمر يناهز 71 سنة، ودفن في سرداب مدرسة ميرزا جعفر[١٤]، ودفن في صحن الإمام علي بن موسى الرضا (ع) في مشهد[١٥].
انظر أيضاً
مراجع
- ↑ موقع تخصصي أمير المؤمنين عليه السلام
- ↑ حموي بغدادي، ياقوت، معجم البلدان، 5/134
- ↑ أعيان الشيعة، ج1، ص199
- ↑ أعيان الشيعة، ج1، ص 13
- ↑ مجالس المؤمنين، ج 1، ص 177
- ↑ أمل الأمل، ج 1، ص 107
- ↑ أمل الأمل، ج 5، ص 65
- ↑ بحار الأنوار، ج 107، ص 104-109
- ↑ إثبات الهدى، ج 1، ص 10-12
- ↑ تأليف سيد شرف الدين علي الحسيني المرعشي الحائري
- ↑ يتضمن قواعد عامة واردة عن الأئمة (عليهم السلام) في أصول الدين، فروع الدين، الطب، أصول الفقه وغيرها، ويحتوي على أكثر من ألف باب وقد طُبع
- ↑ يتضمن قواعد عامة واردة عن الأئمة (عليهم السلام) في أصول الدين، فروع الدين، الطب، أصول الفقه وغيرها، ويحتوي على أكثر من ألف باب وقد طُبع
- ↑ الذريعة، ج 1، ص 271
- ↑ مهدوي، سيد مصلح الدين (1371 ش)، عائلة شيخ الإسلام أصفهان، گل بهار أصفهان، صص 118–122
- ↑ سجع البلابل، ج 1، المقدمة