الفرق بين المراجعتين لصفحة: «مجاري الأصول»
Wikivahdat (نقاش | مساهمات) ط (استبدال النص - '=المصادر=↵{{الهوامش|2}}' ب'== الهوامش == {{الهوامش}}') |
Wikivahdat (نقاش | مساهمات) ط (استبدال النص - '====' ب'=====') |
||
سطر ٣٢: | سطر ٣٢: | ||
===اختلاف مجرى الاحتياط والألفاظ ذات الصلة=== | ===اختلاف مجرى الاحتياط والألفاظ ذات الصلة=== | ||
====أ ـ الحظر==== | =====أ ـ الحظر===== | ||
وهو [[الحکم]] في الأشياء بعناوينها الأوّلية بالحرمة ولزوم الاجتناب<ref>. شرح اللمع 2: 977، العدّة في اُصول الفقه 2: 742.</ref>. يختلف كلّ من [[الحظر]] و [[الاحتياط]] موضوعا، ومجري<ref>. فوائد الاُصول 3: 328 ـ 329، مصباح الاُصول 2: 309.</ref>. فمورد أصالة الحظر هو [[الشبهة|الشبهات التحريمية]]، بينما مورد الاحتياط عامّ يشمل جميع الشبهات وجوبية أو تحريمية. | وهو [[الحکم]] في الأشياء بعناوينها الأوّلية بالحرمة ولزوم الاجتناب<ref>. شرح اللمع 2: 977، العدّة في اُصول الفقه 2: 742.</ref>. يختلف كلّ من [[الحظر]] و [[الاحتياط]] موضوعا، ومجري<ref>. فوائد الاُصول 3: 328 ـ 329، مصباح الاُصول 2: 309.</ref>. فمورد أصالة الحظر هو [[الشبهة|الشبهات التحريمية]]، بينما مورد الاحتياط عامّ يشمل جميع الشبهات وجوبية أو تحريمية. | ||
ويصطلح على «أصالة الحظر»<ref>. العدّة في اُصول الفقه الطوسي 2: 742، شرح اللمع 2: 977.</ref> حديثا بـ «[[حق الطاعة]]»<ref>. دروس في علم الاُصول 2: 321.</ref>، إلاّ أنّ الأوّل يفرض في الشبهات التحريمية، بينما الثاني يفرض في الوجوبية والتحريمية. | ويصطلح على «أصالة الحظر»<ref>. العدّة في اُصول الفقه الطوسي 2: 742، شرح اللمع 2: 977.</ref> حديثا بـ «[[حق الطاعة]]»<ref>. دروس في علم الاُصول 2: 321.</ref>، إلاّ أنّ الأوّل يفرض في الشبهات التحريمية، بينما الثاني يفرض في الوجوبية والتحريمية. | ||
====ب ـ التوقّف==== | =====ب ـ التوقّف===== | ||
وهو الامتناع عن الإفتاء بأي حكم ترخيصي أو إلزامي في موارد الشبهة<ref>. شرح اللمع 2: 978، بحوث في علم الاُصول الهاشمي 5: 79.</ref>. الفرق بينهما أنّ التوقّف يجري في جميع موارد [[الشبهة]] حتّى الأحكام التي لايمكن فيها [[الاحتياط|جريان الاحتياط]]، كدوران الأمر بين المحذورين، والأحكام المشتبهة في الأموال والأعراض والنفوس<ref>. فرائد الاُصول 2: 105، واُنظر: دروس في الرسائل 2: 398.</ref>. | وهو الامتناع عن الإفتاء بأي حكم ترخيصي أو إلزامي في موارد الشبهة<ref>. شرح اللمع 2: 978، بحوث في علم الاُصول الهاشمي 5: 79.</ref>. الفرق بينهما أنّ التوقّف يجري في جميع موارد [[الشبهة]] حتّى الأحكام التي لايمكن فيها [[الاحتياط|جريان الاحتياط]]، كدوران الأمر بين المحذورين، والأحكام المشتبهة في الأموال والأعراض والنفوس<ref>. فرائد الاُصول 2: 105، واُنظر: دروس في الرسائل 2: 398.</ref>. | ||
====ج ـ الاشتغال==== | =====ج ـ الاشتغال===== | ||
وهو حكم العقل بلزوم الخروج عن عهدة التكليف المنجَّز<ref>. الاُصول العامّة للفقه المقارن: 505.</ref>. يجري [[قاعدة الاشتغال|الاشتغال]] عند العلم بالتكليف و [[الشك]] في متعلّقه، كما في موارد [[العلم الإجمالي]] والشكّ في المحصّل، بينما الاحتياط يجري عند الشكّ في التكليف والمكلّف به<ref>. جامعة الاُصول: 97.</ref>. | وهو حكم العقل بلزوم الخروج عن عهدة التكليف المنجَّز<ref>. الاُصول العامّة للفقه المقارن: 505.</ref>. يجري [[قاعدة الاشتغال|الاشتغال]] عند العلم بالتكليف و [[الشك]] في متعلّقه، كما في موارد [[العلم الإجمالي]] والشكّ في المحصّل، بينما الاحتياط يجري عند الشكّ في التكليف والمكلّف به<ref>. جامعة الاُصول: 97.</ref>. | ||
لايختصّ مورد [[قاعدة الاشتغال|جريان الاشتغال]] بالعلم التفصيلي بالتكليف والشكّ بـ [[الامتثال]]، بل يشمل أيضا [[الشبهة|الشبهة البدوية]] قبل الفحص<ref>. الاُصول العامّة للفقه المقارن: 505.</ref>. وللشكّ في المكلّف به أنحاء وموارد عديدة ذكرها النائيني وكانت مجرى لـ [[قاعدة الاشتغال|أصالة الاشتغال]]<ref>. فوائد الاُصول 4: 7.</ref>. واستثني منه مورد دوران الأمر بين المحذورين لوجود مانع عقلي<ref>. المصدر السابق: 8.</ref>، ومورد [[قاعدة الفراغ والتجاوز]] لوجود مانع شرعي<ref>. العناوين 1: 152، فوائد الأُصول 4: 8.</ref>. وهذه الموارد هي: | لايختصّ مورد [[قاعدة الاشتغال|جريان الاشتغال]] بالعلم التفصيلي بالتكليف والشكّ بـ [[الامتثال]]، بل يشمل أيضا [[الشبهة|الشبهة البدوية]] قبل الفحص<ref>. الاُصول العامّة للفقه المقارن: 505.</ref>. وللشكّ في المكلّف به أنحاء وموارد عديدة ذكرها النائيني وكانت مجرى لـ [[قاعدة الاشتغال|أصالة الاشتغال]]<ref>. فوائد الاُصول 4: 7.</ref>. واستثني منه مورد دوران الأمر بين المحذورين لوجود مانع عقلي<ref>. المصدر السابق: 8.</ref>، ومورد [[قاعدة الفراغ والتجاوز]] لوجود مانع شرعي<ref>. العناوين 1: 152، فوائد الأُصول 4: 8.</ref>. وهذه الموارد هي: | ||
سطر ٦٢: | سطر ٦٢: | ||
===اختلاف مجرى البراءة والألفاظ ذات الصلة=== | ===اختلاف مجرى البراءة والألفاظ ذات الصلة=== | ||
====أ ـ استصحاب حال العقل==== | =====أ ـ استصحاب حال العقل===== | ||
وهو استصحاب الحالة السابقة الثابتة قبل الشرع ـ من عدم شغل الذمّة ـ بالعقل القطعي<ref>. الوافية: 178.</ref>. والفرق بينه وبين [[أصالة البرائة]]، أنّ الأوّل مفروض فيه إحراز الحالة السابقة ويحكم فيه ببقاء الحالة المفروضة المعلومة، بخلاف أصل البراءة، حيث يكفي في [[الحکم]] به مجرد الشكّ في [[الحکم|الحکم الواقعي]]. | وهو استصحاب الحالة السابقة الثابتة قبل الشرع ـ من عدم شغل الذمّة ـ بالعقل القطعي<ref>. الوافية: 178.</ref>. والفرق بينه وبين [[أصالة البرائة]]، أنّ الأوّل مفروض فيه إحراز الحالة السابقة ويحكم فيه ببقاء الحالة المفروضة المعلومة، بخلاف أصل البراءة، حيث يكفي في [[الحکم]] به مجرد الشكّ في [[الحکم|الحکم الواقعي]]. | ||
====ب ـ البراءة الأصلية (العدم الأصلي)==== | =====ب ـ البراءة الأصلية (العدم الأصلي)===== | ||
المتداول في كلمات جماعة من متقدّمي [[الإمامية]] و [[أهل السنة]] التمسّك بـ «البراءة الأصلية» أو «النفي الأصلي» كدليل على انتفاء [[الحکم]] ما لم يقم [[الدليل|دليل شرعي]] على [[الثبوت]]<ref>. معارج الاُصول: 217، مبادئ الوصول: 186، 252، المعالم: 222، هداية المسترشدين 3 : 545 ، المحصول 2 : 559 ، المستصفى : 187 ـ 189.</ref>. واتّضح بما مرّ من الكلمات أنّ مرادهم منه استصحاب حال العقل، رأي استصحاب البراءة والعدم<ref>. المستصفى 1: 120 و142، المحصول 1: 435 ـ 564، 4: 387.</ref>. | المتداول في كلمات جماعة من متقدّمي [[الإمامية]] و [[أهل السنة]] التمسّك بـ «البراءة الأصلية» أو «النفي الأصلي» كدليل على انتفاء [[الحکم]] ما لم يقم [[الدليل|دليل شرعي]] على [[الثبوت]]<ref>. معارج الاُصول: 217، مبادئ الوصول: 186، 252، المعالم: 222، هداية المسترشدين 3 : 545 ، المحصول 2 : 559 ، المستصفى : 187 ـ 189.</ref>. واتّضح بما مرّ من الكلمات أنّ مرادهم منه استصحاب حال العقل، رأي استصحاب البراءة والعدم<ref>. المستصفى 1: 120 و142، المحصول 1: 435 ـ 564، 4: 387.</ref>. | ||
====ج ـ عدم الدليل دليل العدم==== | =====ج ـ عدم الدليل دليل العدم===== | ||
استدل بعض الفقهاء على انتفاء [[الحکم|الحکم الشرعي]] بعدم الدليل عليه<ref>. جامع المدارك 2: 48، التنقيح في شرح العروة الاجتهاد والتقليد: 62.</ref>، وقد يتوهّم أنّ مرادهم منه أصل البراءة، بل قد جزم به البعض<ref>. المعارج: 151، المعتبر 1: 32، ذكرى الشيعة 1: 52 ـ 53.</ref>، ولكنّه توهم باطل كما صرّح به بعضهم<ref>. الوافية: 199.</ref>. | استدل بعض الفقهاء على انتفاء [[الحکم|الحکم الشرعي]] بعدم الدليل عليه<ref>. جامع المدارك 2: 48، التنقيح في شرح العروة الاجتهاد والتقليد: 62.</ref>، وقد يتوهّم أنّ مرادهم منه أصل البراءة، بل قد جزم به البعض<ref>. المعارج: 151، المعتبر 1: 32، ذكرى الشيعة 1: 52 ـ 53.</ref>، ولكنّه توهم باطل كما صرّح به بعضهم<ref>. الوافية: 199.</ref>. | ||
د ـ الحظر والإباحة | د ـ الحظر والإباحة | ||
سطر ٨١: | سطر ٨١: | ||
===اختلاف مجرى الاستصحاب والألفاظ ذات الصلة=== | ===اختلاف مجرى الاستصحاب والألفاظ ذات الصلة=== | ||
====أ ـ قاعدة اليقين==== | =====أ ـ قاعدة اليقين===== | ||
وهي قاعدة تشترك مع [[الاستصحاب]] في جملة من الأركان، من قبيل افتراض اليقين، ولكن اليقين فيها غير فعلي، والشكّ سار في نفس اليقين، بمعنى أرنّه مع اختلاف زمان الوصفين (اليقين والشكّ) يتَّحد زمان متعلّقيهما <ref>. نهاية الأفكار 4 ق1: 8 ـ 9.</ref>، أي ما تيقَّنا به نشكّ به كذلك<ref>. الاُصول العامّة للفقه المقارن: 441.</ref>. راجع مدخل: [[الفرق بين الاستصحاب وقاعدة اليقين وما شابهها]] | وهي قاعدة تشترك مع [[الاستصحاب]] في جملة من الأركان، من قبيل افتراض اليقين، ولكن اليقين فيها غير فعلي، والشكّ سار في نفس اليقين، بمعنى أرنّه مع اختلاف زمان الوصفين (اليقين والشكّ) يتَّحد زمان متعلّقيهما <ref>. نهاية الأفكار 4 ق1: 8 ـ 9.</ref>، أي ما تيقَّنا به نشكّ به كذلك<ref>. الاُصول العامّة للفقه المقارن: 441.</ref>. راجع مدخل: [[الفرق بين الاستصحاب وقاعدة اليقين وما شابهها]] | ||
====ب ـ قاعدة المقتضي والمانع==== | =====ب ـ قاعدة المقتضي والمانع===== | ||
هذه القاعدة تستبطن [[العلم|اليقين]] و [[الشك]]، لكنَّها تختلف عن [[الاستصحاب]] في انخرام ركن وحدة المتعلَّق فيها، فمتعلَّق الأوَّل فيها هو وجود المقتضي للشيء، ومتعلَّق الثاني هو حصول المانع من تأثير المقتضي<ref>. الاُصول العامّة للفقه المقارن: 441 ـ 442.</ref>. | هذه القاعدة تستبطن [[العلم|اليقين]] و [[الشك]]، لكنَّها تختلف عن [[الاستصحاب]] في انخرام ركن وحدة المتعلَّق فيها، فمتعلَّق الأوَّل فيها هو وجود المقتضي للشيء، ومتعلَّق الثاني هو حصول المانع من تأثير المقتضي<ref>. الاُصول العامّة للفقه المقارن: 441 ـ 442.</ref>. | ||
====ج ـ الاستصحاب القهقري (المقلوب)==== | =====ج ـ الاستصحاب القهقري (المقلوب)===== | ||
ويُدعى في اللغة بأصالة الثبات<ref>. بحوث في علم الاُصول الهاشمي 6: 14.</ref>، وهو استصحاب الحاضر في الماضي؛ يحوي جميع [[أركان الاستصحاب]] إلاَّ أنَّ اليقين فيه لاحق والشكّ سابق<ref>. الأشباه والنظائر السبكي 1: 39، البحر المحيط 6: 25، الأشباه والنظائر (السيوطي): 76، واُنظر: الإبهاج في شرح المنهاج 3: 170.</ref>. | ويُدعى في اللغة بأصالة الثبات<ref>. بحوث في علم الاُصول الهاشمي 6: 14.</ref>، وهو استصحاب الحاضر في الماضي؛ يحوي جميع [[أركان الاستصحاب]] إلاَّ أنَّ اليقين فيه لاحق والشكّ سابق<ref>. الأشباه والنظائر السبكي 1: 39، البحر المحيط 6: 25، الأشباه والنظائر (السيوطي): 76، واُنظر: الإبهاج في شرح المنهاج 3: 170.</ref>. | ||
المراجعة الحالية بتاريخ ١٨:٣٦، ٥ أبريل ٢٠٢٣
مجاري الأصول: وهو محل جريان الأصول العملية واللفظية. والمستفاد من استخدام هذا الاصطلاح من قبل علماء الاُصول هو أنّ المراد من مجاري الاُصول كونها إشارة إلى موضوع جريان هذه الاُصول، أو موارد تنطبق عليها. لأنَّ منها ما يختصّ بـ الشبهة الموضوعيّة ومنها ما يختصّ بـ الشبهة الحكميّة ومنها ما يجري فيهما.
تعريف المجری لغةً
المجرى في اللغة هو: محلّ تظهر فيه كلّ شيء كما يناسبه؛ فمجري الماء هو النهر، كما نقل ابن منظور عن الأخفش: «المجري في الشعر حركة حرف الروي فتحته وضمته وكسرته، وليس في الروي المقيّد مجري؛ لأنّه لا حركة فيه فتسمّي مجري. وإنّما سمّي ذلك مجري ؛ لأنّه موضع جري حركات الإعراب والبناء. والمجاري: أواخر الكلم؛ وذلك لأنّ حركات الإعراب والبناء إنّما تكون هناك»[١].
تعريف مجاري الأصول اصطلاحاً
المستفاد من استخدام هذا الاصطلاح من قبل علماء الاُصول هو أنّ المراد من مجاري الاُصول كونها إشارة إلى موضوع جريان هذه الاُصول، أو موارد تنطبق عليها. لأنَّ منها ما يختصّ بـ الشبهة الموضوعيّة ومنها ما يختصّ بـ الشبهة الحكميّة ومنها ما يجري فيهما. وبعبارة اُخرى كما صرّح البعض: المعتبر في الجميع، الجهل بـ الحکم الشرعي؛ لأنّ المكلّف إذا إلتفت إلى حكم شرعي فإمّا أن يحصل له الشك فيه أو القطع أو الظن، فإن حصل له الشك فالمرجع فيه القواعد الشرعية الثابتة للشاك في مقام العمل، وتسمّى بالاُصول العملية، وهي منحصرة في الأربعة؛ لأنّ الشكّ إمّا أن يلاحظ فيه الحالة السابقة أم لا. وعلى الثاني فإمّا أن يمكن الاحتياط فيه أم لا. وعلى الأول فإمّا أن يكون الشك في التكليف أو المكلّف به. فالأوّل مجرى الاستصحاب، والثاني مجرى أصالة البرائة، والثالث مجرى الاحتياط، والرابع مجرى التخيير[٢]. وهكذا في الأصول اللفظية المعتبر الشك في المراد من اللفظ؛ من عموم أو خصوص و إطلاق أو تقييد وحقيقة أو مجاز ونحو ذلك.
مجاري الأصول المختلفة
هناك عدّة قضايا يعتمد عليها بحث المجاري، نقدّمها هنا تمهيدا للدخول فيه. مع العلم أنّا في المجاري قد أشرنا إلى مواضع جريان الأصول ولم ندخل في صلب بحث جريانها والاختلافات الواردة بين الاُصوليين في هذا المجال، فذلك أرجعناه إلى محاله، فموارد جريان البراءة مثلاً عدّة موارد لا تخلو من نقاش، وقد تركنا النقاش فيها إلى مقال براءة، وهكذا باقي موارد ومجاري الاُصول الاُخرى. هناك أقسام عديدة للأصل، فهناك أصول لفظية و أصول عملية، ولكلّ منهما مجاري خاصّة. ومن التقسيمات أيضا: تقسيم الأصل العملي إلى الأصل العقلي و الأصل الشرعي، ومجرى الأصل الأولي هو الشك في التكليف بالنظر إلى ما يدركه ويحكم به العقل، وهذا هو مجراه، بينما الأصل الثانوي مجراه الشكّ في التكليف بالنظر إلى ما حكم به الشارع. وكلا الصنفين يمكن أن يكون أصل براءة أو احتياط، وسنتناول مجراهما. وممّا قسّم به الأصل العملي هو تقسيمه إلى الأصل المحرز وغير المحرز، وقالوا هنا بعدم جريان الاُصول المحرزة في أطراف العلم الإجمالي مطلقا، بينما لا مانع من جريان غير المحرزة هنا [٣]؛ إلاّ أنّ الكثير من الاُصوليين ناقشوا في هذا التفريق[٤].
الاحتياط أمارة أو أصل؟
لا خلاف عند الإمامية في كون الاحتياط من الاُصول العملية[٥]. لكن يبدو من بعض أهل السنة كونه دليلاً بنفسه كسائر الأدلّة[٦]. فعلى الأوّل يتصوّر له المجرى كما يأتي، أمّا على القول بكونه أمارة فلا يكون موضوعا لمجاري الاُصول.
الاستصحاب أمارة أو أصل؟
هناك نقاش في أنّ الاستصحاب أمارة أم أصل[٧]، وفي الحقيقة نناقش هنا مجاري الاستصحاب على فرض كونه أصلاً لا أمارة.
البحث الأوّل: مجاري الاُصول اللفظية
الاُصول اللفظية تجري عرفا عند الشك في المراد من اللفظ؛ من عموم أو خصوص و إطلاق أو تقييد وحقيقة أو مجاز ونحو ذلك، كما لو احتملنا إرادة المتكلّم لأحد معنيين حقيقي أو مجازي ولم نتمكّن من تعيينه، فأصالة الحقيقة تعين المعنى الحقيقي منهما [٨]. ومن هنا فقد أطلق بعض الاُصوليين اسم «الاُصول المرادية» على الاُصول اللفظية؛ لأنّها تنقح مراد المتكلّم وتجري عند الشكّ فيه[٩].
البحث الثاني: مجاري الاُصول العملية
1 ـ مجرى الاحتياط
يمكن أن يقسّم الاحتياط بلحاظ نوع الحکم المحتاط فيه إلى ثلاثة أقسام: الأوّل: الاحتياط للحكم ومجراه الشك في التكليف. الثاني: الاحتياط لـ مناط الحكم ومجراه الشك في المكلّف به[١٠]. وكل هذه إما بحكم الشارع بلزوم الإتيان بجميع محتملات التكليف أو إجتنابها عند الشك بها فهو احتياط شرعي[١١]. أو بحكم العقل بلزوم الخروج عن عهدة التكليف المنجّز فهو احتياط عقلي[١٢].
اختلاف مجرى الاحتياط والألفاظ ذات الصلة
أ ـ الحظر
وهو الحکم في الأشياء بعناوينها الأوّلية بالحرمة ولزوم الاجتناب[١٣]. يختلف كلّ من الحظر و الاحتياط موضوعا، ومجري[١٤]. فمورد أصالة الحظر هو الشبهات التحريمية، بينما مورد الاحتياط عامّ يشمل جميع الشبهات وجوبية أو تحريمية. ويصطلح على «أصالة الحظر»[١٥] حديثا بـ «حق الطاعة»[١٦]، إلاّ أنّ الأوّل يفرض في الشبهات التحريمية، بينما الثاني يفرض في الوجوبية والتحريمية.
ب ـ التوقّف
وهو الامتناع عن الإفتاء بأي حكم ترخيصي أو إلزامي في موارد الشبهة[١٧]. الفرق بينهما أنّ التوقّف يجري في جميع موارد الشبهة حتّى الأحكام التي لايمكن فيها جريان الاحتياط، كدوران الأمر بين المحذورين، والأحكام المشتبهة في الأموال والأعراض والنفوس[١٨].
ج ـ الاشتغال
وهو حكم العقل بلزوم الخروج عن عهدة التكليف المنجَّز[١٩]. يجري الاشتغال عند العلم بالتكليف و الشك في متعلّقه، كما في موارد العلم الإجمالي والشكّ في المحصّل، بينما الاحتياط يجري عند الشكّ في التكليف والمكلّف به[٢٠]. لايختصّ مورد جريان الاشتغال بالعلم التفصيلي بالتكليف والشكّ بـ الامتثال، بل يشمل أيضا الشبهة البدوية قبل الفحص[٢١]. وللشكّ في المكلّف به أنحاء وموارد عديدة ذكرها النائيني وكانت مجرى لـ أصالة الاشتغال[٢٢]. واستثني منه مورد دوران الأمر بين المحذورين لوجود مانع عقلي[٢٣]، ومورد قاعدة الفراغ والتجاوز لوجود مانع شرعي[٢٤]. وهذه الموارد هي: أ ـ العلم الإجمالي بالتكليف[٢٥]. ب ـ العلم بالتكليف والشكّ في الامتثال[٢٦]. ج ـ الشبهة البدوية قبل الفحص[٢٧].
2 ـ مجاري البراءة المراد بـ البراءة إمّا حكم العقل بـ قبح العقاب على مخالفة التكليف الواقعي عند الشكّ وعدم البيان، أو حكم الشرع برفع الحکم أو آثاره عند الشك في مقام الظاهر. والأوّل براءة عقلية، والثاني براءة شرعية[٢٨]. وهذا الأصل بهذا المعنى غير مطروح في اُصول أهل السنة، وما يوجد أحيانا له في كلماتهم[٢٩]، فيحتمل أو ظاهر في أحد المعاني المطروحة في الألفاظ ذات الصلة، خصوصا في الاستصحاب. تعرّض الاُصوليون لموضوع موارد جريان البراءة، نتعرّض لأهمّها فيما يلي: 1 ـ الشكّ في أصل التكليف[٣٠]. 2 ـ الشكّ في المكلّف به عند الدوران بين الأقلّ والأكثر الاستقلاليين والارتباطيين[٣١]. 3 ـ الدوران بين الأقلّ والأكثر في المحرّمات[٣٢]. 4 ـ موارد انحلال العلم الإجمالي حكما [٣٣]. 5 ـ الدوران بين التعيين و التخيير[٣٤]. 6 ـ البراءة في الواجبات التخييرية والكفائية[٣٥]. 7 ـ البراءة في الأحكام الوضعية[٣٦]. 8 ـ البراءة في موارد الشكّ في القدرة[٣٧]. 9 ـ البراءة في موارد الشك في المحصِّل[٣٨]. 10 ـ البراءة في المستحبّات والمكروهات[٣٩].
اختلاف مجرى البراءة والألفاظ ذات الصلة
أ ـ استصحاب حال العقل
وهو استصحاب الحالة السابقة الثابتة قبل الشرع ـ من عدم شغل الذمّة ـ بالعقل القطعي[٤٠]. والفرق بينه وبين أصالة البرائة، أنّ الأوّل مفروض فيه إحراز الحالة السابقة ويحكم فيه ببقاء الحالة المفروضة المعلومة، بخلاف أصل البراءة، حيث يكفي في الحکم به مجرد الشكّ في الحکم الواقعي.
ب ـ البراءة الأصلية (العدم الأصلي)
المتداول في كلمات جماعة من متقدّمي الإمامية و أهل السنة التمسّك بـ «البراءة الأصلية» أو «النفي الأصلي» كدليل على انتفاء الحکم ما لم يقم دليل شرعي على الثبوت[٤١]. واتّضح بما مرّ من الكلمات أنّ مرادهم منه استصحاب حال العقل، رأي استصحاب البراءة والعدم[٤٢].
ج ـ عدم الدليل دليل العدم
استدل بعض الفقهاء على انتفاء الحکم الشرعي بعدم الدليل عليه[٤٣]، وقد يتوهّم أنّ مرادهم منه أصل البراءة، بل قد جزم به البعض[٤٤]، ولكنّه توهم باطل كما صرّح به بعضهم[٤٥]. د ـ الحظر والإباحة الأشياء في الأصل هل هي على الحظر أو على الإباحة؟ والفرق بين البراءة والحظر والإباحة هي أنّهما قبل الشرع والبراءة بعد الشرع، وأنّ مقتضى الشرع أو العقل بالنسبة لحالة الجهل والشكّ في حكم الأشياء بعناوينها هل هو البرائة أو الاحتياط ظاهرا؟[٤٦].
3 ـ مجرى التخيير
مجراها حالات العلم الإجمالي الذي يتعذّر معه الاحتياط، كـ دوران الأمر بين المحذورين[٤٧].
4 ـ مجرى الاستصحاب
يجري الاستصحاب فيما إذا كان لدينا يقين بحالة في زمن سابق وشكّ بذات الحالة في زمن لاحق، ومقتضى القاعدة الحكم ببقاء الحالة السابقة. وهذا هو المجرى الأساس للاستصحاب.
اختلاف مجرى الاستصحاب والألفاظ ذات الصلة
أ ـ قاعدة اليقين
وهي قاعدة تشترك مع الاستصحاب في جملة من الأركان، من قبيل افتراض اليقين، ولكن اليقين فيها غير فعلي، والشكّ سار في نفس اليقين، بمعنى أرنّه مع اختلاف زمان الوصفين (اليقين والشكّ) يتَّحد زمان متعلّقيهما [٤٨]، أي ما تيقَّنا به نشكّ به كذلك[٤٩]. راجع مدخل: الفرق بين الاستصحاب وقاعدة اليقين وما شابهها
ب ـ قاعدة المقتضي والمانع
هذه القاعدة تستبطن اليقين و الشك، لكنَّها تختلف عن الاستصحاب في انخرام ركن وحدة المتعلَّق فيها، فمتعلَّق الأوَّل فيها هو وجود المقتضي للشيء، ومتعلَّق الثاني هو حصول المانع من تأثير المقتضي[٥٠].
ج ـ الاستصحاب القهقري (المقلوب)
ويُدعى في اللغة بأصالة الثبات[٥١]، وهو استصحاب الحاضر في الماضي؛ يحوي جميع أركان الاستصحاب إلاَّ أنَّ اليقين فيه لاحق والشكّ سابق[٥٢].
البحث الثالث: اُصول اُخرى
هناك اُصول وقواعد اُخرى يرجع إليها المكلّف (المجتهد والعامّي) كـ أصالة الحلّية والطهارة و... الجارية في حالات الشكّ في طهارة أو نجاسة شيء، أو الشك في حلّية أو حرمة شيء وما إليها، أي أنّها تجري في أبواب خاصّة من الفقه؛ يطلب التفصيل فيه من كتب قواعد الفقهية.
الهوامش
- ↑ . لسان العرب 1: 591، مادّة «جري».
- ↑ . تقريرات الشيرازي للزوردري: 224، كتاب القضاء ميرزا حبيب اللّه الرشتي: 290، الرسائل الفشاركية: 9، بحر الفوائد في شرح الفرائد: 1/2 ـ 4 و 2/3 ـ 7، فرائد الاُصول: 1/26، درر الفرائد في الحاشية على الفرائد: 1/23، اُصول الفقه للمظفر: 1/32، معتمد الاُصول (الخميني): 489.
- ↑ . فوائد الاُصول 4: 693.
- ↑ . تهذيب الاُصول الخميني 2: 320 ـ 321، أجود التقريرات 3: 98 ـ 99، مصباح الاُصول 3: 259 ـ 261.
- ↑ . الاُصول العامّة للفقه المقارن: 486.
- ↑ . الفصول في الاُصول 2: 100.
- ↑ . فوائد الاُصول 4: 481 ـ 486، بحوث في علم الاُصول الهاشمي 6: 175 ـ 181.
- ↑ . الاُصول العامّة للفقه المقارن: 224 ـ 225.
- ↑ . نهاية الأفكار 4 ق 2: 102، وسيلة الوصول 1: 65، جواهر الاُصول الخميني 1: 222.
- ↑ . الاحتياط إلياس بلكا: 365 ـ 367.
- ↑ . الاُصول العامّة للفقه المقارن: 479.
- ↑ . الاُصول العامّة للفقه المقارن: 505.
- ↑ . شرح اللمع 2: 977، العدّة في اُصول الفقه 2: 742.
- ↑ . فوائد الاُصول 3: 328 ـ 329، مصباح الاُصول 2: 309.
- ↑ . العدّة في اُصول الفقه الطوسي 2: 742، شرح اللمع 2: 977.
- ↑ . دروس في علم الاُصول 2: 321.
- ↑ . شرح اللمع 2: 978، بحوث في علم الاُصول الهاشمي 5: 79.
- ↑ . فرائد الاُصول 2: 105، واُنظر: دروس في الرسائل 2: 398.
- ↑ . الاُصول العامّة للفقه المقارن: 505.
- ↑ . جامعة الاُصول: 97.
- ↑ . الاُصول العامّة للفقه المقارن: 505.
- ↑ . فوائد الاُصول 4: 7.
- ↑ . المصدر السابق: 8.
- ↑ . العناوين 1: 152، فوائد الأُصول 4: 8.
- ↑ . الفوائد الحائرية: 391، فوائد الاُصول 4: 8، اُصول الاستنباط: 184، مصباح الاُصول 2: 249، بحوث في علم الاُصول 5: 170، الاُصول العامّة للفقه المقارن: 507.
- ↑ . الاُصول العامّة للفقه المقارن: 520.
- ↑ . مصباح الاُصول 2: 489، فوائد الاُصول 3: 367 ـ 368، الاُصول العامّة للفقه المقارن: 506.
- ↑ . قوانين الاُصول: 466، 490، 431، فرائد الاُصول 1: 465، و2: 118، 160، 162، 171، 317، 347، و3: 76، كفاية الاُصول: 144، 338، 379، نهاية الأفكار 1: 202، فوائد الاُصول 1: 143، و3: 440، 441، 446، أصول الفقه 1: 35.
- ↑ . فتح العزيز 7: 464 ـ 466، وشرح الأزهار 1: 97، 111، 117، 401، المجموع 1: 205 ـ 206، روضة الطالبين 2: 107 و7: 14، مغني المحتاج 1: 386، 404.
- ↑ . فرائد الاُصول 2: 21 و 190 ـ 194، كفاية الاُصول: 338 ـ 357، مصباح الاُصول 2: 252 ـ 253.
- ↑ . نهاية الأفكار 1: 248، 2: 270 ـ 271، 3: 379، حقائق الاُصول 1: 202، 2: 24، 318، فوائد الاُصول 3: 360 فرائد الاُصول 2: 316، كفاية الاُصول: 363 ـ 373.
- ↑ . دروس في علم الاُصول: 444 ـ 445.
- ↑ . كفاية الاُصول: 358 ـ 359، 362، فرائد الاُصول 2: 199 ـ 255، دروس في علم الاُصول 2: 362 ـ 371 و 392 ـ 394 و 407 ـ 410.
- ↑ . مصباح الاُصول 2: 448 ـ 449.
- ↑ . فرائد الاُصول 2: 159.
- ↑ . فوائد الاُصول 3: 357، مصباح الاُصول 2: 249، كتاب الصوم الخوئي 2: 365، كتاب الحجّ (الخوئي) 5: 405 ـ 406، بحوث في علم الاُصول 5: 56، المحاضرات (الخوئي) 2: 249، تحريرات في الاُصول 2: 279، منتقى الاُصول 4: 405 ـ 406.
- ↑ . فوائد الاُصول 3: 265، 4: 55 ـ 56، دروس في علم الاُصول 2: 401، أجود التقريرات 3: 325، المستمسك 1: 248، 2: 576، 3: 194، كتاب صلاة النائيني 1: 269 ـ 270، 2: 236، التنقيح 6: 562، 9: 371، الاجتهاد والتقليد (الخوئي): 157.
- ↑ . المحكم في الاُصول 4: 92، تحريرات في الاُصول 2: 176، جامع المدارك 1: 37، فرائد الاُصول 2: 319، العروة الوثقى 1: 53، فوائد الاُصول 1: 165.
- ↑ . منتقى الاُصول 4: 404 ـ 405، بحوث في علم الاُصول 5: 150، تهذيب الاُصول 2: 170 و2: 421 ـ 422.
- ↑ . الوافية: 178.
- ↑ . معارج الاُصول: 217، مبادئ الوصول: 186، 252، المعالم: 222، هداية المسترشدين 3 : 545 ، المحصول 2 : 559 ، المستصفى : 187 ـ 189.
- ↑ . المستصفى 1: 120 و142، المحصول 1: 435 ـ 564، 4: 387.
- ↑ . جامع المدارك 2: 48، التنقيح في شرح العروة الاجتهاد والتقليد: 62.
- ↑ . المعارج: 151، المعتبر 1: 32، ذكرى الشيعة 1: 52 ـ 53.
- ↑ . الوافية: 199.
- ↑ . نهاية الأفكار 1 ـ 2: 199 ـ 201، أجود التقريرات 3: 288، إرشاد الفحول 2: 1157 ـ 1163.
- ↑ . فوائد الاُصول 3: 442، مصباح الاُصول 2: 327 ـ 342، اصطلاحات الاُصول: 50.
- ↑ . نهاية الأفكار 4 ق1: 8 ـ 9.
- ↑ . الاُصول العامّة للفقه المقارن: 441.
- ↑ . الاُصول العامّة للفقه المقارن: 441 ـ 442.
- ↑ . بحوث في علم الاُصول الهاشمي 6: 14.
- ↑ . الأشباه والنظائر السبكي 1: 39، البحر المحيط 6: 25، الأشباه والنظائر (السيوطي): 76، واُنظر: الإبهاج في شرح المنهاج 3: 170.