الفرق بين الاستصحاب وقاعدة اليقين وما شابهها

من ویکي‌وحدت

الفرق بين الاستصحاب وقاعدة اليقين وما شابهها: هناک قواعد في علم أصول الفقه تشابه مع قاعدة الاستصحاب في بعض الأرکان والشروط، کقاعدة اليقين، وقاعدة المقتضي والمانع، والاستصحاب القهقری، والأصل المُثبِت. ولذا يبدو من اللازم بيان الفرق بين الاستصحاب وهده القواعد.

الفرق بين الاستصحاب وقاعدة اليقين

وهي قاعدة تشترك مع الاستصحاب في جملة من الأركان، من قبيل افتراض اليقين، وتختلف في ما يتعلَّق بفعلية اليقين والشكِّ، فاليقين في هذه القاعدة غير فعلي، والشكّ سارٍ في نفس اليقين وفي ذات الزمان الذي تعلَّق به المتيقّن، بمعنى أنّه مع اختلاف زمان الوصفين (اليقين والشكّ) يتَّحد زمان متعلّقيهما (المشكوك والمتيقّن) [١]، أي ما تيقَّنا به نشكّ به كذلك. وتختلف عن الاستصحاب في أنَّا نشكّ في بقاء المتيقّن به لا بذاته، وذلك من قبيل اليقين بحياة زيد يوم الجمعة، فإذا شككنا بحياته يوم السبت كان موردا للاستصحاب، وإذا طرأ ما يزيل اليقين وشككنا بحياته يوم الجمعة كان موردا لقاعدة اليقين. [٢] كما أنَّ حيثية الكشف التي تعتمدها قاعدة اليقين هي: (غلبة أنَّ اليقين لايخطئ)، وحيثية الكشف في الاستصحاب هي: (غلبة أنَّ الحادث يبقى). [٣]

الفرق بين الاستصحاب وقاعدة المقتضي والمانع

هذه القاعدة كالاستصحاب تستبطن اليقين والشكّ، لكنَّها تختلف عن الاستصحاب في انخرام ركن وحدة المتعلَّق فيها، فإنَّ المتعلَّق في القاعدة غير متَّحد في اليقين والشكّ، فمتعلَّق الأوَّل فيها هو وجود المقتضي للشيء ، و متعلَّق الثاني هو حصول المانع من تأثير المقتضي. ومثالها: صبّ الماء على البشرة لتحصيل الطهارة، والشكّ في وجود مانع على البشرة لا تحصل الطهارة معه، فالطهارة لا تتوقَّف على وجود المقتضي فحسب، بل على عدم المانع كذلك. [٤] كما أنَّ القاعدة تختلف عن الاستصحاب في الأركان تختلف كذلك في حيثيات الكشف المستبطنة في كلٍّ منهما، فإنَّ حيثية الكشف في الاستصحاب تعتمد قضية (غلبة أنَّ الحادث يبقى) بينما حيثية الكشف في المقتضي والمانع تعتمد قضية (غلبة أنَّ المقتضيات نافذة ومؤثرة في معلولاتها). [٥]

الفرق بين الاستصحاب والاستصحاب القهقری

ويُدعى في اللغة بأصالة الثبات[٦] وهو استصحاب الحاضر في الماضي. [٧] هذا الاستصحاب يحوي جميع أركان الاستصحاب إلاَّ اليقين السابق والشكّ اللاحق، فإنَّ اليقين فيه لاحق والشكّ سابق، ومثاله: أن نتيقَّن حاليا بظهور اللفظ في معنى معيَّن، ونشكُّ بثبوت هذا الظهور عهد صدوره من المعصوم، وكذلك إذا تيقَّنا بأنَّ الأمر حقيقة في الوجوب في عرفنا الحاضر، وشككنا في هذه الحقيقة في العرف الماضي، فمقتضى هذا الاستصحاب كونها كذلك في ذلك الزمان أيضا. ويبدو حجّية هذه القاعدة في الأصول اللفظية لدى الشيعة[٨] بدليل سيرة العقلاء والعلماء، بل لولاه لانسدَّ باب الاجتهاد والاستنباط، ولاحتملنا في كلّ رواية أنَّها ظاهرة عرفا في معنى عهد الصدور قد تغيَّر هذا المعنى حاليا. [٩] وهذا ممّا يبدو من أصوليي أهل السنّة في الأصول اللفظية ـ أيضا ـ بدليل أنَّ الأصل عدم تغيُّر الوضع[١٠]، أمَّا في غيرها فقد قال الشيخ تقي الدين السبكي: «ولم يقل به الأصحاب إلاَّ في مسألة واحدة، وهو ما إذا اشترى شيئا فادَّعاه مدَّع وانتزعه منه بحجَّة مطلقة، فإنَّهم أطبقوا على ثبوت الرجوع للمشتري على البائع من باب الاستصحاب المقلوب، فإنَّ الحجّة تثبت عدم الانتقال[١١]، وأضيف إلى ذلك أمثلة أخرى من قبيل: لو أحرم بالحج وشكَّ هل أحرم قبل أشهره أو بعدها كان محرما بالحج، قالوا: لأنَّه على يقين منه هذا الزمن، وفي شكٍّ ممَّا تقدَّمه، فيجري الاستصحاب القهقری».[١٢]

الفرق بين الاستصحاب والأصل المُثبِت

وهو الأصل الذي يُراد به إثبات الآثار الشرعية المترتبة على اللوازم العقلية لمؤدّاه، وفي مجال الاستصحاب يطلق هذا الاصطلاح على الأصل الذي تقع فيه الواسطة غير الشرعية ـ عقلية أو عادية ـ بين المستصحب والأثر الشرعي الذي يراد إثباته على أن تكون الملازمة بينهما ـ أي بين المستصحب والواسطة ـ في البقاء فقط. [١٣] وبتعبير آخر: الأصل الذي يراد من خلاله إثبات الآثار واللوازم العقلية التي يكون ارتباطها بالمستصحب تكوينيا وليس بالجعل والتشريع، كنبات اللحية اللازم تكوينا لبقاء زيد حيّا، وموته اللازم تكوينا من بقائه إلى جانب الجدار إلى حين انهدامه. [١٤] وسُمِّي مثبتا؛ لأنَّه يثبت لازما غير شرعي لملزوم شرعي يراد إثبات الحكم الشرعي له. [١٥] وحقيقة هذا الأصل كونه يضمُّ بعض أركان الاستصحاب ويفقد بعضا آخر، مثل اليقين السابق، فإنّا نفتقد اليقين في مثل نبات اللحية بالنسبة إلى الشخص الذي تركناه منذ عشرين عاما[١٦]. هذا مع أنَّه يثبت لازما غير شرعي، سواءا كان عقليا أو عاديا، فالأثر الشرعي في الاستصحاب يترتب على نفس المستصحب، بينما في الأصل المُثبِت يترتب على اللازم العقلي أو العادي للمستصحب لا على نفسه.
وقد قيل: بعدم شمول أدلة الاستصحاب له؛ باعتبار أنَّ من غير المعقول أن يؤثر التعبُّد في اللوازم العقلية إن أريد إثبات هذه اللوازم بذاتها، وإن أريد إثبات ما لهذه اللوازم من آثار وأحكام شرعية، فإنَّ أدلَّة الاستصحاب قاصرة عن شمولها له.[١٧]

المصادر

  1. نهاية الأفكار 4 ق1 : 8 ـ 9.
  2. الأصول العامة للفقه المقارن : 441.
  3. دروس في علم الأصول 1 : 408، بحوث في علم الأصول الهاشمي 6 : 15 ـ 16.
  4. الأصول العامة للفقه المقارن : 441 ـ 442.
  5. دروس في علم الأصول 1 : 408، بحوث في علم الأصول الهاشمي 6 : 16.
  6. بحوث في علم الأصول الهاشمي 6 : 14.
  7. الأشباه والنظائر السبكي 1 : 39، البحر المحيط 6 : 25، الأشباه والنظائر (السيوطي) : 76، وانظر : الإبهاج في شرح المنهاج 3 : 170.
  8. فرائد الأصول 3 : 254.
  9. مصباح الأصول 3 : 9، مصباح الفقاهة 2 : 15، مباني الاستنباط 4 : 9، الاستصحاب كوثراني : 63، فقه الصادق 15 : 197.
  10. البحر المحيط 6 : 25.
  11. الأشباه والنظائر السبكي 1 : 40، ونقله عنه السيوطي في الأشباه والنظائر : 76.
  12. البحر المحيط 6 : 26.
  13. الأصول العامة للفقه المقارن : 450، الاستصحاب كوثراني : 63.
  14. دروس في علم الأصول 2 : 490.
  15. الاستصحاب كوثراني : 63.
  16. انظر : المصدر السابق : 63 ـ 66.
  17. دروس في علم الأصول 2 : 492.