انتقل إلى المحتوى

الغلاة

من ویکي‌وحدت

الغُلاة هم أولئك الذين وقعوا في الغلو والتطرف في حق مؤسسيهم وقادتهم. إن ظاهرة الغلو ترسم صورة مشوّهة ومحرّفة عن الدين والمذهب، وتشكك في أصلهما، وفي النهاية تغلق طريق التكامل والتقدم الذي يريده الدين. ولهذا السبب، فقد حاربت الأئمة من الشيعة هذا التيار الغالي بشدة وبيّنوا العقائد الصحيحة. فقد كشفوا عن رؤساء الغلاة وأصدروا أوامر بقتل بعضهم، فقاموا بجهد عظيم ومثمر لهدم هذه الظاهرة وإضعافها، حتى أنه لا نجد مثل هذا الجهد منهم في مواجهة أي من المذاهب الإسلامية الأخرى أو حتى الأديان غير الإسلامية.

الغُلاة (الغاليون)

الغُلاة في الاصطلاح هم الأفراد والجماعات الذين يعتقدون بـألوهية الإمام علي (عليه السلام)[١][٢] والأئمة (عليهم السلام)[٣][٤] ومنهم الإمام الصادق (عليه السلام)[٥][٦] أو يعتقدون بنبوتتهم.[٧] ويجب التنبيه إلى أن الأفكار الغالية لم تقتصر على أئمة الشيعة فقط، بل توجد لدى أتباع ديانات أخرى وكذلك أهل السنة.[٨] كما ادّعوا أنهم رسول الله المرسل إليهم.[٩]

كان هؤلاء يؤمنون بـتناسخ الأرواح[١٠][١١] وحلول[١٢][١٣] أي كانوا يعتقدون بانتقال الأرواح من جسد إلى آخر في هذه الدنيا وتجلي روح الله في أجساد الأئمة (عليهم السلام). كما اتبعوا منهج الإباحة، وارتكبوا المحرمات مثل ترك الصلاة وشرب الخمر، واعتقدوا أن معرفة الإمام وحدها تكفي للخلاص.[١٤][١٥][١٦]

كان هؤلاء الغلاة يُطلق عليهم أحيانًا في زمانهم اسم "الطيارة" (الطائرون)[١٧][١٨] بمعنى أنهم انحرفوا كثيرًا عن طريق الحق وقفزوا إلى الضلال. وفي كتب الرجال وُصفوا بعبارات مثل غالي المذهب[١٩] وفساد الرواية وفساد الدين.

أنشطة وإجراءات الغُلاة

تزوير الأحاديث بسند صحيح ونسبتها إلى الأئمة

من أخطر وأشد أعمالهم سوءًا كان تزوير الأحاديث ذات المضامين الكفرية والملحدة، ونسبتها بسند صحيح إلى أحد المعصومين (عليهم السلام) لتحقيق أغراضهم الخبيثة. ومن شدة انتشار هذا الفعل، كان زرارة بن أعين، أحد كبار علماء الشيعة ومن أصحاب الإمام باقر (عليه السلام) والإمام صادق (عليه السلام), يتمنى لو يستطيع إشعال نار تحرق كل أحاديث الشيعة.[٢٠] قال الإمام الصادق (عليه السلام): "لو لم يكن زرارة، لذهب حديث أبي".[٢١] وهذا يدل على نفوذ الأحاديث المزورة في كتب الحديث.

نقل هشام بن حكم عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله: إن مغيرة بن سعيد[٢٢] (أحد الغلاة الملحدين) كان ينسب الأكاذيب إلى أبي عمدًا، وكان أتباعه يتسللون بين أصحاب أبي ويستعيرون كتب الحديث منهم ليعطوها لمغيرة، الذي كان يسجل فيها كفراته ثم يعيدها لهم ويأمرهم بنشرها بين الشيعة. فكل ما في كتب أصحاب أبي من غلو هو من تزوير مغيرة بن سعيد.[٢٣]

مثال آخر

يونس بن عبد الرحمن القمي، من أصحاب الإمام الكاظم (عليه السلام) والمدافع القوي عن الإمام الرضا (عليه السلام)[٢٤][٢٥]، كان شديد التدقيق في الحديث وينكر صحة كثير من الأحاديث. قال: عندما كنت في العراق، التقيت بمجموعة من أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام) وسمعت منهم أحاديث وأخذت بعض كتبهم. حين عرضت الكتب على الإمام الرضا (عليه السلام)، أنكر كثيرًا من الأحاديث المنسوبة إلى الإمام الصادق (عليه السلام) وقال: "لعن الله أبوالخطاب" (وهو غالي ملحد زمن الإمام الصادق (عليه السلام) لُعن عدة مرات من قبله)[٢٦] وكذلك أتباعه الذين يعبثون حتى اليوم في كتب أصحاب الإمام الصادق ويزورون الحديث.[٢٧] ومن هذا يتبين أن الغلاة بدأوا في تزوير الأحاديث منذ زمن الإمام الباقر (عليه السلام) وحتى زمن الإمام الرضا (عليه السلام)، وكانوا يلوثون كتب الحديث بأكاذيبهم.

تزوير الأحاديث في ذمّ أصحاب الأئمة

من أعمالهم الأخرى صنع أحاديث تذم أصحاب الأئمة (عليهم السلام) وتنفي أفكارهم، مثل الأحاديث التي ذمّت زرارة بن أعين[٢٨]، وهو من أصحاب الإجماع[٢٩] ومن الذين وصفهم الإمام الصادق (عليه السلام) بأنهم من قالب:متن قرآن. كان زرارة من الذين عرفوا أصحاب أبوالخطاب بعدائهم له.[٣٠] وفي حادثة أخرى، نسب الغلاة إلى شيعة جنازة عبد الله بن أبی یعفور أنهم من المرجئة.[٣١] وكان عبد الله بن أبی یعفور قريبًا من الإمام الصادق (عليه السلام) وله تأييدات كثيرة منه[٣٢] وكان يعارض بشدة أفكار الغلاة.[٣٣]

المرجئة فرقة أو فكرة نشأت في بني أمية لتعزيز نظامهم، وانتشرت بين أهل السنة. كانوا يعتقدون أن المعصية لا تؤثر على الإيمان وأن العصمة ليست من لوازم الإمامة.[٣٤] وكان الغلاة ينسبون أفكار المرجئة إلى المشاركين في جنازة ابن أبی یعفور ليضربوا به شخصه وأفكاره المعتدلة التي كانت تحظى بشعبية كبيرة آنذاك.

بشكل عام، كان الغلاة يسمون معارضيهم من الشيعة ومن لا يعتقدون في الصفات فوق البشرية للأئمة بـ"المقصرين"[٣٥]، أي أنهم يعتقدون أنهم أخطأوا في معرفة حقيقة الإمام (عليه السلام) وفضائله، وهو إهانة لكثير من الشيعة، وبهذا يقدمون أنفسهم وأتباعهم على أنهم على الطريق الصحيح.

نتائج نشاط الغُلاة ورد فعل المجتمع الإسلامي

كان لأنشطة هذه الجماعات الانحرافية آثار مدمرة جدًا في المجتمع، وأدت إلى خلق صورة سيئة عن الشيعة.

كانت أفعالهم المدمرة إلى حد أن الإمام الصادق (عليه السلام) قال عنها: "إن ضرر هذه الأحداث على الإسلام والمسلمين أعظم من ضرر قتل الإمام الحسين (عليه السلام) على يد يزيد، لأن هذه المصائب من جماعة يظنون أنهم أحباؤنا ويعتقدون بموالاتنا في دينهم ويؤمنون بإمامتنا. ثم قال: هؤلاء ليسوا من شيعتنا."[٣٦]

ومن المحتمل جدًا أن هذه الجماعات كانت مدعومة سريًا من بعض الدوائر السياسية التابعة للحكومات، لكي تشوه ذهن الناس تجاه الأئمة (عليهم السلام) والشيعة عمومًا، وتخلق مشكلة داخلية للشيعة، بحيث يضطر الأئمة وأتباعهم إلى صرف وقتهم وجهدهم في مواجهة هذه العقائد الباطلة بدلاً من نشر المعارف الدينية الصحيحة، وهناك دلائل على مثل هذه العلاقات.[٣٧]

كان الغلاة يجعلون الإمام الصادق (عليه السلام) أحيانًا يبدو ضعيف الحديث في نظر بعض الناس، لأنهم كانوا ينسبون إليه أحاديث كثيرة منكّرة لتحقيق أغراضهم، مثل أنه قال إن معرفة الإمام تكفي عن الصلاة والصوم، أو أن الإمام علي (عليه السلام) في السماء مع السحب ويتحرك مع الرياح، وأن إله السماء والأرض هو الإمام، وعندما يسمع الناس هذه الأحاديث كانوا يضعفون من مكانته.[٣٨]

ويعتقد بعض علماء أهل السنة المتأخرين أن الغلاة نسبوا الكثير من الأكاذيب المزورة إلى الإمام الصادق (عليه السلام) حتى ضاع علمه وسط هذه المزورات، لدرجة أن محمد بن إسماعيل البخاري امتنع عن نقل أحاديثه.[٣٩] وربما أراد بهذا تبرير ظلم البخاري في نقل الحديث من الإمام الصادق (عليه السلام)، لكن ألم يكن هناك علماء كبار آخرون من أهل السنة يمدحون الإمام الصادق (عليه السلام) بأفضل الألفاظ وينقلون عنه الحديث مثل ابن جريح، ومالك بن أنس، وسفيان الثوري، وأبو حنيفة الذين كانوا يمدحونه ويستفيدون من علمه ويعتبرونه مصدر فخر لهم؟[٤٠]

وفي حديث آخر، يقول الإمام الرضا (عليه السلام) إن معارضينا قد زوّروا أحاديث في فضلنا بعضها فيه غلو في حقنا وبعضها يذكر شر أعدائنا... فإذا سمع الناس هذه الأحاديث الغالية، يكفرون شيعتنا، وإذا سمعوا شر أعدائنا، يسبوننا صراحة.[٤١]

وفي حديث آخر، يقول الإمام الصادق (عليه السلام): "نحن أهل البيت الصادقون، لكن دائمًا هناك من يكذب علينا، وبهذه الأكاذيب يفقد الناس ثقتهم بنا."[٤٢]

الغلاة في عصرنا

من الغلاة المعاصرين يمكن ذكر أهل الحق الذين يعيشون في إيران وتركيا والهند وباكستان وأفغانستان، ويقدر عددهم بأكثر من ثلاثة ملايين. ينقسم أهل الحق إلى فرقتين: الأربعينية والسبعينية. يعتقدون أن الأربعينية والسبعينية من الكائنات الطاهرة والنورانية ومن أولياء الله الذين خلقوا قبل آدم (عليه السلام) وبقية المخلوقات، وبعد أن عاهدوا الله ألا ينحرف البشر عن الطريق الحق، طلبوا من الله خلق آدم (عليه السلام).[٤٣]

انظر أيضاً

الهوامش

  1. سعد بن عبد الله الأشعري القمي، المقالات والفرق، بتحقيق محمد جواد مشکور، ص ۲۰.
  2. أبو الحسن الأشعري، مقالات الإسلاميين، ج ۱، ص ۸۳.
  3. محمد بن عمر الكشي، اختيار معرفة الرجال، ص ٤٨٠، ٥١٨، ٥٥٥.
  4. عبد القاهر بن طاهر البغدادي، الفرق بين الفرق، ص ۲۲۳.
  5. سعد بن عبد الله الأشعري القمي، المصدر نفسه، ص ۵۱، ۵۳.
  6. حسن بن موسى النوبختي، فرق الشيعة، ص ۴۳، ۴۴.
  7. عبد القاهر بن طاهر البغدادي، المصدر نفسه، ص ۲۲۵.
  8. نعمت الله صفري فروشاني، الغلاة (دراسة في التيارات والنتائج)، الفصل الأول.
  9. أبو الحسن الأشعري، المصدر نفسه، ج ۱، ص ۶۹.
  10. سعد بن عبد الله الأشعري القمي، المصدر نفسه، ص ۵۸.
  11. عبد القاهر بن طاهر البغدادي، المصدر نفسه، ص ۲۲۱.
  12. حسن بن موسى النوبختي، المصدر نفسه، ص ۴۴.
  13. أبو الحسن الأشعري، المصدر نفسه، ج ۱، ص ۸۳.
  14. محمد بن عمر الكشي، المصدر نفسه، ص ۵۲۱.
  15. حسن بن موسى النوبختي، المصدر نفسه، ص ۴۳.
  16. أبو الحسن الأشعري، المصدر نفسه، ج ۱، ص ۷۵، ۷۸.
  17. محمد بن عمر الكشي، المصدر نفسه، ص ۳۲٤، ۳۲٦، ٤٠٧.
  18. الشيخ الطوسي، رجال الطوسي، ص ۴۹۹.
  19. رجال ابن غضائري، ص ۵۶، ۸۹.
  20. علامة المجلسي، بحار الأنوار، ج ۲۵، ص ۲۵۲.
  21. سيد محمد كاظم طباطبائي، تاريخ الحديث، ص ۱۰۲.
  22. محمد بن عمر الكشي، المصدر نفسه، ص ۲۲۸-۲۲۳.
  23. المصدر نفسه، ص ۲۲۵.
  24. الشيخ الطوسي، كتاب الغيبة، ص ۶۴.
  25. أحمد بن علي بن أحمد النجاشي، المصدر نفسه، ص ۴۴۶، ۴۴۷.
  26. سعد بن عبد الله الأشعري القمي، المصدر نفسه، ص ۵۵.
  27. محمد بن عمر الكشي، المصدر نفسه، ص ۲۲۴.
  28. المصدر نفسه، ص ۱۴۸، ۴۹۵، ۵۳۸.
  29. المصدر نفسه، ص ۲۳۸.
  30. المصدر نفسه، ص ۱۳۶.
  31. المصدر نفسه، ص ۱۳۸.
  32. المصدر نفسه، ص ۲۴۹.
  33. المصدر نفسه، ص ۲۴۷.
  34. تاريخ الشيعة والفرق الإسلامية، ص ۴۲، ۴۳.
  35. سعد بن عبد الله الأشعري القمي، المصدر نفسه، ص ۵۸، ۶۱.
  36. الشيخ حر العاملي، إثبات الهدى بالنصوص والمعجزات، ج ۷، ص ۴۵۶.
  37. محمد بن عمر الكشي، المصدر نفسه، ص ۵۲۱، ۵۵۴.
  38. المصدر نفسه، ص ۳۲۵.
  39. كامل مصطفى الشيباني، التشيع والتصوف، ص ۳۲.
  40. جعفر الشهيدي، حياة الإمام الصادق (عليه السلام)، ص ۱۰-۶.
  41. عيون أخبار الرضا، ج ۱، ص ۳۰۴.
  42. محمد بن عمر الكشي، المصدر نفسه، ص ۳۵۰.
  43. سيد محمد علي خواجة الدين، المنخرطون: تاريخ وشرح العقائد والطقوس لأهل الحق (اليارسان), مكتبة منوچري، ص ۳-۷.