التكفير
التكفير أو (حكم الخروج من الإسلام) هو من الأحكام الخلافية في الفقه الإسلامي، ويعني إخراج الفرد أو الجماعة من دائرة الإسلام بسبب ارتكاب أفكار أو أفعال محددة. يعد هذا الحكم من الموضوعات الشائكة بين المذاهب الإسلامية لارتباطه بتبعات دينية واجتماعية وسياسية.
التعريف والماهية
في الاصطلاح الفقهي، التكفير يعني «الحكم بخروج المسلم عن ملة الإسلام استناداً إلى ناقض من نواقض الإيمان»[١]. وتتضمن هذه التعريف مفاهيم أساسية:
- نواقض الإيمان: أفعال أو أقوال تقوم على القصد والإرادة وتؤدي إلى الخروج من الإسلام.
- القصد والإرادة: شرط أساسي وفق القاعدة الفقهية «لا تكفير مع الإكراه أو الجهل»[٢].
- أهلية المُحتسِب: إن حكم التكفير من صلاحية الجهات الشرعية المختصة فقط، وليس للأفراد العاديين.
موقف المذاهب الإسلامية من التكفير
موقف أهل السنة (المذاهب الأربعة)
يتحفظ معظم علماء أهل السنة والجماعة على إصدار حكم التكفير ويقتصرونه على الحالات الصريحة القطعية.
الشافعية والمالكية: وفقاً لرأي الإمام الشافعي في كتاب «الأم» والإمام مالك در «المدونة الكبرى»، لا يؤدي ارتكاب الكبائر وحده إلى الكفر، إلا إذا اقترن بإنكار حكم صريح في القرآن. كمثال، يصرح الإمام الشافعي: «لا نكفر أحداً بذنب إلا أن يستحله»[٣].
الحنفية: يرى الإمام أبو حنيفة في «الفقه الأكبر» أن التكفير مقصور على إنكار ضروريات الدين، ويقول: «لا يُكفَّر أهل القبلة بذنب»[٤].
الحنابلة: لـالإمام أحمد بن حنبل في «أصول السنة» موقف وسطي. من ناحية، لا يكفر المرتكب للكبيرة كغيره، لكنه يرى أن سب الله أو سب الرسول من صور الكفر الصريحة[٥]. مع تأكيده على الفرق بين الكفر العملي والاعتقادي.
موقف السلفية والوهابية
توسع المدرسة السلفية، خاصة في قراءة محمد بن عبد الوهاب (ت. 1792م)، نطاق التكفير.
ففي «كتاب التوحيد» و«نواقض الإسلام العشرة» يرى محمد بن عبد الوهاب أن أفعالاً مثل التوسل بالأولياء، وبناء القباب على القبور، والحلف بغير الله قد تكون من الشرك وتؤدي إلى الخروج من الإسلام[٦]. وكان يعتقد أن كثيراً من مسلمي عصره وقعوا في الشرك. مع ذلك، يشترط أيضاً العلم والقصد.
علماء السلفية المعاصرون كـابن باز وابن عثيمين، وإن التزموا برؤية ابن عبد الوهاب، إلا أنهم شددوا على ضوابط دقيقة للتكفير وتجنبوا التكفير العام للمسلمين. يقول ابن عثيمين في «الشرح الممتع»: «التكفير حكم شرعي، فلا يصدر إلا ممن يملك أهلية الإفتاء»[٧].
موقف الشيعة الإمامية
يتسم فقه الشيعة بالحساسية تجاه التكفير ويحصره في حالات محددة للغاية.
فـالعلامة الحلي في «تذكرة الفقهاء» لا يجوز تكفير المسلم إلا بوجود بينة قاطعة على إنكار ضروري من الدين[٨]. ويصرح الشيخ المفيد في «المقنعة» أن مرتكب الكبيرة فاسق وليس كافراً[٩].
تمييز مهم في الفقه الشيعي هو مفهوم تكفير أهل القبلة. فتقريباً جميع مراجع التقليد الشيعة يحرمون تكفير بقية المسلمين (أهل السنة). ويؤكد آية الله خامنئي في استفتاءاته: «لا يجوز تكفير المسلمين وحتى الخوارج، إلا إذا فعلوا ما يوجب الخروج من اسلام»[١٠].
أما الإمام الخميني (ره) في «كتاب البيع»، فيرفض «تكفير الأفراد السذّج أو الجاهلين» ويرى أن كثيراً من الحالات هي من جهل قصوري لا عقاب عليه[١١]. ضوابط رئيسية واتفاقات
رغم الاختلافات، توجد ضوابط مشتركة بين المذاهب:
- قاعدة درء (دفع الشبهة): تنطبق قاعدة «درء الحدود بالشبهات» على التكفير أيضاً، أي يتوقف حكم التكفير بأدنى شبهة[١٢].
- التفريق بين الكفر والفسق: معظم المذاهب تميز بين «الكفر» (الخروج من الدين) و«الفسق» (الخروج من الطاعة)[١٣].
- نفي التكفير المعين: يعارض كثير من علماء العصر، شيعة وسنة، «التكفير المُعيّن» (تكفير فرد محدد دون محاكمة شرعية)[١٤].
- تأثير الزمان والمكان: يؤكد بعض الفقهاء المعاصرين كـالشيخ محمد الغزالي (من أهل السنة) والشهيد مطهري (من الشيعة) على مراعاة الظروف الاجتماعية والدوافع عند تقييم الأفعال[١٥].
انتقادات وتحديات معاصرة
برز في العصر الحديث ظاهرة التكفيرية أو «الجماعات التكفيرية» التي تلجأ إلى تكفير واسع استناداً إلى قراءات خاصة للنصوص الدينية. وقد أدانت هذه الجماعات من قبل المراجع الرئيسية لكل المذاهب الإسلامية، من الأزهر الشريف إلى حوزة قم[١٦]. ويقول المنتقدون إن هذه الجماعات تتجاهل الضوابط الفقهية للتكفير وتتأثر بالمصلحة السياسية أو التعصبات المذهبية. خاتمة
إن موضوع التكفير في الإسلام موضوع معقد متعدد الطبقات، لا يمكن إصدار حكم واحد بسيط فيه. النهج السائد في التراث الفقهي الإسلامي – بدرجات متفاوتة – هو التحفظ ومراعاة الضوابط الدقيقة وتجنب التسرع. أما القراءات المتطرفة التي تؤدي إلى التكفير السهل والواسع، فلا تقبلها الأغلبية الساحقة من علماء الإسلام فحسب، بل تنتقد أيضاً كعامل تفرقة وعنف في العالم الإسلامي.
الهوامش
- ↑ ابن تيمية، أحمد بن عبدالحليم. "الصارم المسلول على شاتم الرسول". ج 1، ص 23.
- ↑ الغزالي، أبو حامد. "فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة". ص 115.
- ↑ الشافعي، محمد بن إدريس. "الأم". ج 6، ص 159.
- ↑ أبو حنيفة، النعمان بن ثابت. "الفقه الأكبر". ص 43.
- ↑ ابن حنبل، أحمد. "أصول السنة". ص 72.
- ↑ ابن عبد الوهاب، محمد. "كتاب التوحيد". باب: "ما جاء في التوسل بالأولياء".
- ↑ ابن عثيمين، محمد صالح. "الشرح الممتع على زاد المستقنع". ج 1، ص 285.
- ↑ الحلي، حسن بن يوسف. "تذكرة الفقهاء". ج 9، ص 18.
- ↑ المفيد، محمد بن محمد. "المقنعة". ص 567.
- ↑ خامنئي، سيد علي. "أجوبة الاستفتاءات". السؤال 1243.
- ↑ الخميني، روح الله. "كتاب البيع". ج 2، ص 482.
- ↑ السيوطي، جلال الدين. "الأشباه والنظائر". ص 121.
- ↑ القرطبي، محمد بن أحمد. "الجامع لأحكام القرآن". ج 2، ص 190.
- ↑ الألباني، محمد ناصر الدين. "سلسلة الأحاديث الصحيحة". ج 1، حديث 28.
- ↑ الغزالي، محمد. "كيف نتعامل مع القرآن". ص 203. ومطهري، مرتضى. "مجموعة آثار". ج 21، ص 345.
- ↑ "بيان مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر حول ظاهرة التكفير". 2015.