الآخرة

الآخرة هي العالم الذي يأتي بعد الموت، وهو العالم الذي يلي الدنيا. الآخرة تقابل حياة الدنيا. الإيمان بالآخرة يُعتبر من أصول الدين في الإسلام، ومن لا يؤمن بها لا يُعتبر مسلمًا. في القرآن تم التأكيد على أهمية الآخرة، وكان الإيمان بها من أُسس دعوة جميع الأنبياء. قيل إن أكثر من ثلث آيات القرآن تتعلق بالآخرة. في مصطلحات القرآن والسنة والثقافة الإسلامية، الآخرة تعني "العالم الآخر" (العالم بعد الموت)، وهو مقابل الدنيا. الآخرة هي عالم يُجازى فيه جميع الناس على أعمالهم. في جميع الديانات التي تعتمد على الوحي، ورد ذكر الآخرة.
الآخرة في اللغة
- كلمة "آخر" هي صيغة الفاعل من الجذر "أخر" الذي يُستخدم فقط في أوزان التفعيل والتفعّل والاستفعال، ولا يُستخدم في الصيغ المجردة أو المزيدة الأخرى. قد يكون "المؤخر" أو مع بعض التسهيل "النهاية" هو المعادل المناسب في العربية. هذه الكلمة عادةً ما تُستخدم مقابل "أول"، كما في قوله تعالى: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ} [سورة الحديد: 3].
- هاتان الكلمتان متضادتان؛ أي بين أمرين لهما تقدم وتأخر، أحدهما أول والآخر آخر؛ أحدهما سابق والآخر لاحق. استخدام كلمة "الآخرة" بالتأنيث هو بناءً على قاعدة في الأدب العربي حيث يُحذف الموصوف المؤنث لبعض الصفات بسبب كثرة الاستخدام، مثل "حسنة" و"سيئة" و"خطيئة". "حسنة" في الأصل كانت "الخصلة الحسنة" حيث حُذف "الخصلة" تدريجيًا وبقيت الصفة "حسنة".
- في القرآن أيضًا وردت هذه الكلمة مثل: {مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا} [سورة النمل: 89]. "الآخرة" ذُكرت كثيرًا في القرآن الكريم كصفة لكلمات مؤنثة، ومن ذلك يُستدل على أن هذه الكلمة في مواضع أخرى كانت صفة لموصوف مؤنث تم حذفه تدريجيًا، مثل: {الدَّارَ الْآخِرَةَ} [سورة القصص: 77] و{النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ} [سورة العنكبوت: 20]. من المعنى اللغوي لـ"الآخرة" واستخداماتها القرآنية التي جاءت أحيانًا مقابل "الدنيا" وأحيانًا مقابل "الأولى"، نفهم أن لدينا حياتين: {إِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى} [سورة الليل: 13]؛ الحياة الأولى في هذه الدنيا والقريبة، والحياة الآخرة في العالم الآخر والبعيدة.
كلمة الآخرة
الآخرة تعني العالم الأخير والعالم بعد الدنيا. الكلمة مأخوذة من جذر "أ خ ر" ومؤنث "آخر" بمعنى النهاية والمقابل لـ"أول".
القرآن الكريم يقسم حياة الإنسان إلى قسمين: قابلة للنهاية وأبدية، ويدل على الأول بـ"الدنيا" و"الأولى"، وعلى الثاني بـ"الآخرة" و"اليوم الآخر".
- كلمة الآخرة بمعنى العالم بعد الدنيا ذكرت 113 مرة في القرآن:
- تسع مرات مع صفة أو مضاف إليه، مثل: {وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ} [سورة العنكبوت: 64]؛
- {وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ} [سورة يوسف: 109]؛
- مرة واحدة مع صفة "النشأة": {يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ} [سورة العنكبوت: 20]؛
- خمس مرات مقابل "الأولى"، مثل: {فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى} [سورة النجم: 25]؛
- 48 مرة مقابل "الدنيا"، مثل: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً}؛
- 26 مرة مع صفة "يوم"، مثل: {آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ} [سورة البقرة: 8]؛
- وفي بعض الحالات وردت كلمة "الآخرة" بمفردها، مثل: {أُولَـئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ} [سورة البقرة: 86].
- لفظ "الآخرة" جاء مؤنثًا لأن أحد الألفاظ مثل "الدار" أو "الكرة" أو "النشأة" أو "الحياة" هو الموصوف المفترض، وبما أن الموصوف مؤنث، فإن الصفة تتبع الموصوف في التأنيث.
الآخرة في القرآن والحديث
القرآن الكريم يطلق على الحياة قبل الموت "الحياة الأولى" وبعد الموت "الحياة الآخرة"، مثل:
- {لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ} [سورة القصص: 70]. في هذا الدار الأول وفي الآخرة الحمد له.
- {وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى} [سورة الليل: 13]. وفي الحقيقة الدنيا والآخرة لنا.
- {وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَى} [سورة الضحى: 4]. والآخرة لك خير من الدار الأولى.
- في الواقع، القرآن الكريم والحديث الشريف يستخدمان كلمة "الآخرة" في أبلغ معانيها اللغوية. وعندما سأل يزيد بن سلام النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم): "لماذا سميت الآخرة بهذا الاسم؟"، أجابه:
- {لِأَنَّهَا مُتَأَخِّرَةٌ تَأْتِي مِنْ بَعْدِ الدُّنْيَا، لا تُوصَفُ سِنُو نُهَا، وَلا تُحْصَى أَيَّامُهَا، وَلا يَمُوتُ سُكَّانُهَا} [سورة الضحى: 4]. لأنها متأخرة وتأتي بعد الدنيا. سنواتها لا توصف وأيامها لا تحصى وسكانها لا يموتون.
- ونقل عن الإمام علي (عليه السلام) في سبب تسمية الآخرة:
- "سُمِّيَتِ الآخِرَةُ آخِرَةً، لأَنَّ فِيهَا الجَزاءَ وَالثَّوابَ." الآخرة سميت بهذا الاسم لأنها مكان الجزاء والثواب.
- كما أوضح العلامة محمد باقر المجلسي، المقصود أن الآخرة تسمى كذلك لأنها مكان الجزاء والثواب، والجزاء متأخر عن العمل، لذلك حياة ما بعد الموت تسمى الآخرة.
- هذه الكلمة في القرآن تأتي أحيانًا كصفة لـ"النشأة" مثل: {ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ} [سورة العنكبوت: 20]؛ وأحيانًا كصفة لـ"الدار" مثل: {وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ} [سورة العنكبوت: 64]، وأحيانًا مضاف إليها "دار" مثل: {وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ} [سورة يوسف: 109]؛ وأحيانًا صفة لـ"اليوم" مثل: {مِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ} [سورة البقرة: 8].
- في معظم الحالات، حذف الموصوف، واستخدمت كلمة "الآخرة" مقابل "الدنيا" للدلالة على الحياة بعد الموت.
- في القرآن الكريم، تكررت الكلمة 143 مرة: 4 مرات بمعناها اللغوي، و139 مرة بمعنى "الحياة بعد الموت"، منها 88 مرة بصيغة "الآخرة"، و22 مرة "بالآخرة"، و3 مرات "للآخرة"، و26 مرة "الآخر" كصفة لليوم.
- من الجدير بالذكر أن كلمة "الآخرة" ليست مرادفة لكلمة القيامة (يوم الحساب)، فالآخرة تشمل كل المراحل والمواقف بعد الموت، والقيامة هي إحدى منازل الآخرة، كما أن النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وصف القبر بأنه أول منازل الآخرة:
القبر أول منازل الآخرة؛ فإن نجا منه فمابعده أيسر منه، وإن لم ينج منه فمابعده أشد منه. [بحار الأنوار: ج 10 ص 256 ح 1201]. القبر هو أول منزل في الآخرة، فإذا نجا الإنسان منه، تكون المراحل التالية أسهل، وإذا لم ينج، تكون أصعب.
الآخرة في الديانات الأخرى
- اليهودية كانوا يؤمنون بعالم الآخرة خاص بهم، أي كانوا يؤمنون بالآخرة: {قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ} [سورة البقرة: 94]. وكانوا فرقة تسمى الفريسيين؛ وفرق أخرى لا تؤمن بالآخرة تسمى الصدوقيين، وكان موسى عليه السلام ينهاهم عن ذلك ويأمر قارون بالتمسك بالآخرة: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ} [سورة القصص: 77]. هذه الآية تؤكد صحة قول الفريسيين. التوراة تقول: "ها أنا ذا وأنا هو، ولا إله غيري، أنا المميت والمحيا والجريح والمعالج، الذي لا خلاص من يدي." [سفر التثنية 32: 31].
- المسيحية تؤمن أيضًا بعالم الآخرة، لكنها تفسر النعم الجسدية التي وعد الله بها، وكذلك النار والعذاب بمعاني روحية تناسب ذلك العالم. قيل إن أحدهم سأل عيسى عليه السلام: امرأة تزوجت زوجين في الدنيا، لمن تكون في الآخرة؟ فأجاب: لا يوجد نكاح في ذلك العالم. ومع ذلك، اليهود والنصارى يؤمنون بالآخرة، إلا جماعة أشار إليهم القرآن: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [سورة التوبة: 29].
- بعض الناس في عهد النبي محمد (صلى الله عليه) كانوا دهرية وطبيعيين: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا} [سورة الجاثية: 24]، أي الحياة ليست إلا هذه الدنيا فقط. الله يرد عليهم: {مَا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ}، أي ليس لهم علم بما يقولون، وظنهم كذلك لأنهم لم يروا، والجهل بالشيء لا يثبت نفيه.
- {قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ} [سورة الممتحنة: 13]، عن اليهود يقول: قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور. فرقة من اليهود تسمى الصدوقيين لم تؤمن بالآخرة واعتبرت عقاب العصاة في الدنيا فقط، وقالوا: في التوراة لا يوجد وعيد للآخرة، إن أطاعوا الشريعة ينالون العزة والنعمة في الدنيا، وإن عصوا ينالون البلاء والذل. وفرقة أخرى تسمى الفريسيين آمنت بالآخرة. والكفار في الآية هم الملاحدة والماديون الذين لا يؤمنون بالغير المحسوس، ويعتبرون الإنسان كأنه يختفي تحت التراب بعد الموت.