انتقل إلى المحتوى

محمد بن عبدالوهاب

من ویکي‌وحدت
مراجعة ١٦:٢٧، ١٦ ديسمبر ٢٠٢٥ بواسطة Negahban (نقاش | مساهمات) (التكفير وموقفه من المخالفين)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)

محمد بن عبدالوهاب التميمي النجدي (1115 - 1206 هـ / 1703 - 1792 م) هو عالم دين حنبلي، يُعتبر المؤسس الفكري والروحي لحركة الوهابية.

تبقى شخصيته محل جدل عميق في التاريخ الإسلامي. فبينما يقدمه أنصاره وأتباعه على أنه "مصلح عظيم" و"مجدد للإسلام" وحارب الشرك والبدع، ينتقده كثير من علماء الشيعة وأهل السنة على حد سواء، لكونه - وفق هذا المنظور النقدي - قد أسس لخطاب تكفيري عنيف، كفَّر به العديد من علماء المسلمين وعوامهم، ولا سيما الشيعة، وكانت أفكاره بمثابة الحجر الأساس لأيديولوجية العديد من الجماعات المتطرفة اللاحقة، وساهمت في تعميق الانقسام الطائفي.

سيرته وحياته

ولد في بلدة العيينة في نجد، ودرس مقدمات العلوم والفقه الحنبلي على يد والده عبدالوهاب بن سليمان. ارتحل لطلب العلم إلى الحرمين الشريفين (مكة والمدينة)، وتأثر أثناء إقامته في المدينة بآراء ابن تيمية. تُشير بعض المصادر التاريخية إلى أنه قد سافر أيضًا إلى البصرة وبغداد وهمدان وأصفهان وحتى قم، بينما تُقلل مصادر أخرى من مدى هذه الرحلات.[١]

بدأ دعوته الإصلاحية - بزعمه - حوالي عام 1143 هـ، ولكنها اكتسبت زخمًا أكبر وانتشارًا أوسع بعد وفاة والده عام 1153 هـ، والذي يُروى أنه كان يخالف ابنه في بعض آرائه. في عام 1157 هـ / 1744 م، عقد تحالفاً تاريخياً ومصيرياً مع الأمير محمد بن سعود، حاكم الدرعية ومؤسس الدولة السعودية الأولى. بموجب هذا التحالف، التزم ابن سعود بنشر دعوة الشيخ والدفاع عنها بالسيف، بينما منحه الشيخ الشرعية الدينية لحكمه. تُشير بعض الروايات إلى أن هذا التحالف أدى إلى شن أكثر من ثلاثمئة غزوة وحملة عسكرية على مدى عشرين عامًا ضد القبائل والمناطق في نجد التي رفضت الدعوة الوهابية.[٢]

توفي في الدرعية عام 1206 هـ / 1792 م.

أفكاره وآراؤه العقائدية

التكفير وموقفه من المخالفين

يُعد التكفير السمة الأبرز في فكره، حيث وسّع دائرته بشكل غير مسبوق:

  • تكفير الشيعة: خصص لهم رسالة بعنوان "الرد على الرافضة"، تناول فيها معتقداتهم في الإمامة والصحابة والتقية والرجوع وغيرها، وخلص إلى تكفيرهم، بل وشبههم باليهود والنصارى والمجوس.[٣]
  • تكفير علماء أهل السنة: كفَّر العديد من علماء المذاهب السنية الأخرى، وحتى بعض علماء المذهب الحنبلي نفسه، ممن خالفوه في مسائل مثل التوسل والزيارة.
  • التكفير العام: ذهب إلى أبعد من ذلك، حيث يذكر الباحث عصام العماد (من داخل المدرسة الوهابية نفسها) أن ابن عبدالوهاب وسع التكفير ليشمل المسلمين من القرن الرابع الهجري فصاعدًا، معتبرًا أن أتباعه هم المسلمون حقًا.[٤] وقد عارضه أخوه الشيخ سليمان بن عبدالوهاب في ذلك، معتبرًا أن جعل الاتباع له شرطًا في الإسلام هو "بدعة وزيادة ركن سادس في الإسلام".[٥]

مفهوم التوحيد والشرك (نظرية "التوحيد" الوهابية)

  • اتبع تقسيم ابن تيمية للتوحيد إلى: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات.
  • قام بتوسيع جذري لمفهوم "العبادة" و "الإله"، فجعل أي دعاء أو طلب أو توجه - ولو لطلب الشفاعة أو الجاه - يُعد عبادة. وبناءً على هذا التعريف، حكم بالشرك على ممارسات كانت شائعة لدى عامة المسلمين:
  • التوسل بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم أو بالأولياء والصالحين، سواء في حال الشدة أو الرخاء، واعتبر أن "مشركي" عصره أشرك من مشركي الجاهلية لأن أولئك كانوا يتوسلون بالأصنام في الشدة فقط.[٦]
  • زيارة القبور وبناء الأضرحة عليها، ووصف الضريح بأنه "أكبر صنم".
  • طلب الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم.
  • الاحتفال بـ المولد النبوي.
  • يرى منتقدوه أن هذا الفهم مبني على "كج فهم" لكلمة "إله"، حيث حصر معناها في "المعبود" بينما لها في القرآن معاني أوسع مثل "الخالق" و"الرب". كما يرون أن هذا التوسيع التعسفي لمفهوم الشرك هو أصل بلاء التكفير الذي مارسه.[٧]

الاجتهاد والحديثية ونبذ العقل

  • دعا ظاهريًا إلى الاجتهاد المباشر ورفض التقليد الأعمى للمذاهب الفقهية، قائلاً إن قول أي إمام - بما فيهم الأئمة الأربعة - إذا خالف النص "يُطرَح في الحائط".[٨]
  • لكن منتقديه يرون أن مقصده الحقيقي كان العودة إلى فهم محدد سلفاً، هو فهم أحمد بن حنبل وابن تيمية وابن القيم، ورفض أي منهج عقلي أو كلامي. فهو وإن ادعى الانتماء لـأهل الحديث، فإنه في الواقع قاد "تمردًا" ضد العقلانية والكلام الإسلامي، وجعل من الحديثية وسيلة لمحاربة الشيعة وأي تجديد أو تأويل.[٩]

السلطة والعنف

  • آمن بوجوب الطاعة المطلقة للحاكم المسلم، حتى لو وصل إلى السلطة عن طريق القهر والغلبة.
  • شرع استخدام العنف المسلح كوسيلة أساسية لإقرار دعوته، معتبرًا أنه إذا لم تجدِ النصيحة، "فإن الله قد أمرنا بالجهاد".[١٠] وطبّق ذلك عمليًا فور تحالفه مع محمد بن سعود، حيث أفتى بكفر أمير العيينة وحرض على قتله، ما أدى إلى هجوم دموي على البلدة.[١١]

الجدل حوله والتأثير التاريخي

١. الأب الفكري للجماعات التكفيرية والعنيفة

يُجمع العديد من الباحثين على أن أفكار محمد بن عبدالوهاب شكلت المنبع الأيديولوجي الرئيسي للجماعات السلفية الجهادية المعاصرة:

  • يرى الباحث ديفيد كومينز أن تأثير أفكار ابن عبدالوهاب - من خلال تفسيرات لاحقة لعلماء مثل عبد العزيز بن باز ثم عبد الله عزام وأسامة بن لادن - كان "غير قابل للإنكار" في تشكيل القاعدة، ثم في تشكيل طالبان، وفي نشاط الجماعات الإرهابية في العراق بعد 2003.[١٢]
  • يرى الباحث سيد مصطفى هاشمي أن داعش قد "استلهمت" منهجية التكفير والقتال والتدمير والقسوة من الوهابية الأولى التي أسسها ابن عبدالوهاب.[١٣]

٢. تعميق الفجوة السنية-الشيعية وإثارة الخلاف

  • يرى المفكر السني محمد الباهي أن الوهابية عملت على تعميق الشرخ بين السنة والشيعة.[١٤]
  • أدت أفكاره إلى خلق سلسلة طويلة من المناظرات والردود بين العلماء المسلمين (سنة وشيعة) للرد عليه أو الدفاع عنه، وهو ما استنزف طاقات الأمة المادية والمعنوية وزاد من حدة الخلاف.[١٥]

٣. التمويل والنشر العالمي وتهمة التعصب

  • يشير الباحث مايكل ديلون إلى أن الاستثمار السعودي الضخم منذ سبعينيات القرن العشرين لنشر التعليم الوهابي في مساجد ومدارس العالم الإسلامي، خضع للفحص الأمني الدقيق بعد أحداث 11 سبتمبر، لأن معظم المتهمين تلقوا تعليمًا دينيًا وهابيًا.[١٦]
  • وجدت بعض الدراسات التي استشهد بها ديلون أن النظام التعليمي الوهابي يروج لـ "عدم التسامح" مع المذاهب والثقافات الأخرى.[١٧]

٤. شبهة الارتباط بالمشروع الاستعماري

تطرح أطروحات - خاصة في الأوساط التاريخية الناقدة - فرضية كون دعوته مفبركة أو موجهة من قبل المخابرات البريطانية (ممثلة بالجاسوس المزعوم مستر همفر) بهدف إشعال الفتنة وإضعاف الدولة العثمانية وتفكيك العالم الإسلامي. من أبرز من طرح هذه الفكرة عبدالله السندي، الأستاذ السابق بجامعة الملك عبدالعزيز.[١٨] كما وصفه مفتي مكة الشافعي السيد أحمد زيني دحلان بأنه "فتنة" في جسم الأمة الإسلامية.[١٩]

مؤلفاته

تتميز مؤلفاته بصغر الحجم وتركيزها على الجانب العقدي، وقد وُصفت من قبل بعض النقاد بأنها "ضعيفة علميًا". وأهمها:

  • كتاب التوحيد: أشهر كتبه ويُعد الدستور العقدي للوهابية.
  • كشف الشبهات.
  • الأصول الثلاثة.
  • القواعد الأربع.
  • الرد على الرافضة (موجه ضد الشيعة).

الآثار النقدية ضده

ألفت مئات الكتب والرسائل النقدية في الرد على أفكاره، من قبل علماء سنة وشيعة على السواء. من أبرزها:

  • فصل الخطاب في الرّد على محمد بن عبدالوهاب لشيخه وأخيه سليمان بن عبدالوهاب.
  • كشف الارتياب في اتباع محمد بن عبدالوهاب للسيد محسن الأمين العاملي.
  • الرد على ابن عبدالوهاب للشيخ أحمد بن علي البصري القبانجي الشافعي.
  • لمع الشهاب في سيرة محمد بن عبدالوهاب لأحمد أبو حاكمة.

الهوامش

  1. "نظرة على حياة محمد بن عبدالوهاب، مؤسس الوهابية"، موقع أمانة المؤتمر العالمي لمواجهة التيارات المتطرفة والتكفيرية.
  2. العماد، عصام. "نقد الشيخ محمد بن عبدالوهاب من الداخل"، المنشور على الموقع المتخصص في الدراسات الوهابية والتيارات التكفيرية.
  3. ابن عبدالوهاب النجدي، محمد. "الرسالة في الرد على الرافضة".
  4. العماد، عصام. مصدر سابق.
  5. العماد، عصام. مصدر سابق.
  6. ابن عبدالوهاب. "كشف الشبهات".
  7. السبحاني، جعفر. "مفاهيم الوهابية".
  8. محمديان خراساني. "الاجتهاد من وجهة نظر الوهابيين".
  9. عليخاني. "الفكر السياسي لمحمد بن عبدالوهاب".
  10. جمشيدي راد، جعفر. "فرقة الوهابية وأهدافها السياسية".
  11. رضواني. "محمد بن عبدالوهاب"، المنشور على الموقع المتخصص في الدراسات الوهابية.
  12. كومينز، ديفيد. "الوهابية: هل هي عامل في انتشار الإرهاب العالمي؟".
  13. هاشمي، مصطفى. "استلهام داعش من الوهابية المبكرة"، الموقع المتخصص في الدراسات الوهابية.
  14. الباهي، محمد. "الوهابية وتعميق الانقسام السني-الشيعي".
  15. الباهي، محمد. مصدر سابق.
  16. ديلون، مايكل. "الوهابية: هل هي عامل في انتشار الإرهاب العالمي؟".
  17. ديلون، مايكل. مصدر سابق.
  18. السندي، عبدالله. "بريطانيا وصعود الوهابية وآل سعود".
  19. دحلان، أحمد زيني. "فتنة الوهابية".