جبريل

جبريل في اللغة العبرية تعني "رجل الله". هو أحد الأربعة ملائكة المقربين والأعلى بينهم، وفي الأديان الإبراهيمية هو الوسيط بين الله والأنبياء. هذا الاسم له نطق آخر مثل جبرايل وجبريل أيضًا. يُشار إلى جبريل بأسماء مثل فرشته الوحي، أمين الوحي، العقل الأول، الناموس الأكبر، الروح الأعظم، وغيرها. في تاريخ اليهودية، المسيحية والإسلام، تم نقل الكثير عن دور جبريل.

المعنى اللغوي

أصل كلمة جبريل عبري؛ مركب من: جبر بمعنى القوة والقدرة وإيل بمعنى الله، والجملة تعني قوة الله؛ كما جاء في سورة "النجم": «علمه شديد القوى». جبريل ينزل الوحي على نبينا: «فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ».

وقد قيل أيضًا: "جبريل" اسم أعجمي (غير عربي) دخل اللغة العربية وجبر في السريانية تعني العبد وإيل تعني الله؛ وبناءً عليه "جبريل" تعني عبد الله.

تُلفظ هذه الكلمة بطريقتين: جبريل مع همزة وجِبريل بدون همزة، وفي كلام علي بن أبي طالب (عليه السلام) ذُكر بشكل «جبرايل» أيضًا؛ ولكن في القرآن الكريم ذُكر اسم هذا "الملاك" ثلاث مرات فقط بصيغة "جِبريل" . ومع ذلك، في آيات أخرى يُشار إليه بألقاب وعناوين أخرى مثل «روح القدس»، «روح الأمين» وغيرها.

مهام جبريل

في القرآن الكريم، ذُكرت لجبريل مهام متعددة، منها:

إبلاغ الوحي

"الوحي" الذي هو الوسيلة الوحيدة للتواصل والتحدث بين الإنسان والله، وفق الآية الشريفة التالية يتم بطرق ثلاث:

«وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء...»؛ ولا يحق لأي إنسان أن يتحدث الله معه، إلا عن طريق الوحي أو من خلف حجاب، أو يرسل رسولًا فيوحى بإذنه ما يشاء...

في القسم الثالث، يكون إرسال الوحي من قبل رسول الله، وهذا الرسول هو جبريل الأمين الذي هو رسول الله للأنبياء، والأنبياء هم رسل الله لبقية المخلوقات؛ بمعنى أن رسالة الله تُعطى أولاً إلى ملك الوحي، وهو ينقل كل ما أذن الله به إلى رسول الله .

القرآن يرد على تذرع اليهود في إنكار جبريل كملك الوحي بقوله: «قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ...»؛ قل: من كان عدوًا لجبريل (فهو في الحقيقة عدو لله) لأنه نزل بأمر الله، القرآن على قلبك؛ بينما يصدق الكتب السماوية السابقة...

مساعدة الأنبياء

دور آخر ذُكر في القرآن لجبريل هو دعم ومساعدة الأنبياء:

«...وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ»؛ ... وقد أعطينا عيسى بن مريم دلائل واضحة وأيدناه بروح القدس.

في هذه الآية، يُشار إلى جبريل بـ "روح القدس"؛ أي الروح التي طاهرة ومنزهة عن الأخطاء والنجاسات المادية .

ساعد جبريل عيسى بن مريم في مراحل مختلفة من حياته؛ أولاً عندما ظهر لأمه وبشرها بمولده، ثم خلال حياته حفظه من أعدائه حتى رفع الله عيسى المسيح إلى السماء. أيضًا في سورة التحريم، تم الإشارة إلى مساعدة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) بواسطة جبريل: «...وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ...»؛ ... وإذا اجتمعتما ضده، (فلن تنجحوا) لأن الله هو ناصره وكذلك جبريل...

الصفات

الله تعالى في القرآن الكريم، يذكر جبريل الأمين بصفات ومقامات عالية، وسنتناولها فيما يلي:

الأمانة

القرآن الكريم هو رسالة الله التي نزلت بواسطة جبريل على قلب النبي الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله). جبريل هو ملاك أمين الله، ولا يحدث أي تغيير أو تبديل في الرسالة الإلهية. لذلك، شهد الله تعالى على صدق وأمانة جبريل في تنفيذ الرسالة والوحي إلى رسله الإلهيين:

«نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ»؛ الروح الأمين هو الذي نزل به.

مجاله منزه عن أي نوع من الغفلة أو الخطأ. لا يغير أو يحرف شيئًا من الرسالة الإلهية عمدًا أو سهوًا، ولا ينسى؛ بل يلقي الآيات القرآنية بنفس الشكل الذي يتلقاها من الساحة الربوبية، دون أي تغيير عليها، على قلب النبي الطاهر وروحه العالية ولهذا السبب، هذه الصفة الفاضلة تتفوق على باقي صفات جبريل الكريمة.

في كلام نوراني علي بن الحسين (زين العابدين) (عليه السلام) يُشار إليه بعبارة "جبريل الأمين" الذي كان أمينًا للوحي الإلهي، وأهل السماوات مطيعون له، وهو من المقربين إلى الله ولديه مقام وعزة عالية ومميزة .

الطهارة

إحدى صفات جبريل في القرآن الكريم هي طهارته ونقائه، وقد تم الإشارة إلى ذلك بتعبير "روح القدس":

«قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ...»؛ قل: إن روح القدس نزل به حقًا من ربك...

المقصود بـ "روح القدس" هو جبريل الأمين؛ روح طاهرة من الأوساخ المادية ولها مقام الطهارة. روح منزهة عن أي نوع من العيب أو النقص أو المعصية أو الخطأ؛ كما أن جميع الملائكة منزهون، لكن درجاتهم متفاوتة، وجبريل هو سيد الملائكة ووسيط بين الله وأنبيائه .

الرسالة، الكرامة والمقام

بعض المفسرين فسروا آيات 19-21 من سورة التكوير على أنها تشير إلى جبريل. في هذه الآيات، التي هي جواب لعدة أقسام، يقول الله تعالى: «إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ × ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ × مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ»؛ هذا (القرآن) هو كلام رسول عظيم، جبريل الأمين الذي له قوة، وعند (الله) صاحب العرش، له مقام عالٍ! هناك هو قائد وأمين!

المقصود بالرسول هو جبريل؛ بمعنى أن القرآن قد نزل من الله على لسانه، والنبي العظيم قد سمع هذا الكلام من جبريل. إن نسبة "القول" إلى جبريل كرسول تشير إلى أن الكلام في الحقيقة هو من الله، ونسبته إلى جبريل هي نسبة الرسالة إلى الرسول، وفي هذا المقام وصف الله جبريل بست صفات .

* رسول: هو الذي يوحي القرآن إلى النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله).

* كريم: لأنه عند الله تعالى له كرامة واحترام وعزة.

* صاحب قوة: هو الذي يمتلك قوة شديدة في تكليفه ومهمته العلمية والعملية والدعوية. "ذي قوة" بمعناه الحقيقي هو القدرة الذاتية على القيام بأعمال عظيمة، وبمعناه المجازي، هو الإصرار في اتخاذ القرارات، والشجاعة، والثقة بالنفس، ويمكن أن تشير صفة جبريل إلى كلا المعنيين الحقيقي والمجازي.

* مرتفع (مكين): المكان بمعنى القرب والعلو؛ بمعنى أن جبريل عند خالق العرش هو مرتفع ومقامه عظيم، وهذه المقام والعزة، عندما تأتي مع قيد "عِندَ ذِي الْعَرْش"، تشير إلى عظمة هذا المقام.

* قائد (مُطاعٍ ثَمَّ): "ثَمَّ" كلمة تشير إلى مكان بعيد و"مطاع" هو الذي يُطاع. تشير الكلمات إلى أن جبريل في حضرة الله هو الذي يأمر، وتحت سلطته الملائكة الذين يطيعونه؛ بمعنى أن جبريل في السماوات لديه معاونون من الملائكة الذين يطيعونه.

* أمين: كما ذُكر، جبريل أمين في إيصال الوحي ورسالة الله إلى الأنبياء، ولا يحدث أي خيانة أو تغيير في الأوامر الإلهية.

المعلم، صاحب القوة والفطنة

الأمر الثاني الذي يختلف فيه المفسرون، وبعضهم فسروا أنه جبريل الأمين، هو الآيات الأولى من سورة النجم. بعد القسم بالنجم، يقول الله تعالى في وصف النبي الكريم: «عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى؛ ذُو مِرَّةٍ...»؛ الذي يمتلك قوة عظيمة علمه جبريل الأمين؛ هو الذي لديه قدرة فائقة...

"شديد القوي" هو أحد صفات الملائكة، وفي هذه الآية هو وصف لجبريل بمعنى قوته وقدرته على القيام بأعمال عظيمة جسديًا وروحيًا؛ بمعنى أن جبريل علم الوحي الإلهي الذي هو القرآن للنبي .

"ذو مرّة" هو وصف لمن يمتلك كمال العقل والفطنة . على الرغم من أن بعض المفسرين أخذوا هذا الوصف بمعنى صاحب القوة، ولكن نظرًا لأن الوصف السابق يشير إلى "شديد القوي"، فإن "ذو مرّة" يشير إلى استقرار الفكر وبصيرة جبريل. وبالتالي، فإن إحدى فضائل وصفات جبريل هي قوته العقلية وفهمه وإدراكه العالي.

أسطورة خان الأمين

بعض أهل السنة اتهموا الشيعة بأنهم يعتقدون أن جبريل خان في الوحي، وأنه بدلاً من إبلاغ الرسالة إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام)، أبلغها إلى النبي محمد (صلى الله عليه وآله). لذلك، بعد سلامهم في صلاتهم، يرفعون أيديهم ثلاث مرات ويقولون: خان الأمين: أمين الوحي خان. ابن تيمية من علماء الوهابية يقول: "اليهود يسعون لإدخال نقص وعيب على جبريل ويعتبرونه من بين الملائكة أعداءهم كما يقول الشيعة: جبريل أخطأ في إنزال الوحي على محمد" .

علماء الشيعة يعتبرون هذا الاتهام افتراءً، ويعتبرون أن دوافعه تشبه تشبيه مذهب الشيعة بدين اليهود من قبل المتعصبين من أهل السنة . الاعتقاد بخيانة جبريل يتعارض مع عقائد الشيعة؛ لأن الشيعة يعتقدون أن جبريل معصوم، وأن الإمام علي (عليه السلام) ليس نبيًا .

نزول الوحي

وفقًا للروايات الموجودة في المصادر الإسلامية، نزل جبريل بأول آيات القرآن على النبي (صلى الله عليه وآله) في غار حراء. ثم عاد النبي إلى خديجة عليها السلام وأخبرها بهذا الأمر المهم .

نظرة أهل السنة

وفقًا للروايات المتعددة في مصادر أهل السنة، بعد أن تلقى النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) الوحي، انتابه الشك في ما إذا كان قد رأى ملك الوحي أو التقى بـ الشيطان، وبناءً على نصيحة زوجته، ذهب إلى ورقة بن نوفل، وهو نصراني كان على دراية بالكتب السابقة، وأكد له أن ذلك الملك هو الناموس الأكبر الذي نزل سابقًا على موسى (عليه السلام) .

تقبل هذه القصة عموم كتّاب السير والمحدثون والمفسرون من أهل السنة لاحقًا . حتى أن هذه الأحاديث قد دخلت في المصادر الحديثية والتفسيرية الشيعية أيضًا .

رأي الشيعة

تناول علماء الشيعة بالتفصيل نقد سند ومحتوى هذه الروايات؛ من بينها أن سلسلة سند أي من هذه الروايات لا تصل بشكل متصل إلى شاهد القصة؛ واختلاف نقل القصة هو دليل على أنها مصنوعة، وشك النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) في طبيعة الوحي ولقائه مع جبريل أو الشيطان لا يتوافق مع مقام عصمة النبي (صلى الله عليه وآله) . يجدر بالذكر أن الروايات الشيعية التي تتحدث عن بداية الوحي خالية من المشاكل المذكورة، ومتوافقة مع مقام ومنزلة النبي (صلى الله عليه وآله) <ref>انظر ابن شهر آشوب، ج ۱