فتح الذرائع

من ویکي‌وحدت

فتح الذرائع: اصطلاح أصولي مقابل سد الذرائع، وهو إجازة الوسائل المفضية في غالب الظنّ إلى مصلحة راجحة. فالمراد من الفتح هو السماح ببعض الذرائع كمقدّمة لارتكاب المفاسد بحيل شرعية، وذلك مثل: تحليل الربا في قالب بيع صوري؛ ومثل: من وهب ماله قبل مضي الحول بيوم لئلاّ يعطي زكاته واسترجعه من الموهوب له من غد، ومثل: الزوجة تأمر ولدها للزنا بامرأة لكي تمنع أباه من العقد عليها، فإنّ حرمة العقد عليها تحصل، لكن الزنا هل يبقى على الحرمة أو لا؟

تعريف فتح الذرائع لغةً

تقدّم الكلام في مدخل سد الذرائع عن تعريف الذريعة، أمّا الفتح فهو يقابل السدّ والغلق[١].

تعريف فتح الذرائع اصطلاحاً

درج استخدام عدّة اصطلاحات لهذا الموضوع، مثل: المخارج من المضايق، والحيل وقد توصف بالشرعية. والتسمية الأخيرة هي الدارجة لدى أكثر الفقهاء.
لم نعثر على تعريف ورد عن متقدّمي الاُصوليين، لكن من الواضح أنّ فتح الذرائع يقابل سدّها، ومجمل البحوث المطروحة هناك تطرح هنا كذلك.
لكن أورد البعض تعريفين وردا عن معاصرين، هما:
ـ الوسائل الممنوعة شرعا المفضية إلى مصلحة راجحة.
ـ إباحة الأمر الممنوع إذا ترتّب على إباحته مصلحة[٢].
ثُمّ اختار تعريفا ثالثا، هو: إجازة الوسائل المفضية في غالب الظنّ إلى مصلحة راجحة[٣].

أقسام فتح الذرائع

التقسيمات الواردة للذرائع في مدخل سد الذرائع تأتي هنا كذلك، وما يمكن ذكره هنا هو التقسيمات الواردة للحيل الشرعية، فهي لا ترد تحت عنوان «سدّ الذرائع»، لكنّها تدخل تحت عنوان فتح الذرائع أو الحيل؛ باعتبار أنّ الاصطلاح الأخير يشير إلى مصطلح فتح الذرائع كذلك.
وردت عدّة تقسيمات للحيل، مثل الموارد التالية: التقسيم الوارد عن ابن عاشور:
1 ـ تحيّل يفيد المقصد الشرعي كلّه ولا يعوضه بمقصد شرعي آخر. مثل: من وهب ماله قبل مضي الحول بيوم لئلاّ يعطي زكاته واسترجعه من الموهوب له من غد، أو شرب مخدرا ليغمى عليه وقت الصلاة فلا يصليها، ومثل: بيوع النسيئة التي يقصد منها التوصّل إلى الربا.
2 ـ تحيّل على تعطيل أمر مشروع على وجه ينقل إلى أمر مشروع آخر، أي استعمال الشيء، باعتبار كونه سببا، مثل: أن تعرض المرأة المبتوتة (المطلقة التي لا يمكنها الرجوع إلى زوجها حتّى تتزوّج آخر) نفسها للخطبة رغبة في التزوّج مضمرة كون إرادتها المخالعة بعد الزواج، أو تغضبه ليطلّقها لتحلّ للذي بتّها، فالتزوّج سبب للحلّ من حكم البتات، فإذا تزوجت حصل السبب وهو حصول شرعي.
3 ـ تحيّل على تعطيل أمر مشروع على وجه يسلك به أمرا مشروعا هو أخفّ عليه من المنتقل منه، مثل لبس الخف لإسقاط غسل الرجلين في الوضوء، فينتقل إلى المسح.
4 ـ تحيّل في أعمال ليست مشتملة على معانٍ عظيمة مقصودة للشارع، وفي التحيّل فيها تحقيق لمماثل مقصد الشارع من تلك الأعمال، مثل: التحيّل في الأيمان التي لا يتعلّق بها حقّ الغير، كمن حلف ألاّ يدخل الدار أو لا يلبس الثوب، فإنّ البر في يمينه هو الحکم الشرعي، والمقصد المشتمل عليه البر هو تعظيم اسم اللّه‏ تعالى الذي جعله شاهدا عليه ليعمل ذلك العمل. فإذا ثقل عليه البر فتحيّل للتفصي من يمينه بوجه يشبه البر فقد حصل مقصود الشارع من تهيّب اسم اللّه‏ تعالى.
5 ـ تحيّل لا ينافي مقصد الشارع أو هو يعيّن على تحصيل مقصده ولكن فيه إضاعة حقّ لآخر أو مفسدة اُخرى. مثل: التحيّل على تطويل عدّة المطلقة حين كان الطلاق لا نهاية له في صدر الإسلام ولم يحدّد بثلاث، ثُمّ نسخ اللّه‏ الطلاق الذي لا نهاية له وحدّده بثلاث[٤].
كما قسّمت إلى الأقسام التالية:
أوّلاً: الطرق الخفية التي يتوسّل بها إلى ما هو محرّم في نفسه.
ثانياً: ما يقصد به إظهار الحيل في الظاهر، كإقرار المريض لإرث لا شيء له عنده، فيجعله حيلة إلى الوسيلة له.
ثالثاً: إن يقصد بالحيلة أخذ حقّ أو دفع باطل، لكن الطريق في نفسه محرما، مثل: أن يكون له على رجل حقّ مجحود فيقيم شاهدين لا يعلمانه فيشهدان به.
رابعاً: أن يقصد حلّ ما حرّمه الشارع وقد أباحه على سبيل الضمن والتبع إذا وجد بعض الأسباب أو سقوط ما أوجبه وقد أسقطه على سبيل الضمن والتبع[٥].
ويقسّمها بعض إلى ما لا ينافي الأمانة وما ينافيها، ومقياس المنافاة عنده هو الإخلال بالمطلوب الشرعي الناشئ عن حكمة ربّانية بها يتمّ صلاح النوع وأحوال معاشهم، ويذكر للقسمين صورا مختلفة[٦].
وقسّمها بعض أيضا إلى مشروعة ومحرّمة أو غير مشروعة، وفرّع المشروعة إلى ثلاثة فروع[٧].

حكم فتح الذرائع

يبدو أنّ جلّ الاُصوليين من السنّة والشيعة ـ باستثناء بعضهم ـ قائلون بسدّ الذرائع وفتحها والاختلاف في حدود الفتح والسدّ. وهذا هو المشهود في فتاويهم وأحكامهم الفقهية[٨].
ويذهب بعض إلى أنّ جميع المذاهب تقول بفتح الذرائع بنحو آخر، وهم عملياً يقولون به، والاختلاف ليس في أصل هذا الموضوع، بل في شؤون اُخرى مثل: أنّه من أصول المذهب أو ليس من اُصول المذهب أو في المصاديق وشؤون جزئية اُخرى. وحتّى الظاهريين أتباع ابن حزم يقولون عملياً بفتح الذرائع[٩].
وكما أنّ الأحكام التي أدرجت تحت عنوان سد الذرائع تسري إلى الفتح كذلك، وعلى سبيل المثال إذا كان حكم ذريعة ما وجوب السدّ فإنّ هذا يعني حرمة الفتح .
من جانب آخر، فإنّ جل البحوث في هذا المجال تطبيقية، أي فقهية ناظرة إلى موارد معيّنة وليست نظرية كما هو الحال في باقي أدلّة اُصول الفقه، حيث تتمتّع ببحوث نظرية يمكنها أن تشكّل عنصرا مشتركا في الاستنباط، لذلك نجد بحوثا قليلاً له في أصول الفقه، ولم يتعرّض لها جميع الاُصوليين في مدوّناتهم لكنّا نجد الكثير من البحوث ذات الصلة في المدوّنات الفقهية. فنجد المحقّق الحلّي، والعلاّمة الحلّي، والشهيد الثاني، والمحقّق الأردبيلي، والمحدّث البحراني وغيرهم قد تعرّضوا للموضوع في مدوّناتهم الفقهية دون الاُصولية[١٠]. كذلك الحال بالنسبة إلى فقهاء واُصوليي أهل السنة.
ومع غضّ النظر عن صنف الاختلاف، فالمسلّم وجوده بينهم، وقد انقسموا في هذا المضمار إلى رأيين:

الرأي الأوّل: المانعون عن فتح الذرائع أو الرافضون للحيل

يقال: إنّ من أكثر الناس ردّا للحيل الحنابلة، ثُمّ المالكية؛ لأنّهم يقولون بسدّ الذرائع، وهو أصل مناقض للحيل[١١]. ولذلك نجد ابن القيم الجوزية قد تهجّم على القائلين بالحيل ووصفهم بالمحتالين والمخادعين وغير ذلك[١٢].
وقد أورد أتباع هذا الرأي الاُمور التالية كأدلّة لما ذهبوا إليه:
1 ـ قوله تعالى: «وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْـكُمْ فِـى السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِـينَ»[١٣]. فقد نهاهم اللّه‏ عن إعمال حيلة لصيد الحيتان يوم السبت.
2 ـ من السنة قول عبد اللّه‏ بن مسعود: «لعن رسول اللّه‏ المحلّ والمحلل له»[١٤]. فإنّ المحلل هنا لا يقصد النكاح حقيقة، بل يقصد تحليل المرأة على زوجها [١٥].
وقوله: «قاتل اللّه‏ اليهود حرمت عليهم الشحوم، فجملوها، فباعوها»[١٦]. وذلك باعتبار أنّهم احتالوا على حرمة أكل الشحوم ببيعها وأكل أثمانها. وقوله: «لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم اللّه‏ بأدنى الحيل»[١٧].
3 ـ الإجماع المدّعى، فقد ادّعى البعض[١٨] إجماع الصحابة على الحرمة.
4 ـ اعتبارات عقلية، مثل الموارد التالية:
أوّلاً: انعدام القصد، فإنّ الذي يقوم بعقود للتخلّص من الربا لا يقصد هذه العقود بالذات، بل يقصد التهرّب من الربا مع اشتراط القصد في العقود[١٩].
لكن ردّ هذا الدليل باُمور:
أ ـ لا يشترط قصد جميع الغايات المترتبة على العقد ولا جميع جزئياته، فإنّ قصد التخلّص من الربا يتمّ مع قصد بيع صحيح أو قرض أو غير ذلك، وهو كافٍ لحصول القصد.
ب ـ هناك روايات غير قليلة دالّة على جواز التحيّل بهذا النوع من الحيل[٢٠].
ثانياً: كون الحيل نقضا للغرض الذي شرّع لأجله الحکم[٢١].
ثالثاً: الحيل المحرّمة مخادعة للّه‏ (كما سمّاها ابن القيم) ومخادعة اللّه‏ حرام، وقد ذمّ اللّه‏ أهل الخدع واعتبرهم يخادعون أنفسهم وأنّ المخادعة ناشئة عن مرض في القلب[٢٢].
رابعاً: تغيير الحرام إلى حلال صوريا لا يغيّر واقع الحرام، فالربا حرام ومضر حتّى لو غيّرت اسمه وعنوانه[٢٣].

الرأي الثاني: القائلون بالحيل أو فتح الذرائع

استدلّ القائلون بالحيل وفتح الذرائع بأدلّة مختلفة نورد بعضها هنا:
1 ـ آيات من القرآن، مثل الموارد التالية:
أ ـ الآية الكريمة: «وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ»[٢٤]. فقد روى المفسرون أنّ أيوب جمع مئة غصن ضعيف ليضرب بها امرأته مرّة واحدة ليصدق مئة ضربة التي فرض على نفسها ضرب الزوجة بها.
لكن ردّ هذا الاستدلال أنّه من المحتمل كون هذا بأمر من اللّه‏ وتخفيفا على امرأة أيّوب؛ وذلك جزاء لصبره وتخفيفا على زوجته[٢٥].
ب ـ قوله تعالى: «وَقالَ لِفِتْيانِهِ اجْعَلُوا بِضاعَـتَهُمْ فِيرِحالِهِمْ لَعَلَّـهُمْ يَعْرِفُونَها إِذا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِـهِمْ لَعَلَّـهُمْ يَرْجِعُونَ»[٢٦]. حيث جعل يوسف عليه‏السلام صواعه في رحل أخيه ليتوصّل بذلك إلى أخذه وإلى كيد إخوته.
ويردّ بأنّ يوسف توصّل بالحلال إلى الحلال، ولم يقصد الحرام ولم يقصد إيذاء إخوته[٢٧].
ويورد البعض شواهد اُخرى من القرآن يعتبرها من موارد فتح الذرائع أو حيلاً شرعية، مثل: اتلاف أموال الكفّار بالتحريف والتخريب والقطع وفق الآية: «ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِـينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذنِ اللّهِ وَلِـيُخْزِىَ الفاسِقِـينَ»[٢٨]. أو خرق الخضر السفينة وفق الآية: «أَمّا السَّفِـينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِـينَ يَعْمَلُونَ فِى البَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِـيبَها وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِـينَةٍ غَصْباً»[٢٩]. أو قتل الخضر للغلام وفق الآية: «وَأَمّا الغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُـؤْمِنَيْنِ فَخَشِـينا أَنْ يُرْهِقَـهُما طُغْياناً وَكُفْراً * فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّـهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً»[٣٠]. وغيرها من الموارد القرآنية[٣١].
2 ـ الروايات الكثيرة التي وردت عن طرق الشيعة و أهل السنة، مثل الموارد التالية:
عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري: أنّ رسول اللّه‏ استعمل رجلاً على خيبر، فجاءه بتمر جنيب. فقال له رسول اللّه‏(ص): «أكل تمر خيبر هكذا؟» فقال: لا. واللّه‏، يا رسول اللّه‏. إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين. والصاعين بالثلاثة. فقال رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله: «لا تفعل، بع الجمع بالدراهم، ثُمّ ابتع بالدراهم جنيبا»[٣٢].
صحيح الحلبي قال: سألت أبا عبد اللَّه(ع) عن رجل يريد أن أعينه المال أو يكون ليّ عليه مال قبل ذلك فيطلب منّي مالاً أزيده في الذي عليه أيستقيم أن أزيده مالاً وأبيعه لؤلؤة تسوي مئة درهم بألف درهم، فأقول له: «أبيعك هذه اللؤلؤة بألف درهم على أن أؤخرها مع ثمنها ومالي عليك كذا وكذا شهرا. قال: لا بأس»[٣٣].
ومثل موثقة إسحاق بن عمّار وفيها: «يكون ليّ على الرجل دراهم فيقول أخّرني بها وأنا أربحك فأبيعه جبّة تقوّم عليّ بألف درهم بعشرة آلاف درهم، أو قال بعشرين ألفا وأؤخّره بالمال ؟ قال: لا بأس»[٣٤].
ومثل ما جاء في التوسّل إلى بيع المصاحف حيث لا يقع البيع على كتابتها بأن يبيعه الدفتين والورق ويتوسّل بذلك إلى جواز بيعها، وكذا بيع ما في الضرع من اللبن وبيع ما في الحظيرة من السمك قبل اصطياده وكذلك بيع الأثمار قبل ظهورها وقبل بدوّ صلاحها عند ضمّها إلى الأصل[٣٥]. كما نقلت موارد من السنّة[٣٦]. وقد اعتبر الفيض الكاشاني الروايات الواردة في هذا الباب والتي تجيز الحيل معتبرة ومستفيضة[٣٧].
3 ـ من العقل، فقد استدلّ على جواز الحيل الشرعية بالعقل من حيث إنّ الخروج عن المعاصي بالطرق المباحة شرعا يعدّ أمرا مطلوبا، والحيل تؤدّي هذا الدور[٣٨].
وفيما يخصّ ما قد يورده البعض من استدلال عقلي بأنّ البيع الذي يهدف إلى التحيّل وتحليل الحرام يكون غير مقصود يقال: لا يقدح هذا؛ لأنّه لا يشترط قصد جميع الغايات المترتّبة عليه، بل يكفي قصد غاية صحيحة من غاياته، فإنّ شراء البيت للمتاجرة والتكسّب كافٍ في صحّة الشراء (العقد) وإن كانت هناك غايات اُخرى مثل السكن فيه، وهي غاية أقوى[٣٩]. كما نقل استخدام الحيل في فقه الصحابة كذلك[٤٠].
وأورد البعض بصراحة في بحثه الفقهي طرقا للتخلّص من الربا من خلال استخدام الحيل[٤١]، بل نجد الكثير من المؤلّفات في الحيل سردها بعض أصحاب المعاجم[٤٢].
وهناك استدلالات اُخرى غير قليلة نقلها ابن القيم الجوزية عن القائلين بإباحة الحيل[٤٣].
بالطبع القائلون بحلّية العمل بالحيل لا يجيزون العمل بالحيل المحرّمة، برغم أنّهم يرتّبون على الحيل أحكامها وإن كانت محرّمة، وهي مثل: الزوجة تأمر ولدها للزنا بامرأة لكي تمنع أباه من العقد عليها، فإنّ حرمة العقد عليها تحصل، لكن الزنا يبقى على الحرمة. وهكذا باقي الحيل المحرّمة؛ وذلك باعتبار أنّ الحيل كالأسباب المحلّلة[٤٤].
وهناك أكثر من تفصيل ورد عن القائلين بالحيل، منها ما ورد عن الشيخ السبحاني، حيث بيّن رأيه في هذا المضمار من خلال النقاط التالية:
الاُولى: تارة يكون الشارع قد سمح بالوسيلة ونصّ عليها بـ الكتاب أو السنة مثل: السفر في شهر رمضان لأجل الإفطار، وذلك وفقا للآية الكريمة: «فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ»[٤٥]. وكذلك الحال بالنسبة إلى تحليل الزواج من المطلقة ثلاثا بعد تزويجها من شخص آخر وطلاقها منه.
الثانية: إذا كان أمر واحد له طريقان، أحدهما محرم، فاتّخاذ سبيل الحلال لا يعدّ تحيّلاً. ومثاله: مبادلة التمر الجيد بالردئ غير جائز، لكن بالإمكان شراء وبيع كلّ واحد على حدة، وهو طريق جائز.
الثالثة: إذا كان السبب غير مؤثّر في حصول النتيجة شرعا، فالتوصّل في مثله محرّم غير ناتج، كالمثال الذي نقله البخاري ردّا على أبي حنيفة، فلازم كلامه هو أنّه إذا غصب جارية فزعم أنّها ماتت فقضى القاضي بقيمة الجارية الميتة، فالجارية للغاصب وإن تبيّن بعد ذلك أنّها حيّة وليس لصاحبها أخذها إذا وجدها حيّة.
هذا مع أنّ زعم الغاصب موت الجارية لا يخرجها عن ملكية صاحبها. وتبيّن كونها حيّة يكشف عن أنّ القضاء كان باطلاً.
وعليه، ظهر أنّ زعم الغاصب غير مؤثّر في الانتقال، فلا تقع ذريعة لتملكها، ولذلك ورد عن البخاري في ردّه لرأي أبي حنيفة: إنّه يحتال من اشتهى جارية رجل لا يبيعها، فغصبها وادّعى بأنّها ماتت حتّى يأخذ ربّها قيمتها فيطيب للغاصب جارية غيره.
الرابعة: إذا كانت الوسيلة حلالاً، ولكن الغاية هي الوصول إلى الحرام على نحو لا تتعلّق إرادته الجديةٍ إلاّ بالمحرم، ولو تعلّقت بالسبب فإنّما تتعلّق به صوريا لا جديا، كما إذا باع ما يسوى عشرة بثمانية نقدا، ثُمّ اشتراه بعد ذلك بعشرة نسيئة إلى شهرين... وباعتبار أنّ إرادته الجدية هي اقتراض ثمانية ودفع عشرة، ما يعني كونه ربا فالتحيّل هنا محرّم. وقد أشارت الآية التالية إلى هذا الصنف من التحيّل: «وَاسْأَلـْهُمْ عَنِ القَرْيَةِ الَّتِى كانَتْ حاضِرَةَ البَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِى السَّبْتِ إِذْ تَأْتِـيهِمْ حِـيتانُـهُمْ يَوْمَ سَبْتِـهِمْ شُـرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِـيهِمْ كَذ لِك َ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ»[٤٦].
وبعد ذكر هذه النقاط يستنتج الاُمور التالية:
1 ـ إذا جعل الشارع طريقين لأمر واحد أحدهما محرم، فلا نقاش في هذا المورد.
2 ـ إذا كان السبب غير مؤثّر في حصول النتيجة، كالجارية المغصوبة التي يزعم الغاصب موتها كذبا فلا يكون الخروج عن الغرامة بدفع القيمة مؤثّرا في تملك الجارية.
3 ـ إذا كانت الغاية من التوصّل بالأمر الحلال صوريا وتعلّقت الإرادة الجدية بالأمر الحرام، فالتوصّل بها حرام، مثل حبس الحيتان يوم السبت لأجل اصطيادها يوم الأحد؛ باعتبار حرمة صيد الحيتان يوم السبت على اليهود[٤٧].

المصادر

  1. . اُنظر: جمهرة اللغة 3: 7، مادّة: «فتح»، لسان العرب 3: 2967، مادّة: «فتح».
  2. . فتح الذرائع وأثره في الفقه الإسلامي: 35.
  3. . المصدر السابق: 39.
  4. . مقاصد الشريعة الإسلامية ابن عاشور: 108 ـ 110.
  5. . الفتاوى الكبرى 6: 108 ـ 109.
  6. . السراج الوهّاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج: 25 ـ 30.
  7. . فتح الذرائع وأثره في الفقه الإسلامي: 311 ـ 314.
  8. . الاُصول العامّة للفقه المقارن: 400 ـ 401، فتح الذرائع وأثره في الفقه الإسلامي: 314 ـ 318.
  9. . فتح الذرائع واثره في الفقه الإسلامي: 73 ـ 79 و 314 ـ 318.
  10. . اُنظر: اُصول الفقه فيما لا نصّ فيه: 229 ـ 234.
  11. . موسوعة طبقات الفقهاء المقدّمة 1: 281.
  12. . أعلام الموقعين 3: 206.
  13. . البقرة: 65.
  14. . مسند أحمد 2: 31.
  15. . فتح الذرائع وأثره في الفقه الإسلامي: 310.
  16. . البخاري 2: 774 ـ 775.
  17. . الفتاوى الكبرى 4: 20.
  18. . فتح الذرائع وأثره في الفقه الإسلامي: 311.
  19. . الحدائق الناضرة 25: 377. مراجعة
  20. . مجمع الفائدة والبرهان 8: 488. مراجعة
  21. . جواهر الكلام 32: 202.
  22. . أعلام الموقعين 3: 161 ـ 162.
  23. . أعلام الموقعين 3: 180 ـ 188.
  24. . ص: 44.
  25. . موسوعة طبقات الفقهاء المقدّمة 1: 283.
  26. . يوسف: 62.
  27. . موسوعة طبقات الفقهاء المقدّمة 1: 283.
  28. . الحشر: 5.
  29. . الكهف: 79.
  30. . الكهف: 80 ـ 81.
  31. . فتح الذرائع وأثره في الفقه الإسلامي: 98 ـ 106، و 306 ـ 308.
  32. . الموطأ 2: 623.
  33. . الكافي 5: 206.
  34. . المصدر السابق: 205.
  35. . الكافي 6: 217.
  36. . فتح الذرائع وأثره في الفقه الإسلامي: 123 ـ 130.
  37. . مفاتيح الشرائع الفيض الكاشاني 3: 333.
  38. . فتح الذرائع وأثره في الفقه الإسلامي: 309.
  39. . مفاتيح الشرائع الفيض الكاشاني 3: 333.
  40. . فتح الذرائع وأثره في الفقه الإسلامي: 146 ـ 154.
  41. . العروة الوثقى اليزدي 6: 75 ـ 77.
  42. . كشف الظنون 1: 695.
  43. . أعلام الموقعين 3: 189 ـ 199.
  44. . مفاتيح الشرائع الفيض الكاشاني 3: 333 ـ 334، الحدائق الناضرة 25: 375 ـ 376، الأنوار اللوامع 14: 534 ـ 535.
  45. . الأعراف: 163.
  46. . الأعراف: 163.
  47. . موسوعة طبقات الفقهاء المقدمة 1: 280 ـ 288.