انتقل إلى المحتوى

المجوس

من ویکي‌وحدت

المجوس أو أتباع الديانة الزرادشتية في تاريخ الإسلام موضوع نقاش ذو خلفية طويلة، في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وكان السؤال مطروحاً: هل هذه الديانة سماوية؟ وهل يُعتبر أتباعها من أهل الكتاب أم لا؟ واستمر هذا السؤال في السنوات اللاحقة، والمقصود بالمجوس (ماجوس = مَغ) هم أتباع دين مهر أو ميثرا، الذي كان دين الشعوب الآرية ويعود قدمه إلى ما قبل زرادشت. ولسوء الحظ، غالباً ما خلط بين هاتين الديانتين وأُشْبِهَت إحداهما بالأخرى من قبل من ليس لديهم معرفة كافية بهما.

المجوس في اللغة

مُعَرَّبَة من الكلمة اليونانية "ماغوس" (Magos)، واللاتينية "ماغوس" (Magus)، والآرامية "مَجُوشا". وهي مُعرَّبة من الكلمة الفارسية "مَغوش" أو "مَغُو" (الفارسية القديمة)، والتي تُنطق في اليونانية "ماغوس" وفي الفارسية الحديثة "مَغ". وردت كلمة "مَغُو" عدة مرات في نقوش بيسوتون، وفي الأفستا جاءت بصيغة "مَغُو"، وفي البهلوية أصبحت "مَغ". وهم فئة من الإيرانيين القدامى الذين اعتقدوا بمبدأين: النور والظلمة، واليزدان (إله الخير) وأهرمن (إله الشر). وكان هؤلاء موجودين قبل ظهور زرادشت وكانوا يُسمَّون "المجوس". استُخدمت الكلمة في الأدبين العربي والفارسَيْن بالمعنيَيْن، ولكن من كتاب "الملل والنحل" للشهرستاني يتبين أنه فصل بين الزرادشتي والمجوسي، كما أن علماء الإسلام الأوائل لم يكونوا يعتبرون المجوس والزرادشتيين شيئاً واحداً. بالإنكليزية: Magus (ماغوس)، وجمعها Magi (ماجاي)، وهم أعضاء في قبيلة إيرانية قديمة تخصصت في الأنشطة الطقسية. هذا الاسم هو الشكل اللاتيني للكلمة اليونانية Magoi [١]، وهي ترجمة يونانية للأصل الإيراني. وكلمة "ماجيك" (السحر) مشتقة من هذه الكلمة. وهل كان المَغَة من أتباع زرادشت منذ البداية ودعاة له؟ هذا محل جدل. من النقش ثلاثي اللغات في بيسوتون، حيث يصف داريوس الكبير انتصاره السريع والحاسم على المَغَة الذين ثاروا ضد سلطته (522 قبل الميلاد)، لا يبدو الأمر كذلك. [٢].

المعاجم العربية

القاموس المحيط: المجوس: كَصْبُور (رجل صغير الأذنين).التعريفات الأخرى: أناس عَبَدَة النار من تابعي زرادشت. وفي "المنتخب": عَبَدة القمر والشمس والنار (هؤلاء ليسوا الزرادشتيين، فالزرادشتيون يعبدون الشمس والنار). وفي "رسالة المعرَّبات": المجوس من "مَنَجْگوش" أي صغير الأذن، لأن واضع دين المجوس كان رجلاً قصير الأذن، لذلك قيل ذلك (فإذا كان شخص كهذا هو من وضع دين المجوس، فهو إذن مختلف عن دين زرادشت).من "الملل والنحل" للشهرستاني يتبين أنه فصل بين الزرادشتي والمجوسي، وعلماء الإسلام الأوائل أيضاً لم يكونوا يعتبرون المجوس والزرادشتيين شيئاً واحداً (الدهخدا). في العصر الأخميني، كان "المجوس" (المَغَة) يُطلق على طبقة من الكهنة الزرادشتيين، ومن هنا جاء الخلط بين مصطلح "مَغ" و "موبد" (الطبقة الكهنوتية) من جهة، والخلط بين دين مهر (ميثرا) والزرادشتية من جهة أخرى. هل كان زرادشت نبياً لدين مهر، الذي حُرِّفت تعاليمه في العصور الأخمينية وخاصة الساسانية؟ أم أن زرادشت جاء بدين جديد بتعاليمه الحالية؟ هذا موضوع يحتاج إلى بحث.

الفرق بين المجوس (المَغ) والزرادشتي

المقصود بالمجوس (ماجوس = مَغ) هم أتباع دين مهر أو ميثرا، الذي كان دين الشعوب الآرية ويعود قدمه إلى ما قبل زرادشت. لسوء الحظ، غالباً ما خلط بين هاتين الديانتين وأُشْبِهَت إحداهما بالأخرى من قبل من ليس لديهم معرفة كافية بهما. كتب الدكتور هاشم راضي، مترجم "الونديداد" (الأفستا): "ما لا شك فيه، أن زرادشت وُلد في شرق إيران - الشمال الشرقي -. المكان الذي جاء فيه زرادشت بالدين، كان دين مهر (ميثرا) محل إيمان واهتمام الناس... الميثرائية أو المهرية هو اسم الدين القديم للشعوب الآرية، والتي بناءً على أفكار الزروانية، كانت ترى النور والظلمة كليهما كقوى طبيعية وضرورية للوجود، واعتبرت ظهور طبيعتي الإله (يزدان) والشيطان (أهرمن) في البشر ناتجاً عن جبر ظروف البيئة، ومن ثم كانت تسعى دفع الصراع المفترض بينهما نحو السلام دائماً". إذا اعتبرنا "المجوس" تحريفاً لكلمة "مَغ"، فإن هذه الكلمة لها تاريخ طويل جداً. في الأفستا، وردت هذه الكلمة مرة واحدة بصيغة "موغو" (Moghu) وهي نفسها "مَغ" الفارسية، ولكن كلمات أخرى من هذا الجذر ترد في الغاثا نفسها، منها كلمة "مَغ" التي وردت في "يسنا" 29، فقرتي 11 و16، وفي "يسنا" 53، فقرة 53 (بورداود). ورد لفظ "موغو" في "يسنا" 65 فقرة 7 ضمن كلمة "موغو-تبيش" (Maghu-Tbish) بمعنى "مُؤذي المَغَة": "لا تكون المياه لمن هو منا سيء النية، لا تكون المياه لمن هو منا سيء القول، لا تكون المياه لمن هو منا سيء الفعل، لا لصاحب الدين السيء، ولا للمؤذي للأصدقاء، ولا لمؤذي المَغَة، ولا لمؤذي الجيران، ولا لمؤذي الأسرة..." (بورداود، 2/91).

وفي التوراة أيضاً، في [٣]. "جاء نبوخذ نصر ملك بابل بكل جيشه إلى أورشليم وحاصر المدينة، وكان معه من عظمائه واحد اسمه نيرجال شراصر، رئيس المجوس (المَغَة؟)". وفي الآية 13 من نفس الإصحاح: "لم يقتلوا إرميا، وأرسلوا معه عدة أشخاص، منهم رئيس المجوس (المَغَة؟)". في "قاموس الكتاب المقدس" تحت كلمة مجوس: "كانوا علماء وقادة الفرس، يعلِّمون الفلسفة والفلك والرياضيات والعلوم الأخرى المعروفة آنذاك، وكانوا يخرجون مع الملك إلى ساحة الحرب، ورغم أن علمهم لم يكن مبنياً على قواعد صحيحة، مع ذلك يصفهم دانيال بالحكمة والعلم (دانيال 1:20)، وشفع لهم عند نبوخذ نصر (دانيال 2:24)، وأصبح هو نفسه رئيساً لهم". الزرادشتيون المعاصرون يدركون جيداً أن المَغَة المهرية كانوا موجودين قبل زرادشت، بل إن آثارهم واضحة في كتبهم الدينية. على سبيل المثال، جزء من كلام المُوْبَد الأكبر كيرتير، نقلاً عن "أمرداد"، هو كما يلي: "النسخ (الكتب) التي كتبها المَغَة والموابد بعد مئات السنين من زرادشت، من وجهة نظر زرادشتي، إذا كانت متوافقة مع تعاليم أشو زرادشت فهي مقبولة، وإذا لم تكن مقبولة، حتى لو كانت في الأفستا، لا تُقبل، مثل ذبح الحيوانات الذي أُبعد في الغاثا لكن أُعيد إدراجه في أجزاء أخرى من الأفستا، حيث يمكنك أن ترى بوضوح آثار المَغَة المهرية والأناهيتية. من الغريب أنه عندما يعتبر الزرادشتيون أنفسهم أن المَغَ مهرية ومختلفون عن الزرادشتيين، فلماذا نُسبت كلمة "مجوس"، وهي المعرَّبة من "مَغ"، من قبل البعض إلى الزرادشتيين؟" ويعتقد علي أصغر حكمت: "دين المَغَة، الذي كان منتشراً على نطاق واسع في دولة الميديين، وإن خَفَت بريقه بظهور زرادشت، إلا أن بعض معتقداتهم وتقاليدهم انتقلت إلى الزرادشتيين، مثل احترام العناصر الأربعة: الماء، التراب، الهواء، وخاصة النار. كان تبجيل المَغَة للنار أكبر من تبجيل الزرادشتيين لها.

مجوس في القرآن الكريم

ورد لفظ "مجوس" في القرآن الكريم مرة واحدة فقط في الآية التالية: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) [٤]. وقد قدم تفسير هذه الآية من القرآن على نحوين:

النوع الأول من التفسير

أن الناس في هذه الآية قُسِّموا إلى ثلاث فرق:

  • المؤمنون.
  • أهل الكتاب: وهم اليهود والنصارى والصابئة والمجوس. وهؤلاء الأربعة متصلون بحرف العطف.
  • المشركون.وهذه الفرق الثلاث مفصولة بذكر اسم الموصول "الذين"، لكن الفرق الأربعة لأهل الكتاب متصلة بحرف العطف. وبذلك يكون المجوس منفصلين عن المشركين ومرتبطين بصفة اليهود والنصارى والصابئة. ومجيء "الذين أشركوا" مقابل الأربع مذاهب يدل على أن مذهب المجوس لم يكن في الأصل مذهب شرك، بل كان في عداد الأديان التوحيدية، وأخذ الجزية منهم دليل واضح على ذلك. وكما كتب العلامة الطباطبائي فإن هذه الآية تدل أو تشير على الأقل إلى أن المجوس من أهل الكتاب، لأنهم في هذه الآية وفي الآيات الأخرى التي تعد أصحاب الأديان السماوية، جاءوا في عدادهم وفي مقابل المشركين.

النتوع الثاني من التفسير

في مقابل هذا الفهم، يذكر الفخر الرازي والطبري والنيسابوري حديثاً عن قتادة: "الديانات ستة، إحداها من الله وخمسة من الشيطان". فالفخر الرازي في تفسيره للآية المذكورة لم ير المجوس من أتباع نبي حقيقي بل أتباع متنبئ، ثم ذكر حديث قتادة. وفي تفسير الطبري تحت الآية: أن المجوس يعبدون الشمس والقمر والنار، ثم ذكر حديث قتادة: "الديانات ستة، خمسة منها للشيطان وواحدة للرحمن". وفي تفسير النيسابوري تحت تفسير هذه الآية، ذكر حديث "الديانات ستة" عن مقاتل، ثم أضاف: أن المؤمنين واليهود والنصارى يشتركون في الإيمان بالله والرسول، ويفترقون في الاعتراف بنبوة محمد (ص) فلا يعترفون بها. وأما الصابئون فمن وجه يشبهون النصارى ومن وجه لا، وأما المجوس فكلامهم مضطرب من وجهين لأنهم يعتقدون بالثنوية ولم يكن لهم نبي حقيقي وكان نبيهم متنبئاً. والزمخشري أيضاً ذكر في الكشاف: "الديانات خمسة، أربعة منها للشيطان وواحدة للرحمن". ورأى أن الصابئين من النصارى. وفي تفسير الغازر أيضاً ورد هذا المعنى. في هذه التفاسير – أي [٥] – كما رأينا، لم يصرح بأن المجوس أصحاب كتاب، والمثير أن هؤلاء المفسرين كانوا إيرانيين ولم تلعب القومية دوراً في اعتقادهم.

تفسير الآية عند المفسرين الشيعة

أما في تفاسير الشيعة، مثل "[٦]. فقد امتنعوا عن شرح هذه الآية ولكنهم في موضع آخر اعتبروا المجوس من أهل الكتاب. فقد اعتبر الطوسي المجوس من أهل الكتاب في تفسيره لآية الجزية وفي كتاب "تهذيب الأحكام". وكتب الطبرسي عن أهل الكتاب: "هم اليهود والنصارى، وقال أصحابنا: إن المجوس حكمهم حكم اليهود والنصارى". ونقل الفيض حديثين أن النبي (ص) اعتبر المجوس من أهل الكتاب (2/333). وفي تفسير شبر: "الذين أوتوا الكتاب هم اليهود والنصارى، وألحق بهم المجوس نبياً قتلوه وكتاباً أحرقوه". والعلامة الطباطبائي في عدة مواضع من تفسير "الميزان" اعتبر المجوس من أهل الكتاب وقوماً معروفين (المغان؟) آمنوا بزردشت. وفي مناقشته الروائية ذكر سؤال الأشعث بن قيس للإمام علي (ع) وجواب الإمام له بشأن المجوس وكونهم من أهل الكتاب، ثم أضاف: "وأما كون المجوس أهل كتاب فروايات أخرى مؤكدة على ذلك، وفي هذه الروايات أنهم كان لهم نبي فقتلوه وكتاب فأحرقوه". ومرة أخرى، يمكن أن يشير حديث الإمام علي (ع) هنا بشكل قوي إلى موضوع ثورة مزدك الذي قام قبل حوالي 100 سنة من ظهور الإسلام لإحياء تعاليم مهر، وأتى بكتاب "دسناد" الذي يحتوي على تعاليم المجوس، ولكن بأمر أنوشيروان قُتل مزدك والمزدكيون وجُمعت جميع نسخ كتاب دسناد وأُحرقت. وبالتدقيق في التفاسير، يبدو أن تفاسير الشيعة القديمة والحديثة – بالاعتماد على الروايات – اعتبرت المجوس من أهل الكتاب، بينما تفاسير أهل السنة لم تعتبرهم من أهل الكتاب. كما ذُكر، وردت كلمة "مجوس" في القرآن مرة واحدة فقط، ولكن هناك آية أخرى في القرآن وإن لم تذكر المجوس صراحة إلا أن شأن نزولها يتعلق بالمجوس: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)[٧].

شأن نزول الآية المباركة

ففي شأن نزول هذه الآية رُوي عن ابن عباس أن النبي (ص) كتب إلى أهل هجر يعرض عليهم الإسلام، وقال: إن لم يقبلوا فليؤدوا الجزية. وفي تفسير أبي الفتوح الرزي: أن المنذر بن ساوى عرض عليهم كتاب رسول الله: "على العرب والجهودان والترسايان والگوران (المجوس) الذين كانوا هناك، فقالوا: لا نقبل الجزية ولا ندخل الإسلام. فأخبر الرسول، فكتب إليه رسول الله: لا تقبل من العرب إلا الإسلام أو السيف، وأما اليهود والنصارى والگوران فإما أن يسلموا أو يقبلوا الجزية. فعرض الكتاب، فأسلم العرب، وقبل أهل الذمة الجزية. وطعن المنافقون في هذا الحديث فقالوا: عجباً لمحمد! يقول: أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، ثم يأخذ الجزية من گوران هجر وأهل الكتاب ويتركهم على كفرهم! لم لا يكرههم على الإسلام؟ أو لم لا يقبل الجزية من العرب؟ فشق ذلك على المسلمين، فأنزل الله تعالى هذه الآية: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ...)". وهذا الشأن النزول مذكور في تفاسير كثيرة.

تفسير أصحاب الرس

هناك أيضاً كلمة أخرى في القرآن ذهب البعض إلى أن المقصود بها الزرادشتيون، وهي "أصحاب الرس" التي وردت في الآيتين التاليتين: (وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا) [٨].(وَكَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ)[٩]. فسر "أصحاب الرس" في هذه الآيات بأنهم السكان القاطنون حول نهر الرس. وجاء في "أورنگ": "في أصحاب الرس عدة أقوال، أحدها الإشارة إلى سكان نهر الرس، كما ورد في معظم التفاسير. ويقول في تفسير الصافي: 'الرس نهر في نواحي أذربيجان، وكما أرسلنا لكل قوم نبياً، فقد بعثنا في أذربيجان نبياً من بين أهلها'. ومن الواضح جداً أن مضمون الآية يشير إلى ظهور زردشت في تلك النواحي، لأن التاريخ لا يظهر أن نبياً غير زردشت بُعث في أذربيجان وفي حدود سواحل نهر الرس'". على أن معظم المفسرين يعتقدون أن أصحاب الرس طائفة كانت تسكن اليمامة وبُعث إليهم نبي اسمه حنظلة فكذبوه وألقوه في بئر، فاستشهد ذلك النبي. ولأن الإلقاء في البئر يُعبّر عنه في إحدى لغات العرب بـ "الرَّس" سُمي هذا القوم بأصحاب الرس. ومن المحتمل أن بعض مفسري العصر الإسلامي الثاني – الذين اطلعوا على اسم نهر الرس – طابقوا بينهما وقالوا: إن أصحاب الرس كانوا في أذربيجان وقتلوا نبيهم. ونظراً لأن نهر الرس يُسمى في اليونانية "أركسوس" ويقترب من الأسماء اليونانية لنهر جيحون ونهر سيحون، فقد وسّعوا منطقة أصحاب الرس حتى شملت سواحل جيحون وسيحون. و"مدائن الرس" في نهج البلاغة هي نفس الحضارة والمدن. وقد صرّح محمد عبده في شرح الجملة المذكورة من نهج البلاغة أن المقصود بالرس هو نهر الرس الحالي في أذربيجان.

وفي تفسير الصافي نقلاً عن القمي: "الرس نهر في ناحية أذربيجان"، كما قيل: "لعمر المقصود من المجوس الوارد في الآية 17 من سورة الحج هم أصحاب الرس، أو أن المجوس من أحفادهم". وأبو الفتوح الرازي – ضمن الأقوال المختلفة التي ذكرها عن أصحاب الرس – أشار إلى هذا الموضوع بقوله: "كان لهم جدول سموه الرس، وهذا الجدول بين أذربيجان وأرمينية، من الجانب الذي فيه أذربيجان كانوا عبدة النار، ومن الجانب الذي فيه أرمينية كانوا عبدة الأوثان". ويجب الانتباه إلى أن الأبحاث الحديثة أظهرت أن مكان ميلاد زردشت كان في الشرق. وحتى أولئك الذين قالوا إن مكان ميلاد زردشت كان في غرب إيران، يقبلون أن مكان ازدهار دينه وإعلانه كان في منطقة گشتاسب أي شرق إيران. فإذا اعتبرنا نهر الرس يمتد حتى سواحل جيحون وسيحون، فيمكن اعتبار زردشت نبياً لهذه المناطق، وإلا فتعريفه بأنه نبي في سواحل الرس غير صحيح. وقد ذكر الفخر الرازي ثمانية معاني لأصحاب الرس، ولم يشر في هذه المعاني إلى المجوس إلا في أحدها حيث قال: إن أصحاب الرس قوم كانوا يعيشون في شرق نهر الرس. وفي تفسير "الميزان"، ذُكر المجوس تحت تفسير عدة آيات، منها تفسير الآية: (وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ) [١٠]. حيث نقل رواية عن الإمام جعفر الصادق (ع): "كان للمجوس عادة ألا يأكلوا الحيوان المذبوح، بل يأكلون الميتة، ولإماتة الحيوانات مثل البقر والغنم كانوا يخنقونها". كما فسر "الموقوذة" – وهي أحد مصاديق الميتة – بأن المجوس كانوا يربطون أيدي الحيوانات وأرجلها ويضربونها حتى تموت، فإذا ماتت تماماً أكلوها. و"المتردية" وهي أيضاً عادة للمجوس، حيث كانوا يعصبون عيني الحيوان ويرمونه من السطح حتى يموت، فإذا مات أكلوا لحمه. و"النطيحة" وهي حيوان يموت – حسب عادة المجوس – بقرن حيوان آخر. وكذلك (وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ) فإن المجوس كانوا يأكلون ما تركه السباع من الذئب والأسد والدب، فحرم الله عز وجل كل ذلك.

وفي تفسير الآية: (وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ) [١١]. جاء: "والظاهر أن المقصود بـ (الذين أوتوا الكتاب) هم اليهود والنصارى أو هاتان الطائفتان مع المجوس". وكتب العلامة الطباطبائي: "كان المجوس في عهد النبي (ص) ينتظرون بعثة وخاتم الأنبياء وظهور دين ينشر الحق والعدل، ولم يكونوا يعادون الحق ويُعاندونه مثل المشركين". ثم نقل عن بعض المفسرين قولهم: "المقصود بالموصول (الذين) عموم المسلمين، والمقصود بالأحزاب هم اليهود والنصارى والمجوس". وكتب الطبرسي في "مجمع البيان": (الذين آتيناهم الكتاب) هم أصحاب النبي، و (من الأحزاب) هم اليهود والنصارى والمجوس.

مجوس في الروايات الإسلامية

توجد روايات عديدة اعتبرت المجوس من أهل الكتاب، منها رواية أصبغ بن نباتة أن الإمام علي (ع) قال على المنبر: "سلوني قبل أن تفقدوني"، فقام الأشعث بن قيس وقال: "يا أمير المؤمنين، كيف تؤخذ الجزية من المجوس ولم ينزل عليهم كتاب سماوي ولا كان لهم نبي؟" فقال علي (ع): "كان لهم كتاب، وبعث الله فيهم نبياً، وفي شريعة ذلك النبي لم يكن الزواج بالمحارم جائزاً، فأتى أحد ملوكهم – وهو سكران في ليلة – فجامع ابنته، وعلم الناس فثاروا وقالوا: الآن يجب أن نطبق عليك الحد. فدبر ذلك الملك حيلة، وأمرهم أن يجتمعوا ويسمعوا كلامه، فإن كان خطأ فليتخذوا ما يشاؤون من قرار. فاجتمع الناس، فقال لهم: ألستم تعلمون أنه ليس بين الناس أحد يصل إلى قدمي أبينا آدم وأمنا حواء؟ ألم يكن هذان الاثنان – اللذان صار لهما بنات وبنون – قد تزوجوا جميعاً؟" فاقتنع الناس، ومنذ ذلك الوقت صار الزواج بالمحارم شائعاً بينهم. وهناك رواية أخرى عن الإمام الصادق (ع): سُئل عن المجوس: هل كان لهم نبي؟ فقال: "نعم، ألم يصل إليك كتاب رسول الله إلى أهل مكة حيث قال: أسلموا وإلا فاستعدوا للحرب. فكتبوا إلى النبي يطلبون منه أن يأخذ منهم الجزية ويتركهم يعبدون الأصنام. فكتب لهم النبي (ص): إنه لا يأخذ الجزية إلا من أهل الكتاب. فاعترض مشركو مكة: كيف يأخذ الجزية من مجوس هجر؟ فكتب لهم النبي (ص): إن للمجوس نبياً قتلوه، وكتاباً أحرقوه. وكان كتابهم في اثني عشر مجلداً على جلد بقر". ويبدو أن هذه الحادثة وقعت بعد فتح مكة وقبل نزول آيات البراءة أو في نفس وقت نزولها. وذكر البلاذري أن تاريخها كان سنة ثمان من الهجرة. وفي "وسائل الشيعة" رواية عن الإمام محمد بن علي (ع) قال: "يُؤخذ من المجوس الجزية لأن النبي (ص) قال: 'سيروا فيهم سيرة أهل الكتاب، كان لهم نبي اسمه جاماسب قتلوه، وكتاب اسمه داماسب في اثني عشر ألف مجلد على جلد بقر أحرقوه'". ونقلت هذه الرواية أيضاً عن الإمام علي بن الحسين زين العابدين (ع). ومن الروايات السابقة يتضح أن تأكيد النبي والأئمة كان على اعتبار المجوس من أهل الكتاب وأخذ الجزية منهم، وإن كان هذا العمل مخالفاً لرغبة العرب المتعصبين. وهناك روايات وأخبار أخرى تبين طريقة التعامل مع المجوس، منها رواية أن رجلاً سأل آخر بحضور الإمام الصادق (ع): "ماذا فعلت مع ذلك الرجل الذي كنت دائناً له؟" فقال الرجل: "هو ولد زنا". فغضب الإمام غضباً شديداً وقال: "ما هذا الكلام؟" فقال الرجل: "جعلت فداك، إنه مجوسي وأمه ابنة أبيه، فهي إذن أمه وأخته، فهو قطعاً ولد زنا". فقال الإمام: "أليس هذا جائزاً في دينهم، وقد عمل وفق دينه، وليس لك أن تسميه ولد زنا".

موقف علماء الشيعة في الفقه عن المجوس

واستناداً إلى الروايات السابقة، اعتبر معظم علماء الشيعة في الفقه المجوس من أهل الكتاب. قال الشيخ الطوسي في كتاب "الخلاف": "المجوس كان لهم كتاب ثم رفع عنهم". وأكد ذلك في "النهاية". واعتبر الصدوق في "التوحيد" والشهيد في "اللمعة" المجوس قطعاً من أهل الكتاب. ونقل الشيخ المفيد في "المقنعة" عن أمير المؤمنين (ع): "أن المجوس في أداء الجزية والديات مثل اليهود والنصارى لأنهم أهل كتاب". واعتبرت فئة أخرى من الفقهاء – احتياطاً وتحفظاً علمياً – أنه وإن لم يُعتبر المجوس قطعاً من أهل الكتاب، إلا أنه لاحتمال كونهم أهل كتاب وُضعوا في صف اليهود والنصارى. وفي هذا الصدد، اعتبر صاحب "الشرائع" و"الجواهر" و"الرياض" المجوس في حكم أهل الكتاب.

موقف علماء أهل السنة في الفقه عن المجوس

كما ذكر سابقاً، اعتبر علماء الشيعة – بناءً على الروايات – المجوس من أهل الكتاب. أما بين علماء أهل السنة، فقد اعتبرهم الحنفية – وكذلك أبو يوسف صاحب كتاب "الخراج" – من أهل الكتاب. والشافعي (ت 204 هـ) – بذكر حديث عن النبي (ص) رواه الإمام علي (ع) – اعتبرهم أيضاً من أهل الكتاب. وكثير من علماء أهل السنة لا يعتبرون المجوس من أهل الكتاب، ولكن حتى أولئك الذين لا يعتبرونهم من أهل الكتاب يعتقدون أن النبي (ص) وخلفاء صدر الإسلام كانوا يأخذون منهم الجزية. ففي صحيح البخاري رواية أن النبي (ص) كان يأخذ الجزية من المجوس. وابن القيم الجوزية ناقش موضوع أخذ الجزية من المجوس نقاشاً طويلاً نسبياً. وهو – رغم معارضته الشديدة للمجوس وعدم اعتباره إياهم من أهل الكتاب – ذكر أن إجماع الفقهاء على أخذ الجزية من أهل الكتاب والمجوس. وفي الختام، تجدر الإشارة إلى أن في تاريخ الإسلام أخباراً تظهر أن المسلمين كانوا يحترمون المجوس. صحيح أن سلوك الحكام المسلمين اختلف في فترات مختلفة، ولكن بشكل عام كان للمجوس قبول أخلاقي لدى المسلمين، كما نقل خبران في كتاب "بحار الأنوار" أن مجوسياً ساعد مسلماً محتاجاً، فكان ذلك المجوسي موضع اهتمام وعناية النبي (ص).

مواضيع ذات صلة

الهوامش

  1. كما عند هيرودوت، الكتاب الأول: 101
  2. يُرجع إلى "ماجوس" في دائرة المعارف الإسلامية لدار النشر (E.J. Brill)
  3. سفر إرميا، الإصحاح 39، الآية 3:
  4. الحج: 17
  5. تفاسير الفخر الرازي (ت 604 هـ)، والطبري (ت 310 هـ)، والنيسابوري (ت 730 هـ)، والزمخشري (ت 538 هـ)، وتفسير الغازر (ت آخر القرن التاسع)
  6. التبيان" للشيخ الطوسي (ت 460 هـ)، و"مجمع البيان" و"جوامع الجامع" للطبرسي (ت 548 هـ)، و"الصافي" للفيض (ت 1091 هـ)، وتفسير شبر (ت 1242 هـ)،
  7. المائدة: 104
  8. الفرقان: 38
  9. ق: 12
  10. المائدة: 3
  11. الرعد: 36،

المصدر