انتقل إلى المحتوى

السياسة الدينية

من ویکي‌وحدت

السياسة الدينية (بالإنجليزية: Religious Politics) تشير إلى التفاعل بين المجال الديني والمجال السياسي، سواء من حيث استخدام الدين كأداة في الصراع على السلطة أو تأثر السياسات العامة بالقيم والمعايير الدينية. تختلف مظاهر هذا التفاعل عبر الثقافات والنظم السياسية، وتتراوح بين النماذج الثيوقراطية (حكم رجال الدين) إلى النماذج العلمانية التي تفصل بين الدين والدولة مع السماح بتأثير أخلاقي للدين في الحياة العامة.


التعريف والمفاهيم الأساسية

يمكن تعريف السياسة الدينية على أنها:

  1. منظومة الحكم التي تستمد شرعيتها وقوانينها مباشرة من تعاليم دينية محددة (كما في الدولة الثيوقراطية).
  2. استغلال الرموز الدينية والخطاب الديني لتحقيق أهداف سياسية (كاستخدام الدين في الخطابات الانتخابية أو التعبئة الاجتماعية).
  3. تأثير القيم الدينية على تشكيل السياسات العامة في مجالات كالتعليم، الأسرة، الحقوق الفردية، والعلاقات الدولية.
  4. صراع السلطة داخل المؤسسات الدينية نفسها، أو بينها وبين الدولة.

التطور التاريخي والسياقات العالمية

  1. في الغرب المسيحي: شهد التاريخ الأوروبي صراعاً بين البابوية والإمبراطورية، ثم ظهرت "العلمانية" كفصل للدين عن الدولة بعد حروب الدين، رغم استمرار تأثير المسيحية في السياسة (مثل ظاهرة "اليمين المسيحي" في الولايات المتحدة).
  2. في العالم الإسلامي: ظهرت نماذج مختلفة كـ "الخلافة" التاريخية، وحركات "الإسلام السياسي" في القرن العشرين (كالجماعات السلفية، الإخوان المسلمون، التجربة الإيرانية بعد 1979).
  3. في السياقات الأخرى: مثل دور الهندوسية في السياسة الهندية (حزب بهاراتيا جاناتا)، أو البوذية في سياسات بعض دول جنوب شرق آسيا.

نظريات تفسير العلاقة بين الدين والسياسة

  1. نظرية الصراع (كارل ماركس): ترى الدين أداةً لتهدئة الطبقات المسحوقة وإلهائها عن المطالبة بحقوقها.
  2. نظرية التحديث (ماكس فيبر): تربط تراجع تأثير الدين في السياسة بعملية التحديث والعقلنة، رغم اعترافها بدور "الأخلاق البروتستانتية" في نشأة الرأسمالية.
  3. نظرية ما بعد العلمانية (يورغن هابرماس): تؤكد على عودة الدين إلى المجال العام كقوة أخلاقية واجتماعية حتى في المجتمعات المتقدمة.
  4. النظرية الإسلامية للحكم: تطرح مفاهيم "الحاكمية"، "الشورى"، "ولاية الفقيه" (في المذهب الشيعي) كنماذج لتداخل الدين والسياسة.

مواقف المؤيدين والنقاد

المؤيدون للسياسة الدينية

  • يرون أن الدين يوفر أساساً أخلاقياً ثابتاً للسياسة، يحد من النسبية الأخلاقية.
  • يعتبرونه مصدراً للشرعية الشعبية في المجتمعات المتدينة.
  • يحافظ على الهوية الثقافية في مواجهة العولمة.

النقاد

  • يحذرون من استخدام الدين لتبرير الاستبداد أو انتهاك الحقوق (خاصة حقوق المرأة والأقليات).
  • يشيرون إلى خطر اندلاع صراعات طائفية أو مذهبية.
  • يؤكدون على ضرورة فصل الدين عن الدولة لحماية حرية المعتقد وحقوق غير المتدينين.

موقف الإسلام السني والشيعي من السياسة الدينية

يوجد اتفاق عام بين المسلمين على أن الإسلام يشمل جوانب تشريعية تنظم الحياة العامة، لكن هناك تباين في النماذج التطبيقية.

الموقف السني التقليدي

  1. مبدأ الشورى: كأساس للحكم، مع اختلاف حول مدى إلزاميته وآلية تطبيقه.
  2. ولاية الأمر: ضرورة طاعة الحاكم المسلم إذا التزم بالشرع، مع منع الخروج عليه إلا في حال الكفر البواح.
  3. نماذج معاصرة: تتراوح بين:
  • النموذج السلفي: (كما في السعودية) حيث يرتبط الحكم بالنصوص والفقه الحنبلي.
  • نموذج الإسلام السياسي: (كالإخوان المسلمين) الذي يجمع بين المرجعية الإسلامية وآليات ديمقراطية.
  • النموذج العلماني المعدل: (كتركيا الأردوغانية) يحافظ على الهوية الإسلامية مع مؤسسات دولة مدنية.

الموقف الشيعي

  1. ولاية الفقيه: (في النظرية الإيرانية) تمثّل النموذج الأبرز، حيث يكون الفقيه المجتهد هو القائد الأعلى للدولة.
  2. مرجعية التقليد: يؤمن الشيعة بضرورة تقليد المجتهد في الأمور الشرعية، مما يعطي للمراجع الدينية تأثيراً سياسياً كبيراً حتى خارج إيران (كما في العراق ولبنان).
  3. النموذج الحسيني: فكرة مقاومة الحاكم الظالم كمبدأ سياسي أخلاقي.
  4. التجربة التاريخية: تاريخياً، اتخذ الشيعة موقفاً من الانسحاب النسبي من السياسة (مبدأ "التقية" وعدم التعاون مع الحاكم الجائر)، لكن هذا تغير جذرياً بعد الثورة الإيرانية.

نقاط الاختلاف والاتفاق

  • الاتفاق: على أن الشريعة مصدر رئيسي للتشريع، وأن للأمة دوراً في اختيار الحاكم أو مراقبته.
  • الاختلاف: حول شكل الدولة، ومدى سلطة رجال الدين، وآليات نقل السلطة.

السياسة الدينية في العالم المعاصر: تحديات ونماذج

  1. النموذج الإيراني: دولة ثيوقراطية بقيادة فقيه، مع مؤسسات منتخبة (رئاسة، برلمان) تخضع لرقابة مجلس صيانة الدستور.
  2. النموذج السعودي: ملكية تستمد شرعيتها من النسب النبوي (آل سعود) والتحالف مع المؤسسة الوهابية الدينية.
  3. النموذج التركي: صعود "الإسلام المحافظ" تحت حزب العدالة والتنمية في إطار دولة علمانية دستورياً.
  4. حركات المقاومة الإسلامية: (كحزب الله لبنان، حماس) تجمع بين العمل العسكري والسياسي والخدمات الاجتماعية تحت راية الإسلام.

(المصادر)

  1. Esposito, J. L. (1998). *Islam and Politics*. Syracuse University Press.
  2. مؤسسة الأهرام. (2015). *الإسلام السياسي في العالم العربي*.
  3. الخامنئي، السيد علي. (2002). *ولاية الفقيه وأدلتها*.
  4. القرضاوي، يوسف. (2001). *من فقه الدولة في الإسلام*.
  5. حبيب، السيد محمد. (2019). *السياسة الدينية في الفكر الشيعي المعاصر*.
  6. مجلس صيانة الدستور الإيراني. (2021). *التقارير الدورية حول تطبيق المواد الدينية في الدستور*.
  7. Weber, M. (1922). *Economy and Society*.
  8. مؤسسة راند. (2020). *دراسة حول تأثير الدين على السياسات في الشرق الأوسط*.