انتقل إلى المحتوى

العلمانية

من ویکي‌وحدت

العلمانية هي فكر ينكر وجود الدين في مختلف جوانب حياة الإنسان. وهي توجه يدعو إلى إلغاء أو تجاهل أو تهميش دور الدين في ميادين الحياة الإنسانية المختلفة مثل السياسة، الحكم، العلم، العقلانية، الأخلاق، وغيرها. في هذا المنظور، الدين يتعامل فقط مع الشؤون الخاصة للأفراد وليس الشؤون الاجتماعية لهم. يجب أن تقوم التربية، الاقتصاد، السياسة وغيرها على العلم لا على الدين. العلمانية بهذا المعنى المحدد تُعد من خصائص الحضارة والثقافة في العصور الحديثة؛ وهي أحد مكونات الحداثة الغربية.

كلمة علماني: Secular

أول خطوة في نقاش العلمانية هي توضيح الكلمات والمفاهيم المستخدمة في اللغة الإنجليزية ولغات أخرى بهذا الشأن.

كلمة "علماني" هي وصف يُطلق على الإنسان، المجتمع، الثقافة، الحكم، العلم، وغير ذلك، ويقال: الإنسان العلماني، المجتمع العلماني، الحكم العلماني، وهكذا.

المعاني والتطبيقات التي وردت في المعاجم لكلمة علماني تشمل: دنيوي، مادي، غير ديني، غير متدين، لا مبالٍ بالأمور الدينية والروحية، عالمي، مؤمن بالعالم، متجنب للدين، من العامة، كاهن بدون طائفة، علماني، خارج الدير، مؤيد لعالمية الأمور.

كلمة علمانية: Secularism

كلمة "علمانية" تدل على مذهب وأيديولوجيا تؤمن بالفكر والثقافة العلمانية وتروج لهما. تشمل معانيها: عدم التدين، رفض الدين، دعم المبادئ الدنيوية والعلمانية، معارضة الشرائع والمطالب الدينية، الإيمان بالعالم، التهرب من الدين، فصل الدين عن الحياة، والاعتقاد بالعالم المادي.

في قاموس أوكسفورد، جاء تعريف العلمانية: «الاعتقاد بأن القوانين والتعليم والشؤون الاجتماعية يجب أن تستند إلى البيانات العلمية بدلاً من الدين».

وفي قاموس ويبستر: «العلمانية تعني الاعتقاد بأن الحياة وشؤونها يجب أن تبتعد عن الدين وأن تُتجاهل اعتبارات الدين. وبناءً عليه، يجب تحديد القيم الأخلاقية والأساليب الاجتماعية بناءً على المعيشة الدنيوية والرفاه الاجتماعي لا بالرجوع إلى الدين».

بريان ويلسون[١] عرّف العلمانية بأنها: «الدنيوية أو الإيمان بأصالة العالم هي أيديولوجيا. الذين يؤمنون بها يرفضون ويدينون كل أشكال الاعتقاد بالأمور والكيانات الخارقة للطبيعة، ويدعمون المبادئ غير الدينية والمعادية للدين كأساس للأخلاق الشخصية والتنظيم الاجتماعي»[٢].

كلمة علمانية (Secularization)

في المعاجم، تعني العلمانية أو علمانية العملية جعل الأمور غير دينية، دنيوية، إزالة الدين، التركيز على العالم، مادية، تخص الأمور غير الروحية، إعطاء الطابع الدنيوي للمعتقدات أو المناصب الكنسية، وفصل الدين عن العالم[٣].

من وجهة نظر علماء الاجتماع، العلمانية هي عملية تقلل من مكانة الدين في ثقافة المجتمع ويصبح المجتمع علمانيًا. هذه العملية قد تحدث عمدًا أو بدون قصد، لكنها تؤدي إلى نفس النتيجة.

ويلسون قال: «مفهوم فصل الدين عن العالم ليس له تعريف موحد، لكنه يشير إلى ظواهر اجتماعية تشمل تقليل الاعتماد على التفسيرات الخارقة للطبيعة، وتقليل الدعم للأفعال التي تشجع على الاعتماد على القوى الخارقة».

يمكن تعريف فصل الدين عن العالم بأنه: «عملية يفقد فيها الوعي الديني والأنشطة والمؤسسات الدينية أهميتها ومكانتها الاجتماعية، بمعنى أن الدين يُهمش في أداء النظام الاجتماعي وتصبح الوظائف الأساسية في المجتمع عقلانية ومستقلة عن النفوذ الديني»[٤].

يتضح من التعريفين الفرق بين العلمانية وعملية العلمانية. العلمانية هي نظرية وأيديولوجيا تسعى إلى تحويل المجتمع إلى علماني، بينما العلمانية عملية اجتماعية تنشأ نتيجة عوامل ثقافية وسياسية واقتصادية، سواء بقصد أو بغير قصد.

ويلسون قال: «العلمانية تختلف عن الدنيوية التي تُعتبر أيديولوجيا. الدنيوية ترفض كل أشكال الاعتقاد بالخارق للطبيعة، أما العلمانية فهي عملية تراجع تدريجي في دور الدين في المجتمع، وغالبًا ما تكون نتيجة تحولات اجتماعية مثل التصنيع والتحضر»[٥].

علماني وعلمانية

كلمة Laic تعني فصل الدين عن الدولة، وLaicism تعني لائكية أو فصل الدين، وLaity تعني العامة أو الناس غير الدينيين[٦].

كلمات لائكي ولائكية معروفة لدى الناطقين بالفرنسية، وهي مكافئة لكلمات علماني وعلمانية في الإنجليزية.

يفرق بعض علماء الاجتماع بين لائكية وعلمانية، حيث يرون أن اللائكية تصف نظام حكم في مجتمع لم يتم تعميم العلمانية فيه ويحترم الدين، بينما العلمانية تصف نظام حكم في مجتمع علماني بالكامل.

جان بول فيليم[٧] قال: «اللائكية (فصل الدين عن السياسة) والعلمانية مصطلحان معقدان، الأول مألوف للفرنسيين، والثاني للناطقين بالإنجليزية».

جان بوبرو[٨] حاول التمييز بين اللائكية (محاولة فصل الدين عن السياسة) والعلمانية (تحويل الدين إلى أمر دنيوي).

اللائكية ترتبط بتوترات اجتماعية قد تتحول إلى صراعات على السلطة، أما العلمانية فتتسم بالتغييرات الاقتصادية والسياسية والدينية التي قد تسبب توترات داخلية لكنها لا تؤدي إلى صراعات حادة.

من هذا المنظور، تعتبر الدنمارك دولة علمانية وليست لائكية، حيث المذهب اللوثري الرسمي موجود والمجتمع المدني حر من أي سيطرة دينية، بينما تركيا مثال على دولة لائكية لكنها غير علمانية.

الإسلام رغم إلغاء مصطفى كمال أتاتورك كدين رسمي في تركيا، لا يزال له نفوذ كبير في الحياة الاجتماعية.

العلمانية يجب أن تُفهم كتغير اجتماعي وثقافي عام يؤدي إلى تقييد الدور المؤسسي والثقافي للدين، بحيث يفقد الدين جزءًا كبيرًا من قوته الاجتماعية، رغم كونه يشمل إطارًا يشمل المجتمع بأكمله ويعطيه معنى[٩].

مصطلح علماني وعلمانية

في اللغة العربية، تُستخدم كلمتا علماني وعلمانية (بفتح العين وسكون اللام) كمرادفات لكلمتي علماني وعلمانية.

تعود أصول انتشار هذا المصطلح إلى أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، حيث انتشر في مصر في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وكان الاستعمار الفرنسي الذي سيطر على مصر عام 1882 سببًا في نشره، حيث حاولوا فصل المفاهيم الإسلامية التي تدعو إلى الجهاد ووحدة الأمة الإسلامية عن الثقافة والأدب الإسلامي، ونفوا علاقة الإسلام بالسياسة.

قبل انتشار الكلمة في الثقافة العربية العامة، وردت لأول مرة في قاموس فرنسي-عربي لإلياس بقطر المصري عام 1828-1829، حيث ترجم كلمة Secularité إلى "عالمانية" وSeculier إلى "عالماني" و"علماني".

في ذلك الوقت، لم تكن كلمة علماني وعلمانية معروفة في مصر، حيث لم يستخدمها مترجمون بارزون مثل رفاعة الطهطاوي، الذي كان يدرس في باريس عام 1826، لأن فكرة انفصال الدين عن الدنيا لم تكن معروفة في مصر حينها.

كما أن سيد جمال الدين الأفغاني كان يصف من ينكرون الدين ويروجون للإلحاد بـ"الدهريين" وليس العلمانيين.

كلمة "دهرية" ليست مرادفًا دقيقًا لـ"علمانية" لأنها تشير إلى الإلحاد وإنكار الله والآخرة كما ورد في القرآن الكريم[١٠]، ولهذا السبب اقترح استخدام كلمة "علمانية" كمرادف لـ"علمانية" في منتصف القرن التاسع عشر.

من القواميس الأخرى التي استخدمت كلمة علماني:

- الفرائد الدرية، قاموس فرنسي-عربي شامي، نشر في بيروت 1883. - قاموس اللهجة العامية المصرية لسقراط سبيرو، 1895. - الفوائد الأدبية لشيخ يوسف يعقوب حبيش، الطبعة الثانية 1896. - قاموس فريد هندية، 1927. - المعجم الوسيط، الطبعة الثانية 1973.

أصول كلمة علماني

بعد التعرف على تاريخ ومسببات ظهور مصطلحي علماني وعلمانية في الثقافة العربية، ننتقل إلى دراسة أصول الكلمة.

يعتقد بعضهم أن "علمانية" مشتقة من كلمة "علم" بمعنى المعرفة، وأنها تعني علمية المجتمع، كما في تعبير "أسلمة العلوم الإنسانية"، لكن هذه الفرضية غير صحيحة لأن ضبط الكلمة الصحيح هو بفتح العين (علماني) وليس بكسرها.

جميع المعاجم العربية التي استخدمت الكلمة تعتبر أن أصلها من كلمة "علم" بمعنى "عالم" وليس "علم" بمعنى "معرفة".

الكلمة مأخوذة من "عالَم" وهي أصل كلمة "عالماني" التي اختُصرت إلى "علماني" وفق قواعد الحذف والتخفيف في اللغة العربية.

العديد من العلماء العرب يرون أن كلمة علماني تعني:

1. الشخص الذي لا يهتم بالأمور الدينية أو اللاهوتية. 2. ما هو شائع وعرفي في زمانه. 3. الشخص الذي يعيش وفق ظروف عصره. 4. الذي يهتم بالأغراض الدنيوية.

المعجم الوسيط يعرف "علماني" بأنه: «نسبة إلى العَلْم بمعنى العالم، وهو خلاف الديني والكهنوتي»[١١].

الكلمة تدل على شخص يركز على العالم بدل الإيمان بالخالق.

إضافة الألف والنون في نهاية الكلمة تعبر عن المبالغة والتأكيد في اللغة العربية، كما في قوله تعالى: «وَلَكِن كُونُوا رَبَّانِيِّينَ»[١٢].

لذا، "علماني" تعني شخصًا يولي اهتمامًا شديدًا للعالم بدلاً من الإيمان بالله[١٣].

الاستخدامات والأنواع

العلمانية والاتجاه العلماني كحركة فكرية واجتماعية لهما استخدامات متعددة بمعانٍ مختلفة، لذا من الضروري توضيحها:

1. **تقييد ملكية الكنيسة:** أول استخدام لكلمة "علمانية" كان في معاهدة وستفاليا عام 1648، حيث نُقلت ملكية أراضٍ كانت تحت سيطرة الكنيسة إلى سلطات سياسية غير دينية[١٤]. هذا يُعتبر جوهر العلمانية تاريخيًا.

2. **العلمانية داخل الكنيسة:** قسمت الكنيسة رجال الدين إلى دينيين وعلمانيين (خارج الدير)، حيث كان العلمانيون يخدمون المجتمع خارج الهيئات الدينية[١٥].

3. **تمييز المؤسسات الاجتماعية:** علماء الاجتماع يرون أن تمييز المؤسسات الاجتماعية من أبعاد العلمانية، حيث تعمل المؤسسات الدينية إلى جانب غيرها بشكل مستقل[١٦].

4. **فصل الدين عن الحكم:** الدين يمكن أن يمارس نشاطه ضمن إطار تنظيمي تحدده الدولة، لكن الحكم يعتمد على قوانين علمية وبشرية وليس دينية.

5. **انفصال الدين عن المجتمع:** الدين لا يلعب دورًا في الشؤون الاجتماعية، ويقتصر على الحياة الخاصة والروحية للفرد.

6. **إزالة القداسة:** العلمانية تعني فقدان القداسة في المجتمع، وتحول المجتمع من مقدس إلى دنيوي[١٧].

التقييم والنقد

من منظور الإسلام:

1. الملكية مقبولة مع شروط فقهية وأخلاقية لضمان العدالة الاجتماعية.

2. نقد سلب السلطة والمال من رجال الدين مرفوض، كما أن التمييز بين المؤسسات الدينية والمدنية مقبول.

3. فصل الدين عن الحكم غير مقبول، لأن الشرعية والقوانين يجب أن تستند إلى الدين.

4. الإسلام دين اجتماعي يهتم بجميع شؤون الحياة، بما فيها العبادة ذات الطابع الاجتماعي.

5. الاعتقاد بالقداسة عنصر مشترك بين الأديان، وهي إما ذاتية خاصة بالله أو بالمرتبطين به.

6. الدين في الإسلام يشمل كل جوانب الحياة، ويدعو إلى خدمة الناس والعدالة الاجتماعية.

المراجع

- فصلية رسالة الحوزة، العدد 36 - سایت همیار پژوهش


الهوامش

  1. Bryan Wilson
  2. الثقافة والدين، ص 126.
  3. انظر: قاموس الإنجليزية - الفارسية باطني، قاموس العلوم الإنسانية آشوري، قاموس الإنجليزية - الفارسية أريانبور وغيرها.
  4. الثقافة والدين، ص 127-129.
  5. الثقافة والدين، ص 126.
  6. قاموس العلوم الإنسانية، آشوري، ص 201.
  7. Jean – Paul Willaime
  8. Jean Bauberot.
  9. جان بول فيليم، علم اجتماع الأديان، ترجمة د. عبد الرحيم غواه، ص 141-142.
  10. سورة الجاثية (45): 24.
  11. المعجم الوسيط، ج 2، ص 624، الطبعة الثانية 1973.
  12. تفسير الكشاف، ج 1، ص 331.
  13. مقتبس من مقالات كتاب "جذور العلمانية" للدكتور سيد أحمد فرج.
  14. الثقافة والدين، ص 24.
  15. الثقافة والدين، ص 24.
  16. دوبلار، علم اجتماع الأديان، ص 140.
  17. شينر، علم اجتماع الدين، ص 290.