الكوفة
الكوفة إحدى مدن العراق، تقع على بعد 170 كيلومترًا جنوب بغداد في ضمن محافظة النجف، يُعد مسجد الكوفة، الذي شُيد في القرن السابع الميلادي، من أبرز معالم المدينة ومزارًا مهمًا للشيعة، كانت الكوفة لفترة عاصمة خلافة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، مما منحها مكانة مميزة لدى الشيعة إلى جانب مدن مثل سامراء وكربلاء والكاظمية والنجف. كما أن الشماغ (الغترة أو الكوفية)، الذي يلفه الرجال العرب على رؤوسهم، يعود أصله إلى هذه المدينة، برزت أهمية الكوفة خلال القرنين الأول والثاني الهجريين، لكنها تراجعت لاحقًا بسبب عوامل سياسية واقتصادية، لتحل مدن مثل بغداد والنجف مكانها، وفقًا للروايات الشيعية، ستستعيد الكوفة مركزيتها في المستقبل لتصبح عاصمة حكومة الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) بعد ظهوره.
وجه التسمية
تعددت الأقوال حول تسمية الكوفة: الرأي الأول: اشتُق الاسم من "الكوفة" بمعنى المكان المليء بالرمل والحصى.[١]. كما ذكر المقدسي: "كل رمال مختلطة بحصى تُسمى كوفة، ألا ترى أن أرضها كذلك؟". الرأي الثاني: يرتبط الاسم بمنطقة بابل في سواد العراق، وسُميت "كوفة" لشكلها الدائري أو لتلالها الرملية المستديرة [٢]. كما رُوي أن سعد بن أبي وقاص، بعد فتح القادسية، أمر جنوده بالتجمع فيها قائلًا: "تَكَوَّفُوا فِي هَذَا المَوْضِعِ" (اجتمعوا في هذا المكان)، ومن هنا جاءت التسمية من جذر "كوف". رأي آخر: نسبة إلى جبل صغير فيها يُعرف بـ"كوفان"[٣].
التاريخ القديم للكوفة
بحسب الروايات الواردة في كتب الشيعة وغيرهم من المذاهب الإسلامية، يعود تاريخ مدينة الكوفة إلى زمن سجود الملائكة لآدم عليه السلام [٤]. ثم أصبحت إحدى القرى الواقعة غرب المدينة - وفقاً لتلك الروايات - مكاناً لعيش النبي نوح عليه السلام وبناء سفينته المشهورة [٥]. كما يُعتقد أن موقع "التنور" الذي انفجر منه الماء كعلامة لطوفان نوح، قد حُدد في مسجد الكوفة. ولا تزال هناك أماكن في المسجد تحمل أسماء "مكان سفينة نوح" و"التنور"، بالإضافة إلى مكان صلاة نوح الذي يُعرف بـ"المسجد". كما يُشار إلى أن نهر الفرات هو المكان الذي رست فيه سفينة نوح عليه السلام[٦]. كما ارتبطت الكوفة بحياة النبي إبراهيم عليه السلام، حيث يُعتقد أن المنجنيق الذي أُلقي به في النار قد صُنع في هذه المدينة [٧]. ويقع ضريح النبي هود عليه السلام في منطقة "النخيلة" التي تبعد حوالي فرسخين (حوالي ١٠ كم) شمال الكوفة. كما توجد في الشمال الشرقي من الكوفة قرية تُسمى "قرية ذي الكفل"، وهي مسكن النبي ذي الكفل عليه السلام ومدفنه. ويُعتقد أن مسجد الكوفة هو المكان الذي نبتت فيه شجرة اليقطينة التي ظللت النبي يونس عليه السلام. وأخيراً، يُعتبر المسجد مكاناً صلى فيه ١٠٧٠ نبياً [٨].هذه الروايات - إن صحت - تدل على عراقة المدينة وأهميتها منذ أقدم العصور [٩] .
جغرافية الكوفة ومناخها
تقع مدينة الكوفة على بعد ثمانية كيلومترات شرق مدينة النجف الأشرف، على الضفة الغربية لنهر الفرات ا[١٠]. ترتفع المنطقة حوالي اثنين وعشرين متراً فوق مستوى سطح البحر. يحدها من الشرق نهر الفرات، ومن الغرب الصحراء الممتدة، فيما تقع مدينة الحيرة الأثرية على بعد ستة كيلومترات إلى الجنوب الغربي منها، وتقع منطقة ذي الكفل في الشمال الشرقي[9]. يتميز موقع الكوفة بقربها من نهر الفرات الذي يبعد عنها ثلاثة كيلومترات شرقاً، إضافة إلى مرور أحد فروع النهر بشرقها. وقد أدى هذا القرب إلى خصوبة الأراضي المحيطة بالمدينة. وقد ذكر الإصطخري في كتابه "مسالك الممالك" أن "هواء الكوفة ألطف من هواء البصرة" لهذا السبب [١١].
مناخ الكوفة
يتميز مناخ الكوفة بأنه مزيج بين المناخ الصحراوي والنهري، حيث يحدها من الشرق نهر الفرات ومن الغرب الصحراء. هذا الموقع الفريد منح المنطقة مناخاً معتدلاً يجمع بين الرطوبة الناتجة عن قربها من النهر والجفاف الصحراوي. وكانت تهب على المدينة رياح شمالية قادمة من الصحراء ورياح جنوبية آتية من الأراضي الزراعية، مما أعطاها تنوعاً مناخياً مميزاً[١٢]. تعتمد الكوفة في مياهها على نهر الفرات الرئيسي الذي يبعد ثلاثة كيلومترات شرقاً، وأحد فروعه الذي يمر بشرق المدينة. وتمتاز مياه الفرات في الكوفة بعذوبتها وبرودتها ونقاء طعمها، وذلك لقربها من المنبع، بينما تفقد هذه المياه بعض عذوبتها عندما تصل إلى البصرة بعد مسافة طويلة[١٣]. وتشهد المصادر التاريخية على اعتدال مناخ الكوفة، حيث ورد أن الخليفة عمر بن الخطاب قرر منح المتوجه إلى البصرة سبعمائة درهم سنوياً، بينما منح المتوجه إلى الكوفة خمسمائة درهم فقط. وعندما سئل عن سبب الفارق وهو مئتا درهم، أوضح أن الكوفة تتمتع بوجود نهر الفرات وهواء أكثر اعتدالاً وظروف معيشية أفضل، مما يثبت تفوقها المناخي على البصرة في تلك الفترة [١٤].
السكان
تختلف المصادر التاريخية حول تعداد سكان الكوفة خلال الفترة من 17 إلى 61 هـ. فيما يلي نظرة عامة على التعداد السكاني للمدينة خلال هذه الفترة، مع الإشارة إلى اختلافات المصادر: يذكر اليعقوبي أن عدد السكان الأوائل للكوفة كان عشرة آلاف مقاتل، وإذا أضفنا إلى هذا الرقم عدد أفراد عائلاتهم الذين رافقوهم، فإن الرقم يصل إلى حوالي ثلاثين ألف نسمة. بالإضافة إلى ذلك، انضم حوالي أربعة آلاف من الفرس مع قائدهم المسمى ديلم إلى جيش الإسلام قبل فتح المدائن عام 16 هـ، واستقروا في الكوفة بعد تأسيسها. وبذلك يصل العدد الإجمالي إلى 34 ألف نسمة [13].
في مقابل هذه الرواية، توجد رواية أخرى تتعلق ببناء المسجد الجامع في الكوفة، حيث كلف سعد بن أبي وقاص ببناء مسجد يتسع لجميع المقاتلين في الكوفة. المسجد الذي بناه سعد وفقاً لهذا الأمر كان يتسع لأربعين ألف شخص [14]. إذا افترضنا أن عدد أفراد عائلات هؤلاء الأربعين ألف مقاتل كان ستين ألف نسمة، فإننا نصل إلى عدد سكان يقارب مائة ألف نسمة. تؤيد هذه الرواية ما نقله الطبري عن عمر بن الخطاب عام 22 هـ عندما اشتكى من احتجاج أهل الكوفة على ولاة أمورهم قائلاً: "ما أعظم مصيبة مائة ألف لا هم راضون عن ولاة أمورهم ولا ولاة أمورهم راضون عنهم" [15].
بعد تأسيس الكوفة، بسبب اعتدال مناخها وقربها من حدود بلاد فارس - حيث كان الجنود يحصلون على غنائم كبيرة من خلال الفتوحات - وكذلك ازدهار الأعمال التجارية فيها، تدفقت أعداد كبيرة من العرب والعجم إلى المنطقة، مما أدى إلى زيادة سريعة في عدد السكان. ومن الجدير بالذكر أنه خلال هذه الفترة، كان جزء من سكان الكوفة دائمًا موجودًا في مدن بلاد فارس مشغولاً بالفتوحات.
المعالم الدينية في الكوفة
مدينة الكوفة تختض عشرات المعالم الاثرية ومنها:
مسجد الكوفة
يعد مسجد الكوفة رابع أهم المساجد المقدسة في الإسلام بعد المسجد الحرام والمسجد النبوي ومسجد البصرة. كان هذا المسجد من أول المباني التي شيدها سعد بن أبي وقاص في المدينة الجديدة عام 17 هـ. يتميز المسجد بساحة واسعة غير مسقوفة وجدران ضخمة وعالية. كان هذا المسجد مكاناً لخطب وقضايا الإمام علي (عليه السلام)، والمعروف اليوم بـ"دكة القضاء". استشهد الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في هذا المكان بضربة سيف ابن ملجم المرادي. يتسع المسجد لأربعين ألف مصلٍ، ويفضل على جميع المساجد ما عدا المسجد الحرام والمسجد النبوي (صلى الله عليه وآله). يجوز للمسافر في مسجد الكوفة أن يصلي صلاة تامة أو قصراً. كما يقع قبر مسلم بن عقيل والمختار الثقفي وهاني بن عروة بجوار مسجد الكوفة
- ↑ همو، احسن التقاسیم فی معرفة الاقالیم، ۱۶۱
- ↑ الطبری، تاريخ الطبري، ج3، ص۱۴۵
- ↑ البکری، معجم مااستعجم، ۱۱۴۱؛
- ↑ المجلسي، بحارالانوار، ج١١، ص١4٩و ج١٠٠، ص٢٣٢
- ↑ المجلسي، بحارالانوار، ج١١، ص٣٣٢ و ج١٠٠، ص٣٨6
- ↑ المجلسي، بحارالانوار، ج١١، ص٣٣٣
- ↑ المجلسي، بحارالانوار، ج١٠٠، ص٣٨٩
- ↑ الاصطخری، المسالک والممالک، ۸۳
- ↑ یاقوت حموی، معجم البلدان، ج4، ص490
- ↑ لاصطخری، المسالک والممالک، ۸۳
- ↑ یاقوت حموی، معجم البلدان، ج4، ص490
- ↑ تاریخ الکوفه، ص١٣١
- ↑ فضل الکوفة و فضل اهلها، ص٩4
- ↑ فضل الکوفة و فضل اهلها، ص٩4