سعد بن أبي وقاص
سعد بن أبي وقاص: كان من الصحابة الكبار ووجيهاً عند رسول الله وآخى النبي صلى الله عليه وآله بينه وبين طلحة بن عبيد اللَّه. وكان سعد يبري النبال ويبيعها وكان أول من رمى سهماً في الإسلام. ولا يخفی أن سعد حضر في السريات المتعددة وأكثر غزوات النبي (ص)، وكان صاحب لواء النبي في هذه الغزوات كما سنذكره قريباً. وهو الذي بنى مدينة الكوفة، وصار والياً عليها من قبل الخليفة عمر، وقد أقاله عمر مرّتين ثم أعاده. وبعد أن أُصيب عمر كان أحد الستّة الذين نصبهم عمر لتعيين الخليفة، وقد أعطى حقّه لـ عبدالرحمان بن عوف، وبعد مقتل عثمان اعتزل اختلاف الناس، وأمر أهله أن لايخبروه من أخبار الناس شيئاً حتّى تجتمع الأُمّة على إمام، وقد بقي مدّة في عهد عثمان والياً على الكوفة، إلّا أنّ الخليفة عزله بعد فترة وولّى الوليد بن عقبة. وأمّا في عهد خلافة الإمام علي عليه السلام فقد اعتزل ولم يشترك في أيٍّ من حروبه، ولمّا دعا معاوية سعداً وغيره ليلتحقوا به، ويشتركوا في القصاص من قَتَلة عثمان، رفض سعد وأبى الالتحاق به. وفي هذا المقال نريد أن نعرفه بأنه أحد الرواة المشتركين في مصادر أهل السنة و الشيعة، و أولاده الكثيرون كانوا من رواته. ولقد أثنى علماء ورجاليو أهل السنة على سعدٍ، وقال عنه ابن حجر: «مناقبه كثيرة». وأمّا رجاليو الشيعة فاختلفوا فيه، فهم بين من اكتفى بذكر اسمه، وبين من رأى فيه رأياً آخر، إلّا داود فقد جعله في القسم الأول من كتابه الذي يشمل الممدوحين.
سَعَد بن مالك بن وُهَيْب = سعد بن أبي وَقَّاص (... ــ 55ق)
من الرواة المشتركين.[١]
كنيته: أبو إسحاق.[٢]
نسبه: الزُهْري، القرشي.[٣]
لقبه: المكّي.[٤]
طبقته: صحابي.[٥]
هو من بني زُهْرة.[٦] وله أولاد كثيرون، كانوا من رواته.[٧]
كان سعد يبري النبال ويبيعها. وقد عُمي في أواخر عمره.[٨] أسلم بعد ستة، وقيل: بعد أربعة، وكان عمره سبع عشرة سنة، وروي أنّه قال: «أسلمت قبل أن تفرض الصلاة».[٩] هاجر الى المدينة قبل مقدم النبي صلى الله عليه وآله، وشهد بدراً والمشاهد بعدها.[١٠]
آخى النبي صلى الله عليه وآله بينه وبين طلحة بن عبيد اللَّه.[١١] وفي الشهر الثامن من الهجرة عقد رسول اللَّه لعبيدة بن الحارث لواءً مع ستّين راكباً من المهاجرين نحو أبي سفيان وأصحابه، واشترك سعد في هذه السرية.[١٢] وكان أول من رمى سهماً في الإسلام.[١٣]
وفي الشهر الثامن أو التاسع من الهجرة بعث الرسول صلى الله عليه وآله سعداً على رأس عشرين فارساً للتعرّض إلى قافلة قريش في منطقة «الخرّار» إلّا أنّه لم يقع فيها قتال.[١٤] وكان في غزوة «بُواط» يحمل لواء جيش المسلمين، واشترك بعد ذلك في سرية عبداللَّه بن جَحْش.[١٥]
وقبيل غزوة بدر بعثه النبي صلى الله عليه وآله مع الإمام علي عليه السلام وبعض المسلمين يتحسّسون خبر المشركين على الماء، فوجدوا روايا قريش فأخذوهم.[١٦]، واستطاع سعد أن يأسر سالم بن الشمّاخ وعبداللَّه بن السائب والحارث بن أبي وَجْزَة.[١٧]
وعن الزهري قال: «قَتل سعد يوم أُحد بسهمٍ رُمي به ثلاثةً: رموا به فأخذه سعد فرمى به فَقَتل، فرموا به فأخذه سعد الثانية فقَتَل، فرموا به فرمى به سعد ثالثاً فقَتَل ثالثاً، فعجب الناس من فعله.[١٨] وبعد انفلات الأمر من أيدي المسلمين في معركة أُحد، وفرار الكثير منهم، ثبت أربعة عشر رجلاً من المسلمين إلى جانب رسول اللَّه صلى الله عليه وآله، وكان سعد واحداً منهم.[١٩]
واشترك في الشهر الرابع والثلاثين من الهجرة في سرية أبي سلمة بن عبدالأسد. وحضر أيضاً في الغزوات اللاحقة ؛ كالخندق وبني قُرَيْظة وذات السلاسل و الحديبية، وكان ممّن شهد معاهدة الصلح فيها.[٢٠] وفي فتح مكة كانت إحدى الرايات الثلاث للمهاجرين في يده.[٢١]، وفي غزوة حُنَيْن أيضاً كان يحمل الراية.[٢٢]، وشهد أيضاً غزوة الطائف.[٢٣] وكان حاضراً في سرية أُسامة بن زيد في أواخر أيام النبي صلى الله عليه وآله.[٢٤] وفي أيام عمر تسلّم قيادة جيش المسلمين، وفتح القادسية والمدائن وجَلْولاء.[٢٥]
وسعد هو الذي بنى مدينة الكوفة، وصار والياً عليها من قبل الخليفة عمر، وقد أقاله عمر مرّتين ثم أعاده.[٢٦] وبعد أن أُصيب عمر كان أحد الستّة الذين نصبهم عمر لتعيين الخليفة، وقد أعطى حقّه لـ عبدالرحمان بن عوف.[٢٧]
وبعد مقتل عثمان اعتزل اختلاف الناس، وأمر أهله أن لايخبروه من أخبار الناس شيئاً حتّى تجتمع الأُمّة على إمام.[٢٨] وقد بقي مدّة في عهد عثمان والياً على الكوفة، إلّا أنّ الخليفة عزله بعد فترة وولّى الوليد بن عقبة.[٢٩]
وأمّا في عهد خلافة الإمام علي عليه السلام فقد اعتزل ولم يشترك في أيٍّ من حروبه.[٣٠] ولمّا دعا معاوية سعداً وغيره ليلتحقوا به، ويشتركوا في القصاص من قَتَلة عثمان، رفض سعد وأبى الالتحاق به[٣١]، ومن كلامه لمعاوية: «وأمّا أمرك يا معاوية فإنّه أمر كرهنا أوله وآخره، وأمّا طلحة والزبير فلو لزما بيوتهما لكان خيراً لهما».[٣٢]
وقد حضر سعد سنة 38 هـ في «أذْرُح» مكان اجتماع الحكمين بعد معركة صفّين، وقد وبّخ أبا موسى الأشعري بسبب انخداعه بعمرو بن العاص.[٣٣] ويذكر ابن عبدالبرّ - نقلاً عن وكيع -: أنّ سعداً كان أحد الصحابة الأربع الذين سلموا من الفتنة.[٣٤]
موقف الرجاليّين منه
أثنى علماء ورجاليو أهل السنة على سعدٍ طبقاً لما يرونه في كلّ صحابي لرسول اللَّه صلى الله عليه وآله. وقال عنه ابن حجر: «مناقبه كثيرة».[٣٥]
وأمّا رجاليو الشيعة فاختلفوا فيه، فهم بين من اكتفى بذكر اسمه، وبين من رأى فيه رأياً آخر[٣٦]، إلّا داود فقد جعله في القسم الأول من كتابه الذي يشمل الممدوحين، واستغرب المامقاني منه ذلك.[٣٧]
من روى عنهم ومن رووا عنه
روى عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله، وعن خَوْلَة بنت حكيم.[٣٨]
وروى عنه جماعة، منهم: أولاده إبراهيم وعامر وعمر ومحمد ومصعب و عائشة، ابن عباس، عائشة، ابن عمر، جابر بن سَمُرة، مجاهد، عروة بن الزبير.
وقد وردت رواياته في الصحاح الستة لأهل السنّة، حيث نقل البخاري ومسلم خمسة عشر حديثاً، وانفرد البخاري بنقل خمسة أحاديث، بينما مسلم بثمانية عشر حديثاً. ونُقل عنه في مسند بقيّ بن مَخْلَد 270 حديثاً.[٣٩] وذكر ابن الأثير: أنّه نقل أحاديث كثيرة عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله.[٤٠]
ووردت رواياته في بعض المصادر الشيعية[٤١]، وكان ممّن روى حديث الغدير.[٤٢]
من رواياته
روى الحاكم بسنده عن سعد قال: كان حمزة بن عبدالمطلب يقاتل يوم أُحد بين يدي رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ويقول: أنا أسد اللَّه.[٤٣]
وروى النسائي بسنده عنه: أنّ النبي صلى الله عليه وآله قال لعليَرضى الله عنه: «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى».[٤٤]
وفاته
اعتزل سعد الناس في أواخر حياته، وسكن في منطقةٍ خارج المدينة، تبعد عشرة أميال منها، اسمها (العقيق)، وتوفّي على المشهور سنة 55 ه.[٤٥]
ويرى البعض أنّ معاوية سمّه ؛ تمهيداً لبيعة يزيد، ودفعاً لتأثير الشخصيات المهمة في المجتمع الإسلامي آنذاك.[٤٦]
ونقل الزهري: أنّ سعداً لمّا حضرته الوفاة دعا بخلق جبة من صوف، فقال: كفّنوني فيها، فإنّي لقيت فيها المشركين يوم بدر، وإنّما خبّأتها لهذا اليوم.[٤٧] وعن عامر بن سعد: أنّ أباه حين حضرته الوفاة قال: أَلْحِدوا لي لحداً، وانصبوا عليَّ نصباً، كما صُنع برسول اللَّه صلى الله عليه وآله، يعني اللبن.[٤٨] وبعد موته حُملت جنازته الى المدينة، وصلّى عليه مروان بن الحكم ونساء النبي صلى الله عليه وآله، ودُفن في البقيع.[٤٩]
الهوامش
- ↑ كتاب التاريخ الكبير 4: 43، تاريخ الثقات: 180. وقيل: أُهيب، وقيل: وَهيب (تهذيب التهذيب 3: 419).
- ↑ تهذيب التهذيب 3: 419.
- ↑ الجرح والتعديل 4: 93، أُسد الغابة 2: 290.
- ↑ تهذيب الأسماء واللغات 1: 213.
- ↑ الإصابة 3: 83.
- ↑ جمهرة أنساب العرب 1: 128، 129.
- ↑ المعارف: 243، تهذيب التهذيب 3: 419.
- ↑ المعارف: 575، 588.
- ↑ أُسد الغابة 2: 290.
- ↑ الوافي بالوفيات 15: 144.
- ↑ المعارف: 228، الاستيعاب 2: 607، تاريخ الإسلام 4: 214.
- ↑ المغازي 1: 10، تهذيب التهذيب 3: 419.
- ↑ تهذيب التهذيب 3: 419.
- ↑ المغازي 1: 2، 11.
- ↑ الطبقات الكبرى 2: 8، 10.
- ↑ المصدر السابق 2: 15، المغازي 1: 51.
- ↑ المغازي 1: 139، 140، 141.
- ↑ تاريخ الاسلام 4: 215.
- ↑ المغازي 1: 240.
- ↑ المصدر السابق 1: 345، 498، 770، الطبقات الكبرى 2: 97 و3: 142.
- ↑ المغازي 2: 800.
- ↑ الطبقات الكبرى 2: 150.
- ↑ المغازي 3: 929.
- ↑ الطبقات الكبرى 2: 190، المغازي 3: 1118.
- ↑ تاريخ خليفة: 87، 91، 95، فتوح البلدان: 256.
- ↑ الوافي بالوفيات 15: 144، تاريخ خليفة: 111.
- ↑ الوافي بالوفيات 15: 144- 145، قاموس الرجال 5: 25.
- ↑ تهذيب الكمال 10: 313، الوافي بالوفيات 15: 144- 145.
- ↑ تاريخ خليفة: 133، تهذيب الكمال 10: 313.
- ↑ سير اعلام النبلاء 10: 122.
- ↑ يروي ابن عساكر: أنّ سعداً دخل على معاوية، فقال له معاوية: مامنعك من القتال؟ فقال: يا أمير المؤمنين، هبّت ريح مظلمة فلم أبصر الطريق، فقلت: إخ إخ، فأنختُ حتّى أسفرت عنّي، فركبت الطريق، فقال له معاوية: واللَّه ما قال اللَّه في شيء ممّا أنزل إخ، ولكنّه قال: «وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتّى تفيء إلى أمر اللَّه فإن فإَت فاصلحوا بينهما بالعدل» (الحجرات: 9) فواللَّه ما كنتَ مع الباغية على العادلة، ولا مع العادلة على الباغية، ولاأصلحتَ كما أمرك اللَّه، فقال له سعد: إنّك لتأمرني أن أُقاتل رجلاً سمعت فيه من رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقول له: «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى، غير أنّه لانبي بعدي» فقال له معاوية: من سمع هذا معك؟ فقال: فلان وفلان وأم سلمة، فقال: واللَّه، لو سمعتُ هذا من رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ما قاتلته!! (مختصر تاريخ دمشق 9: 269).؛ وذكرالمسعودي أنّه لمّا حجّ معاوية طاف بالبيت ومعه سعد، فلمّا فرغ انصرف معاوية إلى دار الندوة، فأجلسه معه على سريره، ووقع معاوية في علي عليه السلام، وشرع في سبّه! فزحف سعد ثم قال: أجلستني معك على سريرك ثم شرعت في سبّ علي، واللَّه لئن يكون فيَّ خصلة واحدة من خصال كانت لعلي أحبّ إليَّ من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس... (مروج الذهب 3: 14).
- ↑ الإمامة والسياسة 1: 100.
- ↑ الطبقات الكبرى 4: 257. ويذكر أنّ ياقوت الحموي قد اعتبر محلّ اجتماع الحكمين «أذْرح» وليس «دومة الجندل». (معجم البلدان 1: 130).
- ↑ الاستيعاب 1: 77.
- ↑ تقريب التهذيب 1: 290.
- ↑ منهج المقال: 158، قاموس الرجال 5: 20، معجم رجال الحديث 9: 55، رجال الطوسي: 20.
- ↑ رجال ابن داود: 101، تنقيح المقال 2: 12.
- ↑ تهذيب الكمال 10: 310.
- ↑ سير أعلام النبلاء 1: 93، 124.
- ↑ أُسد الغابة 2: 292.
- ↑ الخصال: 211، 311، أمالي المفيد: 55، بحارالأنوار 2: 10 و 38: 130.
- ↑ الغدير 1: 38.
- ↑ المستدرك على الصحيحين 3: 194.
- ↑ خصائص أميرالمؤمنين: 77.
- ↑ المعارف: 242، تهذيب الكمال 10: 313، سير أعلام النبلاء 1: 123، العبر في خبر من غبر 1: 43
- ↑ مقاتل الطالبيّين: 73.
- ↑ تاريخ الإسلام 4: 220، تهذيب الأسماء واللغات 1: 214.
- ↑ الطبقات الكبرى 2: 297.
- ↑ المصدر السابق 3: 148، المعارف: 242 تهذيب الكمال 10: 313.