الناقل والمقرر

الناقل والمقرر: الناقل والمقرر صفتان للخبرين أو الدليلين المتعارضين، فإذا وافق أحدهما الأصل الجاري في موردهما سمّي مقرِّراً، وإذا خالف سمّي ناقلاً. ومثالهما: خبر العدل بأنّ بول الإبل خيرٌ من ألبانها وخبر عدل آخر بأنّ ثمن البول من السحت؛ وکخبر العدل بوجوب صلاة الجمعة وخبر عدل آخر بعدم وجوبها.

تعريف الناقل والمقرر لغةً

قال الليث: النقل: تحويل شيء من موضع إلى موضع. وقال الليث: أقررت الشيء في مقرّه ليقرّ، وفلان قارّ: ساكن وما يتقار في مكانه، والإقرار الاعتراف بالشيء. ويقال: أقررت الكلام لفلان، إقراراً، أي: بينته حتّى عرفه. قرّ الشيء قرّاً من باب ضرب: استقرّ بالمكان. ويقال: أقررتُ الكلام لفلان إقراراً أي بينته حتّى عرفه... والقُر، بالضمّ: القرار في المكان، تقول منه: قررتُ بالمكان... واستقرّ وتقارّ واقترّه فيه وعليه وقرره وأقرّه في مكانه فاستقرّ. والإقرار: الإذعان للحقّ والاعتراف به. أقرّ بالحقّ، أي اعترف به.

تعريف الناقل والمقرر اصطلاحاً

الناقل والمقرر صفتان للخبرين أو الدليلين المتعارضين، فإذا وافق أحدهما الأصل الجاري في موردهما سمّي مقرِّرا، وإذا خالف سمّي ناقلاً . والتعارض بين الناقل والمقرِّر في أنَّ أحدهما موافق للأصل الجاري والآخر مخالف، سواء كان تعارضهما في إثبات الوجوب أو إثبات الحرمة، ومثالهما: خبر العدل بوجوب صلاة الجمعة وخبر عدل آخر بعدم وجوبها . ويُدعى المقرّر مبقياً كذلك.

الألفاظ ذات الصلة

الحاظر والمبيح

استخدم الفقهاء و الاُصوليون مفردة الحظر و الإباحة بنفس معناهما اللغوي، أي المنع والرخصة. لهذا استخدموهما ـ في أحيان كثيرة ـ كصفة للخبرين أو الدليلين المتعارضين اللذين يتضمّن أحدهما الحظر والمنع، فسمّوه حاظرا، والآخر يتضمّن الرخصة والإباحة، فسمّوه مبيحا، من قبيل: أن يبيح أحد الخبرين شرب عصير العنب، والآخر يحرّمه. والفرق في أنّ التقسيم إلى الناقل والمقرر ناظر إلى توافق أو عدم توافق أحدهما مع الأصل الجاري، بينما مقياس التقسيم في الحاظر والمبيح هو الحظر و الإباحة دون النظر إلى موافقة الأصل أو عدم موافقته.

حكم الناقل والمقرر

جلّ الكلام فى الناقل والمقرّر هو تقديم أحدهما على الآخر. وبرغم أنّ أكثر الاُصوليين ممّن تعرّض لهذا البحث أدرجوه تحت عنوان التعارض و الترجيح إلاّ أنّه ينقل عن البعض إخراجه من هذا الموضوع وإدراجه تحت موضوع النسخ؛ لأنّ العمل بالناقل يكون من باب كونه ناسخاً، ولأنّه لو كان من باب الترجيح لوجب أن يعمل بالخبر الآخر، إذ لولاه لكنّا نحكم بحكم الأصل؛ لدلالة العقل عليه لا لأجل الخبر. وقد ورد في هذا المجال عدّة آراء، أهمّها الآراء التالية:

الرأي الأوّل: تقديم الناقل على المقرّر

نسب إلى أكثر الاُصوليين أو جمهورهم. لكن شكّك السيّد المجاهد في ذهاب الأكثر إلى هذا الرأي؛ لكونه مخالفاً لما نشهده من عمل علمائنا على عدم تقديم الحديث المخالف للأصل بل التخيير أو الرجوع إلى الأصل الذي هو وجوب الاحتياط عند الأخباريين و البراءة عند المجتهدين حتّى العلاّمة. مضافاً إلى ذهاب جماعة من أصحابنا في المسألتين إلى التخيير. واستدلّ على هذا الرأي بعدّة اعتبارات: منها: إنّ الغالب فيما يصدر من الشارع الحکم بما يحتاج إلى البيان، ولا يستغنى عنه بحكم العقل، فإنّ الناس يحتاجون البيان، حيث لا يمكن لعقولهم أن تدركه، ووجود أصل يعنى إدراك عقولهم للوظيفة أو الحكم، وباعتبار أنّ الشارع يرى هذا الحکم خلاف إرادته فاستدعى البيان، أي أنّ حكمه معلوم بالعقل بينما الآخر لا . وبتعبير آخر: حكم الموافق للأصل معلوم بالعقل، فالأخذ بالمخالف (الناقل) أولى. ومنها: إنّ العمل بالناقل يقتضي تقليل النسخ؛ لأنّه يزيل حكم العقل فقط بخلاف المقرّر، فإنّه يوجب تكثير النسخ لإزالته حكم الناقل بعد إزالة الناقل حكم العقل.

الرأي الثاني: تقديم المقرّر الموافق للأصل على الناقل

وذهب إليه مثل الرازي واستدلّ عليه بأنّ حمل الحديث على ما لا يستفاد إلاّ من الشرع أولى من حمله على ما يستقلّ العقل بمعرفته، فلو قدّم الناقل لكان وارداً حيث لا يحتاج إليه؛ لأنّنا آنذاك نعرف الحکم بالعقل، أمّا لو قلنا: بأنّ المقرر ورد بعد الناقل لكان وارداً حيث يحتاج إليه، فكان الحكم بتأخّره عن الناقل أولى من الحكم بتقدّمه عليه. وردّ الرازي الدليل الأوّل لـ الجمهور بأنّ ذلك يحصل لو جعلنا المبقي (المقرر) متأخّراً على الناقل أمّا إذا جعلناه متقدّماً فنستفيد منه ما يمكن للعقل معرفته. ونحن جعلناه متأخّراً فنستفيد منه ما لا يمكن للعقل معرفته. وردّ الدليل الثاني بأمرين: أحدهما: ورود الناقل بعد ثبوت حكم الأصل ليس بنسخ؛ لأنّ دلالة العقل مقيّدة بشرط عدم الدليل النقلي، فإذا وجد الأخير فلا يبقى دليل العقل، وعندئذٍ لا يكون الدليل النقلي (السمعي) مزيلاً لحكم العقل بل مبيناً لانتهائه، فلا يكون ذلك خلاف الأصل. ثانيهما: ما ذكره الجمهور معارض بوجه آخر، وهو: أنّا لو جعلنا المقرر مقدّماً لكان المنسوخ حكماً ثابتاً بدليلين دليل العقل و دليل الخبر، فيكون هذا أشدّ مخالفة؛ لأنّه يكون نسخاً للأقوى بالأضعف، وهو غير جائز، أمّا على الوجه الذي ذهب إليه الرازي فلا يكون المنسوخ إلاّ دليلاً واحداً . وينقل المحقق الحلي عن قوم استظهارهم بأنّ الموافق للأصل هو المتأخّر، وعن آخرين قولهم بترجيح الناقل؛ لأنّ له حكم النقل، والموافق للأصل يستغنى بالأصل عنه، فيغلب الظن أنّه لا حاجة للشارع إلى ذكره. ويبدو أنّ رأي البعض في هذا المجال مبني على الترجيح بالأصل الموافق للمقرّر. ونُسب القول بالترجيح بالأصل إلى القدماء. وردّ الترجيح بالأصل بأنّ الأمارة تحرز الواقع، والأصل وظيفة الشاك، أو أنّ موضوع الأصل هو الشكّ في الحکم الواقعي، والأمارة رافعة للشكّ، فلا يعقل ترجيح الأمارة بالأصل؟. لكنّ البعض يذهب إلى أنّ الترجيح بالأصل في الناقل والمقرّر ساقط من الأساس، وذلك للأمرين التاليين: الأوّل: إنّ الأصل ليس في مرتبة الأمارة فلا يمكن له أن يكون مرجِّحاً. الثاني: عدم جواز التعدّي عن المرجحات المنصوصة، والأصل ليس منها .

الرأي الثالث: التفصيل

وهو للمحقّق الحلّي يسرده من خلال تقسيم الوارد إلى ما ورد عن الرسول(ص) وما ورد عن أهل البيت(ع)، فإذا كان قد ورد عن الرسول وعلم تاريخه كان المتأخّر أولى سواء كان مطابقاً للأصل أو لم يكن، وإن جهل التاريخ وجب التوقّف؛ لاحتمال أن يكون ناسخاً ومنسوخاً في الوقت ذاته. وأمّا إن كان عن الأئمة فيجب القول بـ التخيير، سواء علم تاريخهما أو جهل؛ لأنّ الترجيح مفقود عنهما، و النسخ لا يكون بعد النبي. وهكذا ذهب العلامة الحلي لكن بعبارة مجملة دون تفصيل بالنحو الوارد عن المحقق الحلي، وأيّده نجل الشهيد الثاني.