انتقل إلى المحتوى

الفرق بين المراجعتين لصفحة: «الخليفة»

من ویکي‌وحدت
سطر ٧٩: سطر ٧٩:
   
   
=== الحسن بن علي ===   
=== الحسن بن علي ===   
شهد مقتل الإمام علي عام 40 هـ تصاعد الأزمة في الخلافة. رغم إقبال الناس على خلافة [[حسن بن علي (المجتبى)|الحسن بن علي]] بعد والده، فقد ترك الإمام علي للناس اختيار ابنه. في إحدى خطبه، فصل الإمام الحسن بوضوح بين الخلافة والملكية، مؤكداً ضرورة توافق عمل الخليفة مع هذا الأساس والابتعاد عن الظلم<ref>أبو الفرج الأصفهاني، ص ٤٧</ref>.   
شهد مقتل الإمام علي عام 40 هـ تصاعد الأزمة في الخلافة. رغم إقبال الناس على خلافة [[حسن بن علي (المجتبی)|الحسن بن علي]] بعد والده، فقد ترك الإمام علي للناس اختيار ابنه. في إحدى خطبه، فصل الإمام الحسن بوضوح بين الخلافة والملكية، مؤكداً ضرورة توافق عمل الخليفة مع هذا الأساس والابتعاد عن الظلم<ref>أبو الفرج الأصفهاني، ص ٤٧</ref>.   
   
   
كان نظام معاوية بن أبي سفيان في الشام ينافس نظام الخلافة، ولم يكن هناك اعتراض على ذلك حتى خلافة علي (عليه السلام)، الذي عزل معاوية منذ البداية<ref>أبو الفرج الأصفهاني، ص ٤٧</ref>. تصدى الإمام الحسن لمعاوية لكنه لم يجد سوى طريق السلام معه، فتنحى بعد ستة أشهر من الخلافة وأبرم اتفاقية سلام مع معاوية. وفقاً لرواية البلاذري<ref>الإسفراييني، ج ٢، ص ٥٠١؛ الغزالي، ص ٢٧-٢٨، ١٤٨؛ السجاسي، ص ٣٤-٣٩</ref>، من شروط الإمام الحسن في معاهدة السلام ألا يعين معاوية خليفة من بعده، وأن يترك الأمر للمسلمين. يقال إن الإمام رفض اقتراح معاوية أن يخلفه في الخلافة<ref>أبو الفرج الأصفهاني، ص ٤٧</ref>.   
كان نظام معاوية بن أبي سفيان في الشام ينافس نظام الخلافة، ولم يكن هناك اعتراض على ذلك حتى خلافة علي (عليه السلام)، الذي عزل معاوية منذ البداية<ref>أبو الفرج الأصفهاني، ص ٤٧</ref>. تصدى الإمام الحسن لمعاوية لكنه لم يجد سوى طريق السلام معه، فتنحى بعد ستة أشهر من الخلافة وأبرم اتفاقية سلام مع معاوية. وفقاً لرواية البلاذري<ref>الإسفراييني، ج ٢، ص ٥٠١؛ الغزالي، ص ٢٧-٢٨، ١٤٨؛ السجاسي، ص ٣٤-٣٩</ref>، من شروط الإمام الحسن في معاهدة السلام ألا يعين معاوية خليفة من بعده، وأن يترك الأمر للمسلمين. يقال إن الإمام رفض اقتراح معاوية أن يخلفه في الخلافة<ref>أبو الفرج الأصفهاني، ص ٤٧</ref>.   

مراجعة ١٤:٣٧، ١٢ أكتوبر ٢٠٢٥

الخليفة هو الشخص الأول والملك في خلافة. هذا المصطلح هو لقب يُمنح في قوانين المجتمعات الإسلامية أو الشريعة لقائد الأمة الإسلامية. الخلافة مصطلح سياسي-ديني يعني خلافة النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في السياسة والحكم والدين، والشخص الذي يحمل هذا المنصب يُسمى خليفة. في تعاليم الشيعة، الخلافة هي خلافة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في جميع الأمور الدنيوية والأخروية. خلفاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في المذهب الشيعي هم الأئمة الاثنا عشر المعصومون (عليهم السلام) من أهل البيت، والفرق الوحيد بينهم وبين النبي هو أن الوحي لا ينزل عليهم. بعد وفاة النبي، أصبحت الخلافة رسمياً (باستثناء فترة قصيرة لحكم [[الإمام علي (عليه السلام)]] والإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) ) بيد غير المعصومين، وعلى مدى نحو ثلاثة عشر قرناً، قدم العديد من الأشخاص والعائلات في العالم الإسلامي أنفسهم كخلفاء للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم). المسلمون أيضاً يطلقون على الخليفة ألقاباً مثل أمير المؤمنين، إمام الأمة، إمام المؤمنين، وفي اللغة المحكية يُقال له زعيم المسلمين. بعد الخلفاء الأربع، استخدم هذا اللقب الأمويون، العباسيون، الفاطميون، العثمانيون وآل سعود كذلك.

مفهوم الخليفة

الخلافة كلمة عربية تعني التبعية أو الخلافة، والخليفة (جمعه خلفاء وخلائف) تعني الوكيل أو النائب أو القائم مقام[١]. كلمات خليفة[٢]، خلفاء[٣]، وخلائف[٤] وردت في القرآن بنفس المعنى اللغوي.

الاستخدام الأكثر شيوعاً لكلمتي الخلافة والخليفة هو في المعنى الاصطلاحي الذي ظهر في التطورات السياسية للمجتمع الإسلامي بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)؛ الأولى تعني الخلافة في الحكم والسلطة بعد النبي، والثانية تعني الشخص الذي يخلف النبي في الحكم. كثرة استخدام هذه المصطلحات جعلت منها مفاهيم مركزية في الثقافة السياسية الإسلامية، ولاحقاً استندت بعض الفرق الإسلامية إلى استخدام كلمة خليفة في القرآن لتبرير شرعية نظام الخلافة[٥]. في هذا السياق، استُخدم مصطلحا الإمامة والإمام كثيراً في مؤلفات المسلمين الأوائل بمعانٍ تختلف كثيراً عن مفهوم الإمامة عند الشيعة.

الخلافة في التاريخ الإسلامي هي عنوان النظام الحاكم الذي تشكل بعد وفاة النبي لإدارة شؤون الأمة الإسلامية، والخليفة هو نائب النبي في الحكم الإسلامي.

معنى الخليفة في المعاجم

لكل كلمة معنى أساسي مستقل عن السياق القرآني، وكلمة خليفة وتركيب خليفة الله مألوفان في المصادر المعتبرة بمعنى الوكيل والنائب والحاكم. يكتب مصطفوي عن استخدام الكلمة في القرآن: المعنى اللغوي لكلمة خليفة من جذر [خلف]، وهو مقابل "قدام" ويعني الشيء الذي يأتي بعد شيء آخر[٦]. كما ورد في القرآن بمعنى خلافة الليل والنهار:

وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَن أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا (الفرقان/٦٢).

وجاء أيضاً في معنى خلافة الملائكة:

وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنكُم مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (الزخرف/٦٠).

من جهة أخرى، يساعدنا فهم الدلالات الالتزامية للكلمات في تفسير آيات القرآن وتحديد حدود كل كلمة لتجنب الخلط وسوء الفهم.

  • يُقال لخليفة أو مستخلَف أو خالف لمن يخلف أو ينوب عن شخص ما.
  • من يعيّن الخليفة ويسند إليه المنصب يُسمى مستخلِف أو جاعل الخليفة أو معطي الخليفة أو خليفة‌گذار.
  • المستخلَف عنه هو الشخص أو الأشخاص الذين يُخلفون مكانهم.
  • المستخلَف فيه أو المستخلَف عليه هم الأمور أو الأشخاص الذين يُخلف من أجلهم، كما يوضح راغب الأصفهاني أن الخلافة نيابة عن الغير بسبب غياب أو موت أو عجز أو شرف النائب[٧].

في كتاب العين[٨] و لسان العرب [٩]، وردت معاني الخلافة أيضاً بمعنى الحكم والخليفة بمعنى السلطان والحاكم.

معنى الخليفة ومشتقاته في القرآن

معنى الخليفة في القرآن يجب أن يُفهم في سياقه النسبي الذي يتطور بحسب الوضع الخاص للكلمة في النص القرآني، ويُضاف إلى المعنى الأساسي. لفهم تفسير القرآن لا يكفي الفهم اللغوي فقط، بل يجب النظر إلى النص كاملاً لفهم المعنى النهائي. القرآن نص متماسك، أجزاؤه مترابطة دلالياً، لذلك تُفهم مفاهيمه في ضوء هذا الترابط. كما يقول السيد محمد حسين الطباطبائي: "طريقة تحديد مصاديق الكلمات في كلام الله هي الرجوع إلى القرائن الكلامية في القرآن نفسه لا إلى العرف"[١٠].

من هو الخليفة

في هاتين الآيتين وأمثالهما مثل:

وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ (الأنعام/١٦٥).

لم يُذكر المستخلَف عنه (الشخص الذي خلفه)، ويبدو أن المقصود في الآية الأولى هم سكان الأرض السابقون أو نسل آدم السابق أو مخلوقات أخرى كالجن، لأن المقصود بالخلافة في هذه الآية هو نسل آدم وليس آدم نفسه، كما يتضح من قوله: "اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء".

وفي الآية الثانية، المستخلَف عنه هم الأنبياء السابقون الذين كانوا يحكمون بين الناس.

بعض المفسرين قالوا إن المستخلَف عنه في الحالتين هو الله تعالى، خاصة في الآية الثانية حيث المستخلَف فيه (أي العمل الذي يتم الخلافة فيه) هو القضاء، والقضاء والحكم لله وحده ("إن الحكم إلا لله").

وبعضهم قالوا: ليس فقط آدم وداود، بل جميع البشر هم خليفة الله في الأرض بناءً على هذه الآيات:

وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ (الأنعام/١٦٥). و ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خُلَفَاءَ فِي الْأَرْضِ مِن بَعْدِهِمْ (يونس/١٤).

ويُقال في تفسير هذا القول:

- تعليم الأسماء في آية "وعلم آدم الأسماء" هو إيداع هذه المعرفة في الإنسان، فتظهر آثارها تدريجياً عبر الأجيال. - الإنسان رغم ضعفه، يمتلك الحس والشعور ويتصرف بهما في الكون، ولهذا صنع اختراعات كثيرة وسيبلغ مراحل لا يمكن تصورها. - الله تعالى له أسماء وصفات حسنى، والإنسان خليفته في الأرض في جميع هذه الصفات، يعكس بعضها حسب ما وهبه الله، مع أن الكمال المطلق للصفات لله وحده.

مثلاً: الخالق، الرازق، العليم، القادر، السميع، البصير، الرحيم، الحكيم... هذه أسماء الله، والإنسان يعكسها في عمله، يخلق المباني، يرزق أولاده، يسمع ويرى، وكلها خلافت الله في الأرض.

هذا ملخص أقوال من قالوا بخلافة الإنسان لله[١١].

الخليفة بعد وفاة النبي

بعد وفاة النبي، لم يطالب أحد بخلافته بلقب «خليفة الرسول» سوى علي (عليه السلام)، ولذلك الذين اجتمعوا في السقيفة لاختيار الحاكم الإسلامي لم يستخدموا مصطلح خليفة، بل استعملوا كلمة «أمير». أبو بكر قال للأنصار: فنحن الأمراء وأنتم الوزراء، ورد الأنصار: منّا أمير ومنكم أمير. كلمة أمير لها معنى مختلف عن خليفة، لكن مع مرور الوقت استُخدم مصطلح خليفة بدلاً من أمير. أول مرة استُخدم فيها مصطلح خليفة بعد النبي كان في حادثة تشكيل جيش أسامة لأبي بكر، حيث طلب أسامة من عمر أن يبلغ رسالة خاصة إلى خليفة رسول الله (أي أبو بكر)، وعاد عمر وذكر أبو بكر بهذا اللقب[١٢]. ومنذ ذلك الحين، عرّف أبو بكر نفسه بخليفة رسول الله، رغم أنه قيل له مرة «خليفة الله» فأعرب عن رفضه وقال: «لست بخليفة الله ولكني خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)»[١٣]. في عهد عمر أيضاً قيل له خليفة الله فاعترض على ذلك. ومع ذلك، في أول خطبة له بعد توليه الخلافة قال: وقد استخلف الله عليكم خليفة ليجمع به فتكم ويقيم به كلمتكم فاعينوني على ذلك بخير[١٤].

الخلفاء الأوائل

أبو بكر بن أبي قحافة

تأسست الخلافة باختيار أبو بكر بن أبي قحافة خلفاً للنبي، وقد أثار ذلك معارضة شديدة خاصة بين بعض الصحابة وبني هاشم وأهل البيت، لكن تم قمع المعارضة بوسائل مختلفة[١٥]. ثم لقب بخليفة رسول الله[١٦]. أبو بكر هو أول خليفة من الخلفاء الراشدين، وأصبح اختيارُه لاحقاً أساساً لنظرية أهل الحل والعقد في الفقه السياسي السنة[١٧].

عمر بن الخطاب

عين أبو بكر عمر بن الخطاب خلفاً له قبل وفاته بقليل (عام 13 هـ)، وألزم المسلمين بالبيعة له[١٨]. قيل إنه فعل ذلك لتجنب الفتنة[١٩]. لقب عمر بخليفة خليفة رسول الله لكنه فضل أن يُنادى أمير المؤمنين[٢٠]. كان يرى أن صلاحياته كخليفة تعادل صلاحيات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)[٢١]. بعض سياساته الحكومية قربت هيكل الخلافة من أنظمة الحكم المعروفة آنذاك، منها تفضيل العرب على غيرهم، وهو ما تعارض مع سياسة النبي المناهضة للعنصرية، وتوزيع أموال بيت المال بطريقة غير متساوية[٢٢].

عثمان بن عفان

أوكل عمر تعيين خليفته إلى شورى من ستة من الصحابة، فاختير عثمان بن عفان عام 23 هـ ثالثاً. من شروط البيعة له الالتزام بكتاب الله وسنة النبي، والاقتداء بالخليفتين السابقتين (سيرة الشيخين)، وهو ما رفضه علي بن أبي طالب[٢٣]. لكن المصادر التاريخية تشير إلى أن عثمان لم يلتزم تماماً بهذه الشروط، مثل تعيين بعض المطرودين من عهد النبي في مناصب عليا، وتسلط بني أمية على الحكم، وإنفاق أموال بيت المال بسخاء على أقاربه[٢٤].

علي بن أبي طالب

تمت البيعة لعلي (عليه السلام) في المسجد بحضور الناس وبشرط العمل بكتاب الله وسنة النبي[٢٥]. لم يوافق على البيعة الجبرية وكان يرى أن البيعة يجب أن تكون اختيارية، واعتبر نفسه مدعوًا وليس مجبرًا[٢٦]. كان يعتقد أن تعليم الدين من واجبات الحاكم الأساسية[٢٧]، وكان يسعى لترسيخ راية الإيمان بين الناس وإعلامهم بالحدود الشرعية[٢٨].

الحسن بن علي

شهد مقتل الإمام علي عام 40 هـ تصاعد الأزمة في الخلافة. رغم إقبال الناس على خلافة الحسن بن علي بعد والده، فقد ترك الإمام علي للناس اختيار ابنه. في إحدى خطبه، فصل الإمام الحسن بوضوح بين الخلافة والملكية، مؤكداً ضرورة توافق عمل الخليفة مع هذا الأساس والابتعاد عن الظلم[٢٩].

كان نظام معاوية بن أبي سفيان في الشام ينافس نظام الخلافة، ولم يكن هناك اعتراض على ذلك حتى خلافة علي (عليه السلام)، الذي عزل معاوية منذ البداية[٣٠]. تصدى الإمام الحسن لمعاوية لكنه لم يجد سوى طريق السلام معه، فتنحى بعد ستة أشهر من الخلافة وأبرم اتفاقية سلام مع معاوية. وفقاً لرواية البلاذري[٣١]، من شروط الإمام الحسن في معاهدة السلام ألا يعين معاوية خليفة من بعده، وأن يترك الأمر للمسلمين. يقال إن الإمام رفض اقتراح معاوية أن يخلفه في الخلافة[٣٢].

الإمام الحسن هو آخر خليفة من أولى دورات الخلافة الإسلامية، ومن سلسلة الخلفاء الذين عُرفوا بالراشدين، وهي صورة مميزة ظهرت في مؤلفات أهل السنة عبر القرون[٣٣]. هذه النظرة جاءت من صفات مثل الانتماء إلى حلقة الصحابة المميزين، القرابة النسبية أو السببية للنبي، فضل التقدم في الإسلام ومساعدة النبي وأهدافه الإلهية، وأخيراً السيرة العملية (باستثناء الخليفة الثالث)، مما خلق فرقاً واضحاً بينهم وبين الخلفاء اللاحقين، وأصبح معياراً لتقييم أداء أصحاب السلطة في المجتمع الإسلامي.

نظريات مثل آراء أهل الحل والعقد وأهل الاستخلاف، وأصل الشورى[٣٤]، وقريشية الخليفة، ودور البيعة كوسيلة لإثبات الخلافة أو التعبير عن الولاء[٣٥]، وضرورة طاعة الحاكم للحفاظ على وحدة الأمة ومنع الخروج[٣٦]، وإمكانية أو عدم إمكانية خلع الخليفة[٣٧]، والجهاد ضد البغاة وغيرها، كلها مستمدة من طريقة تعيين الخلفاء الراشدين وأدائهم، واعتمدت كنموذج للحكم المثالي.

الأمويون

تأسست خلافة بني أمية عام 41 هـ على يد معاوية بن أبي سفيان، مما أدى إلى أزمة شرعية في الخلافة الإسلامية. كان معاوية خليفة لم يره المسلمون في هيئة أو مذهب الخلفاء السابقين، ولم يكن له سمعة طيبة. صرح بأنه لم يحصل على الخلافة بالرضا بل بالقوة، وسمى نفسه ملكاً وأول ملوك، وأعلن عن زوال الخلافة[٣٨]. اعتبر الحكم امتيازاً إلهياً لعائلته. هذا الاعتقاد أدى إلى توريث الخلافة بين الأمويين وتحويل الخلافة الإسلامية إلى ملكية ذات غطاء ديني. وقد أكد ذلك حديث منسوب للنبي يقول إن الخلافة ثلاثون سنة وبعدها ملك[٣٩].

عندما تولى يزيد الخلافة عام 60 هـ، انتهك القيم الإسلامية وقمع كل المعارضة بعنف، ومنها مواجهة الإمام الحسين (عليه السلام) وواقعة الحرة. ومنذ ذلك الحين، لم تُقاس شرعية الخلافة بالحق، بل أصبح هو معيار الحق والباطل. وأظهرت الثورات المعارضة أن هذا التصور للخلافة، رغم سيطرته، لم يكن شاملاً، إذ رفضه أهل بيت النبي في كربلاء، وكذلك جماعات من المسلمين، خاصة في الحرمين (مكة، المدينة) والعراق[٤٠].

من دعاة الخلافة أيضاً كان عبد الله بن الزبير الذي دعا الناس للبيعة له بعد وفاة يزيد عام 64 هـ، مستنداً إلى «العمل بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة الخلفاء الصالحين». دعا إلى العودة إلى شكل الخلافة الأصلي، وامتد نفوذه خارج الحجاز حيث بدأ قيامه.

بدأت خلافة المروانيين عام 64 هـ واستمرت بعشرة خلفاء حتى عام 132 هـ. استمر المروانيون في نهج الملكية السلطانية للخلافة، وعملوا على رفع مكانة الخليفة المعنوية ومنحها قداسة[٤١].

سيطرة الأمويين السياسية ودعايتهم الواسعة جعلت مفهوم الخلافة والخليفة في أذهان المسلمين، حتى بعد الأمويين، يتطابق مع المفهوم الأموي، رغم أن سلوكهم الظالم مع أهل بيت النبي شوه صورتهم. لهذا، امتنع كثير من المؤلفين المسلمين عن استخدام لقب أمير المؤمنين أو حتى خليفة للأمويين. حتى وجود خليفتين إصلاحيين أمويين مثل عمر بن عبد العزيز ويزيد بن وليد، أو محاولات بعض المؤلفين لتبرير الأمويينخطأ استشهاد: إغلاق </ref> مفقود لوسم <ref>. كانت الوراثة ركنًا أساسياً في هيكل الخلافة العباسية.

كانت البيعة للخليفة في هذه الفترة مصحوبة بطقوس وأعراف خاصة، وكتبت مؤلفات عن مراسم البلاط الخلفائي منذ القرنين الثاني والثالث، وأصبحت الترف والاحتفالات جزءاً من شؤون الخليفة والدولة.

كان خلفاء العباسيين الأوائل يتمتعون بمكانة سياسية ودينية قوية، وكانت سلطتهم الدينية أساس قوتهم السياسية، لكن السلطة السياسية للخليفة تراجعت تدريجياً، حتى أصبحت عزل وتعيين الخلفاء وحياتهم ومماتهم بيد الجيوش الترك، آل بويه والسلاجقة[٤٢].

انتهت خلافة العباسيين عام 656 هـ بسقوط بغداد على يد هولاكو خان المغول، مما سبب إحباطاً لمن كانوا يرون هذه الخلافة مقدسة[٤٣]، وفي المقابل شجع سقوطها بعض أهل السنة في أماكن مختلفة من العالم الإسلامي على المطالبة بالخلافة.

الهوامش

  1. ابن منظور، تحت مادة خَلَفَ؛ الزبيدي، ج ٢٣، ص ٢٦٣-٢٦٥
  2. البقرة: ٣٠
  3. الأعراف: ٦٩، ٧٤؛ النمل: ٦٢
  4. انعام:۱۶۵؛ یونس: ۱۴، ۷۳؛ فاطر: ۳۹
  5. الماوردي، ١٤٠٩، ص ٤؛ القلقشندي، معالم الخلافة، ج ١، ص ٨-١٢، ١٤-١٦
  6. مصطفوي، ١٣٦٠: ٣/٢٩
  7. راغب الأصفهاني، ١٤١٢: ١/٢٩٤
  8. فراهیدی، 1409: 4/267
  9. ابن‌منظور، 1414: 9/83
  10. الطباطبائي، ١٤١٧: ١٢/٢٠٧
  11. تفسير الميزان وتفسير المنار، ذيل الآيات ذات الصلة
  12. دينوري، ابن قتيبة، الإمامة والسياسة، ص ٢١
  13. الماوردي البصري، علي بن محمد، أحكام السلطانية، ص ١٧
  14. دينوري، ابن قتيبة، الإمامة والسياسة، ج ١، ص ٣٤
  15. ابن قتيبة، ج ١، ص ١٢-١٤؛ الطبري، ج ٣، ص ٢٠٢-٢٠٣
  16. ابن سعد، ج ٣، ص ٨٣؛ أحمد بن حنبل، ج ١، ص ٢٠
  17. الماوردي، الأحكام السلطانية والولايات الدينية، ص ٦-٩
  18. بلاذري، جمل من أنساب الأشراف، ج ١٠، ص ٨٨-٨٩، ٣٠٥؛ الطبري، ج ٣، ص ٤٢٨-٤٣٤
  19. ابن سعد، ج ٣، ص ٢٠٠
  20. بلاذري، جمل من أنساب الأشراف، ج ١٠، ص ٣٢١
  21. جعفريان، تاريخ تحول الدولة والخلافة، ص ١٠١
  22. مالك بن أنس، ص ٣٠٨؛ ابن سعد، ج ٣، ص ٢٧٦؛ بلاذري، فتح البلدان، ص ٤٤٨-٤٦١؛ الماوردي، نصيحة الملوك، ص ٣٥٣
  23. ابن شبّه النميري، ج ٣، ص ٩٣٠؛ يعقوبي، ج ٢، ص ١٦٢؛ الطبري، ج ٤، ص ٢٣٣؛ قس ابن قتيبة، ج ١، ص ٢٦-٢٧
  24. ابن تيبة، ج ١، ص ٣٢؛ يعقوبي، ج ٢، ص ١٦٨، ١٧٤؛ الطبري، ج ٤، ص ٣٤٧-٣٤٨؛ لمزيد من التفاصيل راجع جعفريان، التاريخ السياسي للإسلام، ج ٢، ص ٣٤٤-٣٤٩
  25. يعقوبي، ج ٢، ص ١٧٨-١٧٩؛ الطبري، ج ٤، ص ٤٢٧، ٤٣٥؛ ابن أعثم الكوفي، ج ٢، ص ٤٣٥-٤٣٦
  26. نهج البلاغة، رسالة ١؛ السكافي، ص ٥٢، ١٠٥-١٠٦؛ الطبري، ج ٤، ص ٤٢٧
  27. نهج البلاغة، خطبة ٣٤؛ الطبري، ج ٥، ص ٩١
  28. نهج البلاغة، خطبة ٨٧
  29. أبو الفرج الأصفهاني، ص ٤٧
  30. أبو الفرج الأصفهاني، ص ٤٧
  31. الإسفراييني، ج ٢، ص ٥٠١؛ الغزالي، ص ٢٧-٢٨، ١٤٨؛ السجاسي، ص ٣٤-٣٩
  32. أبو الفرج الأصفهاني، ص ٤٧
  33. الإسفراييني، ج ٢، ص ٥٠١؛ الغزالي، ص ٢٧-٢٨، ١٤٨؛ السجاسي، ص ٣٤-٣٩
  34. حاتم قادري، تحول مباني شرعية الخلافة، ص ٨٣-٨٤، ٨٧؛ جعفريان، تاريخ تحول الدولة والخلافة، ص ٩٩
  35. الماوردي، الأحكام السلطانية والولايات الدينية، ص ٦-٧؛ انظر: جعفريان، تاريخ تحول الدولة والخلافة، ص ٩٠-٩٣
  36. ابن أبي شيبة، ج ٧، ص ٥٦٦-٥٦٧
  37. ابن فراء، ص ٢٠-٢٣
  38. ابن عساكر، ج ٥٩، ص ١٥١، ١٧٧
  39. ابن فراء، ص ٢٠-٢٣
  40. خليفة بن خياط، ص ١٥٧؛ ابن قتيبة، ج ١، ص ١٧٣-١٧٤؛ الطبري، ج ٥، ص ٤٩٢
  41. جعفريان، تاريخ تحول الدولة والخلافة، ص ٢٣٦-٢٤٧
  42. مجمل التواريخ والقصص، ص ٣٦٢-٣٦٥، ٣٧٤-٣٧٥؛ هندوشاه بن سنجر، ص ١٨٥؛ تحفة في الأخلاق والسياسة، ص ١٣٣-١٣٤
  43. ابن الأثير، ج ١٢، ص ٣٥٨-٣٦٠؛ سعدي، ص ٧٠٣-٧٠٨