الفرق بين المراجعتين لصفحة: «العقل»

من ویکي‌وحدت
(أنشأ الصفحة ب''''العقل:''' وهو القوّة الداركة والنفس الناطقة، وأنّه نور روحاني به تدرك النفس ما لا تدركه بالح...')
(لا فرق)

مراجعة ٠٣:٣٣، ٢٩ أغسطس ٢٠٢١

العقل: وهو القوّة الداركة والنفس الناطقة، وأنّه نور روحاني به تدرك النفس ما لا تدركه بالحواس. ومع ذلک ساوى البعض بين العلم والعقل، وهذا يبدو رأي كلّ من عرّف العقل بالعلم، كما أنّ من الواضح كون الذي يعرّف العقل بالآلة والقوّة لا بدّ أنّه يجعل العقل آلة أو قوّة يكتسب بواسطتها العلم. وأما توظيفات العقل في بحوث أصول الفقه فقد توزّعت على مواطن عديدة وكثيرة جدّاً، فتارة يستدلّ به كأحد الأدلّة واُخرى كمصدر للتشريع، لكن الموارد التي لوحظ استخدام العقل فيها أكثر من غيرها کالقياس، و تحقيق المناط، و تنقيح المناط، و الحسن والقبح ومقدّمة الواجب وغير ذلک.
أمّا في الفقه فقد عدّ شرطا في التکليف و خطاب الأحكام في الحقيقة لمن يحمل العقل لا غيره، ولذلك تعدد استخدامه في البحوث الفقهية كثيراً.

تعريف العقل لغةً

العقل: ضدّ الجهل[١]. أو نقيض الجهل[٢]. العقل: الحِجر، والنُّهى ضدّ الحمق، الجمع: عقول... وقيل: العقل هو التمييز الذى يتميّز الإنسان من سائر الحيوان، ويقال لفلان: قلب عقول، ولسان سؤول، وقلب عقول: فَهِم، وعقل الشيء يعقله عقلاً: فهمه[٣].

تعريف العقل اصطلاحاً

العقل معنى يتميّز به من معرفة المستنبطات، يسمّى عقلاً؛ لأنّه يعقل عن المقبّحات[٤].
هو آلة خلقها اللّه‏ لعباده يميّز بها بين الأشياء وأضدادها [٥].
العقل ليس بجسم ولا صورة ولا جوهر، وإنّما هو نور فهو كالعلم[٦].
وعرفه بعض الفقهاء بقوله: القوّة الداركة والنفس الناطقة، وأنّه نور روحاني به تدرك النفس ما لا تدركه بالحواس[٧].
العقل: هو العلم أو ضرب من العلوم الضرورية[٨].
العقل: قوّة يفصل بها بين حقائق المعلومات[٩]. وقد عبّر الغزالي عن هذه القوّة بالصفة[١٠].

معاني العقل في كلمات الاُصوليين

مضافا إلى اختلاف الاُصوليين فى تعريف العقل وما إذا كان هو العلم ذاته أو بعض مصاديقه أو كونه قوّة أو صفة يدرك بها الإنسان بعض الاُمور، فإنّ الاُصوليين استخدموا مفردة العقل بعدّة معانٍ، سردها البعض.
سرد آل تيمية معاني العقل بالنحو التالي:
1 ـ الضروري من العلوم.
2 ـ الغريزة التي تقذف في القلب.
3 ـ ما به ينظر صاحبه في العواقب، وهو منتهى العقل.
4 ـ ما يستفاد من التجارب المكتسبة[١١].
وسرد بعض المعاصرين المعاني بالنحو التالي:
1 ـ الغريزة التي بها يعلم الإنسان ويدرك وتميّز الإنسان عن الحيوان.
2 ـ العلوم الضرورية مثل عدم إمكان اجتماع النقيضين، والاثنين أكبر من الواحد.
3 ـ العلوم المستفادة من التجارب[١٢].

الألفاظ ذات الصلة

علم

ساوى البعض بين العلم والعقل[١٣]. وهذا يبدو رأي كلّ من عرّف العقل بالعلم، كما أنّ من الواضح كون الذي يعرّف العقل بالآلة والقوّة[١٤] لا بدّ أنّه يجعل العقل آلة أو قوّة يكتسب بواسطتها العلم.

أقسام العقل

وردت عدّة تقسيمات للعقل من قبل علماء علوم مختلفة، والوارد عن الاُصوليين التقسيمات التالية:
1 ـ العقل النظري: وهو إدراك ما ينبغي أن يعلم، أي إدراك الاُمور التي لها واقع.
2 ـ العقل العملي: وهو إدراك ما ينبغي أن يعمل، أي حكم العقل بأنّ هذا الفعل ينبغي فعله أو لا ينبغي[١٥].
وقسّمه ـ بمعنى العلم ـ بعض إلى غريزي ومكتسب، ثُمّ ذكر تشكيك البعض في تسمية المكتسب عقلاً؛ لأنّ المكتسب من نتائج العقل وليس العقل بحدّ ذاته[١٦]. أو أنّه لو كان مكتسبا لما سمّي الصبي ومن عدمت حواسه الخمس عاقلاً، مع أنّ هناك إجماعا بكونهم عقلاء وبحصول العقل منهم[١٧].

أقسام المدركات العقلية

ممّا ورد عن متأخّري اُصوليي الشيعة تقسيمهم لمدركات العقل إلى الأقسام التالية:

المستقلاّت العقلية

وهي ما تفرّد العقل بإدراكه دون توسّط بيان شرعي، ومثّلوا لها بإدراك العقل لـ الحسن والقبح المستلزم لإدراك حكم الشارع بهما [١٨].

غير المستقلاّت العقلية

وهي التي يعتمد الإدراك فيها على بيان من الشارع، كإدراكه وجوب المقدّمة عند الشارع بعد اطّلاعه على وجوب ذيها لديه، أو إدراكه نهي الشارع عن الضدّ العام بعد اطّلاعه على إيجاب ضدّه[١٩].

بحوث ذات صلة

1 ـ محلّ العقل

تحت هذا العنوان تناول الاُصوليون موضوع محلّ العقل من جسم الإنسان، وانقسموا إلى طوائف:
الاُولى: محلّ العقل هو القلب.
الثانية: محلّ العقل هو الرأس.
الثالثة: محلّ العقل هو القلب لكن له اتّصال بالدماغ.
استدلّ أصحاب القول الأوّل بآيات كثيرة من قبيل: «أَفَلَمْ يَسِـيرُوا فِى الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِـها»[٢٠]. وروايات من قبيل قوله(ص): «الرحمة في الكبد والقلب ملك ومسكن العقل القلب».
واستدلّ أصحاب القول الثاني باُمور من قبيل: إطلاقات الناس وقولهم: «هذا ليس في رأسه عقل»، وأنّ الرأس إذا أصيب بشدّة زال الإنسان عقله.
واستدلّ أتباع الرأي الثالث باعتبارات وتصوّرات من قبيل قولهم: برغم أنّ القلب محلّ العقل إلاّ أنّ نوره يعلو إلى الرأس[٢١].
وفي هذا المجال تذكر هنا ثمرة فقهية للاختلاف المزبور، وموردها دية العقل، فإذا ذهب العقل بسبب ضربة أوردها الجاني، فإنّ الفقهاء يختلفون فيما إذا كانت الضربة في رأسه فزال عقله، فهل تتداخل الديات والاُروش أو لا؟ فالذي يقول بأنّه في الرأس فقد يقول بالتداخل، ولا يفرض إلاّ دية شجّ الرأس، والذي يقول: إنّه في القلب فقد يفرض ديتين[٢٢].

2 ـ تفاوت أو عدم تفاوت العقول

ممّا ناقشه الاُصوليون في باب العقل هو تفاوت عقول الناس أو عدم تفاوتها، بحيث يكون بعضها أكمل من غيرها أو أنّه لا فرق بين عقول الناس؟
يذهب أغلب العلماء من الجمهور و المعتزلة وغيرهم إلى تفاوت العقول[٢٣].
ويذهب بعض إلى عدم تفاوت العقول. نسب هذا القول إلى غير واحد من المتكلّمين من المعتزلة و الأشاعرة[٢٤].
ويذهب آخرون إلى التفصيل، وذلك باعتبار أنّه إذا اُريد من العقل الغريزة وعلوم التجارب والقوّة القامعة للشهوات واللذات فالعقول بهذه المعاني تتفاوت. وإن اُريد من العقل العلم الضروري، من قبيل: عدم إمكان اجتماع المتناقضين، فالعقول بهذا المعنى لا تتفاوت.
وقد يفصّل بنحو آخر، وهو: للعقل نوعان: أحدهما: طبعي وغريزي، ولا تتفاوت فيه العقول، وثانيهما: اكتسابي وتجريبي، وهو الذي يحصل فيه التفاوت.
وقد أورد كلّ من أصحاب الآراء أدلّته الخاصّة ونقاشات وردت في هذا المجال من قبيل: أسباب تفاوت العقول وما شابه من البحوث.[٢٥].

مواطن بحث العقل

توزّعت توظيفات العقل في بحوث أصول الفقه على مواطن عديدة وكثيرة جدّا، فتارة يستدلّ به كأحد الأدلّة واُخرى كمصدر للتشريع أو توظيفات اُخرى، لكن الموارد التي لوحظ استخدام العقل فيها أكثر من غيرها وبنحو أساسي هي الموارد التالية:
1 ـ القياس.
2 ـ تحقيق المناط.
3 ـ تنقيح المناط.
4 ـ تخريج المناط.
5 ـ استنباط العلل لاستخدامه في القياس، وذلك من خلال المناسبة و السبر والتقسيم والدوران.
6 ـ الحسن والقبح.
7 ـ مقدّمة الواجب.
8 ـ قاعدة الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه والعكس.
9 ـ بعض الدلالات مثل: دلالة الإشارة و الاقتضاء و مفهوم الموافقة والمخالفة.
10 ـ فهم النصوص الدينية على العموم[٢٦].
أمّا في الفقه فقد عدّ شرطا في التكليف و خطاب الأحكام في الحقيقة لمن يحمل العقل لا غيره، ولذلك تعدد استخدامه في البحوث الفقهية كثيرا.

مواقف المذاهب تجاه العقل

اختلفت مواقف المذاهب حول العقل، فبعض مثل الشيعة ذهبوا إلى أنّه من مصادر التشريع ومن اُصول المذهب، وبعض آخر لم يعتبره من اُصول مذهبه، وبرغم الاختلاف فى العقل نظريا إلاّ أنّه عمليا يعدّ العقل من المبادئ والآليات المستخدمة في الاجتهاد لدى المذاهب، سواء كان الاستخدام صريحا وبعنوان العقل أو غير صريح من قبيل: القياس و تنقيح المناط، التي هي استخدامات للعقل بنحو أو آخر.
هذا مضافا إلى أنّا قلّما نجد بحثا ورد في مدوّنات أصول الفقه (من مختلف المذاهب) تخلو من الاستدلال العقلي والقول بأنّ دليل الموضوع الكذائي هو العقل، وحتّى اُولئك الذين رفضوا القياس مثل الشيعة و الظاهرية لم يرفضوا العقل ككلّ، بل رفضوا القياس كأحد الآليات العقلية لاستنباط الحكم الشرعي. ( اخباريون، اُصول المذاهب)

الدليل العقلي أو دليل العقل

اختلف في تعريف الدليل العقلي، وقد وردت عدّة تعاريف في هذا المجال:
منها: حكم العقل يتوصّل به إلى الحکم الشرعي، وينتقل من العلم بالحكم العقلي إلى العلم بالحكم الشرعي[٢٧].
ومنها: كلّ حكم عقلي يمكن التوصّل بصحيح النظر فيه إلى حكم شرعي[٢٨].
ومنها: كلّ حكم للعقل يوجب القطع بالحكم الشرعي، أو كلّ قضية يتوصّل بها إلى العلم القطعي بالحكم الشرعي[٢٩].
حدّد الغزالي دليل العقل بالاستصحاب[٣٠]. ويبدو منه أنّ هذا الدليل ينحصر في الاستصحاب. هذا مع أنّ الذي يبدو من متقدّمي اُصوليي الشيعة، مثل العلامة الحلي، توسعة معنى دليل العقل ليشمل أدلّة كثيرة، فهو يقسّم الدليل إلى ما يتوقّف على الخطاب ويضمّ فحوى الخطاب و دليل الخطاب، وإلى ما ينفرد به العقل[٣١].
ويقسّم الدليل العقلي بنحو آخر كذلك:
1 ـ الدليل العقلي الذي لا يتوقّف الاستدلال به على القول بـ التحسين والتقبيح العقليين، وهو مثل: القياس وتنقيح المناط.
2 ـ الدليل العقلي الذي يتوقّف على القول بالتحسين والتقبيح العقليين، وهو مثل: الحكم بـ البراءة في الشبهات البدائية استنادا إلى قبح العقاب بلا بيان أو الحكم بالاشتغال استنادا إلى عدم قبح العقاب بلا بيان[٣٢].
3 ـ الدليل العقلي القطعي أو اليقيني، وهو الذي يولّد العلم لدى الإنسان، وحجّيّته ذاتية لا تحتاج إلى أي حجّيّة متمّمة، وذلك مثل: بعض الاستلزمات والمستقيمات العقلية التي لا تقبل الشكّ.
والدليل العقلي الظنّي، وهو الذي يولّد الظنّ لدى الإنسان، وحجّيّته بحاجة إلى جعل شرعي، من قبيل: القياس و الاستحسان، وهذا القسم هو الذي كان وما زال موضع نزاع ونقاش بين الشيعة التي ترفضه وجلّ أهل السنة الذين يرتضون بهكذا دليل[٣٣].

المصادر

  1. . جمهرة اللغة 2: 580، مادّة: «عقل».
  2. . كتاب العين 1: 159، مادّة: «عقل».
  3. . لسان العرب 3: 2711، مادّة: «عقل».
  4. . النكت فى مقدّمات الاُصول المفيد: 22.
  5. . البحر المحيط 1: 84.
  6. . العدّة أبو يعلى 1: 33، التحبير شرح التحرير في اُصول الفقه 1: 255، شرح الكوكب المنير: 24.
  7. . القول الرشيد في الاجتهاد والتقليد المرعشي 1: 29.
  8. . العدّة أبو يعلى 1: 33، قواطع الأدلّة 1: 101، كشف الأسرار (البخاري) 2: 731، المسودة: 496، الواضح فى اُصول الفقه 1: 9، تحرير المنقول: 75.
  9. . العدّة أبو يعلى 1: 34، التحسين والتقبيح العقليان 1: 64.
  10. . المنخول: 45.
  11. . المسودة: 499.
  12. . التحسين والتقبيح العقليان 1: 69.
  13. . قواطع الأدلّة 1: 101، كشف الأسرار البخاري 2: 731.
  14. . البحر المحيط 1: 84 ـ 85.
  15. . اُصول الفقه المظفر 1 ـ 2: 277 ـ 279.
  16. . البحر المحيط 1: 88، المسودة: 497.
  17. . العدّة أبو يعلى 1: 35.
  18. . اُصول الفقه المظفر 1 ـ 2: 268 فما بعدها، الاُصول العامّة للفقه المقارن: 267.
  19. . اُصول الفقه المظفر 1 ـ 2: 262 ـ 264، الاُصول العامّة للفقه المقارن: 267.
  20. . الحجّ: 46.
  21. . العدّة أبو يعلى 1: 35 ـ 36، الواضح في اُصول الفقه 1: 13، البحر المحيط 1: 89 المسوّدة: 500، شرح الكوكب المنير: 24، تحرير المنقول: 76 ـ 77.
  22. . روضة الطالبين 7: 149، البحر المحيط 1: 90.
  23. . التحسين والتقبيح العقليان 1: 78 ـ 79.
  24. . العدّة أبو يعلى 1: 37، المسودة: 499، شرح الكوكب المنير: 25.
  25. . البحر المحيط 1: 88، المسودة: 500 ـ 501، التحسين والتقبيح العقليان 1: 77 ـ 97.
  26. . اُنظر: التحسين والتقبيح العقليان 1: 140 ـ 148.
  27. . اُنظر: اُصول الفقه المظفر 3 ـ 4: 131، الاُصول العامّة: 266.
  28. . الفصول في الاُصول: 316.
  29. . اُصول الفقه المظفر 3 ـ 4: 133.
  30. . المستصفى 1: 237 ـ 238.
  31. . المعتبر في شرح المختصر 1: 31 ـ 32.
  32. . الرسائل الأربع: 7.
  33. . بحوث في علم الاُصول 4 : 119 ، الدروس الحيدري 3 : 253 ـ 258.