الفرق بين المراجعتين لصفحة: «الشهرة»
Abolhoseini (نقاش | مساهمات) (أنشأ الصفحة ب''''الشهرة:''' المراد من الشهرة هنا کثرة القائلين في مسئلة واحدة، وتطلق الشهرة أيضاً على شهرة ال...') |
(لا فرق)
|
مراجعة ٠٤:١٣، ١٧ أغسطس ٢٠٢١
الشهرة: المراد من الشهرة هنا کثرة القائلين في مسئلة واحدة، وتطلق الشهرة أيضاً على شهرة الراوي ومعروفيته، وتنقسم الشهرة إلى روائية وفتوائية وعملية، ولتوضيح کلٍ من هذه الأقسام وحجيتها نقدم هذا المقال للقارئ الکريم.
تعريف الشهرة لغةً
الشهرة هي الذيوع والوضوح، ومنه شهر فلان سيفه إذا أظهره [١].
تعريف الشهرة اصطلاحاً
هي كلّ خبر كثر ناقله أو رأي كثر قائله [٢].
ويقابلها الشاذ الذي قلّ قائله، بل وقلّ ناقله على قول[٣].
وتطلق الشهرة أيضا على شهرة الراوي ومعروفيته، كما في بعض استعمالات علماء الجمهور [٤].
والشهرة في الرواية مساوقة مع الاستفاضة في الرواية[٥].
أقسام الشهرة
تنقسم الشهرة إلى روائية وفتوائية وعملية.
الشهرة الروائية
هي كثرة نقل الخبر من الرواة، نقلاً لم يصل حدّ التواتر، وحددها بعض علماء الجمهور بنقل جماعة يزيدون على الثلاثة [٦].
الشهرة الفتوائية
هي كثرة الإفتاء في مسألة لم تصل حد الإجماع، مع الجهل بمستندها، سواء كانت هناك رواية صالحة للاستدلال بها، أم لم تكن.
وقد يعبَّر عنها أيضا بالشهرة المطابقية [٧].
والنسبة بينها وبين الشهرة الروائية العموم من وجه، إذ قد تكون في مسألة معينة شهرة روائية غير فتوائية، وقد تكون فتوائية غير روائية، وقد تلتقيان فتكون الشهرة فيها روائية وفتوائية معا [٨]
الشهرة العملية
هي اشتهار العمل برواية معينة والاستناد إليها في مقام الاستنباط [٩].
وهناك من اكتفى في الشهرة العملية بمطابقتها للرواية ولو لم يعلم استناد المشهور إليها [١٠].
والعلاقة بين الشهرة العملية والشهرة الروائية هي كالعلاقة بين الشهرة الفتوائية والروائية، أي العموم والخصوص من وجه.
وقد يعبّر عن الشهرة العملية أيضا بالشهرة الاستنادية[١١].
ولم يتعرّض الجمهور للشهرة العملية في جميع بحوثهم الأصولية والفقهية، بل لم يهتموا ببحث الشهرة الروائية والفتوائية بالمقدار الذي اهتمّت به الإمامية، كما يستضح ذلك من خلال البحوث الآتية.
حجّية الشهرة
وقع البحث بين الاُصوليين في حجية الشهرة بأقسامها الثلاثة المتقدّمة، وهو ما نحاول التعرّض له كما يلي:
حجية الشهرة الروائية
المشهور حجّية الشهرة الروائية [١٢] بمعنى ترجيح الخبر المشهور عند تعارضه مع غيره، بل اُدعي الإجماع عليه [١٣]، وقد استدلّ الشيعة الإمامية [١٤] له بقول الإمام الباقر(ع) في مرفوعة زرارة: «خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذ النادر...» [١٥].
وبما روي عن الإمام الصادق(ع) في مقبولة عمر بن حنظلة: «ينظر إلى ما كان من روايتهما عنّا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه عند أصحابك فيؤخذ به من حكمنا ويترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك، فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه...» [١٦] فإنّ الشهرة الروائية هي القدر المتيقّن من هذا الحديث.
وقد أكّد هؤلاء على أنّ المقصود من المجمع عليه في المقبولة هو المشهور بقرينة المقابلة بقوله(ع): «واترك الشاذ النادر» [١٧] فيكون الحديث دالاًّ على المطلوب.
وهناك من استدلّ على حجّية الشهرة الروائية بأنّ الرواية إنّما اشتهرت بسبب احتفافها بقرينة أوجبت اشتهارها بين الأصحاب، لقرب عهدهم من زمن صدورها، فيكشف ذلك عن تثبتهم ووقوفهم على ما يوجب اطمئنان النفس بصدورها، ممّا يعني حجّية الرواية المشهورة بين المتقدّمين دون المتأخّرين [١٨].
وخالف في ذلك بعضهم مؤكّدا عدم وجود دليل معتبر على حجّية الشهرة الروائية، نافيا صلاحية المرفوعة والمقبولة المتقدّمتين للتمسّك بهما على ذلك، لضعفهما دلالةً وسندا، أمّا دلالة فلأنّ المراد من المجمع عليه في المقبولة هو الخبر الذي أجمع الأصحاب على صدوره من المعصوم، ممّا يعني كونه معلوم الصدور بقرينة قوله(ع): «فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه» وقوله: «الاُمور ثلاثة، أمر بين رشده فيتبع، وأمر بيِّن غيُّه فيجتنب، وأمر مشكل يرد حكمه إلى اللّه» حيث اعتبر الإمام(ع) الخبر المشهور بيّنا رشده فيتبع ويطرح معارضه لكونه مخالفا للسنّة.
ولا منافاة بين ذلك وبين انتقال الراوي إلى فرض وجود شهرتين إحداهما لهذا الخبر واُخرى لذاك، لأنّ القطع بصدور أحدهما لا يستلزم القطع بعدم صدور الآخر، لإمكان صدورهما معا عن الإمام، لكن أحدهما صادر لبيان الحكم الواقعي، والآخر للتقية.
وأمّا المرفوعة فالمقصود من قوله(ع): «خذ بما اشتهر بين أصحابك» الشهرة اللغوية التي تعني الظهور والوضوح، فهي ناظرة إلى الخبر المقطوع الصدور أو المطمئن بصدوره، فيكون الخبر المعارض له ساقطا عن الحجية، ويكون تقديم الخبر المشهور عليه تقديما للحجّة على اللاحجّة.
هذا بالنسبة لضعف دلالة المرفوعة والمقبولة.
وأمّا بالنسبة لضعف سندهما، فلأنّ المرفوعة من المراسيل التي لا يصحّ الاعتماد عليها، لكونها مروية في عوالي اللئالي لأبي جمهور الإحسائي الذي رواها عن العلاّمة رغم عدم وجود أثر لها في جميع كتبه المنسوبة إليه، مضافا إلى أنّ أبي جمهور الإحسائي قد طعن فيه وفي كتابه من ليس دأبه الخدشة في سند الرواية، كالمحدث البحراني في الحدائق [١٩].
ودعوى انجبار هذه المرفوعة بعمل المشهور ممنوعة؛ لعدم ثبوت عملهم بها، بل لم نجد عاملاً بما في ذيلها المتضمّن للأمر بـ الاحتياط، ولو فرض عمل المشهور بها فهو لا ينفع بناءً على عدم انجبار الخبر الضعيف بعملهم.
وأمّا سند المقبولة فهو ضعيف لعدم وثاقة عمر بن حنظلة في الكتب الرجالية. نعم، وردت رواية في باب الوقت دالّة على توثيق الإمام(ع) له، إلاّ أنّها رواية ضعيفة سندا، لا يمكن الاعتماد عليها في توثيقه [٢٠].
ولابدّ من الإشارة إلى أنّ علماء الجمهور لم يتعرّضوا للشهرة الروائية إلاّ في موارد نادرة، حيث صرّح بعضهم بتقديم الخبر المشهور على غيره في صورة التعارض حتّى ولو كان الخبر غير المشهور مسندا وكان الخبر المشهور لا سند له، مستدلاًّ بأنّ الشهرة توجب الظنّ بمطابقة الظنّ للواقع [٢١]، ممّا يعني أنّ المعيار لديهم حصول الظنّ بالمطابقة وعدمه.
لكن ذلك مرفوض عند الشيعة الإمامية؛ لاعتقادهم بأنّ الأصل في الظنون عدم الحجّية إلاّ ما قام الدليل على حجّيته؛ لأنّ الظن لا يغني من الحقّ شيئا [٢٢].
حجية الشهرة الفتوائية
ذهب أكثر الإمامية [٢٣] إلى عدم حجّية الشهرة الفتوائية مطلقا، سواء كانت قديمة أو متأخّرة [٢٤]، بل اعتبرها بعضهم من القياس المحرم، لعدم إفادتها القطع بالحكم الواقعي، فهي لا تفيد إلاّ الظن الذي لا دليل على حجّيته، والأصل في الظنون عدم الحجّية ما لم يقم دليل على اعتباره [٢٥]، أو يحصل اليقين أو الوثوق الشخصي بالحكم من الخبر [٢٦].
وخالف في ذلك جماعة فذهبوا إلى حجّية الشهرة الفتوائية مطلقا ، كـ الشهيد الأول، والمحقّق الخونساري وغيرهم[٢٧]، كما يظهر ذلك أيضا من بعض علماء الجمهور [٢٨]، وذلك لعدة أدلّة:
منها: أولوية حجّية الشهرة الفتوائية من حجّية خبر العادل؛ لأنّ الظنّ الحاصل من الشهرة أقوى غالبا من الظنّ الحاصل من خبر العادل [٢٩].
وأورد عليه: بعدم ثبوت كون العلّة في حجّية خبر العادل إفادته الظن بصدق مؤدّاه [٣٠]؛ لاحتمال أن تكون العلّة مطابقته غالبا للواقع، باعتبار كونه إخبارا عن حس، واحتمال الخطأ في الحس بعيد جدّا، بخلاف الإخبار عن حدس ـ كالافتاء عن طريق الاستنباط ـ فإنّ احتمال الخطأ فيه غير بعيد، كما يحتمل وجود خصوصيات اُخرى في خبر الواحد تمنع من الأولوية المذكورة [٣١].
بل يمكن دعوى القطع بأنّ مجرّد الظنّ ليس مناطا في الحجّية [٣٢]، فقد يحصل الظنّ بـ الحكم الشرعي عن طريق آخر غير الخبر، كـ فتوى الفقيه الموجبة لظنّ فقيه آخر بالحكم الشرعي، ومع ذلك لا يكون ذلك حجّة على المكلّف، كما قد يتّفق العكس، بألاّ يحصل الظنّ بالحكم الشرعي من خلال خبر العادل ومع ذلك تكون حجّيته قطعية، فالانفكاك بين الحجّية والظنّ كاشف عن عدم كون الظنّ بالصدور مناطا لتحقّقها [٣٣].
ومنها: عموم التعليل في قوله تعالى: «...أَن تُصِيبُوا قَوْما بِجَهَالَةٍ...» [٣٤] الدالّ على حجّية كلّ ما ليس فيه جهالة سواء كان خبرا عادلاً أو شهرة فتوائية أو غيرهما.
وأورد عليه: بأنّ هذه الدلالة غير مستفادة من عموم التعليل في الآية الشريفة، بل من عموم نقيض التعليل فيها، إذ لا دلالة لمنطوقها على ذلك؛ لأنّها نظير نهي الطبيب عن أكل الطعام الحامض، الذي لا دلالة فيه على جواز أكل كلّ غير حامض، إذ قد يكون بعض ما هو غير حامض ممنوعا لوجود ضرر فيه [٣٥]، وما نحن فيه قد يكون من هذا القبيل؛ لأنّ الحکم بوجوب التبين في كلّ ما كان العمل به سفاهة لا يعني عدم وجوب التبين في كلّ ما ليس العمل به سفاهة، اذ قد يجب التبين لسبب آخر غير السفاهة، لعدم استفادة انحصار العلّة بها من الآية الشريفة [٣٦].
ومنها: الاستدلال بقوله(ع) في مقبولة عمر بن حنظلة المتقدّمة «فإن المجمع عليه لا ريب فيه»، حيث اُدعي إرادة الشهرة منها الشاملة للشهرة الفتوائية.
وكذا الاستدلال بقوله(ع) في مرفوعة زرارة المتقدّمة «خذ بما اشتهر بين أصحابك». فإنّ الموصول من المبهمات، وإطلاق الصلة فيه يشمل الشهرة الفتوائية.
وأورد عليه ـ مضافا إلى إشكالات السند والدلالة المتقدّمة في هذين الخبرين ـ : أنّ الموصول كما يتعيّن المراد منه بالصلة كذلك يتعيّن بالقرائن الاُخرى المحفوفة به، كقرينة السؤال عن الخبرين المتعارضين، الدالّة على تعلّق الجواب بنفس ما تعلّق به السؤال [٣٧]، وهما الخبران المتعارضان، دون الشهرة الفتوائية، فإنّ ذلك من قبيل ما لو سئل شخص عن أيِ المسجدين يرغب للصلاة فيهما، فيجيب برغبته في الصلاة فيما كان اجتماع المصلّين فيه أكثر، فإنّ الجواب بقرينة السؤال يكون ناظرا إلى أحد المسجدين اللذين وقع السؤال عنهما، لا كلّ مسجد يكون اجتماع الناس فيه أكثر [٣٨].
وفصّل جماعة في الشهرة الفتوائية فذهبوا إلى حجّيتها عند المتقدّمين دون المتأخّرين [٣٩]؛ لأنّ المتقدّمين كانوا يضبطون الأحاديث المتلقاة من الأئمة في كتبهم بلا تبديل ولا تغيير، وكان بناؤهم على ضبط الفتاوى المأثورة خلفا عن سلف إلى زمن الهاديين، وكانت طريقتهم في الفقه غير طريقة المتأخّرين [٤٠].
وأورد على ذلك: بأنّ المشكلة هي أنّ الشهرات الفتوائية إنّما حدثت بعد الشيخ الطوسي، وهي فاقدة للاعتبار؛ لأنّ الذين جاؤوا بعده كانوا يتبعونه في الفتوى تقليدا، لكثرة اعتقادهم وحسن ظنّهم به [٤١].
وهناك تفصيل آخر للميرزا القمّي من علماء الإمامية الذي فصّل فيه بين الشهرة المفيدة للظنّ بالحكم الواقعي وغيرها، فاعتبر المفيدة له حجّة دون غيرها، سواء كانت شهرة المتقدّمين أو المتأخّرين، فقد تكون شهرة المتأخّرين هي الحجة، وقد تكون شهرة المتقدّمين؛ وذلك تبعا للقرائن الظنّية التي تقربها إلى الواقع، انطلاقا من اعتقاده بـ انسداد باب العلم والعلمي ولزوم الأخذ بكلّ ما أفاد ظنّا بالحكم الشرعي [٤٢]، إلاّ أنّ هذا المبنى مرفوض عند أكثر علماء الشيعة الإمامية، حيث ذهبوا إلى انفتاح باب العلم والعلمي في الشريعة، كما هو مبحوث في مصطلح انسداد.
ورغم ذهاب المشهور إلى عدم حجّية الشهرة الفتوائية إلاّ أنّه قلما نجد فقيها يخالفها في مسائل الفقه إلاّ إذا توفر لديهم دليل قوي ومستند جلي يصرفهم عنها، فهم يحاولون العثور على دليل يوافقها حتّى ولو كان ما دلّ على غيرها أولى بالأخذ وأقوى في نفسه، وليس ذلك لحجّية الشهرة عندهم، ولا لتقليدهم المشهور، بل إكبارا لهم سيّما إذا كانوا من أهل التحقيق والتدقيق، بل إنّ ذلك هو ديدن متخصصي سائر العلوم الاُخرى الذين يتزلزلون فيما توصلوا إليه من نتائج بسبب مخالفة عدد كبير من المحقّقين والمدقّقين، خصوصا إذا كان رأيهم موافقا للاحتياط [٤٣].
حجية الشهرة العملية
المشهور حجّية الشهرة العملية، بمعنى انجبار ضعف الرواية بعمل المشهور بها، وتضعيفها وسقوطها عن الحجّية بإعراضهم عنها، ولو كانت صحيحة سندا إذا كانت الرواية بمرأى ومسمع منهم وإلاّ فمع احتمال عدم اطّلاعهم عليها فإنّ إعراضهم لايوجب تضعيفها، فلا بدّ في الرجوع إلى دليل آخر إن كان، وإلاّ فإلى الأصل العملي [٤٤].
وخالف في ذلك السيّد الخوئي، مؤكّدا عدم إمكان الاعتماد على الخبر الفاقد لشرائط الحجّية لمجرّد عمل المشهور به؛ لأنّه من مصاديق اتّباع الظنّ، وهو لا يغني من الحقّ شيئا.
كما لا يمكن طرح الخبر الجامع لشرائط الحجّية، والأخذ بغيره، لمجرّد مخالفة المشهور له؛ لكون ذلك طرح لما أوجب الشارع العمل به [٤٥].
وبعبارة اُخرى: إن كان المراد استلزام عمل المشهور الاطمئنان الشخصي بصدور الخبر فهو غير واقع، إذ ربّما لا يحصل ذلك من عملهم، وإن كان المراد استلزامه الاطمئنان النوعي بالصدور، فهو على فرض حصوله ليس بحجّة؛ لأنّ الثابت حجّيته بـ سيرة العقلاء وبعض الآيات والروايات هو الخبر الذي يحصل به الظنّ النوعي بوثاقة الراوي ـ بمعنى كونه محترزا عن الكذب ـ لا حجّية الخبر الضعيف الذي يحصل الوثوق النوعي بصدقه ومطابقته للواقع من عمل المشهور، بل لا دليل على حجّية الخبر الضعيف الذي يحصل منه اليقين النوعي بصدقه إذا لم يحصل اليقين أو الاطمئنان الشخصي منه، فلا بدّ في حجّية الخبر إمّا من الوثوق النوعي بوثاقة الراوي، أو الوثوق الشخصي بصدق الخبر ومطابقته للواقع، ولو من جهة عمل المشهور، وأمّا مع انتفاء كلا الأمرين فلا دليل على حجّيته ولو مع حصول الوثوق النوعي، بل اليقين النوعي بوثاقة الخبر [٤٦].
هذا كلّه بالنسبة لعمل المشهور أو إعراضهم عن سند الرواية.
وأمّا بالنسبة لعمل المشهور بظهور الرواية وإعراضهم عنه، فالمعروف بين الأصوليين عدم انجبار ضعف ظهورها بعملهم، ولا تضعيف ظهورها بإعراضهم عنه، لإطلاق حجية الظهور وعدم تقييدها بذلك، فلا عمل المشهور موجب لانجبار الظهور ولا إعراضهم موجب لانكساره.
نعم، إعراضهم يكون بمثابة القرينة العكسية المزاحمة للقرائن الاُخرى الموجبة لظهور مخالف، فإذا حمل المشهور لفظا على غير ظاهره بنظرنا مع كونهم من أهل اللّسان العربي ومن أهل العرف كشف ذلك عن كون اللفظ ليس ظاهرا في المعنى الذي فهمناها، بل في خلافه [٤٧].
وليس حال الشهرة حال غيرها من الظنون إذا كانت على خلاف الظاهر، فإنّ الأولوية الظنّية ـ مثلاً ـ إذا حصل منها الظنّ على خلاف الظاهر فلايكون ذلك إلاّ ظنّا بعدم إرادة الظهور واقعا، وهو لا يوجب سقوط الظهور عن الحجية، لعدم اشتراط حجّيته بعدم الظنّ بالخلاف، بخلاف الشهرة على خلاف الظهور، فإنّها توجب الاطمئنان باطّلاع المشهور على ما يوجب إرادة خلاف الظاهر لا محالة، ولم يثبت بناء من العقلاء على حجّية الظهور حينئذٍ، وذلك نظير عدم عمل الموالي العرفيين بظهور أمر صادر من مولاهم رغم اهتمامهم بإرادته وإطاعتهم لأمره، فإنّه كاشف عن اطّلاعهم على ما يوجب إرادة خلاف الظاهر [٤٨].
وأمّا السيّد الصدر فقد اتّخذ طريقا وسطا اعترف من خلالها بأنّ إعراض المشهور موجب لسقوط الخبر عن الحجّية بخلاف عملهم به حيث نفى أن يكون جابرا لضعفة، والسبب في ذلك أنّ وثاقة الراوي التي هي ملاك الحجّية ـ بحسب الارتكاز العقلائي ـ إنّما لوحظت باعتبار كاشفيتها النوعية لا على وجه الصفتية والموضوعية، فإذا ابتليت بمزاحم أقوى كإعراض المشهور عن الخبر أوجب ذلك وهن صحّة النقل، فلا يشمله دليل الحجّية.
بخلاف عملهم بالخبر الضعيف، فإنّه لا يوجب انجبار ضعفه، لعدم وجود دليل على حجية الشهرة في هذا المجال، إلاّ أن يقال: بأنّ المناط في الحجّية الكاشفية عن الواقع، وبعمل المشهور تتحقّق هذه الكاشفية، لكن هذا الكلام غير صحيح؛ لأنّ المناط في الحجّية هو التحفّظ على الأحكام الواقعية، ولعلّ حاجة التحفّظ قد اُشبعت بمقدار جعل حجية خبر الثقة غير الموهون، فكيف يمكن التعدّي إلى غيره و إحراز المناط، بل لو أمكن ذلك لأمكن التعدّي إلى غيره من الأمارات الظنّية التي من المسلم عدم حجّيتها عند الجميع[٤٩].
المصادر
- ↑ . الصحاح 2: 705 مادّة «شهر»، لسان العرب 2: 2110 مادّة «شهر».
- ↑ . نهاية الأفكار 3: 99، اُصول الفقه المظفر 3 ـ 4: 168.
- ↑ . اُنظر: زبدة الاُصول الروحاني 3: 117، نهاية الدراية: 220، منتقى الاُصول (عبدالصاحب الحكيم) 4: 481.
- ↑ . المحصول الرازي 2: 454، الإحكام (الآمدي) 4: 463 ـ 464.
- ↑ . بحوث في علم الاُصول الهاشمي 7: 371.
- ↑ . الإحكام الآمدي 2: 274.
- ↑ . أجود التقريرات 3: 276.
- ↑ . نهاية الأفكار 3: 99.
- ↑ . أجود التقريرات 3: 173، نهاية الأفكار 3: 99، اُصول الفقه المظفر 3: 169، دراسات في علم الاُصول 3: 147، تحريرات الاُصول (الخميني) 6: 388.
- ↑ . نهاية الاُصول البروجردي: 543 ـ 544.
- ↑ . أجود التقريرات 3: 376.
- ↑ . اُصول الفقه المظفر 3: 172، الإحكام (الآمدي) 4: 464.
- ↑ . أجود التقريرات 3: 174، القواعد الفقهية البجنوردي 5: 321، فقه الصادق (الروحاني) 4: 368، اصطلاحات الاُصول: 155.
- ↑ . نهاية الأفكار 3: 99.
- ↑ . عوالي اللئالي 4: 133.
- ↑ . وسائل الشيعة 27: 106 باب 9 من أبواب صفات القاضي ح 1.
- ↑ . اُصول الفقه المظفر 3: 253.
- ↑ . أجود التقريرات 3: 276 ـ 277.
- ↑ . الحدائق الناضرة 1: 99.
- ↑ . مصباح الاُصول 2: 141 ـ 142.
- ↑ . الإحكام الآمدي 4: 466.
- ↑ . تعليقة على معالم الاُصول القزويني 5: 347، مباني تحرير الوسيلة (المؤمن القمي) 1: 474.
- ↑ . نسبه إلى الأكثر ونقل الشهرة عن بعضهم في بحر الفوائد الآشتياني: 140.
- ↑ . فرائد الاُصول 1: 231 ـ 235، كفاية الاُصول: 292، فوائد الاُصول 3: 153 ـ 156، نهاية الأفكار 3: 101، مقالات في الاُصول 2: 73.
- ↑ . بحر الفوائد 1: 140.
- ↑ . منتقى الاُصول 4: 245.
- ↑ . ذكرى الشيعة 1: 52، نقل ذلك عنهم في اُصول الفقه 2: 146.
- ↑ . الإحكام الآمدي 4: 457 ـ 458.
- ↑ . مفاتيح الاُصول: 480 و499 ـ 501.
- ↑ . كفاية الاُصول: 292، اُصول الفقه المظفر 3: 170.
- ↑ . مصباح الاُصول 2: 144 ـ 145.
- ↑ . فرائد الاُصول 1: 232، كفاية الاُصول: 292.
- ↑ . منتهى الدراية 4: 395.
- ↑ . الحجرات: 6.
- ↑ . اُصول الفقه المظفر 3: 171.
- ↑ . مصباح الاُصول 3: 145 ـ 146.
- ↑ . اُصول الفقه المظفر 2: 172 ـ 173.
- ↑ . مصباح الاُصول 2: 144.
- ↑ . معالم الدين ابن الشهيد الثاني: 176، نهاية الاُصول (تقريرات السيد البروجردي): 543 ـ 544، تهذيب الاُصول (الامام الخميني) 2 : 100.
- ↑ . أنوار الهداية 1: 261 ـ 262.
- ↑ . معالم الدين ابن الشهيد الثاني: 176.
- ↑ . قوانين الاُصول: 374 و377.
- ↑ . اُصول الفقه المظفر 3: 173.
- ↑ . أجود التقريرات 3: 279، نهاية الأفكار 4ق2: 205، اُنظر: ما نقله عنهم في مصباح الاُصول الخوئي 2: 249، القواعد الفقهية (البجنوردي) 5: 321.
- ↑ . مصباح الاُصول 2: 203.
- ↑ . مصباح الاُصول 2: 240 ـ 241.
- ↑ . مصباح الاُصول 2: 242.
- ↑ . أجود التقريرات 3: 280.
- ↑ . بحوث في علم الاُصول الهاشمي 4: 426.