الأصحاب

من ویکي‌وحدت

الأصحاب: جمع صحابي، وهو الذي عاشر الرسول فترة. وتستعمل مضافة إلى مفردة الأئمة أو أئمَّة إحدى المدارس، من قبيل أصحاب الصادق(ع) وأصحاب الباقر(ع) وأصحاب أبي حنيفة وأصحاب الشافعي وغير ذلک.

تعريف الأصحاب لغةً

صحبه صُحبة (بالضم) وصحابة (بالفتح) وصاحبه: عاشره... والأصحاب جماعة الصحب، مثل: فرخ وأفراخ، والصاحب المعاشر. [١]

تعريف الأصحاب اصطلاحاً

وردت هذه المفردة بمعنيين:
الأوّل: جمع صحابي، وهو الذي عاشر الرسول فترة. [٢]
الثاني: تعني الأتباع أو التلاميذ، وتستعمل مضافة إلى مفردة الأئمَّة أو أئمَّة إحدى المدارس، من قبيل أصحاب الصادق عليه‏السلام و أصحاب الباقر عليه‏السلام و أصحاب أبي حنيفة و أصحاب الشافعي، والاصطلاح يشمل المحدّثين وغيرهم، فبالنسبة إلى أصحاب أئمَّة أهل البيت كانوا محدّثين لرواياتهم، بينما أصحاب الشافعي كانوا تلامذة أو أتباعا له. [٣]
فهذه الکلمة تستعمل غالباً إلی ما يضاف إليه، والمضاف إليه مختلفٌ حسبَ معنی المراد من المستعمل فيه، فاللازم أن نبحث عن هذه الکلمة بالنظر إلی ما يضاف إليه.

أصحاب الاجتهاد

لقد مرَّ هذا الاصطلاح بأدوار مختلفة، حمل معنى سلبيا في مراحل استخدامه الأولى، إذ كان يطلق على أهل الرأي والقياس من مجتهدي أهل السنّة.
وفي مراحل استخدامه اللاحقة اتَّخذ معاني إيجابية، فأصبح يطلق على المجتهدين ومن يمارسون استنباط الأحكام الشرعية من مصادرها، سواء كانوا في عهد أئمَّة الشيعة المعصومين أو ما بعد ذلك العهد، ويرادفه اصطلاح أهل الاجتهاد. ويقابل هذا اصطلاح أهل الحديث ومدرسته التي هي عبارة عن نهج نقل الحديث وتدوينه وإن لم يكن مذهبا خاصّا. [٤]

أصحاب الإجماع

اصطلاح درج لدى الشيعة في علم الدراية، ويختلف معناه عن معنى أهل الإجماع، فالمراد منه هنا الإشارة إلى مجموعة مختلف في عددها من الرواة الأجلَّة، صحَّح فقهاء الشيعة رواياتهم الواردة بطرق صحيحة، وفي ظلِّ شروط خاصَّة. [٥]
وقد جاء تسميتهم بالنحو التالي: زرارة، ومعروف بن خربوذ، وبريد، وأبو بصير الأسدي، والفضيل بن يسار، ومحمّد بن مسلم الطائفي[٦]، وجميل بن دراج، وعبداللّه‏ بن مسكان، وعبداللّه‏ بن بكير، وحمّاد بن عيسى، وحمّاد بن عثمان، وأبان بن عثمان[٧]، ويونس بن عبدالرحمن، وصفوان بن يحيى بياع السابري، ومحمّد بن أبي عمير، وعبداللّه‏ بن المغيرة، والحسن بن محبوب وأحمد بن محمّد بن أبي نصر. وقال بعضهم مكان الحسن بن محبوب: الحسن بن علي بن فضّال وفضالة بن أيوب. وقال بعضهم مكان ابن فضّال: عيسى بن عثمان. [٨]

أصحاب الأصول

ورد هذا الاصطلاح بمعنيين:
الأوّل: أصحاب الأئمَّة عليهم‏السلام الَّذين كانت لهم مدوَّنات في الحديث، تلقّوها عن الأئمَّة، وحاليا نفقد جلّها، وما بلغنا منها إلاّ القليل جدّا ضمن الموسوعات الحديثية كالكتب الأربعة[٩]. وقد عدَّ الحر العاملي بعضهم. [١٠]
الثاني: أصحاب الاجتهاد أو أهل الاجتهاد، ويقابله أهل الحديث، وهو استعمال درج لدى بعض أهل السنّة. [١١]

أصحاب التخريج

ويدعون أهل التخريج ومجتهدون مقيدون ومنتسبون وأصحاب الوجوه أو أصحاب الوجوه والطرق كذلك[١٢]، وهم طبقة من المجتهدين ويتميَّزون بأنَّ اجتهادهم لا يعدو عن تفسير قول إمام المذهب، لما قد يحفّه من إبهام أو إجمال يستدعي الشرح، ومثَّلوا لذلك بالرازي والجصاص[١٣]، والكرخي والطحاوي والحسن بن زياد من الحنفية، والأبهري من المالكية، والمروزي وابن أبي حامد الاسفراييني وأبي إسحاق الشيرازي من الشافعية. [١٤]
وهناك نقاش في عدِّ اجتهادهم اجتهادا بالمعنى المصطلح[١٥]، بل عدَّهم البعض مقلّدين لا أكثر، أو مقلّدين لإمامهم على أقلّ تقدير. [١٦]

أصحاب الترجيح

ويدعون أهل الترجيح ومجتهدي الترجيح أو مجتهدي الفتيا كذلك[١٧]، وهم طبقة من المجتهدين، وشأنهم الموازنة بين الروايات والأقوال وترجيح بعضها على الآخر لمرجِّح ما[١٨]، ومثَّلوا لهم بأبي الحسن القدوري (428 ه ). [١٩]
وهناك نقاش في عدِّ اجتهادهم اجتهادا بالمعنى المصطلح. [٢٠]. بل هم كأصحاب التخريج عدُّوا مقلّدين، أو مقلّدين لإمامهم على أقلّ تقدير. [٢١]

أصحاب الحديث

ورد هذا الاصطلاح بعدّة معان:
الأوّل: أصحاب الجوامع الحديثية، كالبخاري والترمذي والكليني والصدوق والعلاّمة المجلسي.
الثاني: رواة الحديث من التابعين ومن لحقهم. وهذا الإطلاق نادر غير دارج كثيرا، وقد يكون ناشئا عن اتّباعهم مدرسة الحديث.
الثالث: هم ما يسمّون بأهل الحديث، وتدعى مدرستهم، التي تقع في النقطة المقابلة لمدرسة الرأي، بمدرسة أهل الحديث و مدرسة المدينة و مدرسة الحجاز[٢٢]، ومن المحتمل أنَّ ذلك باعتبار كون أرباب هذه المدرسة يرون فقهاء الحجاز والمدينة هم الأثبت في الحديث، مضافا إلى أنَّ جلّ فقهاء الحجاز كانوا من أصحاب الحديث عكس فقهاء العراق[٢٣]. على أنَّ هذا لايعني انحسار هذا التوجُّه بعلماء الحجاز، بل بعض علماء العراق من قبيل عامر الشعبي الذي كان من فقهاء الكوفة حمل هكذا توجُّه ويصنَّف ضمن أصحاب الحديث، وكذلك سفيان الثوري و الأوزاعي الشامي. [٢٤]
وهم فريق من التابعين من علماء الحجاز الذين توقَّفوا على النصوص والآثار الواردة عن الرسول (ص) وسعوا إلى عدم اللجوء إلى الرأي إلاَّ عند الضرورة القصوى، وعلى رأسهم سعيد بن المسيب، إذ كان يرى هو وأصحابه أنَّ أهل الحرمين الشريفين (مكّة والمدينة) أثبت الناس في الحديث والفقه، فعكفوا على حفظ ما لديهم من آثار وفتاوى صادرة عن الصحابة كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي قبل الخلافة وعائشة وابن عبّاس وابن عمر وزيد بن ثابت وأبي هريرة وقضاة المدينة. [٢٥]
وقد تبلور هذا المذهب في أواسط القرن الأوَّل من الهجرة، وتزامن ذلك مع رفع المنع عن التحديث واضطرابات سياسية واختلافات فقهيَّة ومذهبية. [٢٦] أرجع البعض وقوفهم على الحديث إلى الاُمور التالية:
الأوّل: اتِّباعهم وتأثُّرهم بالصحابة الذين توقّفوا في الحديث احتياطا من قبيل العبّاس والزبير وعبد اللّه‏ بن عمر بن الخطاب وعبد اللّه‏ بن عمرو بن العاص.
الثاني: كثرة الآثار والأحاديث التي كانت في متناول أيديهم، فقد زادت عليه قياسا إلى عصر الصحابة.
الثالث: بداوة أهل الحجاز وعدم حصول المستجدات بالسرعة التي نشهدها في عصور أو أمصار اُخرى. [٢٧] طريقة أصحاب الحديث الأخذ بالحديث وترجيحه على الرأي حتَّى لو كان ضعيفا، فأبو داود كأحد أبرز أصحاب الحديث أخذ في سننه بالحديث الضعيف ورأى ذلك خيرا من إبداء الرأي. [٢٨]
وينقل عن الشعبي قوله: الرأي بمنزلة الميتة إذا اضطررت إليها أكلتها.
ويروى عن حفص بن عبد اللّه‏ النيسابوري (ت 209هـ ) إنَّه اشتغل بالقضاء عشرين عاما من غير أن يحكم مرَّة واحدة بالرأي. [٢٩]

أدلَّة أصحاب الحديث

استدلَّ أصحاب هذا المذهب على صحَّة مذهبهم بما ورد عن كبار الصحابة من ذمّ الرأي، من قبيل الأحاديث التالية:
عن علي عليه‏السلام قوله: «لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخفّ أولى بالمسح من أعلاه».[٣٠] إنَّ عمر بن الخطاب قال: «أصبح أهل الرأي أعداء السنن، أعيتهم أن يعوها، وتفلَّتت منهم أن يرووها، فاستبقوها بالرأي».[٣١]
وقال: «اتَّقوا الرأي في دينكم».[٣٢]
وقول عبداللّه‏ بن مسعود: «لايأتي عليكم عام إلاَّ وهو شرٌّ من الذي قبله، أمّا إنّي لا أقول: أمير خير من أمير، ولا عام أخصب من عام، ولكن فقهاؤكم يذهبون ثُمَّ لا تجدون منهم خلفا، ويجيء قوم يقيسون الاُمور برأيهم».[٣٣]
وعن ابن عبّاس: «من أحدث رأيا ليس في كتاب اللّه‏، ولم تمضِ به سنَّة من رسول اللّه‏ (ص) لم يدر على ما هو منه إذا لقي اللّه‏ عزّوجلّ».[٣٤]
ويمكن أن يضاف إلى ذلك ما ورد عن أهل البيت من أحاديث في ذمّ القياس و الاجتهاد بالرأي. [٣٥]

المعتدلون من أصحاب الحديث

متأخّرو أصحاب الحديث كابن القيم الجوزية رفضوا الأحاديث المزبورة بمطلقها وحملوا مفردة الرأي الواردة فيها على الرأي الباطل، وهي غير شاملة للرأي الصحيح الذي يعتمد اُسسا صحيحة.
لقد قسَّم هؤلاء الرأي إلى باطل وصحيح وموضع اشتباه، والباطل قسَّموه إلى خمسة أقسام من قبيل كونه مخالفا للنصّ أو ظنّيا أو بدعا، وحملوا الروايات الذامَّة للرأي على هذا القسم من الرأي، وجوَّزوا الأخذ بالرأي المحمود أو المشتبه به عند الضرورة. [٣٦]

من أعلام أصحاب الحديث

لايوجد تعريف منضبط لأصحاب الحديث ومدرستهم، ولهذا قد يصنِّف بعض الكُتَّاب أعلاما ضمن هذه المدرسة وقد يخرجهم كُتَّاب آخرون.
اعتبر البعض أبا داود في أقصى التطرُّف من حيث الأخذ بمذهب الحديث، وهو يقابل بالتمام أبا حنيفة باعتباره يمثِّل أقصى التطرُّف في الأخذ بمذهب الرأي، أمَّا مثل الإمام مالك و الشافعي و أحمد بن حنبل فيمثِّلون الحدّ الوسط. [٣٧]
وصنِّف سالم بن عمر من أعلام هذه المدرسة باعتباره كان يرفض الإفتاء بالرأي، فإذا سئل عن حكم واقعة لم يسمع فيها شيئا قال: «لا أدري لعلّي إذا أفتيت لك برأي، ثُمَّ تذهب فأرى بعد ذلك رأيا غيره فلا أجدك فماذا يكون مصيري».[٣٨]
وهكذا زيد بن ثابت وعامر الشعبي ويزيد بن حبيب المعري والأوزاعي الشامي. [٣٩]

نهاية مدرسة الحديث

يبدو أنَّ البعض يرى الظاهرية امتدادا لمدرسة الحديث، لهذا نسب إليه القول بأنَّ مدرسة الحديث لم يكتب لها البقاء حيث اختفت بوفاة الإمام الظاهري (ت270هـ ) [٤٠] لكنَّ هذا لايبدو صحيحا، والمدرسة وأصل التوجُّه إلى الحديث بشكل خاصّ استمرَّ عبر العصور بأنحاء مختلفة لدى كثير من الطوائف من الشيعة والسنَّة، فالأخباريَّة الشيعية ذات نفس التوجُّه بكلِّياته وقد كان له امتداد وأتباع من الطائفة الشيعية في القرون الأخيرة (أخباريّون)، بل نفس الظاهريَّة امتدَّت حتَّى قرون متأخّرة من بعد الإمام الظاهري. وهناك الكثير من الأعلام ممّن لحق الإمام الظاهري ينتمون إلى هذه المدرسة.

أصحاب الرأي

ويدعون أحيانا أهل الرأي أو أهل القياس أو أهل الرأي والقياس، وهو اصطلاح يطلق على القائلين بمذهب إعمال الرأي والقياس في الأحكام الشرعية التي لم يرد فيها قرآن أو أثر.
وهذا العنوان شامل للقائلين بالقياس والقائلين بـ الاستحسان كذلك، رغم الاختلاف بين الفريقين، فالشافعي يعدُّ من أصحاب الرأي ويقول بالقياس، لكنَّه نقد القائلين بالاستحسان[٤١]، والجميع يُصنَّفون ضمن أصحاب الرأي. [٤٢]
ورغم أنَّ إعمال الرأي كان حاصلاً عهد الصحابة والخلفاء ويدلُّ عليه ما ورد عنهم من نهي عن الرأي[٤٣]، إلاَّ أنَّ تبلوره كمذهب برز على يد أبي حنيفة، إذ قال بالقياس؛ نظرا إلى إنتهاء عهد النصّ لديه بوفاة الرسول (ص)، وقد يكون ذلك ناشئا عن إحساسه بالحاجة الماسة للتشريع واستنباط أحكام تنسجم مع مستجدات الاُمور الشرعية، بخاصة في مجال القضاء، كما يبدو ذلك من البعض[٤٤]، ولهذا تعرَّض لهجمات عنيفة من قبل الكثير ممَّن عاصره أو لحقه، بحيث عدَّ البعض قوله بالرأي والقياس أعظم فتنة بعد فتنة الدجَّال. [٤٥]

أدلَّة أصحاب الرأي

منها: وصيَّة النبي(ص) إلى معاذ بن جبل عندما بعثه إلى اليمن، إذ سأله: «بماذا تقضي؟» فقال: أقضي بما في كتاب اللّه‏، قال: «فإن لم تجد في كتاب اللّه‏؟» قال: فبسنَّة رسول اللّه‏(ص) قال: «فإن لم تجد في سنَّة رسول اللّه‏؟» قال: أجتهد رأيي ولا آلو، فقال: «الحمد للّه‏ الذي وفَّق رسول اللّه‏ لما يرضى رسول اللّه‏».[٤٦]
ومنها: قول عمر بن الخطاب لكاتبه: «قل هذا ما رأى عمر بن الخطاب».[٤٧]
ومنها: ما ورد عن بعض الصحابة من حكمهم بآرائهم في بعض الموارد من قبيل قول ابن مسعود في المتوفَّى عنها زوجها ولم يسمَّ لها صداقا: «أقول فيها برأيي».[٤٨]
ومنها: وصيَّة عمر لشريح حينما بعثه قاضيا، وقال له: «ما وجدته في كتاب اللّه‏ فلا تسأل عنه أحدا، وما لم تستبن في كتاب اللّه‏ فالزم السنَّة، وإن لم يكن في السنَّة فاجتهد رأيك».[٤٩]
ومنها: أنَّ اللّه‏ أمر بإنفاذ الحكم بالشاهدين واليمين؛ وذلك لأجل غلبة الظنّ، مع احتمال كذب اليمين والشاهدين أو غفلتهما.
إلاَّ أنَّ ابن حزم رفض هذا الاستدلال واعتبر فرض الشاهدين واليمين لا من باب غلبة الظنّ، بل من باب كونه حكما شرعيا، ولو كان مبنيا على غلبة الظنّ للزم تقديم المسلم المعروف بالتقوى على النصراني المعروف بالكذب إذا تخاصما وجاء النصراني ببيِّنة، مع أنَّا لا نفعل هذا بل نقدِّم قول النصراني؛ لكونه مدعوما ببيِّنة. [٥٠]

أصحاب الظاهر

ويدعون أهل الظاهر والظاهريين والداوديين، نسبة إلى مذهب الظاهرية والداودية، والاصطلاح يطلق على أتباع المذهب المزبور، أي مذهب الإمام داود بن علي الإصفهاني[٥١]، من أعلام القرن الثالث الهجري، الذي كان شافعيا، ثُمَّ تمسَّك بطريقة منفردة وخاصّة في مجال الفقه، تختلف عن طريقة الشافعي، ولهذا تصدَّى له علماء الشافعية آنذاك. [٥٢]
نشأ هذا المذهب في بغداد في القرن الثالث من الهجرة لكن اتسعت رقعة أتباعه وبلغت ذروتها في القرن الرابع، بل عُدَّ آنذاك المذهب الرابع[٥٣]، واعتبره البعض من المذاهب الفقهية التي بادت في أواخر القرن الخامس[٥٤]، إلاَّ أنَّ البعض يرى له امتدادا وتألُّقا كبيرا جدّا في أواخر القرن السادس وأوائل‏القرن السابع، وهذه البرهة تعدُّ برهة ازدهار هذا المذهب، وقد عمَّم العمل به في شمال أفريقيا والأندلس كلّها يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن بن علي، ثالث حكام بني المؤمن، الذي تولَّى الحكم من سنة 580 إلى سنة 595 من الهجرة، وسار عليه من لحقه من الولاة، بل يعقوب بن يوسف أمر في عهده بإحراق كتب المالكية وغيرها بعد تجريدها من الآيات وأحاديث الرسول(ص). [٥٥]
وعلى أيّة حال فإنَّ مصادر هذا المذهب من قبيل كتاب (الإحكام في أصول الأحكام) و(المحلَّى) لابن حزم الأندلسي الذي هو من أبرز أعلام هذا المذهب، لازالت في متناول الأيدي وينظر إليها باهتمام بالغ. كما أنّ محيي الدين بن عربي، من شيوخ الصوفية، يعدُّ من أعلام هذا المذهب في مجال العبادات. [٥٦]

متبنيَّات المذهب الظاهري

يعتمد هذا المذهب ظواهر الكتاب والسنّة إلاَّ أن يدلَّ دليل منهما أو الإجماع على غير الظاهر، ويعتبرون إجماع غير الصحابة غير معتبر خلافا لكثير من المذاهب الإسلامية، كما قالوا بالاستصحاب أيضا، ورفضوا التقليد، ولايرون حجّية لباقي الأدلَّة الأصولية، من قبيل العقل و القياس و الاستحسان، بل رفضوا الدليلين الأخيرين رفضا باتا[٥٧]، ولذلك اختلفوا مع الجمهور في بعض الأحكام، بل عدَّهم البعض مفرطين في ردِّهم القياس. [٥٨]

أصحاب الفتيا

ويدعون أهل الفتوى كذلك، وهو اصطلاح يطلق على المتصدّين لشأن الإفتاء والإجابة عن الأسئلة الشرعية الوافدة من المستفتين. وهذا الاصطلاح لايختصّ بفقهاء ما بعد عصر النصّ، بل يعمُّ من كان قد تصدَّى للإفتاء حتَّى من الصحابة أو التابعين، وإن اختلف شأن الصحابة عن غيرهم في أنَّ فتاواهم كانت تقتصر على ذكر الآيات والروايات غالبا، وغيرهم من الفقهاء أطعموا فتاواهم بما تستلزمه استنباطاتهم من القواعد الأصولية والفقهية. [٥٩]
ويفرّق بين الاجتهاد والإفتاء بأنَّ الأخير يمارسه المجتهد الذي يعلم بالواقعة المستفتى عنها. [٦٠]
عدَّ ابن حزم الصحابة الَّذين تصدّوا للإفتاء بمئة ونيّف وثلاثين فقط[٦١]. وقد قسَّمهم بعض الأصوليين من حيث كميّة الإفتاء إلى مكثرين ومتوسّطين ومقلّين، واختلفوا في تصنيف البعض ضمن كلٍّ من الأقسام الماضية. [٦٢]
وممَّا بحثه الأصوليون في هذا المجال هو حجيَّة أو عدم حجيَّة فتاوى الصحابة. [٦٣]
كما عدّوا أصحاب الفتيا من التابعين وصنَّفوهم ـ من حيث المكان الَّذي كانوا يمارسون الإفتاء فيه ـ إلى أصناف، وأهمّ الأماكن هي: مكّة المكرمة، والمدينة المنورة، والبصرة، والكوفة، والشام، ومصر، والقيروان، والأندلس، واليمن، وبغداد. [٦٤] وقد ذكر بعض الأصوليين بحوثا جانبية في الإفتاء من حيث شروطه وأدواته وما شابه ذلك.

أصحاب القياس

قد يراد منهم أصحاب المذاهب القائلة بالقياس، فيدعون أهل القياس كذلك، وقد يراد منهم أصحاب الرأي لهذا يقرن القياس أحيانا بالرأي، فيقال: أصحاب الرأي والقياس.

الهوامش

  1. لسان العرب 2: 2152، وأنظر: تهذيب اللغة 4: 153، مادة «صحب».
  2. أنظر: علوم الحديث ابن الصلاح: 293، الرعاية لحال البداية: 161.
  3. الذريعة 1: 250، أصول السرخسي 1: 309، العدّة في أصول الفقه الطوسي 1: 237، الفوائد المدنية: 275.
  4. دروس في علم الأصول 1: 57 ـ 62، تاريخ الفقه الإسلامي وأدواره: 220، 226.
  5. منتهى المقال 1: 50، توضيح المقال: 191ـ192، كليَّات في علم الرجال: 163 ـ 178.
  6. اختيار معرفة الرجال: 2: 507، الترجمة رقم 431.
  7. المصدر السابق: 673، الترجمة رقم 705.
  8. المصدر نفسه: 830 ـ 831، الترجمة رقم 1050.
  9. أنظر: مشرق الشمسين: 274، الحدائق الناضرة 1: 479.
  10. وسائل الشيعة 30: 227 ـ 231، وأنظر: الأصول الأربعمائة، والأصول الستّة عشر.
  11. أنظر: المجموع شرح المهذّب 1: 43، 60، 168.
  12. المجموع شرح المهذّب 1: 43، 72، أعلام الموقّعين 4: 212ـ213، الاجتهاد في الإسلام: 181 ـ 182.
  13. اُنظر: الفصول في الأصول المقدّمة 1: 19.
  14. الاجتهاد في الإسلام: 187.
  15. الأصول العامة للفقه المقارن: 572 - 574.
  16. أنظر: الفصول في الأصول المقدّمة 1: 19، المجموع شرح المهذب 1: 43 ـ 44.
  17. الاجتهاد في الإسلام: 189.
  18. أصول الفقه أبو زهرة : 371 ـ 372 ، الأصول العامَّة للفقه المقارن : 572.
  19. الفصول في الأصول المقدّمة 1: 19.
  20. الأصول العامة للفقه المقارن 572 ـ 574.
  21. أنظر: الفصول في الأصول المقدّمة 1: 19.
  22. كتاب أدوار علم الفقه وأطواره: 45.
  23. تاريخ التشريع الإسلامي الخضري بك: 103.
  24. أنظر: كتاب أدوار علم الفقه وأطواره: 45 - 46.
  25. تاريخ الفقه الإسلامي السايس: 85.
  26. تاريخ التشريع الإسلامي الخضري بك: 98.
  27. تاريخ الفقه الإسلامي السايس: 84 - 85.
  28. نظرة عامة في تاريخ الفقه الإسلامي: 212 - 213.
  29. المصدر السابق: 211 - 218.
  30. نيل الاوطار 1: 231.
  31. تاريخ المدينة المنورة ابن شبة 3ـ4: 801.
  32. فتح الباري ابن حجر 13: 246.
  33. سنن الدارمي 1: 65 باب تغير الزمان.
  34. المصدر السابق: 57 باب الفتيا وما فيه من الشدة.
  35. وسائل الشيعة 27: 35 ـ 66 كتاب القضاء، باب 6 عدم جواز القضاء والحكم بالرأي والاجتهاد والمقاييس، أحاديث الباب.
  36. أنظر: أعلام الموقّعين 1: 67ـ73، نظرة عامة في تاريخ الفقه الإسلامي: 216 ـ 218.
  37. نظرة عامة في تاريخ الفقه الإسلامي: 223 - 224.
  38. كتاب أدوار علم الفقه وأطواره: 45.
  39. المصدر السابق: 45 - 46.
  40. المصدر نفسه: 46.
  41. الأم 7: 309.
  42. تاريخ التشريع الإسلامي الخضري بك: 146 ـ 147.
  43. أنظر: أعلام الموقّعين 1: 53 ـ 60.
  44. اُنظر: نظرة عامة في تاريخ الفقه الإسلامي: 211 ـ 212.
  45. أنظر ترجمته في: تاريخ بغداد 13: 325 ـ 426، وفيات الأعيان 5: 405 ـ 414.
  46. سنن أبي داود 3: 303 كتاب الأقضية، باب اجتهاد الرأي في القضاء ح3592.
  47. السنن الكبرى البيهقي 10: 116 كتاب آداب القاضي، باب ما يقضي به القاضي حديث مسروق.
  48. مسند أحمد 5: 352، ح17992.
  49. نظرة عامة في تاريخ الفقه الإسلامي: 215، وأنظر: المغني ابن قدامة 11: 400.
  50. أنظر: نظرة عامة في تاريخ الفقه الإسلامي: 213 - 216.
  51. أنظر ترجمته في: وفيات الأعيان 2: 255 ـ 257، طبقات الشافعية الكبرى 2: 284 ـ 293.
  52. نظرة عامة في تاريخ الفقه الإسلامي: 279.
  53. المصدر السابق: 299.
  54. كتاب أدوار علم الفقه وأطواره: 171.
  55. ابن حزم أبو زهرة: 519 ـ 520، مالك (أبو زهرة): 367.
  56. ابن حزم أبو زهرة: 519.
  57. تاريخ التشريع الإسلامي الخضري بك: 196 ـ 199، ابن حزم (أبو زهرة): 268 ـ 435، كتاب أدوار علم الفقه وأطواره: 170، تاريخ الفقه الإسلامي وأدواره: 60 ـ 61.
  58. أنظر: أعلام الموقّعين 1: 222 وما بعدها.
  59. أنظر: تاريخ الفقه الإسلامي وأدواره: 25 ـ 26.
  60. أصول الفقه أبو زهرة: 376.
  61. الإحكام 5 ـ 8: 87.
  62. أنظر: الإحكام ابن حزم 5 ـ 8 : 87 ـ 89 ، أعلام الموقّعين 1 : 12 ـ 14.
  63. أصول الفقه أبو زهرة: 198 ـ 203.
  64. الإحكام ابن حزم 5 ـ 8: 89 ـ 97، أعلام الموقّعين 1: 22 ـ 28.