صيغ العموم

صيغ العموم: اختلفت الأصوليون في أنّه هل للعموم صيغ تخصّه أو لا؟ إنّ في ذلک ثلاثة مذاهب نذکرها ونتلوها للقارئ الکريم.

أدوات وصيغ العموم

اختلفت أنظار الاُصوليين ـ في أنّه هل للعموم صيغ تخصّه أو لا؟ ـ على مذاهب:
المذهب الأوّل: المعروف بين الاُصوليين أنّ للعموم صيغا تخصّه، وهو المحكي عن الطوسي والمحقّق الحلّي و العلامة الحلي، والأخوند الخراساني، و الغزالي، وابن قدامة، والشوكاني، وعزاه البعض إلى الأكثر.
وقد دلّت على صحّة هذا المذهب دلائل منها:
1 ـ لو كان «الجمع المحلّى بلام» و«كل» و«جميع» مشتركة بين العموم والخصوص، لكان قول القائل: رأيت الناس كلّهم أجمعين مؤكّدا للاشتباه وذلك باطل؛ لأنّا نعلم ضرورة من تعاضد أهل اللغة في إزالة الاشتباه بتكرير هذه الألفاظ.
2 ـ إنّ صيغ العموم يُحتاج إليها في كلّ لغة، ولا تختصّ بلغة العرب فيبعد جدّا أن يغفل عنها جميع الخلق، فلا يضعونها مع الحاجة إليها
المذهب الثاني: إنّ العموم ليس له صيغة تخصّه، وإنّما ذكر من الصيغ موضوعة للخصوص، وهو أقلّ الجمع: إمّا اثنان وإمّا ثلاثة بناء على الخلاف في أقلّ الجمع ولا يقتضي العموم إلاّ بقرينة.
المذهب الثالث: إنّ العموم ليس له صيغة تخصّه في اللغة، بل إنّ الألفاظ مشتركة بين العموم والخصوص، وبعد اختلاف الاُصوليين في أنّه هل للعموم صيغ تخصّه أو لا، وذهاب أكثرهم إلى أنّ للعموم صيغا تدلّ عليه، اختلفوا أيضا في أساليب تقسيم صيغ العموم، فمنهم من قسمها إلى قسمين، ومنهم من قسمها إلى خمس، ومنهم من سردها من غير تقسيم، وعليه نذكر هنا ما اشتهر بين الاُصوليين من صيغ العموم، وهي على النحو التالي:

1. لفظة «کلّ»

وهي أقوى صيغ العموم في الدلالة عليه، وما في معناها من الألفاظ المستعملة في تأكيد الشمول كـ «جميع» و«كافة» و«قاطبة» و«سائر» من قبيل قوله تعالى: «كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ». فإنّه لا كلام بين الاُصوليين في دلالة كلّ على العموم وإنّما الكلام في مدخول « كلّ » في مثل قولنا : ( اكرم كل عالم ) قولان :
الأوّل: كلّ تابعة في السعة والضيق لما يراد من مدخولها، وعليه يتوقّف العموم على إجراء الإطلاق وقرينة الحکمة، وهو ظاهر الآخوند الخراساني، وصريح المحقّق النائيني، وإليه ذهب الروحاني بعد ما كان مترددا.
الثاني: إنّها تدلّ على سعة المدخول وعمومه، من دون إجراء قرينة الحکمة وتتولى الأداة نفسها دور تلك القرينة، ولا يبعد أن يكون المشهور بين الاُصوليين.
وممّا يدلّ على أنّ لفظ «كل» و«جميع» وما يصرف منهما وما بمعناهما للعموم، هو أنّه لو كانت هذه الألفاظ مشركة بين العموم والخصوص، لكان قول القائل: «رأيت الناس كلّهم أجمعين» مؤكّدا للاشتباه؛ لأنّ مدلول اللفظ يتأكّد بتكريره، مع أنّا نعلم أنّ مقصود أهل اللغة إزالة الاشتباه بتكرار هذه الألفاظ.

2. الأسماء الموصولة كـ «الذي» و«التي» وتثنيتهما وجمعهما و«مَن» «وما»

والذي يدلّ على أنّ «الذي» و«التي» وتثنيتهما وجمعهما تفيد العموم هو صحّة الاستثناء في مثل قولنا: «أكرم الذي نجح إلاّ زيدا».
وأمّا «من» و«ما» الموصولتان، نحو: «مررت بمن قام» أو «ما قام»، أي: بالذي قام، فقد وقع الخلاف فيهما بين الاُصولين على أقوال:
الأوّل : إنّهما كسائر الأسماء الموصولة في إفادة العموم.
الثاني: لا عموم فيهما إلاّ أن تتضمّن معنى الشرطية أو الاستفهامية، وهو ما عليه أكثر الاُصوليين.
الثالث: متى وقعت «من» «وما» معرفة لم تكن للعموم.
الرابع: «من» عامّة للعاقل، و«ما» عامّة لغير العاقل ونسب إلى سيبويه القول بأنّ «ما» عامّة للعاقل وغيره، وبه قال جماعة.

3. أسماء الاستفهام، نحو: من، ما، أين، متى، أيّ، كم

لا خلاف يعتد به بين الاُصوليين أنّ أسماء الاستفهام تفيد العموم. وممّا يدلّ على كون أسماء الاستفهام للعموم أنّ قول القائل: «من دخل داري؟» ـ مثلاً ـ فلو كانت للخصوص لما حسن الجواب بالعموم بأن يقال في جوابه: «كلّ القوم» ولو كانت للاشتراك، لما حسن الجواب إلاّ بعد الاستفهام عن جميع الأقسام الممكنة.

4. أسماء الشرط، من قبيل: من، ما، أيّ، مهما، أين، متى، إذا، كيف، أنّى، حيث، أيان

المعروف بين الاُصوليين أنّ أسماء الشرط آنفة الذكر تفيد العموم. والذي يدلّ على كون أسماء الشرط للعموم أنّ لفظ «من» مثلاً في قولنا: «من دخل داري أكرمه» لو كان للاشتراك لما صحّ الامتثال قبل السؤال، ولو كان للخصوص لما صحّ الاستثناء.

5. الجمع المحلّى بالألف واللام

لا خلاف يعتد به بين الاُصوليين في دلالة الجمع المحلّى من قبيل: «أكرم العلماء» على العموم إن لم تكن الألف واللام عهدية، وإنّما الخلاف في كيفية هذه الدلالة هل هو بالوضع أو هو بـ الإطلاق بمقتضى مقدمات الحكمة، قولان:
الأوّل: دلالته على العموم بـ الوضع، وهو ظاهر الآخوند الخراساني، والفاضل التوني، و السيّد الخوئي، والسبحاني.
الثاني: دلالته على العموم بـ مقدمات الحكمة، وممّا يدلّ على أنّ الجمع المعرف بال يفيد العموم هو:
ـ إنّ صحّة الاستثناء دليل العموم.
ـ التبادر.
ـ لو لم يفد العموم لما جاز تأكيد بـ «كل» وبـ «أجمعون» في مثل قولنا: «قام القوم كلّهم أو أجمعون».

6. المفرد المحلّى بالألف واللام

اختلف الاُصوليين في دلالة المفرد المحلّى من قبيل: «أكرم العالم» على العموم إلى أقوال:
القول الأوّل: لا يفيد العموم، وهو ما عليه أكثر المحقّقين كالمحقّق الحلّي، و العلامة الحلي، وابن الشهيد الثاني، والشيخ محمّد تقي الإصفهاني، والسيّد البروجردي، و الفخر الرازي.
وممّا يدلّ على أنّ المفرد المحلّى بالألف واللام لا يفيد العموم هو أنّه لو عمّ لصحّ الاستثناء منه.
القول الثاني: إنّه يفيد العموم إن لم يكن هناك ما يدلّ على أنّ الألف واللام عهدية، وهو ما عليه الجمهور، وكذلك هو اختيار الشيخ الطوسي والدليل عليه هو صحّة الاستثناء كما في قوله تعالى: «إِنَّ الإِنْسانَ لَفِى خُسْرٍ * إِلاّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ» و.
القول الثالث: إنّه يفيد العموم شرعا لا لغةً.
7 ـ الجمع المنكر.
اختلف الاُصوليون في الجمع المنكر إلى قولين:
القول الأوّل: يذهب أكثر الاُصوليين إلى أنّ الجمع المنكر من قبيل: «اعتق عبيدا» لايفيد العموم، وممّا يدلّ على أنّ الجمع المنكر لا يفيد العموم هو أنّه إمّا حقيقة في كلّ مرتبة من مراتب الجموع، أو أنّه حقيقة في القدر المشترك بينهما، فعلى كلّ التقديرين يكون أقلّ مراتب الجمع محقّق الدخول، ويبقى الباقي في حكم المشكوك.
القول الثاني: الجمع المنكر يدلّ على العموم بـ الإطلاق و مقدمات الحكمة، وهذا ما ذهب إليه الشيخ الطوسي، والآمدي، والبخاري.
8 ـ النكرة الواقعة في سياق النفي نحو: (لا رجل في الدار) أو النهي نحو: (لا تكرم رجلاً).
لا كلام بين الاُصوليين في دلالة النكرة الواقعة في سياق النفي أو النهي على العموم، وإنّما الكلام في كيفية هذه الدلالة هل هي بالوضع أو هي عقلاً أو هي بالإطلاق ومقدّمات الحكمة، أقوال:
الأوّل: دلالتها على العموم عقلاً، وهو اختيار الآخوند الخراساني وبعض المتأخّرين كـ الشيخ المظفر.
الثاني: دلالتها على العموم بالإطلاق ومقدّمات الحكمة، وهو الصريح من كلام الميرزا النائيني والمحقّق العراقي.
الثالث: دلالتها على العموم بالوضع، وهو الظاهر من عبارات الميرزا القمّي.