وضع الحروف
وضع الحروف: المقصود من الحروف هو المعانی التي لا استقلال لها في إفادة المعنی بل يحتاج في الإفادة إلی الإسم، ولکن في هذا المقال نبحث عن کيفية وضع الحروف لأنه إذا کان المعنی الحرفي غير مستقل کيف يمکن أن يتصور المعنی الحرفي ووضع اللفظ له؟ ولذلک يجب أن نبحث عن کيفية وضع الحروف و ما بإزائها من المعنی.
وضع الحروف
المشهور في وضع الحروف على كونها من قبيل: الوضع العام والموضوع له الخاصّ، حتى أنّه يظهر من بعضهم جعل ذلك من عيوب المعنى الحرفي، ولعلّه من جهة ما يرى من كون المنسبق منها في موارد الاستعمال هي المصاديق الخاصّة من الروابط التي سبب اختلافها أنّها لايجمعها جامع؛ لأنّ شخص الربط الحاصل من إضافته إلى الكوفة في قولنا: «سرت إلى الكوفة» غير شخص الربط الحاصل من إضافته إلى مكان آخر، وهكذا.
فيقال: إنّه يعدّ عدم جامع في البين بين تلك الروابط الخاصّة إلاّ مفهوم الربط الذي هو معنى اسمي لا حرفي، لا مناص إلاّ من القول بخصوص الموضوع له فيها [١].
إلاّ أنّ بعضهم ذهب إلى أنّ الحقّ هو كلّية المعنی الحرفي، وكون الموضوع له في الحروف عامّا كالوضع [٢]. لكنّهم اختلفوا في توجيه ذلك:
فذهب بعضهم [٣] إلى إمكان ذلك بدعوى أنّ الموضوع له فيها في كلّ صنف منها من الروابط ـ الابتدائية والانتهائية والظرفية وهكذا ـ عبارة عن الجامع بين أشخاص تلك الروابط.
فإنّ مثل هذا الجامع وإن لم يكن له وجود مستقل في الذهن بنحوٍ يمكن لحاظه وتصوّره، حيث كان وجوده دائما ضمن الفرد والخصوصية، لكنّه في مقام الوضع أمكن وضع اللفظ بإزائه لتكون الخصوصيات خارجة عن دائرة الموضوع له؛ لأنّه يكفي في الوضع لحاظ المعنى الموضوع له ولو بوجهٍ إجمالي بما هو المحفوظ ضمن الروابط الخاصّة، وعليه فيكون الموضوع له في الحروف كالوضع عاما لا خاصّا، واستفادة الخصوصيات حينئذٍ من قبيل: تعدّد الدالّ والمدلول.
وذهب آخر [٤] إلى ذلك قائلاً: «إنّ منشأ توهم الجزئية وكون الموضوع له خاصّا هو أحد أمرين:
الأوّل: اعتبار كون المعنی الحرفي قائما بالغير، فيتوهم أنّ الخصوصية اللاحقة للمعنى بتوسّط ذلك الغير ممّا يتقوم بها هوية المعنى الحرفي.
الثاني: اعتبار كونه إيجاديا، ومن المعلوم أنّ الشيء ما لم يتشخّص لم يوجد، والتشخّص مساوي للجزئية.
ولكن يرد على هذين الوجهين بأنّهما لايصلحان أن يكونا مانعا عن كلّية المعنى الحرفي.
أمّا الأوّل: فلوضوح أنّ وجود المعنى الحرفي خارجا يتقوّم بالغير لا هويته وحقيقته، وفرق بين ما كان من لوازم الوجود وبين ما كان من لوازم الهوية، والحاصل: إنّ المعنى الحرفي لما كان إيجاد معنى في الغير، فتوهم أنّ الخصوصية اللاحقة للمعنى بتوسّط الغير مقوّمة لهوية المعنى الحرفي، وكأنّه غفل من أنّ خصوصية الغير ليست مقومة لهوية المعنى، بل هي من لوازم وجود ذلك المعنى.
وأمّا الثاني: فلوضوح أنّ كونه إيجاديا لاينافي كلّية المعنى إلاّ بناءً على القول بعدم وجود الكلّي «الطبيعي، وإلاّ فمع البناء على وجوده لايبقى مجال لتوهّم أنّ كون المعنى إيجاديا ينافي كلّيته، والحقّ وجوده...» [٥].