خطاب المشافهين
خطاب المشافهين: الخطاب بمعنی «الکلام الکاشف عن الحکم الشرعي»، أو بمعنی «الكلام الذي يفهم المستمع منه شيئاً». فليس كلّ كلامٍ خطابا، بل يشترط في الکلام الخطابي أمران: الأول أنه کان مفيداً للمعنی، والثاني أنه کان قاصداً لتفهيم المخاطب. والسؤال الأصلي في هذا البحث هو أنه هل تختص الخطابات الواردة في الشريعة بالحاضرين والموجودين في عصر الرسالة أو تعمّ الغائبين؟ ولا يخفی أن غالب الخطابات الشرعية تصدر موجَّهة إلى المشافهين والموجودين عهد صدور الخطاب، فناقش الأصوليون قضيّة شمول هكذا خطابات لغير الحاضرين آنذاك، من قبيل الجيل الموجود حالياً.
خطاب المشافهين هل يعمُّ غير الموجودين؟
غالب الخطابات الشرعية تصدر موجَّهة إلى المشافهين والموجودين عهد صدور الخطاب، فناقش الأصوليون قضيّة شمول هكذا خطابات لغير الحاضرين آنذاك، من قبيل الجيل الموجود حاليا.
ومع أنَّ الجميع يقرُّ بشمول الخطابات لمن وجدوا بعد عهد النصّ، لكن يختلفون في أنَّ الدلالة على هذا الأمر صادرة من نفس النصّ القرآني أم من مصادر وأدلّة اُخرى، فابن الشهيد الثاني ـ مثلاً ـ الذي يقول بعدم شمول النصّ يقول بالنتيجة بالشمول، لكن بالإجماع وقضاء الضرورة أو الأخبار المتواترة [١].
وفي هذا المجال أقوال:
القول الأول
اختصاص الخطاب بالموجودين ولا يثبت في حقِّ من بعدهم إلاَّ بدليل، نسبه الآمدي إلى أكثر أصحابه من الشافعيين وكذلك أصحاب أبي حنيفة و المعتزلة [٢]، ونجل الشهيد الثاني [٣]، ونسبه الفاضل التوني إلى الأكثر ممَّن صنَّف في الاُصول من الشيعة والنواصب [٤]، والميرزا القمّي وادّعى ظهور إجماع الأصحاب عليه [٥]، و الآخوند الخراساني [٦].
واستدلّوا على رأيهم باُمور:
1 ـ إنَّ الخطاب الشفاهي بـ «يا أيُّها الناس أو يا أيُّها الذين آمنوا» يستدعي وجود المخاطَب، وكونه أهلاً له، أي إنسانا، مع أنَّ الذي لم يكن آنذاك لم يحمل أيّا من هذه الصفات.
2 ـ إنَّ خطاب المجنون والصبي شفاها مستهجن، فكيف بالذي لم يوجد أصلاً، مع أنَّ الصبي والمجنون يحملان صفة الوجود والإنسانية؟ [٧].
وردَّ محمّد حسين الحائري دليل المانعين الأوّل بجواز استعمال ألفاظ الخطاب، مثل: «يا أيُّها الناس» في غير الحاضرين، وذلك بتنزيل المعدومين منزلة الحاضرين، وهو أمر مشتهر الاستعمال.
أمَّا خطاب الصبي والمجنون، فلا ملازمة بين عدم خطابهم وعدم خطاب المعدومين، مع أنَّ الثابت في حقّهما عدم التكليف لا عدم الخطاب [٨].
القول الثاني
كون الخطاب عاما وشاملاً لمن بعد الموجودين، ذهب إليه الحنابلة وطائفة من السالفين والفقهاء [٩]، والفاضل التوني [١٠]، والشيخ محمّد حسين الحائري [١١]، والزركشي [١٢].
استدلّ على هذا الرأي بـ الكتاب و السنة و الإجماع و العقل:
أمّا الكتاب فقوله تعالى: «ومَا أرْسَلْنَاكَ إلاَّ كَافَّةً لِلناسِ»[١٣].
والآيات التي وردت في الأئمة المعصومين الذين وجدوا بعد الرسول، كما يذهب إلى هذا الشيعة.
وأمّا السنة فقوله(ص): «بعثت إلى الأحمر والأسود» [١٤] ولو لم يكن الخطاب موجَّها لمَن بعد الرسول لم يكن الرسول رسولاً لهم، وهو خلاف الإجماع.
وقوله(ص): «حكمي على الواحد حكمي على الجماعة» [١٥]. ولفظ الجماعة يستغرق كلَّ من بعده، وعدم الشمول لغير الموجودين خلاف الظاهر.
وقوله في حديث الغدير: «فليبلّغ الشاهد منكم الغائب» [١٦]. الظاهر في شمول الخطاب.
وقول الإمام الكاظم عليهالسلام: «... لأنَّ اللّه لم ينزله (أي القرآن) لزمان دون زمان ولا لناس دون ناس» [١٧].
وكذلك ما ورد في بعض الروايات من الأمر بقول: «لبيك ربّنا» بعد قوله: «يا أيّها الذين آمنوا ...» [١٨].
وأمّا الإجماع، فإنَّ الصحابة والتابعين والعلماء وحتّى هذا العصر يستدلّون بالآيات والروايات في المسائل الشرعية على من وجد بعد النبي(ص).
وأمّا الدليل العقلي، فإنَّ النبيَّ لو أراد التخصيص ببعض الأمّة لنصَّ عليه، ولو أنَّ الخطاب العام والمطلق لم يكن شاملاً للكلِّ لما احتاج إلى تخصيص [١٩].
ثمرة البحث
تظهر ثمرة هذا البحث في موردين:
الثمرة الاولی
إنَّه على القول بعدم شمول الخطاب للمعدومين فعلى الموجودين بعد الرسول التحرّي والفحص عن القرائن والدلائل التي تثبت الاشتراك للموجودين بعد الرسول، ولو بضميمة الظنون الاجتهادية، من قبيل: أصل عدم النقل في اللغة، وأصل عدم السقط، وأصل عدم التحريف، وأصل عدم القرينة الحالية الدالّة على خلاف الظاهر.
الثمرة الثانية
كون شرط اشتراك الغائبين للحاضرين في الشرائع والأحكام هو كونهما من صنف واحد، فوجوب صلاة الجمعة مثلاً على الحاضرين عهد الرسول لايؤدّي إلى وجوبها على الغائبين؛ للاختلاف في الصنف، وهو كون الحاضرين يتمتّعون بسلطان عادل، والغائبون لايتمتّعون به، فلايمكن الاستدلال بإطلاق الآية لنفي اشتراط حضور المعصوم، لإثبات الوجوب على الموجودين بعد عهد نزول النصّ.
على أنَّ الفائدة الأخيرة لاتخلو من نقاش وردود [٢٠].
الهوامش
- ↑ . معالم الدين: 109 و 193، القوانين المحكمة 1: 517.
- ↑ . الإحكام الآمدي 1 ـ 2: 481 ـ 482.
- ↑ . معالم الدين: 108.
- ↑ . الوافية: 119.
- ↑ . القوانين المحكمة 1: 534 .
- ↑ . كفاية الاُصول: 228.
- ↑ . الإحكام الآمدي 1 ـ 2: 481 ـ 482، معالم الدين: 108 ـ 109، القوانين المحكمة 1: 517 ـ 518.
- ↑ . الفصول الغروية: 182 ـ 183.
- ↑ . الإحكام الآمدي 1 ـ 2: 481 ـ 482.
- ↑ . الوافية: 119.
- ↑ . الفصول الغروية: 182.
- ↑ . البحر المحيط 3: 184.
- ↑ . سبأ: 28.
- ↑ . دعائم الإسلام 1: 339.
- ↑ . شرح سنن النسائي 2: 188، كتاب الافتتاح باب الاعتدال في الركوع.
- ↑ . الكافي 1: 289، باب ما نصّ اللّه ورسوله على الأئمة، ح 4.
- ↑ . عيون أخبار الرضا 1: 93، ح32.
- ↑ . عيون أخبار الرضا 2: 183، الكافي 3: 429، كتاب الصلاة، باب نوادر الجمعة، ح6.
- ↑ . المستصفى 2: 50، الإحكام الآمدي 2: 275 ـ 276، الوافية: 119 ـ 122.
- ↑ . القوانين المحكمة 1: 522 ـ 534، كفاية الاُصول: 231، إفاضة العوائد 1: 354.