اليمين والعهد والنذر

من ویکي‌وحدت

اليمين والعهد والنذر: اليمين هو الحلف وهو مستعار من اليد اعتبارا بما يفعله المعاهد والمحالف وغيره. قال تعالى: «أم لكم أيمان علينا بالغة إلى يوم القيامة - وأقسموا بالله جهد أيمانهم - لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم - وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم - إنهم لا أيمان لهم» وقولهم: «يمين الله» فإضافته إليه عز وجل هو إذا كان الحلف به، وقوله صلى الله عليه وسلم: «الحجر الأسود يمين الله» أي به يتوصل إلى السعادة المقربة إليه.
وأما العهد فهو حفظ الشئ ومراعاته حالاً بعد حالٍ وسمّي المَوثِق الذي يلزم مراعاته عهداً، قال تعالی: «وأوفوا بالعهد إنّ العهد كان مسئولاً»، أي أوفوا بحفظ الايمان، قال تعالی: «لا ينال عهدي الظالمين» أي لا أجعل عهدي لمن كان ظالما، قال تعالی: «ومن أوفى بعهده من الله» وعهد فلان إلى فلان يعهد أي ألقى إليه العهد وأوصاه بحفظه، قال تعالی: «ولقد عهدنا إلى آدم - ألم أعهد إليكم - الذين قالوا إن الله عهد إلينا – وعهدنا إلى إبراهيم» وعهد الله تارة يكون بما ركزه في عقولنا، وتارة يكون بما أمرنا به بالكتاب وبالسنة رسلُه، وتارة بما نلتزمه وليس بلازم في أصل الشرع كالنذور وما يجرى مجراها وعلى هذا قوله تعالی: «ومنهم من عاهد الله - أو كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم – ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل».
وأما النذر فهو أن توجب علی نفسك ما ليس بواجب لحدوث أمر، يقال نذرتُ لله أمراً، قال تعالی: «إنّي نذرتُ للرحمن صوماً».
وفي هذا المجال نقدم مسائل وأحکاماً إلی القارئ الکريم تطبیقاً علی الفقه الإمامية و الحنفية و الشافعية.

أحكام اليمين

لا يمين شرعية إلا بالله تعالى ، أو اسم من أسمائه الحسنى ، دون غيرها من كل مقسم به[١]، فإذا قال : أنا يهودي ، أو نصراني ، أو مجوسي ، أو برئت من الإسلام ، أو من الله ، أو من القرآن، لا فعلت كذا ، ففعل ، لم يكن يمينا ولا بالخالفة حنث ، ولا يجب به كفارة . وبه قال مالك و الشافعي. وقال الثوري و أبو حنيفة وأصحابه : كل هذا يمين ، فإذا خالف حنث ولزمته الكفارة. [٢]
لنا بعد إجماع الإمامية أن الحالف بغير الله عاص لمخالفته المشروع من كيفية اليمين ، وإذا كان انعقاد اليمين ولزوم الكفارة بالحنث حكما شرعيا لم يثبت بالمعصية ، وأيضا الأصل براءة الذمة، وشغلها يفتقر إلى دليل .
واليمين المنعقدة الموجبة للكفارة بالحنث ، هي أن يحلف العاقل المالك لاختياره أن لا يفعل في المستقبل قبيحا أو مباحا لا ضرر عليه في تركه ، أو أن يفعل طاعة أو مباحا لا ضرر عليه في فعله مع عقد اليمين بالنية ، وإطلاقها من الاستثناء بالمشيئة فيخالف ما عقد اليمين عليه ، مع العمد والاختيار. [٣]
إذا حلف : والله لا أكلت طيبا ، ولا لبست ناعما . كانت هذه يمينا مكروهة ، والمقام عليها مكروه ، وحلها طاعة ، لقوله : { لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم }[٤] وبه قال الشافعي . وقال أبو حنيفة : المقام عليها طاعة ولازم. [٥]
كل يمين حلها طاعة وعبادة ، إذا حلها لم تلزمه كفارة . وقال الشافعي وأبو حنيفة ومالك : يلزمه كفارة. [٦]
إذا حلف على مستقبل على نفي أو إثبات ، ثم خالف ناسيا ، لم تلزمه الكفارة ، وإن خالفه عامدا تلزمه إذا كان من الأيمان التي تجب بمخالفتها الكفارة . وقال الشافعي : إن خالف عامدا لزمته قولا واحدا وإن خالفه ناسيا فعلى قولين. [٧]
إذا قال أقسمت بالله ، وسمع منه ثم قال : لم أرد به يمينا ، يقبل منه فيما بينه وبين الله في الظاهر ، لأنه أعرف بمراده ، لقوله تعالى : { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان }[٨] وذلك لا يكون إلا بالنية .
وقال الشافعي : تقبل فيما بينه وبين الله لأنه لفظة محتملة وهل يقبل في الحکم أولا فيه قولان. [٩]
لا يدخل الاستثناء بمشيئة الله إلا في اليمين بالله فحسب . وبه قال مالك . وقال أبو حنيفة والشافعي : يدخل في اليمين بالله ، وبالطلاق والعتاق ، وفي الطلاق والعتاق ، وفي النذور وفي الإقرار. [١٠]
لا حكم للاستثناء إلا إذا كان متصلا بالكلام أو في حكم المتصل ، فمن حلف وقال : إن شاء الله ، فلا حنث عليه ، فأما إذا انفصل ، فلا حكم له فيه سواء كان في المجلس أو بعد انصرافه ، وبه قال جميع الفقهاء . وقال عطاء والحسن : له أن يستثني ما دام في المجلس . وعن ابن عباس روايتان : إحداهما أن له أن يستثني أبدا ، حتى لو أنه حلف صغيرا ثم استثني وهو كبير جاز . والثانية : أن له أن يستثني إلى حين ، والحين سنة. [١١]
لغو اليمين هو أن يسبق اليمين إلى لسانه ، ولم يعقدها بقلبه ، كأنه أراد أن يقول { بلى والله } فسبق لسانه { لا والله } ثم يستدرك فيقول { بلى والله } فالأولى تكون لغوا ولا كفارة بها . وبه قال الشافعي . وقال أبو حنيفة : فيها الكفارة . وقال مالك : لغو اليمين : يمين الغموس ، وهو أن يحلف على ما مضى قاصدا الكذب فيها وبه قال أصحابنا .
وقال أبو حنيفة : لغو اليمين ما كانت على ما مضى لكنه حلف ، لقد كان كذا معتقدا أنه ما حلف أو حلف ما كان كذا معتقدا على ما حلف[١٢] ثم بان الأمر خلاف ما حلف عليه ، فكأنه حلف على مبلغ علمه ، فبان ضد ما حلف عليه ، هذه لغو اليمين عنده ، ولا كفارة فيها . وعند الشافعي فيها قولان . لنا قوله تعالى : { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم }[١٣] فما لا يؤاخذه به هو ما قلناه .
وروى عطاء عن عائشة : أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : لغو اليمين قول الرجل في بيته : لا والله وبلى والله. [١٤]
إذا حلف أن يفعل القبيح أو يترك الواجب ، وجب أن يفعل الواجب ويترك القبيح ، ولا كفارة . وقال جميع الفقهاء : تلزمه الكفارة. [١٥]
إذا قال : والله لأصعدن السماء ، لا تلزمه كفارة . وقال أبو حنيفة والشافعي : يحنث في الحال ، وتلزمه الكفارة. [١٦]
لا تنعقد يمين الكافر بالله ، ولا يجب عليه الكفارة بالحنث ، ولا يصح منه التكفير بوجه ، لأن الكفارة تحتاج إلى نية ولا يصح النية ممن لا يعرف الله تعالى ، وبه قال أبو حنيفة . وقال الشافعي : ينعقد يمينه وتلزمه الكفارة بالحنث سواء حنث حال كفره أو بعد إسلامه ، واستدل بـ الظواهر و الأخبار وعمومه ، وقال الشيخ أبو جعفر: وهذا قوي يمكن اعتماده ويمكن أن يجاب عما قلناه بأن يقال: اليمين تصح ممن يعتقد الله وإن لم يكن عارفا ولأجل هذا تصح أيمان المقلدة والعامة وتنعقد وتصح منهم الكفارة وإن لم يكونوا عارفين بالله على الحقيقة. [١٧]
إذا قال : وقدرة الله ، أو وعلم الله ، أو وحياة الله ، وقصد به كونه قادرا عالما حيا كان ذلك يمينا بالله ، وإن قصد بذلك المعاني والصفات التي يثبتها الأشعري لم يكن حالفا بالله ، وبه قال أبو حنيفة ، لقيام الدلالة على أنه تعالى يستحق هذه الصفات لنفسه . وقال أصحاب الشافعي : كل ذلك يمين بالله. [١٨]
إذا حلف بـ القرآن أو سورة من سوره ، لم يكن ذلك يمينا ، ولا كفارة بمخالفتها ، لما ثبت أن اليمين بغير الله لا ينعقد ، فكلام الله غير الله ، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه . وقال الشافعي : يكون ذلك يمينا ويلزم بخلافها الكفارة. [١٩]
إذا قال : لعمر الله - ونوى يمينا - كان يمينا ، وقال أبو حنيفة : يكون يمينا إذا أطلق أو أراد يمينا ، وهو أحد قولي الشافعي . والآخر أنه إذا أطلق أو لم يرد لم يكن يمينا. [٢٠]
إذا قال وحق الله ، لا يكون يمينا ، قصد أو لم يقصد ، لأنه لا دلالة على كونه يمينا . وأيضا فإن حقوق الله هي الأمر و النهي والعبادات كلها ، فإذا حلف بذلك كان يمينا بغير الله ، وبه قال أبو حنيفة ومحمد . وقال الشافعي : يكون يمينا إذا أطلق ، أو أراد يمينا. [٢١]
واليمين التي لا تنعقد ولا كفارة فيها فيما عدا ما ذكرناه ، مثل أن يحلف الإنسان على ماض هو كاذب فيه ، أو يقول : لا والله ، وبلى والله ، من غير أن يعقد ذلك بالنية ، وهذه يمين اللغو ، أو يحلف أن يفعل ، أو يترك ما يكون خلافه طاعة لله تعالى ، واجبة أو مندوبا إليها ، أو يكون أصلح له في دنياه وقد ذكرناها قبل والخلاف فيها .
ويحتج على المخالفين بقوله ( عليه السلام ) من حلف على شئ فرأى ما هو خير منه فليأت الذي هو خير منه وتركه كفارتها ، ويخص اليمين على المعصية ، أن معنى انعقاد اليمين ، أن يجب على الحالف ، أن يفعل أو يترك ما علق اليمين به ، وهذا لا يصح في المعصية لأن الواجب تركها ، وليس لأحد أن يقول : معنى انعقاد اليمين لزوم الكفارة بالمخالفة ، لأن ذلك تابع لانعقاد اليمين وموجب عنه فكيف يفسر الانعقاد به. [٢٢]
لا تنعقد اليمين على ماض ، سواء كانت على نفي أو إثبات ، ولا تجب بها الكفارة ، صادقا كان أو كاذبا ، عالما كان أو ناسيا . وبه قال مالك وأبو حنيفة وأصحابه وأحمد .
وقال الشافعي : إن كان صادقا فهو بار فلا شئ عليه ، وإن كان كاذبا فإن كان عالما حنث ولزمته الكفارة قولا واحدا ، وإن كان ناسيا فعلى قولين. [٢٣]

كفارة اليمين

وكفارة اليمين عتق رقبة ، أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم ، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ، والكسوة على الموسر ثوبان ، وعلى المعسر ثوب ، والإطعام شبع المسكين في يومه. [٢٤]
وقيل أقل ما يجزي في الكسوة قميص وسراويل ، أو قميص ومنديل ، أو قميص ومقنعة ، وثوب واحد لا يجزي .
وقال الشافعي : يجزي قميص أو سراويل أو مقنعة أو منديل للرجال وللنساء . وقال مالك : إن أعطى رجلا فكما قال الشافعي ، وإن أعطى امرأة فلا يجزئ إلا ما يجوز لها الصلاة فيه ، وهو ثوبان : قميص ومقنعة . وقال أبو يوسف : السراويل لا تجزي. [٢٥]
وصوم ثلاثة الأيام في كفارة اليمين متتابع ، لا يجوز تفريقه . وللشافعي فيه قولان : أحدهما : ما قلناه وبه قال أبو حنيفة واختاره المزني . والقول الآخر : إنه بالخيار إن شاء تابع وإن شاء فرق . وبه قال مالك. [٢٦]
فرض العبد في كفارة الحنث الصيام دون العتق والإطعام والكسوة إجماعا . وعندنا أن فرضه شهر واحد فيما يجب فيه شهران متتابعان ، وفي كفارة اليمين ثلاثة أيام مثل الحر سواء خلافا لجميع الفقهاء فإنهم قالوا فرضه فرض الحر في كل موضع. [٢٧]
ولا كفارة قبل الحنث[٢٨] فإن أخرجها لم تجزه . وقال الشافعي : تجزيه قبل الحنث إلا الصوم فإنه لا يجزيه لأنه من عبادة الأبدان . وبه قال مالك وأحمد ، وزاد مالك فقال : يجوز تقديم الصيام على الحنث . وقال أبو حنيفة وأصحابه : كفارة اليمين تجب بسبب واحد وهو الحنث ، فأما عقد اليمين فليس بسبب فيها ، فعلى هذا لا يجوز تقديمها قبل وجوبها بحال. [٢٩]
ولا يمين للولد مع والده ، ولا للعبد مع سيده ، ولا للمرأة مع زوجها ، فيما يكرهونه من المباح . ولا يجوز اليمين بالبراءة من الله تعالى ، أو من رسوله ، أو من أحد الأئمة ( عليهم السلام ) ، فإن فعل أثم ولزمه إن خالف كفارة الظهار وفيه خلاف منهم - أي من أصحابنا - من قال : أثم ولا يلزمه كفارة لأنه ليس بيمين .

أحكام العهد

ومن قال : علي عهد الله أن أفعل كذا من الطاعات ، أو أترك كذا من المقبحات ، كان عليه الوفاء ، ومتى خالف لزمه عتق رقبة ، أو صيام شهرين متتابعين ، أو إطعام ستين مسكينا ، مخير في ذلك ، دليله إجماع الإمامية. [٣٠]
إذا قال : علي عهد الله ، روى أصحابنا أن ذلك يكون نذرا ، فإن خالفه لزمه ما يلزمه في كفارة النذر ، هذا إذا نوى ذلك ، فإن لم ينو ذلك لم يلزمه شئ . وأما قوله علي ميثاقه وكفالته وأمانته ، فلم يرووا فيه شيئا ، والأولى أن نقول في ذلك إنه ليس من ألفاظ اليمين ، لأنه لا دليل على ذلك . وقال الشافعي : إذا أطلق أو لم يرد يمينا لم يكن يمينا ، وإن أراد يمينا كان كذلك . وقال أبو حنيفة ومالك : يكون إطلاقه يمينا . ثم اختلفوا ، فقال الشافعي إذا خالف بواحدة منها أو بجميعها لزمته كفارة واحدة . وقال مالك : إذا حنث في الكل - مثل أن يقول : علي عهد الله وميثاقه وأمانته وكفالته ثم خالف - لزمته عن كل واحدة كفارة. [٣١]

أحكام النذر

وأما النذر فهو أن يقول : لله علي كذا إن كان كذا ، ويلزم الوفاء متى حصل ما نذر فيه ، وقد دللنا على وجوب ذلك فيما تقدم من الكتاب في باب الصلاة، فإن لم يفعل لزمته كفارة نقض العهد ، دليله إجماع الإمامية. [٣٢]
إذا نذر أن يصوم يوما بعينه فأفطر من غير عذر وجب عليه قضاؤه وعليه ما على من أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا من الكفارة ، وخالف جميع الفقهاء في ذلك. [٣٣]
في الخلاصة : النذر سبب ملزم للوفاء بشرطين : أحدهما أن يكون بطريق التقريب كما إذا قال : لله علي صوم أو صلاة ، وكذا لو قال : إن شفى الله مريضي فلله علي حج ، لزمه هذا تبرر .
في الوسيط لو قال : لله علي صوم أو صلاة فيه قولان مشهوران أحدهما يجب كنذر التبرر ، والثاني لا ، لأن ذلك كالعوض عن النعمة ، وهذا ابتداء تبرع ، فلا يصير واجبا بإيجابه. [٣٤]
في الخلاصة : لو قال : إن دخلت هذه الدار فلله علي حج فأصح المذهب أن لا يلزمه إلا كفارة اليمين ، والشرط الثاني أن يلتزم للتقرب بما هو عبادة في نفسه دون المباحات و المحظورات.
ومتى قال : علي كذا إن كان كذا ولم يقل لله ، أو قال لله علي كذا ولم يقل إن كان كذا ، لم يكن ناذرا ولم يلزمه بالمخالفة كفارة ، لأن ما اعتبرناه مجمع على انعقاد النذر به ، ولا دليل على انعقاده من دونه ، وقد روي عن ثعلب أنه قال : النذر عند العرب وعد بشرط ، ومن أصحابنا من أجرى قول القائل لله علي كذا - من غير شرط - مجرى العهد[٣٥] وهو الشيخ في خلافه قال : إذا قال ابتداء ، لله علي أن أصوم أو أتصدق أو أحج ولم يجعل جزاء على غيره ، لزمه الوفاء به ، وكان نذرا صحيحا ، وهو الظاهر من مذهب الشافعي وبه قال أهل العراق.
وقال : أبو بكر الصيرفي و أبو إسحاق المروزي: لا يلزمه الوفاء به ولا يتعلق به حكم . قال الصيرفي : قال أبو عمر[٣٦]: قال ثعلب : النذر عند العرب وعد بشرط ، جوابه إنه وعد بشرط ووعد بغير شرط[٣٧] كقول جميل بن معمر[٣٨]:
فليت رجالا فيك قد نذروا دمي ؛ وهموا بقتلي يا بثين لقوني
وكقول عنترة العبسي[٣٩]:
الشاتمي عرضي ولم أشتمهما ؛ والناذرين إذا لقيتهما دمي
قال : ويدل على المسألة بعد إجماع الفرقة و أخبارهم قوله تعالى: { وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم }[٤٠] { وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم }[٤١] وروي عن النبي ( عليه السلام ) من نذر أن يطيع الله فليطعه. [٤٢] ولا ينعقد نذر المعصية ولا النذر فيها. [٤٣]
إذا نذر في معصية بأن يصوم يوما بعينه كان نذره باطلا ولا يلزمه قضاء ولا كفارة وبه قال الشافعي . وقال الربيع فيها قول آخر أن عليه كفارة يمين بكل نذر معصية. [٤٤]
لنا أن معنى انعقاد النذر أن يجب على الناذر فعل ما أوجبه على نفسه وإذا انتفى بـ الإجماع أن تجب المعصية على كل حال ثبت أن النذر لا ينعقد فيها ، وقال ( عليه السلام ) لأنذر في معصية. [٤٥]
وإذا نذر ذبح آدمي ، كان أيضا نذرا باطلا لا يتعلق به حكم ، وكان كلامه لغوا ، وبه قال الشافعي وأبو يوسف . وقال أبو حنيفة : إن نذر ذبح ولده فعليه شاة . وروي ذلك عن ابن عباس . وروي أيضا عنه إن نذر ذبح ولده فعليه دية . وقال أبو حنيفة : إن نذر ذبح غير ولده من أقاربه فلا شئ عليه .
لنا أن الأصل براءة الذمة ، وقوله ( عليه السلام ) : لأنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم ، وهذا معصية لا يملكه أيضا ابن آدم. [٤٦]
إذا نذر أن يصوم يوم الفطر ، لا ينعقد نذره . وبه قال الشافعي . وقال أبو حنيفة : ينعقد نذره ، يصوم يوما غير الفطر ، ولا يحل له أن يصومه عن نذره ، فإن صامه عن نذره صح وأجزأه عن نذره لنا أن صوم الفطر معصية والنذر في المعصية لا ينعقد كما ذكرناه. [٤٧]
إذا نذر أن يصوم ولم يذكر مقداره ، لزمه صوم يوم بلا خلاف ، لأنه أقل ما يقع عليه الاسم ، وإن نذر أن يصلي لزمه ركعتان وهو أحد قولي الشافعي والثاني أنه يلزمه ركعة واحدة ، لأنها أقل صلاة في الشرع وهو الوتر . لنا على ما قلنا طريقة الاحتياط. [٤٨]
إذا قال : أيمان البيعة تلزمني ، أو حلف بأيمان البيعة لا دخلت الدار ، لا يلزمه شئ ، ولا يكون يمينا سواء عني بذلك حقيقة البيعة التي كانت على عهد رسول الله في المصافحة أو بعده إلى أيام الحجاج ، أو ما حدث من أيام الحجاج من اليمين بـ الطلاق و العتق وغير ذلك صرح بذلك أو نواه ، وإن لم يصرح به وعلى كل حال . وقال الشافعي : إن لم ينو بذلك شيئا كان لاغيا ، وإن نوى أيمان الحجاج ونطق فقال : أيمان البيعة لازمة لي بطلاقها وعتقها ، انعقدت يمينه [ لأنه حلف بالطلاق ، وإن لم ينطق بذلك ونوى الطلاق و العتق انعقدت يمينه ] أيضا لأنه كناية عن الطلاق و العتق. [٤٩]

الهوامش

  1. الغنية 391 .
  2. الخلاف : 6 / 112 مسألة 4 .
  3. الغنية 391 .
  4. المائدة : 87 .
  5. الخلاف : 6 / 110 مسألة 2 .
  6. الخلاف : 6 / 110 مسألة 3 .
  7. الخلاف : 6 / 114 مسألة 6 .
  8. المائدة : 89 .
  9. الخلاف : 6 / 123 مسألة 13 .
  10. الخلاف : 6 / 132 مسألة 26 .
  11. الخلاف : 6 / 133 مسألة 28 .
  12. وفي الخلاف : على ماض لكنه حلف لقد كان معتقدا أنه على ما حلف أو حلف ما كان كذا إنه على ما حلف .
  13. المائدة : 89 .
  14. الخلاف : 6 / 134 مسألة 29 .
  15. الخلاف : 6 / 113 مسألة 5 .
  16. الخلاف : 6 / 116 مسألة 8 .
  17. الخلاف : 6 / 116 مسألة 9 .
  18. الخلاف : 6 / 117 مسألة 10 .
  19. الخلاف : 6 / 118 مسألة 11 .
  20. الخلاف : 6 / 125 مسألة 15 .
  21. الخلاف : 6 / 125 مسألة 16 .
  22. الغنية 392 .
  23. الخلاف : 6 / 114 مسألة 7 .
  24. الغنية 392 .
  25. الخلاف : 6 / 140 مسألة 35 .
  26. الخلاف : 6 / 142 مسألة 37 .
  27. الخلاف : 6 / 143 مسألة 38 .
  28. الغنية : 392 .
  29. الخلاف : 6 / 137 مسألة 31 .
  30. الغنية 392 - 393 .
  31. الخلاف : 6 / 129 مسألة 22 .
  32. الغنية 393.
  33. الخلاف : 6 / 201 مسألة 15 .
  34. الوسيط : 7 / 260 .
  35. الغنية 393.
  36. أبو عمر ، محمد بن عبد الواحد بن أبي هاشم ، المعروف بالمطرز غلام ثعلب ، أحد أئمة اللغة ، صحب ثعلبا وأخذ عنه كثيرا وروى عنه أبو الحسن محمد بن رزقويه ، وأبو علي بن شاذان وغيرهم . ولد سنة ( 261 ) وتوفي سنة ( 345 ) ودفن ببغداد . وفيات الأعيان : 4 / 329 رقم 638 .
  37. وفي الخلاف : إنه وعد بغير شرط .
  38. جميل بن عبد الله بن معمر بن الحارث العذري . شاعر فصيح مقدم جامع للشعر والرواية . أنظر ترجمته في الأغاني : 8 / 288 - 331 .
  39. عنترة بن شداد ، وقيل : ابن عمرو بن شداد ، وقيل : عنترة بن شداد بن عمرو بن معاوية بن قراد بن مخزوم بن ربيعة العبسي . الأغاني : 8 / 386 .
  40. النحل : 91.
  41. البقرة : 40.
  42. الخلاف : 6 / 191 مسألة 1.
  43. الغنية 393.
  44. الخلاف 6 / 201 مسألة 16.
  45. الغنية 393.
  46. الخلاف 6 / 203 مسألة 20 .
  47. الخلاف 6 / 199 مسألة 12.
  48. الخلاف : 6 / 201 مسألة 17 .
  49. الخلاف : 6 / 202 مسألة 19 .