شروط التعارض

من ویکي‌وحدت

شروط التعارض: التعارض اصطلاح أصولي بمعني تنافي الدليلين في مقام الجعل والتشريع بخلاف التزاحم فإنّ التنافي فيه في مقام الامتثال؛ ولهذا التنافي في التعارض شروط في مصادر أهل السنّة نذکرها فيما يلي:

شروط التعارض

تناول البعض ذكر شروط التعارض، وباعتبار عدم التفريق في أصول أهل السنّة بين النوعين الأساسيين من التعارض (أي المستقرّ وغير المستقرّ) نرى الشروط التي ذكروها هنا شاملة لكلا النوعين، بينما من تعرّض من متأخّري الشيعة لشروط التعارض فرّق بينهما، وذكر لكلٍّ منهما شروطا خاصّة.

شروط التعارض في مصادر أهل السنّة


وردت عن الزركشي ما يأتي من شروط:
1 ـ التساوي في الثبوت، فلا تعارض بين الكتاب و خبر الواحد إلاّ من حيث الدلالة.
2 ـ التساوي في القوّة، فلا تعارض بين المتواتر والآحاد، بل يقدّم المتواتر على الآحاد، لكن نقل الخلاف في ذلك، ورأي البعض ثبوت التعارض والتساقط هنا.
3 ـ اتّفاقهما في الحكم مع اتّحاد الوقت والمحلّ والجهة، فلا امتناع بين الحلّ والحرمة والنفي والإثبات في زمانين في محلّ أو محلّين وزمانين و بجهتين، كالنهي عن البيع في وقت النداء والجواز في غيره[١].
وذكر البعض الآخر الموارد التالية شروطا للتعارض:
1 ـ كون المتعارضين كليهما حجّة.
2 ـ كون التنافي بينهما على وجه التناقض. والقائلون بهذا الشرط رتّبوا عليه شروطا اُخرى، ذات صلة بالتناقض، هي:
أ ـ توافر شروط التناقض لحصول التعارض بينهما.
ب ـ عدم إمكان الجمع بين المتعارضين باعتبار التناقض بينهما. وهذا الشرط كسابقه موضع اختلاف الأصوليين، فانقسموا بين مثبت له وبين نافٍ له؛ باعتبار اختلافهم في المراد من التعارض الأصولي ما إذا كان التنافي الظاهري أو التناقض الحقيقي.
3 ـ التساوي بين المتعارضين من حيث القوّة والضعف.
4 ـ عدم إمكان الجمع بينهما.
5 ـ كون التعارض بينهما بنحو يمكن أن يكون أحدهما ناسخا للآخر، إذا علم تاريخه وتأخّره عن الآخر. وهذا الشرط اشترطه السرخسي لإخراج القياسين وأقوال الصحابة عن حالة التعارض، فلا يمكن للقياسين أن يتعارضا؛ لعدم إمكان نسخ أحدهما الآخر، كما لا يمكن لأقوال الصحابة أن تتعارض فيما بينها باعتبارها تمثّل آراء شخصية لا آثارا عن المعصوم.
6 ـ عدم كون المتعارضين قطعيين. وهو شرط منسوب إلى جمهور الشافعية وجميع المانعين عن التعارض بين الأدلّة القطعية[٢].
ولم يتّضح فيها بدقّة الإشارة إلى نوعية التعارض ما إذا كان مستقرّا أو غير مستقرّ، ويبدو من بعضها الشمول لكليهما، من قبيل الشرط الأخير.

شروط التعارض في مصادر الشيعة

ينقسم التعارض إلی المستقر وغير المستقر ولکل منهما شروط خاصة به عند الشيعة:

شروط التعارض المستقر

ذكر الشيخ المظفر الشروط التالية للتعارض المستقرّ:
1 ـ ألاّ يكون أحد الدليلين أو كلٌّ منهما قطعيا؛ لأنّه لو كان أحدهما قطعيا، فإنّه يعلم منه كذب الآخر، والمعلوم كذبه لا يعارض غيره. وأمّا القطع بالمتنافيين بأن كان كلاهما قطعيين، ففي نفسه أمر مستحيل لا يقع.
2 ـ ألاّ يكون الظنّ الفعلي معتبرا في حجّية كلٍّ منهما معا؛ لاستحالة حصول الظنّ الفعلي بالمتكاذبين كاستحالة القطع بهما. نعم، يجوز أن يعتبر في أحدهما المعين الظنّ الفعلي دون الآخر.
3 ـ أن يتنافى مدلولاهما ولو عرضا وفي بعض النواحي ليحصل التكاذب بينهما، سواء كان التنافي في مدلولهما المطابقي أو التضمّني أو الالتزامي. والضابط هنا هو تكاذب الدليلين على وجه يمتنع اجتماع صدق أحدهما مع صدق الآخر.
4 ـ أن يكون كلٌّ من الدليلين واجدا لشرائط الحجّية؛ باعتبار أنّه لو كان أحدهما فاقدا لشرائط الحجّية كان غير صالح لئن يكذّب منافيه، فلا تعارض بين الحجّة واللا حجّة، كما لا تعارض بين اللا حجّتين.
5 ـ ألاّ يكون الدليلان متزاحمين؛ لأنّ التنافي في المتزاحمين من باب الامتثال لا التشريع.
6 ـ ألاّ يكون أحد الدليلين حاكما على الآخر.
7 ـ ألاّ يكون أحد الدليلين واردا على الآخر[٣].
وقد أضاف السيد اليزدي شروط تحقّق التناقض التي ذكرها المناطقة، وهي: اتّحاد الموضوع، واتّحاد المحمول، واتّحاد الجهة، واتّحاد الزمان، واتّحاهما في القوّة والفعل، واتّحادهما في الكلية والجزئية، واتّحاد الشرط فيهما، واتّحاد الاضافة فيهما، ووحدة الحمل أوليا أو شائعا صناعيا. واعتبر شمول التعارض للتضاد من باب أنّه يؤول إلى التناقض وإلاّ فهو غير مشمول بحدّ ذاته[٤].

شروط التعارض غير المستقر

ذكر الشهيد الصدر الموارد التالية كشروط لـ التعارض غير المستقر، وهي في الحقيقة شروط للجمع العرفي كذلك:
1 ـ أن يكون المتكلّم بكلا الكلامين واحدا أو بحكم الواحد، لكي يتسنّى اعتبار أحدهما قرينة على الآخر، والمراد بحكم الواحد هو مثل أئمة أهل البيت عليهم‏السلام الذين يعتبرون بمثابة جهة واحدة ممثّلة للشريعة.
2 ـ ألا يكون هناك علم إجمالي بعدم صدور أحد الخطابين من الشارع، فإنّ ذلك يعني كذب أحد الخطابين وعدم صدوره من الشارع، والتعارض هنا يكون بين نفس الخطابين وإن لم يكن هناك تنافٍ بين مدلوليهما.
3 ـ أن يبقى مجال للتعبُّد بمقدار من دلالة ذي القرينة، وأمّا إذا اقتضى الجمع العرفي إلغاء التعبُّد بدلالته رأسا فلا مجال حينئذٍ لإعمال الجمع العرفي، كما لو فرض اقتضاء حمل أحد المتعارضين على كونه إخبارا عن واقعة خارجية لا إنشاء مولويا، عندئذٍ لا يبقى مجال للتعبُّد بدلالة ذي القرينة؛ لأنّها لا تنتهي إلى أثر عملي. والوجه في هذا الشرط هو أنّه مع عدم إمكان التعبُّد بدلالة ذي القرينة يكون التعارض بحسب الحقيقة بين القرينة ودليل التعبُّد بسند ذي القرينة.
4 ـ أن يكون التعارض غير المستقر بين الدليلين ذاتيا قائما على أساس التناقض أو التضاد، وأمّا إذا كان التعارض عرضيا وقائما على أساس العلم الاجمالي بمخالفة مدلول أحدهما للواقع، فسوف يقدّم أقوى الدليلين عندئذٍ، من قبيل: ورود دليل يأمر ظاهرا بصلاة الظهر يوم الجمعة، وورد آخر يصرّح بوجوب صلاة الجمعة، وعلم من الخارج بعدم جعل الفريضتين على المكلّف في ذلك الوقت فلا يمكن جعل الدليل الصريح في وجوب الجمعة قرينة لحمل الأمر بالظهر على الاستحباب. وقد ذكر أكثر من تبرير على هذا، منها: أنّه لا يقدَّم أقوى الدليلين على أضعفهما مع العلم بكذب مفاد أحدهما[٥].

المصادر

  1. . البحر المحيط 6: 109 ـ 110، أنظر: تقويم الأدلّة: 214، إرشاد الفحول 2: 361 ـ 364، أصول الفقه الإسلامي شلبي: 524.
  2. . التعارض والترجيح بين الأدلّة الشرعية 1: 244 ـ 257، أصول الفقه الإسلامي مطلوب: 443 ـ 444، المختصر الوافي: 243، أصول الفقه (شلبي): 524.
  3. . أصول الفقه المظفر 3 ـ 4: 211 ـ 214.
  4. . كتاب التعارض اليزدي: 42.
  5. . بحوث في علم الأصول الهاشمي 7: 207 ـ 213.