النكاح: النكاح مستحب مؤكد لمن يمكنه فعله، ولا يخاف بتركه الوقوع في محرم وإلا وجب. قال الله تعالى: «فانكحوا ما طاب لكم من النساء» [١]؛ «وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم»[٢]. وأقل مراتب الأمر الاستحباب، وقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «من رغب عن سنتي فليس مني، وإن من سنتي النكاح».[٣] فقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) بطريق أهل البيت (عليهم السلام) أنه قال: «ما استفاد امرء مسلم فائدة بعد الإسلام أفضل من زوجة مسلمة تسره إذا نظر إليها، وتطيعه إذا أمرها، وتحفظه إذا غاب عنها في نفسها وماله».[٤] وللنكاح في الفقه الإسلامي شروط و أحكام سنذکرها تطبیقاً علی فقه الإمامية و الشافعية و الحنفية.

كتاب النكاح

نحتاج أولا أن نبين من يحرم نكاحه، ثم نبين أقسام النكاح المباح وشروطه، والأسباب الموجبة لتحريم الوطئ بعد صحة العقد، وما يتعلق بذلك كله من الأحكام، فنقول: من يحرم العقد عليهن على ضربين: أحدهما يحرم على كل حال، والثاني يحرم في حال دون حال.

المحرمات بالنسب والرضاع

فالضرب الأول المحرمات بالنسب. وهنّ ست: الأم وإن علت، والبنت وإن نزلت، والأخت، وبنت الأخ والأخت وإن نزلتا، والعمة والخالة وإن علتا، بلا خلاف.
والمحرمات بالرضاع، وهن ست أيضا كالمحرمات بالنسب، إلا أن الراضع من لبن المرأة يحرم عليه كل من ينتسب إلى بعلها بالولادة والرضاع، ولا يحرم من ينتسب إلى المرأة إلا بالولادة دون الرضاع. ولا يقتضي التحريم الرضاع إلا بشروط: منها: أن يكون سن الراضع والمرتضع من لبنه دون الحولين. [٥]
إذا حصل الرضاع المحرم، لم يحل للفحل نكاح أخت هذا المولود المرتضع بلبنه، ولا لأحد من أولاده من غير المرضعة ومنها، لأن الإخوة والأخوات بمنزلة أولاده. وخالف جميع الفقهاء في ذلك. [٦]

نشر حرمة الرضاع

وتنتشر حرمة الرضاع إلى أم المرضعة والفحل، فيصير الفحل بالمرضع، وأبوه جده، وأمه جدته وأخته عمته، وأخوه عمه وكل ولد له فهم إخوة لهذا المرضع، وبه قال علي (عليه السلام)، وابن عباس، وفي الفقهاء مالك و أبو حنيفة و الشافعي وأحمد، وذهب قوم إلى أن لبن الفحل لا ينشر الحرمة، ولا يكون من الرضاع أب، ولا عم، ولا عمة، ولا جد، ولا أخ لأب. ولهذا الفحل أن يتزوج التي أرضعتها زوجته وهم ابن عمر وابن الزبير وربيعة بن أبي عبد الرحمن[٧] أستاد مالك، وحماد بن أبي سليمان[٨] أستاد أبي حنيفة، وابن علية[٩] وهو أستاد الأصم، وأهل الظاهر وهم داود وشيعته.
لنا مضافا إلى إجماع الإمامية ما روي عن علي (عليه السلام) أنه قال: يا رسول الله هل لك في ابنة عمك بنت حمزة فإنها أجمل فتاة في قريش؟ فقال (عليه السلام): أما علمت أن حمزة[١٠] أخي من الرضاعة، وأن الله حرم من الرضاعة ما حرم من النسب.
وما روي عن عائشة، أنها قالت: دخل علي أفلح أخو أبي القعيس[١١] فاستترت منه، فقال: تستترين مني وأنا عمك؟ فقلت: من أين؟ فقال: أرضعتك امرأة أخي قلت: إنما أرضعتني امرأة ولم يرضعني الرجل، فدخلت على رسول الله فحدثته، فقال: إنه عمك فليلج عليك. وهذا نص في المسألة، فإنه أثبت الاسم و الحکم. [١٢]
والرضاع إنما ينشر الحرمة إذا كان الولد صغيرا، وإن كان كبيرا لم ينشر الحرمة، وبه قال عمرو بن العاص[١٣] و ابن عباس و ابن مسعود و أبو حنيفة و الشافعي ومالك وغيرهم. وقالت عائشة: رضاع الكبير يحرم كما يحرم رضاع الصغير، وبه قال أهل الظاهر. [١٤]
لنا على ما قلنا من أن سن الراضع والمرتضع من لبنه يجب أن يكون دون الحولين، بعد إجماع الإمامية قوله تعالى: {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة} [١٥] لأن المراد إثبات الرضاع الشرعي، الذي يتعلق به الحرمة، بدليل أنه لا يجوز أن يريد الرضاع اللغوي، لأنه ينطلق على ما يحصل بعد الحولين وقبل تمامهما، ولا يريد نفي جوازه دونهما، أو بعدهما، لأن ذلك جائز بلا خلاف، ولا نفي الكفاية بدونها، لأن الكفاية قبل تمامها قد تحصل بلا شبهة، فلم يبق إلا ما قلناه.
ومن شروط تحريم الرضاع: أن يكون لبن ولادة لا درّ[١٦] خلافا لـ الشافعية و الحنفية فإن في الخلاصة أن الصغيرة إذا خرج من ثديها وسنها دون سن الحيض لا يتعلق به الحرمة وإن بلغت سن الحيض فنزل لها لبن تعلقت به الحرمة وإن لم تسبق ولادة.
وفي البداية: وإذا نزل للبكر لبن فأرضعته صبيا تعلق به التحريم. [١٧]
لنا بعد إجماع الإمامية قوله تعالى: {والوالدات يرضعن أولادهن}[١٨] ومن لا ولد لها من النساء لا يطلق عليها اسم الوالدة فلا يتعلق برضاعها ولبنها حكم.
ومنها أن يكون مما ينبت اللحم ويشد العظم، بأن يكون يوما وليلة، أو عشر رضعات متواليات، عند بعض أصحابنا، وعند بعضهم خمس عشرة رضعة، والأول أحوط، كل رضعة منها تروي الصبي لا يفصل بينهما برضاع امرأة أخرى، بلا خلاف بين أصحابنا، ولا يثبت الرضاع بقول المرضعة، بل يفتقر ثبوته إلى بينة عادلة. [١٩]
القدر المعتبر في الرضاع أن يكون في مدة الحولين، فإن وقع بعضه خارجا عنها لم يعتبر. وقال الشافعي: إن وقع أربع رضعات في الحولين والخامسة بعدهما لم ينشر الحرمة. وبه قال أبو يوسف ومحمد. والمدة عند مالك حولان وشهر، وعند أبي حنيفة حولان ونصف: ثلاثون شهرا. وقال زفر ثلاثة أحوال. [٢٠]
وأما عدد الرضعات، فاختار الشيخ خمس عشرة رضعة. وقال الشافعي لا يحرم إلا خمس رضعات مفترقات، وقال أبو حنيفة وأصحابه: إن الرضعة الواحدة أو المصة الواحدة ولو كان قطرة تنشر الحرمة، وبه قال مالك.
لنا ما روي عن النبي (عليه السلام) الرضاعة من المجاعة، يعني ما سد الجوع. وقال (عليه السلام): الرضاع ما أنبت وشد العظم. [٢١]
والرضعة ما يشربه الصبي حتى يروي ولا تعتبر المصة. وقال الشافعي: المعتبر في الرضعة العادة فما يسمى رضعة اعتبر، ولم يعتبر أيضا أن لا يدخل بينهما رضاع امرأة أخرى، بل قال: لا فرق بين أن يدخل بينهما ذلك وأن لا يدخل. [٢٢]
إذا أوجر اللبن في حلقه، ووصل إلى جوفه، لم يحرم. وكذا إذا سعط باللبن حتى يخرج إلى جوفه لم ينشر الحرمة وفاقا لداود وعطاء في المسألتين وخلافا للشافعي ولباقي الفقهاء. وكذا إذا حقن المولود باللبن. وللشافعي فيه قولان: أحدهما ما قلناه وهو قول أبي حنيفة، والآخر أنه ينشر. وبه قال محمد. وكذا إذا شيب اللبن بغيره ثم سقي، غالبا كان اللبن أو مغلوبا، وشيب بجامد أو مايع، مستهلك، كان أو غير مستهلكا بدلالة قوله تعالى: {وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم}[٢٣] وهذه ما أرضعت.
وقال الشافعي: إنما ينشر الحرمة إذا تحقق وصوله إلى جوفه، مثل أن حلبت في قدح وصب عليه الماء، واستهلك فيه، فشرب كالماء نشر الحرمة، لأنا تحققنا وصوله إلى جوفه، وإن وقعت قطرة في جب من الماء فإنه إذا شرب بعض الماء لم ينشر الحرمة، لأنا لا نتحقق وصوله إلى جوفه إلا بشرب الماء كله. قال أبو حنيفة: إن كان مشوبا بجامد لم ينشر الحرمة، سواء كان غالبا أو مغلوبا وإن كان مشوبا بمايع نشر الحرمة إن كان غالبا، ولم ينشرها مغلوبا.
وقال أبو يوسف ومحمد: ينشر إن كان غالبا نشرها ولم ينشرها إن كان مغلوبا مستهلكا، والجامد والمائع سواء.
قالوا: فإن شيب بلبن امرأة أخرى، فالمولود عند أبي يوسف وأبي حنيفة ابن لمن غلب لبنها. وقال محمد: هو ابنهما معا. [٢٤]
ولو ارتضع بعض الرضعات حال حياتها وتمامها بعد مماتها لا ينشر الحرمة لأنه لا دليل عليه وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة وأصحابه ومالك: لبنها كما هو في حال حياتها. [٢٥]
إذا كانت له زوجة مرتضعة، فأرضعتها من يحرم عليه بنتها انفسخ النكاح بلا خلاف، ولا يلزمه شئ من المهر إذا لم يكن بأمره ولأنه لا دليل عليه. وقال الشافعي: يلزمه نصف المهر قياسا على المطلقة. [٢٦]
إذا كانت له زوجة كبيرة لها لبن من غيره، وله ثلاث زوجات صغار لهن دون الحولين، فأرضعت منهن واحدة بعد واحدة، فإذا أرضعت الأولى الرضاع المحرم، انفسخ نكاحها ونكاح الكبيرة، فإذا أرضعت الثانية، فإن كان دخل بالكبيرة انفسخ نكاح الثانية، وإن لم يكن دخل بها فنكاحها بحاله، لأنها بنت من لم يدخل بها، فإذا أرضعت بعد ذلك الثالثة، صارت الثالثة أخت الثانية، من رضاع، وانفسخ نكاحها ونكاح الثانية، وبه قال أبو حنيفة و الشافعي في القديم. وقال في الأم: ينفسخ نكاح الثالثة وحدها، لأن نكاح الثانية كان صحيحا بحاله، وإنما تم الجمع بينهما وبين الثانية بفعل الثالثة، فوجب أن ينفسخ نكاحها. يدل على المسألة قوله (عليه السلام): يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب. [٢٧]
ولا تقبل شهادة النساء عند الإمامية إلا ما استثني. وقال أبو حنيفة لا تقبل منفردة إلا في الولادة. وقال الشافعي: تقبل على الانفراد في أربعة مواضع: الولادة والاستهلال و الرضاع والعيوب تحت الثياب. [٢٨]
ومن هذا الضرب من المحرمات أمّ المعقود عليها[٢٩]، وبه قال ابن عباس و ابن مسعود وجميع الفقهاء إلا أن للشافعي فيه قولين، ورووا عن علي (عليه السلام) أنه قال: لا تحرم الأم بالعقد وإنما تحرم بالدخول. [٣٠] لنا ما رووه من قوله (عليه السلام): من نكح امرأة ثم ماتت قبل الدخول لم تحل له أمها، وهذا نص.
ومن هذا الضرب أيضا بنت المدخول بها، سواء كانت في حجر الزوج أو لم تكن، بلا خلاف إلا من داود فإنه قال: فإن كانت في حجره حرمت وإلا فلا، ظنا منه أن قوله تعالى: {اللاتي في حجوركم}'[٣١] شرط في التحريم، وليس ذلك شرطا، وإنما هو وصف لهن، لأن الغالب أن الربيبة تكون في حجره.
ومن هذا الضرب أم المزني بها وابنتها، فهو الظاهر من مذهب أصحابنا والأكثر من رواياتهم. [٣٢]
وروي أنه لا يتعلق به تحريم نكاح ويجوز له أن يتزوج أمهاتها وبناتها وهو المروي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) وابن عباس وبه قال مالك والشافعي، وبالرواية الأولى قال أبو حنيفة وأصحابه وأحمد.
وقال أبو حنيفة: لو نظر إلى فرجها بشهوة، أو قبّلها، أو لمسها فهو كما لو زنى بها، قال: ولو قبّل أم امرأته بشهوة حرمت عليه امرأته[٣٣]، ولو قبّل رجل زوجة ابنه بشهوة انفسخ نكاحها.
والذي يدل على الأول المروي من الأخبار فيه، وقوله تعالى: {فانكحوا ما طاب لكم}[٣٤] {وأحل لكم ما وراء ذلكم}[٣٥]، وقوله (عليه السلام) الحرام لا يحرم الحلال، وهذا عام، والذي يدل على الثاني طريقة الاحتياط و الأخبار المروية في ذلك. [٣٦]
وتحرم على الابن زوجة الأب وأمته المنظور إليها بشهوة، بلا خلاف من أصحابنا، وعلى الأب زوجة الابن أيضا وأمته المنظور إليها بشهوة، ومن أصحابنا من قال: الموطوء، والأول أحوط. [٣٧]
وفي كتاب الخلاف: اللمس بشهوة مثل القُبلة واللمس إذا كان مباحا أو بشبهة انتشر التحريم، وتحرم الأم وإن علت، والبنت وإن نزلت. وبه قال أكثر أهل العلم: أبو حنيفة ومالك وهو المنصوص للشافعي. [٣٨]
وإذا نظر إلى فرجها، تعلق به تحريم المصاهرة. وبه قال أبو حنيفة وقال الشافعي: لا يتعلق به ذلك. ويدل على المسألة بعد إجماع الفرقة ما روي عن النبي (عليه السلام) أنه قال: لا ينظر الله إلى رجل نظر إلى فرج امرأة وابنتها. وقال (عليه السلام) من كشف قناع امرأة حرمت عليه أمها وبنتها. [٣٩]
ويحرم على كل واحد من الأب والابن العقد على من زنى بها الآخر، خلافا لهم ويخص التحريم على الابن قوله تعالى: {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء}[٤٠] لأن لفظ النكاح يقع على العقد والوطئ معا.
وتعلق المخالف بما يرويه من قوله (عليه السلام) الحرام لا يحرم الحلال، غير معتمد لأنه خبر واحد، ثم إنه مخصوص بـ الإجماع، ويحمل على مواضع. منها: أن وطئ المرأة في الحيض حرام ولا يحرم ما عداه من الحلال هاهنا. ومنها: أن الزنا بالمرأة لا يحرم والتزويج بها إذا تابت. ومنها: أن وطئ الأب لزوجة ابنه والابن لزوجة أبيه حرام ولا يحرم من الزوجة ما كان حلالا.
ويحرم العقد على الزانية وهي ذات بعل أو في عدة رجعية ممن زنى بها، وعلى أم الغلام الموقب وأخته وابنته ممن لاط به[٤١]، وخالف جميع الفقهاء في ذلك. [٤٢]
ويحرم أيضا على التأبيد المعقود عليها في عدة معلومة أو إحرام معلوم، والمدخول بها فيهما. [٤٣]
إذا تزوجها في عدتها مع الجهل بتحريم ذلك، ودخل بها فرق بينهما، ولا تحل له أبدا. وبه قال عمر ومالك و الشافعي في القديم. وخالف باقي الفقهاء في ذلك، فقالوا تحل له بعد انقضاء عدتها. وهو مذهب أبي حنيفة و الشافعي في الجديد. [٤٤]
وإذا تزوجها في عدتها مع العلم ولم يدخل بها فرق بينهما، ولا تحل له أبدا، وبه قال مالك. وخالف جميع الفقهاء. [٤٥]
وإذا تزوجها في حال إحرامها جاهلا، ودخل بها، فرق بينهما، ولم تحل له أبدا. وكذا إن كان عالما ولم يدخل بها. وخالف جميع الفقهاء فيهما. [٤٦]
وكذا المطلقة للعدة تسعا ينكحها بينها رجلان لم تحل له أبدا، وهو إحدى الروايتين عن مالك. وخالف باقي الفقهاء في ذلك. [٤٧]
وكذا الملاعنة والمقذوفة من زوجها وهي صماء أو خرساء[٤٨]، وفاقا للشافعي في الملاعنة، وخلافا لهما في المقذوفة الصماء أو الخرساء، فإن عندهما لا يتعلق اللعان بها[٤٩]، وفي البداية: وإذا تلاعنا لا تقع الفرقة بينهما حتى يفرق الحاكم وتكون الفرقة تطليقة بائنة عند أبي حنيفة ومحمد وهو يخطبها إذا أكذب نفسه. وقال أبو يوسف تحرم عليه أبدا. [٥٠]
يدل عليه قوله (عليه السلام): المتلاعنان لا يجتمعان أبدا، وقوله لعويمر[٥١] حين فرق بينه وبين زوجته باللعان: لا سبيل لك عليها، وقول المخالف - وهو أبو حنيفة -: أراد بذلك في هذه الحال، تخصيص بغير دليل.
واستدلال المخالف بأن الأصل الإباحة و بظاهر القرآن كقوله تعالى: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء}[٥٢] {وأحل لكم ما وراء ذلكم}[٥٣] غير لازم، لأنا نعدل عن ذلك بالدليل، كما عدلوا عنه في تحريم نكاح المرأة على عمتها وخالتها.
وحكم الأم والبنت والأخت بالرضاع في التحريم بهذه الأسباب، حكم ذوات النسب، وحكم الإماء في التحريم بالنسب والرضاع وغيره من الأسباب، حكم الحرائر.
وأما من يحرم العقد عليهن في حال دون حال فأخت المعقود عليها بلا خلاف، أو الموطوءة بالملك بلا خلاف إلا من داود، ويدل عليه قوله تعالى: {وأن تجمعوا بين الأختين}[٥٤] لأنه لم يفصل، والخامسة حتى تبين إحدى الأربع بما يوجب البينونة، والمطلقة للعدة ثلاثا، أو للسنة، على ما نبينه، حتى تنكح زوجا آخر وتبين منه، وكذا حكم كل مزوجة، والمعتدة من الطلاق الرجعي حتى تخرج من عدتها، كل هذا بلا خلاف، وبنت الأخ على عمتها، وبنت الأخت على خالتها حتى تأذنا، والأمة على الحرة حتى تأذن، الزانية حتى تتوب. [٥٥]
إذا كانت عنده حرة وأذنت له في تزويج أمة جاز خلافا لجميع الفقهاء، فإنهم: قالوا لا يجوز وإن أذنت. [٥٦]
وكذا في العمة والخالة إذا رضيا قالوا: لا يجوز نكاحهما، ولا تأثير لرضاهما. [٥٧]
و ظاهر القرآن يقتضي إباحة تزويج المرأة على عمتها وخالتها لأنه عام ولا يخرج منه إلا ما أخرجه دليل قاطع من حظر ذلك إذا لم يكن منها إذن، وما يرويه المخالف من قوله (عليه السلام): لا تنكح المرأة على عمتها وخالتها، خبر واحد مخالف لظاهر القرآن، ومعارض بأخبار تقتضي الإباحة مع الاستئذان، ومحمول - لو سلم من ذلك كله - على ما إذا لم يكن منهما إذن، فلا يمكن الاعتماد عليه. [٥٨]
لا يجوز للعبد أن يتزوج بأكثر من حرتين، أو أربع إماء. وقال الشافعي: لا يزيد على ثنتين، حرتين كانتا أو أمتين، وبه قال أبو حنيفة وأحمد. وقال مالك: إنه كالحر، له نكاح أربع[٥٩]، وفي الخلاصة: ومن كان تحته حرة وهو حر لا يجوز له نكاح أمة ولا يجوز له قط نكاح أمتين.
ويحرم العقد على الكافرة وإن اختلفت جهات كفرها حتى تسلم إلا على وجه نذكره[٦٠]، وأجاز جميع الفقهاء التزويج بالكتابيات وهو المروي عن عمر وعثمان وطلحة وحذيفة وجابر. وروي أن عثمان نكح نصرانية وكذلك طلحة ونكح حذيفة يهودية وروي عن ابن عمر كراهية ذلك، وإليه ذهب الشافعي. [٦١]
لنا ما دل على مذهبنا بعد إجماع الإمامية قوله تعالى: {ولا تمسكوا بعصم الكوافر}[٦٢] وقوله: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمنّ}[٦٣] وقوله: {لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة}[٦٤] لأنه تعالى نفى بالظاهر التساوي في جميع الأحكام التي من جملتها المناكحة.
وقوله تعالى: {والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم}[٦٥] نخصه بنكاح المتعة، فإنه جائز عندنا على الكتابيات، أو نحمله على ما إذا كن مسلمات، بدليل ما قدمناه، ولا يمتنع أن يكون من جهة الشرع قبل ورود هذا البيان فرق بين من آمنت بعد كفر، وبين من لم تكفر أصلا، فيكون في البيان لإباحة نكاح الجميع فائدة.
وليس لأحد مع جواز هذا أن يقول: قد أغنى عما اشترطتموه من إسلام الكتابيات قوله تعالى: {والمحصنات من المؤمنات}.
فإن قالوا: لستم بتخصيص هذه الآية بما ذكرتموه، لتسلم لكم ظواهر آياتكم بأولى منا إذا خصصنا ظواهر آياتكم بالمرتدات والحربيات، ليسلم لنا ظاهر الآية التي نستدل بها.
قلنا: غير مسلم لكم التساوي في ذلك، بل نحن أولى بالتخصيص منكم، لأنكم تعدلون عن ظواهر كثيرة ونحن نعدل عن ظاهر واحد، فإذا كان العدول عن الحقيقة إلى المجاز إنما يفعل للضرورة، فقليله أولى من كثيره. بلا شبهة. [٦٦]
أنكحة المشركين صحيحة. وبه قال أبو حنيفة وأصحابه و الشافعي وغيرهم. وقال مالك: أنكحتهم فاسدة، وكذلك طلاقهم غير واقع. فلو طلق المسلم زوجته الكتابية، ثم تزوجت بمشرك ودخل بها، لم تحل لزوجها المسلم. [٦٧]

المصادر

  1. النساء : الآية 3.
  2. النور : الآية 32.
  3. ابن قدامة، المغني ج 6 كتاب النكاح ص 480.
  4. حر عاملي، وسائل الشيعة، كتاب النكاح، باب 9، الحديث 10
  5. الغنية 335.
  6. الخلاف: 5 / 93 مسألة 1، من كتاب الرضاع.
  7. ابن أبي عبد الرحمان، القرشي التيمي أبو عثمان، ويقال: أبو عبد الرحمن المدني المعروف بربيعة الرأي روى عن: إسماعيل بن عمرو بن قيس، وأنس بن مالك، وبشير بن يسار وغيرهم. وروى عنه: إسماعيل بن أمية القرشي، وإسماعيل بن جعفر المدني، وغيرهما. توفي سنة (136) بالمدينة وقيل بالأنبار. تهذيب الكمال: 9 / 123 رقم 1881.
  8. واسمه مسلم الأشعري، أبو إسماعيل الكوفي الفقيه روى عن: إبراهيم النخعي، وأنس بن مالك، والحسن البصري، وروى عنه: جرير بن أيوب البجلي، وحفص بن عمر، قاضي حلب وغيرهما توفي (120). تهذيب الكمال: 7 / 269 رقم 1483.
  9. إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم، أبو بشر الأسدي الكوفي ولي المظالم ببغداد في أيام هارون الرشيد ولد سنة (110) ومات (193) ودفن ببغداد. طبقات الحنابلة: 1 / 99 رقم 108.
  10. بن عبد المطلب، أبو يعلى، سيد الشهداء، عم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأخوه من الرضاعة، أسلم في السنة الثانية من المبعث، هاجر إلى المدينة، وشهد بدرا وقتل في أحد في شوال سنة (3) وكان عمره (75) سنة. أسد الغابة: 1 / 528 رقم 1251.
  11. عم عائشة من الرضاعة. ويقال: أفلح بن أبي القعيس. أنظر الإصابة: 1 / 99 رقم 227.
  12. الخلاف: 5 / 93 مسألة 2.
  13. أبو عبد الله وأبو محمد، أسلم عام خيبر واستعمله رسول الله على عمان وسيره أبو بكر أميرا إلى الشام ثم سيره عمر في جيش إلى مصر وشهد صفين مع معاوية وهو أحد الحكمين واستعمله معاوية على مصر مات بها سنة (43). أسد الغابة: 3 / 741 رقم 3965.
  14. الخلاف: 5 / 98 مسألة 4.
  15. البقرة: 233.
  16. الغنية 336.
  17. الهداية في شرح البداية 1 / 219.
  18. البقرة: 233.
  19. الغنية 336.
  20. الخلاف: 5 / 99 مسألة 5.
  21. الخلاف: 5 / 95 مسألة 3.
  22. الخلاف: 5 / 100 مسألة 7.
  23. النساء: 23.
  24. الخلاف: 5 / 100 مسألة 8 - 11.
  25. الخلاف 5 / 104 مسألة 14.
  26. الخلاف: 5 / 104 مسألة 15.
  27. الخلاف: 5 / 105 مسألة 18.
  28. الخلاف: 5 / 105 مسألة 19.
  29. الغنية: 336.
  30. الخلاف 4 / 303 مسألة 75.
  31. النساء: 23.
  32. الغنية 336 - 3337.
  33. في النسخة: أمه.
  34. النساء: 3.
  35. النساء: 24.
  36. الخلاف: 4 / 306 مسألة 79.
  37. الغنية 337.
  38. الخلاف: 4 / 308 مسألة 81.
  39. الخلاف: 4 / 308 مسألة 82.
  40. النساء: 22.
  41. الغنية: 337 - 338.
  42. الخلاف: 4 / 308 مسألة 80.
  43. الغنية 338.
  44. الخلاف: 4 / 321 مسألة 98.
  45. الخلاف: 4 / 321 مسألة 97.
  46. الخلاف: 4 / 322 مسألة 99.
  47. الخلاف: 4 / 322 مسألة 100.
  48. الغنية: 338.
  49. الخلاف: 5 / 12 مسألة 8 و 9.
  50. الهداية في شرح البداية: 2 / 271.
  51. ابن أبيض العجلاني الأنصاري صاحب اللعان، وهو الذي رمى زوجته بشريك بن سحما، فلاعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بينهما وذلك في شعبان سنة تسع لما قدم من تبوك. أسد الغابة: 4 / 17 رقم 4133.
  52. النساء: 3.
  53. النساء: 24.
  54. النساء: 23.
  55. الغنية 338 - 339.
  56. الخلاف: 4 / 315 مسألة 87.
  57. الخلاف: 4 / 296 مسألة 64.
  58. الغنية 339.
  59. الخلاف: 4 / 295 مسألة 63.
  60. الغنية 339.
  61. الخلاف: 4 / 311 مسألة 84.
  62. الممتحنة: 10.
  63. البقرة: 221.
  64. الحشر: 20.
  65. المائدة: 5.
  66. الغنية 339 - 340.
  67. الخلاف: 4 / 333 مسألة 112.