انتقل إلى المحتوى

العبادة

من ویکي‌وحدت
مراجعة ١٤:٢٩، ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٥ بواسطة Negahban (نقاش | مساهمات) (تقييم التعريفات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)

العبادة تعني «الخضوع». كما يقول الطبري في تفسيره «جامع البيان»: أصل العبودية «التي يرى أنها تشمل العبادة أيضًا» عند جميع العرب تعني الذل والخضوع.[١] ويقول القرطبي أيضًا: «أصل العبادة هو الخضوع».[٢][٣][٤][٥] ومن الجدير بالذكر أن بعض المصادر المذكورة استخدمت بدلًا من «الخضوع» لفظ «الذل» الذي هو قريب من الخضوع أو «أقصى درجات الخضوع».[٦][٧][٨]

تعريف العبادة

مفهوم «العبادة» في الاستخدام الشائع والمتداول يختلف إلى حد ما، وهناك عدة آراء في هذا المجال:

أقصى درجات الخضوع

وهو المعنى الأصلي، أي الخضوع أو أقصى درجات الخضوع. هذا المعنى مقبول لدى معظم اللغويين.[٩][١٠][١١] وكما ذُكر، فإن معظم كتب اللغة وكثير من كتب التفسير تؤيد هذا المعنى.

الطاعة والانقياد

الطاعة والانقياد.[١٢][١٣][١٤][١٥] وقد اعتبر بعضهم «العبادة» بمعنى «طاعة خاشعة».[١٦]

معان متعددة حسب السياق

معان متعددة حسب السياق[١٧] (مثل الخضوع، الطاعة، وغيرها).

عمل مقرون بقصد القرب

عمل يصحبه «قصد القرب» والدافع إلهي. بالتدقيق في مفهوم واستخدام كلمة «عبادة» يتضح أنه رغم أن العبادة نوع من الخضوع والتواضع، إلا أن ليس كل خضوع عبادة. بلا شك، من يخضع لشخص ما لا يُقال إنه عبده. وكذلك ليست كل طاعة عبادة. في الإسلام، العبادة لغير الله حرام، لكن التواضع والطاعة لغيره جائزة. وهذا دليل على أن العبادة ليست مرادفة لهذين اللفظين، لذا فإن المعنى الأول والثاني غير مقبولين.

تقييم التعريفات

النظرية الثالثة التي تعتبر العبادة متعددة المعاني قد تكون صحيحة، لكن السؤال الأساسي هو: ما هو المعنى الأول والشائع للعبادة؟ بعبارة أخرى، قد يكون للعبادة معنى حقيقي أولي وثانوي، وفي هذه الحالة يجب توضيح المعنى المتداول والأولي الذي يُفهم منه بدون قرينة. النظرية الرابعة، وهي العمل الذي يكون بقصد القرب والاتجاه الإلهي، مقبولة لدى معظم العلماء في الفقه والأصول[١٨][١٩][٢٠][٢١][٢٢] وبعضهم الآخر. ويُشير معظم علماء الفقه والأصول إلى أن هذا التعريف يعبر عن العبادة في الإسلام، وليس بالضرورة المعنى اللغوي الدقيق (كما شرح في النص). يبدو أن هذا المعنى هو الأقرب لمفهوم العبادة، مع توضيح أن المقصود بالخضوع هو الذي يصاحبه نوع من «تقديس». والمقصود بـ «التقديس» ليس أي تقديس (مثل تقديس الإمام أو النبي محمد )، بل تقديس له صفة الألوهية والربوبية، أي خضوع مع الاعتقاد في ألوهية وربوبية المعبود سواء كان الله الحقيقي أو وهميًا، سواء كان الرب المطلق أو رب النوع، وهكذا. وقد فسّر هذا المعنى «علامة البلاغي»[٢٣] وكذلك «الشهيد المطهري»[٢٤]، ووافقه المرحوم حاج مصطفى خميني في تفسيره باعتباره «وضعًا تعينيًا» (وليس مجرد تعيين) للعبادة. فإذا لم يكن الخضوع مصحوبًا بهذا التقديس (كما ذُكر)، كأن يخضع الإنسان لإنسان دون الاعتقاد في ربوبيته، فذلك أدب واحترام وليس عبادة. ربما قصد بعض أهل اللغة والتفسير الذين عرفوا العبادة بأنها «أقصى درجات الخضوع»[٢٥][٢٦] أو «طاعة خاشعة»[٢٧] هو هذا المعنى. وقد فسر «لسان العرب» في موضع ما «عبد» بأنه «متأله» وهو أقرب لهذا المعنى. هذا المفهوم هو على الأقل المعنى الحقيقي الأول والشائع للعبادة. يمكن أن تكون العبادة اسم مصدر بمعنى يُطلق على الصلاة والصوم وما شابه، ويمكن أن تكون مصدرًا متعدٍّ بمعنى «العبادة» (أي أداء الصلاة وما شابه)، وإذا حملت معانٍ مثل الخضوع والطاعة فهي المعاني الحقيقية الثانوية أو المجازية التي تحتاج إلى قرينة. ويؤيد هذا قول الإمام الصادق عليه السلام عن حقيقة العبادة: «نية حسنة - قصد قرب - في الطاعة كما أمر الله».[٢٨]

مفهوم قصد القرب

المقصود بـ «قصد القرب» في تعريف العبادة هو أن يكون العمل بدافع وهدف إلهي، سواء كان حبًا ورضى لله، أو امتثالًا للأوامر، أو شكرًا له، أو طلبًا للجنة، أو هروبًا من العذاب، وما إلى ذلك.

تشابه العبودية والعبادة

يبدو أن كلمة «العبودية» تُستخدم بمعنى «البُندقية»، «الرق»، «الملكية»، «العبودية» وما شابه. في كتاب بحار الأنوار وردت قصة لأحد أصحاب الإمام الصادق عليه السلام فيها جملة تدل على ذلك، حيث قال: في رحلة إلى المدينة كان لي رفيق عهدت له بالخدمة والعبودية: «... وطنت نفسي عليه من خدمته والعبودية له».[٢٩] إذا انتسبت العبودية إلى الله، يُطلق على الشخص لقب «عبد الله» كما ورد في عدة روايات: أفضل الأسماء التي تدل على العبودية مثل عبد الله وعبد الرحمن...[٣٠] وإذا انتسبت إلى غير الله، يُطلق لقب «عبد غير الله». وفي كتاب «شرح الأسماء الحسنى» للحاج ملا هادي السبزواري ورد أن في ليلة المعراج خاطب النبي: «اطلب ما شئت من السعادات! قال: انسبني إلى عبادتك! فأنزلت هذه الآية: سبحان الذي أسرى بعبده...».[٣١]

الفرق بين العبودية والعبادة

الفرق بين العبودية والعبادة، بعيدًا عن مسألة التقديس، هو أن العبادة فعل وعمل يقوم به الإنسان، أما العبودية فهي صفة يتصف بها الإنسان. مثلاً يقولون: فلان له «صفة العبودية»، لكن لا يقولون له «صفة العبادة» (بل هو الفاعل). هذا إذا اعتُبرت العبودية اسم مصدر، أما إذا كانت مصدرًا متعديًا فهي تعني «العبودية» أي الفعل، وإذا نسبت إلى الله تصبح من حيث المضمون مطابقة للعبادة. ربما الذين اعتبروا العبودية والعبادة مترادفتين افترضوا أولاً أن العبودية مصدر متعدٍ، وثانيًا قصدوا العبودية بمعنى العبودية لله. هنا من المناسب ذكر رأي الإمام الخميني قدس سره حول موضوع العبادة في مبحث «التعبدي والتوصلي» في علم الأصول، حيث يقول: «العبادة؛ الواجب فيها قصد القرب، وتنقسم إلى قسمين: الأول عبادة النفس التي شرعت للعبودية والتقرب إلى الله مثل الصلاة والحج، ويسمونها في الفارسية «پرستش». والقسم الثاني عمل النفس الذي لم يُشرع للتقرب إلى الله مثل الزكاة والخمس، وهذا القسم مع أنه عبادة ولا يتم إلا بقصد القرب، لكنه ليس من قبيل العبودية». من كلامه يتضح أن العبادة عمومًا هي عمل يُقصد به القرب، لكن ليس كل عبادة هي عبودية الله، بل الفعل الذي وضع لإظهار عبودية الله هو العبادة.[٣٢]

شروط كمال العبادات

بعيدًا عن شروط الصحة والقبول، هناك شروط لكمال العبادة تعكس قيمة أعلى ومضمونًا أفضل وتأثيرًا أكبر. شروط كمال العبادات هي:

أن تكون أصعب

الأعمال والعبادات السهلة يستطيع الجميع القيام بها، لكن العبادات التي تحتاج إلى جهد وإرادة ومشقّة أكبر هي أكثر قيمة وأقرب إلى الكمال. القرآن يمدح الذين ناصروا النبي في أوقات الشدة.[٣٣] الإمام المجتبى عليه السلام مع أنه كان يمتطي جوادًا، لكنه كان يذهب إلى الحج مشيًا طلبًا للأجر الأكبر. القرآن يثني على قائمي الليل الذين يتركون فراشهم الناعم للصلاة والدعاء.[٣٤] وعلي عليه السلام قال: «أفضل الأعمال ما أكرهت نفسك عليه».[٣٥] أفضل الأعمال هي التي تجبر نفسك على فعلها. القرآن يفضل المجاهدين على القاعدين ويقول: «فضل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً».[٣٦]

أن تكون أهم

في الأعمال، مراعاة «الأهم والمهم» علامة على الحكمة والبصيرة والمصلحة، والإسلام يشجع على ما هو أكثر ضرورة وفائدة وأهمية، سواء في التعليم أو العبادة أو الإنفاق. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا صدقة وذور رحم محتاج».[٣٧] الإنفاق مع وجود الأقارب المحتاجين أقل قيمة. وعلي عليه السلام قال: «لا قربى بالنوافل إذا أضرت بالفرائض».[٣٨] إذا كانت النوافل تضر بالفرائض، فلا تقرب إلى الله.

أن يكون أثرها دائمًا

البركة هي كثرة الأثر والفائدة الدائمة لعمل الإنسان. العمل أو العبادة الكاملة هي التي لا يكون أثرها زائلًا وسريع الانتهاء. علي عليه السلام قال: «رُتَّ يسير أنمي من كثير».[٣٩] قد يكون القليل المستمر أكثر نفعًا من الكثير المتقطع. بعض المؤلفات والمراكز الخدمية لها خير وبركة وأثر أكبر من كثير من الأعمال والكتابات. فالبركة من شروط كمال العبادات.

أن تكون على خط النبي

كمال العبادات هو أن تكون على منهج وسيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأولياء الدين، لا على عادات موروثة أو رغبات الناس. كلما اقتربت العبادة من طريقة المعصومين عليهم السلام كانت أكثر قيمة.

أن تكون سباقة

في العبادات والأعمال الصالحة، للسبق قيمة، والسبق في هذه الأمور مقياس للكمال. القرآن يأمر كثيرًا بـ «اسارعوا» و«سابقوا». يقول في موضع: «لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكل وعد الله الحسنى».[٤٠] المسلمون الذين أنفقوا وجاهدوا قبل فتح مكة لهم أجر أعظم من الذين فعلوا ذلك بعد الفتح، مع أن الله وعد كلا الفريقين. فالسبق في الأعمال الصالحة من علامات الكمال. وعن علي عليه السلام: «لا يتم المعروف إلا بثلاث خصال: تعجيله وتصغيره وسترِه».[٤١] العمل الخيري يكون أكثر قيمة إذا أُنجز مبكرًا، وصُغر عند فاعله، وأُخفي عن الناس. لذا أفضل صلاة هي صلاة أول وقت، وكلما تأخرت قلت فضيلتها. وفي الأذان نقول: «حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على خير العمل».

أن تُؤدى في ظروف صعبة

العمل الصالح والعبادة التي تُؤدى في ظل ظلم وطغيان، لأنها تتطلب تضحيات أكبر ولها تأثير أعمق، تكون أكثر قيمة. حين تتضافر الضغوط الخارجية والغرائز الداخلية لمنع العبادة والعبودية، فإن التغلب عليها والعبادة لله هو الكمال والفضل. القرآن يثني على المؤمنين الصادقين بقوله: «ولا يخافون لومة لائم».[٤٢] لا يخافون لوم الملامين في سبيل الله. ويقول أيضًا: «الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدًا إلا الله».[٤٣]

أولئك الذين يحافظون على دينهم في بيئة فاسدة وتحت سلطة الظالمين لهم مقام أعلى.

أن تكون بنشاط واستمرارية

قلة النشاط في العبادة علامة على النفاق. القرآن يصف المنافقين بأنهم لا ينشطون عند الصلاة.[٤٤] في المقابل، النشاط في العبادة قيمة، والاستمرارية فيها من شروط الكمال. في الأحاديث، الأعمال القليلة المستمرة أفضل من الكثيرة المتقطعة المصحوبة بالكسل والملامة والتهاون. القرآن وعد بالمكافأة العظيمة في العلم والفكر وغيره لمن يثابرون على طريق الإسلام: «وأن لو استقاموا على الطريقة لاسقيناهم ماءً غدقًا».[٤٥]

ألا يعظم العابد عبادته

المغرورون يعظمون عبادتهم وينظرون إليها بعظمة، وهذا يفسد أعمالهم.

شرط كمال العبادة أن لا يعظم العابد عبادته ولا يغر بنفسه.

الإمام السجاد في دعاء «مكارم الأخلاق» يدعو الله: «اللهم عبدني لك ولا تفسد عبادتي بالعجب».

كثير من الأحاديث تحث على عدم تعظيم الإنسان لعباداته وأعماله الصالحة.

الله في القرآن يذكر عبادة وذكر الملائكة الدائم.

ربما لكي لا يغتر العباد على الأرض بقليل من الصلاة والعبادة.

أن تكون بالبصيرة

العلم العميق والبصيرة في الدين سر قيمة الأعمال والعبادات، وبدونه لا قيمة للعمل.

المواضيع ذاات الصلة

التعبد

الهوامش

  1. الطبري، محمد بن جرير، جامع البيان، ج1، ص161.
  2. القرطبي، محمد بن أحمد، الجامع لأحكام القرآن، ج1، ص225.
  3. الطبرسي، فضل بن حسن، مجمع البيان، ج1، ص61.
  4. الفيومي، أحمد بن محد، المصباح المنير، ج2، ص142.
  5. الطريحي، فخر الدين، مجمع البحرين، ج3، ص105.
  6. راغب الأصفهاني، حسين بن محمد، المفردات في غريب القرآن، كلمة «عبد»، ص319.
  7. معجم الفروق اللغوية، ص349.
  8. لسان العرب، ج3، ص272.
  9. الفيومي، أحمد بن محمد، المصباح المنير، ج2، ص142.
  10. أقرب الموارد، ج2، ص736.
  11. مفتاح الفلاح، ص287.
  12. الزبيدي، مرتضى، تاج العروس، ج8، ص330.
  13. لسان العرب، ج3، ص273.
  14. الصحاح، ج2، ص502.
  15. القرطبي، محمد بن أحمد، الجامع لأحكام القرآن، ج17، ص56.
  16. لسان العرب، ج3، ص273.
  17. الميزان، تحت آية «إياك نعبد...»
  18. تهذيب الأصول، ج1، ص111.
  19. الحدائق النافرة، ج2، ص177.
  20. نهاية الأفكار، ج1، ص183.
  21. فوائد الأصول، ج1، ص128.
  22. محاضرات في أصول الفقه، ج2، ص184.
  23. علامة البلاغي، آلاء الرحمن، تحت آية «إياك نعبد»
  24. مرتضى مطهري، خدمات متقابلة الإسلام وإيران، ص205.
  25. لسان العرب، ج3، ص273.
  26. راغب الأصفهاني، حسين بن محمد، المفردات في غريب القرآن، ص319.
  27. لسان العرب، ج3، ص273.
  28. مجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج70، ص254.
  29. مجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج27، ص154.
  30. الكافي، ج6، ص18.
  31. شرح الأسماء الحسنى، ص90.
  32. تهذيب الأصول، ج1، ص111.
  33. سورة التوبة، آية 117.
  34. سورة السجدة، آية 15.
  35. قصار الجمل، ج2، ص74.
  36. سورة النساء، آية 95.
  37. نهج الفصاحة، ص522.
  38. الحياة، ج1، ص318.
  39. نهج البلاغة، الوصية 31.
  40. سورة الحديد، آية 10.
  41. قصار الجمل، ج2، ص30.
  42. سورة المائدة، آية 54.
  43. سورة الأحزاب، آية 39.
  44. سورة النساء، آية 142.
  45. سورة الجن، آية 16.