المتعلق

المتعلّق: وهو الشئ الذي يقع موضوعاً لـ الحکم، أي أنه هو الفعل أو الترک المطلوب من قبل الشارع بواسطة الأحكام الصادرة منه، فإن کان المطلوب من الشارع إيجاده فالفعل مطلوب، وإن کان المطلوب عدم إيجاده فـ الترک مطلوب. والفرق بين المتعلق والموضوع أن الأول يطلق علی الأفعال کـ: «أقم الصلاة» فإن الصلاة فعل من الأفعال، وأن الثاني يطلق علی الأعيان کـ: «أعطِ درهماً» فإن الدرهم عين من الأعيان، ومع ذلک قد يطلق كلّ واحد من الموضوع والمتعلّق على كلّ واحد من الفعل ومتعلّقه، فيقال: إنّ الصلاة والشرب والخمر متعلّقات أو موضوعات.

تعريف المتعلق لغةً

وعلّقت الشيء تعليقا إذا نطته، والمعاليق: كلّ شيء علّقت به شيئا [١] علق بالشيء علقا وعلقة: نشب فيه[٢].

تعريف المتعلق اصطلاحاً

ورد عبارات عن الاُصوليين يبدو منها تعريف المتعلّق، وتشير بمجملها إلى أنّ المتعلّق هو الفعل أو الترك المطلوب من قبل الشارع بواسطة الأحكام الصادرة منه.
منها: المتعلّق هو ما يطالب به العبد من الفعل أو الترك، كالحجّ والصلاة والصوم[٣].
ومنها: هو الأمر الذي تعلّق به الحکم، ففي مثل وجوب صلاة الظهر فإنّ الحكم هنا هو الوجوب، والمتعلّق هو الأفعال المحدّدة التي يمارسها المكلّف حين الصلاة وفي حرمة شرب الخمر، فإنّ الحكم هو الحرمة والمتعلّق هو شرب الخمر، وفي نجاسة الدم فإنّ الحكم هو النجاسة والمتعلّق هو الدم[٤].

العلاقة بين الحكم ومتعلّقه

يُذكر فى علاقة الحكم بالمتعلّق أنّه إذا تحقّق موضوع وأصبح حكمه فعلياً، فإنّ هذا سيكون سبباً وداعياً للمكلّف لإيجاد متعلّق الحكم، ولا يلزم إيجاد المتعلّق قبل فعلية الحكم، فالحكم مقدّم على المتعلّق وداعياً لإيجاده[٥].

متعلّق الأوامر والنواهي

ممّا ناقشه الاُصوليون هو أنّ المتعلّق المأمور به في الأوامر أو المنهي عنه في النواهي هو الطبيعة أم الأفراد؟ ويراد من الطبيعة هو ذات الماهية مع غضّ النظر عن العوارض اللازمة لوجودها من الزمان والمكان ونحوهما. والمراد من الفرد هو الماهية المقيّدة بالعوارض اللازمة المزبورة. وعليه فالطبيعة بما هي لا يمكن أن يتعلّق بها الأمر أو النهي، فهي لا مطلوبة ولا غير مطلوبة، والمتعلّق الحقيقي هو وجود الطبيعة وإذا استخدمت مفردة الطبيعة وحدها في كلمات الاُصوليين فمرادهم وجودها [٦].
يظهر من القائلين بتعلّق الأوامر والنواهي بالأفراد كون دليلهم أنّ الطبيعة بما هي طبيعة لا وجود لها في الخارج، والموجود هو الفرد. ومن المفروض تعلّق الأمر والنهي بأمر موجود[٧].
لكنّ أكثر الاُصوليين ذهب إلى أنّ متعلّق الأوامر والنواهي هو الطبائع لا الأفراد، مع أنّهم اختلفوا في بعض الاُمور ذات الصلة بالموضوع، من قبيل كون النزاع في أنّ المتعلّق هو الطبيعة نفسها أم وجودها، نزاعا لفظياً أو عقلياً أو شرعياً؟
المحقّق الخراساني ممّن ذهب إلى أنّ المتعلّق هو وجود الطبيعة، لا الطبيعة نفسها؛ لأنّ نفسها لا مطلوبة ولا غير مطلوبة، وقد قيل: بإمكان ارتفاع النقيضين في هذه المرتبة[٨].
واستدلّ على ذلك بالوجدان، وهو الحاكم هنا. على أنّ المطلوب في الأوامر والنواهي هو الطبيعة دون النظر إلى خصوصياتها الخارجية وعوارضها العينينة[٩].
يبدو أنّ رأي الميرزا القمّي هو نفس ما ذهب إليه المحقّق الخراساني، أي كون متعلّق الطلب في الأمر هو إيجاد الفعل ومتعلّق الطلب في النهي هو عدم إيجاده[١٠].
وذهب المولى محمّد كاظم الخراساني إلى أنّ متعلّق الطلب في الأوامر والنواهي هو الطبيعة من حيث هي لا وجودها الخارجي؛ لأنّه لا يعقل أن يكون وجودها متعلّقاً للإرادة، إذ لا يعقل أن يكون متعلّقاً للتصوّر إلاّ بعد تحقّقه، وبعد تحقّقه لا يعقل تعلّق الإرادة به، فلا يعقل تعلّق الإرادة به أوّلاً وآخراً.
وبذلك يرى المولى الخراساني أنّ البحث هنا بحث عقلي، وأنّ القائل بتعلّق الطلب بالطبائع ينكر معقولية تعلّقه بوجودها ويلتزم بأنّ الطبائع من حيث هي غير قابلة لتعلّق الطلب بها، وأنّ القائل بالتعلّق بوجوها ينكر معقولية التعلّق بها، ويلتزم بأنّ الطبائع من حيث هي غير قابلة لتعلّق الطلب بها [١١].
ويذهب السيّد الروحاني إلى أنّ النزاع في حقيقته يعود إلى إمكان وجود الطبيعي في الخارج أو عدم إمكانه... فمن يقول بإمكان وجود الطبيعي في الخارج وأنّ المشخصات تعرض على الماهية قهراً من باب امتناع وجود الشيء دون تشخّص يذهب إلى تعلّق الأوامر والنواهي بالطبائع، ومن يقول بعدم إمكان ذلك بل الذي يوجد في الخارج هو الماهية المتشخّصة بالزمان والمكان يقول بتعلّق الأوامر والنواهي بالأفراد[١٢].
ويذهب كذلك إلى أنّ المتعلّق هو الفرد والوجود الخارجي لكن ليس الفعلي، بل الفرضي والتقديري. ويستدلّ على رأيه بأنّ هذا أمر ارتكازي مغفول عنه وعرفي كذلك. ويفسّر ما يحكى عن المحقّق العراقي في هذا المجال من أنّ المتعلّق هو الوجود الزعمي بالرأي الذي التزمه[١٣].
وأرجع البعض النزاع هنا إلى النزاع في كون التخيير بين الأفراد تخييراً شرعياً أو عقلياً؟ لأنّ المتعلّق إذا كان الطبيعة كان التخيير بين أفرادها عقلياً، وإن كان متعلّق الأمر هو الأفراد فالتخيير يكون شرعياً...[١٤]. ويذهب الشيخ الفياض إلى أنّ الطبيعي موجود في الخارج حقيقة بدليل إمكانية صحّة حمل الوجود عليه، فلا فرق بين القول: «زيد موجود» وقول: «الإنسان موجود» فكما أنّ الأوّل على نحو الحقيقة كذلك الثاني. ومن ناحية اُخرى لا شبهة في صحّة حمل الطبيعي على الفرد، فيقال: «زيد إنسان». ومن المعلوم أنّه يعتبر في صحّة الحمل الاتّحاد في الوجود الخارجي وإلاّ فالحمل غير صحيح. واحتمل كون هذا من الواضحات. واستدلّ عليه بالوجدان كذلك وأنّ الذي يطلب أمراً تعلّقت به إرادته بالطبيعي منه لا بحصة معيّنة.
لكنّه في النهاية يشكك في وجود ثمرة في هذا البحث من حيث إنّه على القول بوجود الطبيعة في الخارج تعلّقت الأوامر والنواهي بها، وعلى فرض عدم وجودها تعلّقت بالفرد، لكن بإحدى الحصص الموجودة في الخارج لا حصة معيّنة. وعلى كلا القولين يكون هناك تخيير بين الحصص والأفراد عقلياً. والمهمّ هو الإتيان بالحصة بالخارج مهما كان متعلّق الأوامر والنواهي لاستحالة إيجاد الطبيعي معرّى عن الخصوصيات. فلا ثمرة إلاّ في باب اجتماع الأمر والنهي[١٥].
وهناك من يرى أنّ القضية لفظية؛ لأنّ البعض تمسّك بالتبادر لإثبات التعلّق بالطبائع[١٦].
وهناك رأي آخر يرى أنّ متعلّق الأمر هو الطبيعي بينما متعلّق النهي هو الفرد؛ لأنّ النهي يتعلّق بالطبيعة بنحو الاستغراق فيشمل الأفراد[١٧].
وفي الموضوع نقاشات جزئية أكثر وردت عن الاُصوليين[١٨].

الألفاظ ذات الصلة

موضوع

وهو ما أخذ مفروض الوجود في متعلّق الحکم، كالعاقل البالغ المستطيع، أي أنّه المكلّف الذي طولب بالفعل أو الترک بما له من القيود و الشرائط من العقل والبلوغ وغير ذلك[١٩]. ويدعى أحيانا بمتعلّق المتعلّق[٢٠].
ويقال كذلك: قد يطلق كلّ واحد من الموضوع والمتعلّق على كلّ واحد من الفعل ومتعلّقه، فيقال: إنّ الصلاة والشرب والخمر متعلّقات أو موضوعات[٢١].

أقسام المتعلق

ورد عن البعض تقسيمات للمتعلّق في عالم الثبوت والإثبات، عنونها بأنحاء المتعلّق وهي: بناء على كون المتعلّق هو الطبيعة فقد يكون على أنحاء:
1 ـ على نحو صرف الوجود، بحيث يسقط الأمر بالإتيان بأوّل وجودات الطبيعة، ولو أوجد المكلّف ألف فرد دفعة واحدة لا تكون إلاّ طاعة واحدة، فوجودها بوجود أوّل وجوداتها وعدمها بانعدام جميع الأفراد، ولازمه أن تكون هناك طاعة واحدة ومعصية واحدة، فإذا أتى بفرد واحد تتحقّق المعصية ولو أتى بعدّة أفراد تكون معصية واحدة كذلك.
2 ـ على نحو العام المجموعي، أي يكون النظر فيه بنحو المجموع كمجموع دون النظر إلى الأفراد.
3 ـ على نحو العام الاُصولي، أي الطبيعة السارية لجميع أفراد الطبيعة، أي الطبيعة باعتبار السريان إلى الأفراد.
4 ـ التعلّق بنفس الطبيعة من غير لحاظ الوحدة أو الكثرة أو السريان وعدمه، بحيث يكون الأمر باعثاً نحو إيجاد الطبيعة في الأمر وزاجراً عنها في النهي، ولازمه سقوط الأمر بأوّل الوجودات والنهي لا يتحقّق إلاّ بالامتناع عن جميع أفرادها [٢٢].

الهوامش

  1. . ترتيب جمهرة اللغة 2: 592، مادّة: «علق».
  2. . لسان العرب 3: 2733، مادّة: «علق».
  3. . فوائد الاُصول 1 ـ 2: 145، واُنظر: دروس في علم الاُصول 1: 129 ـ 130، هداية المسترشدين 3: 55.
  4. . اُنظر: تحريرات في الاُصول مصطفى الخميني 2: 225 ـ 235، دروس في علم الاُصول 1: 129، نهاية الأفكار 1 ـ 2: 219 و 384، لمحات الاُصول: 197 ـ 198، اُصول الفقه (المظفر) 1 ـ 2: 413.
  5. . دروس فى علم الاُصول 1: 129 ـ 130، محاضرات في اُصول الفقه 3: 121.
  6. . اُنظر: منتقى الاُصول الحكيم 2: 463 ـ 464، أجود التقريرات 1: 166، نهاية النهاية: 196، منتهى الاُصول (البجنوردي) 1: 267 ـ 268، نهاية الأفكار 1 ـ 2: 387، وسيلة الوصول إلى حقائق الاُصول: 618، محاضرات في اُصول الفقه 3: 52.
  7. . المحكم في اُصول الفقه 1: 475.
  8. . كفاية الاُصول: 78 ـ 79، واُنظر: نهاية الاُصول المنتظري: 218، منتقى الاُصول (الحكيم) 2: 463.
  9. . كفاية الاُصول: 138.
  10. . هداية المسترشدين 3: 55.
  11. . نهاية النهاية 1: 197.
  12. . منتقى الاُصول الحكيم 2: 465.
  13. . منتقى الاُصول الحكيم 2: 473 ـ 474.
  14. . أجود التقريرات 1: 305، منتقى الاُصول الحكيم 2: 465.
  15. . محاضرات في اُصول الفقه 4: 12 ـ 16.
  16. . الفصول الغروية: 107، مناهج الوصول إلى علم الاُصول 2: 67.
  17. . منتقى الاُصول الحكيم 3 : 114 ، واُنظر : أجود التقريرات 2 : 149 ـ 150.
  18. . اُنظر: هداية المسترشدين 3: 55 ـ 92، منتقى الاُصول الحكيم 2: 463 ـ 478.
  19. . اُنظر: فوائد الاُصول 1 ـ 2: 145، المعالم الجديدة للاُصول: 190، دروس في علم الاُصول 1: 127، مقالات الاُصول 2: 405.
  20. . فوائد الاُصول 1 ـ 2: 582، 4: 6، منتهى الاُصول البجنوردي 1: 130 و133، بحوث في علم الاُصول (الهاشمي) 2: 77.
  21. . اصطلاحات الاُصول: 265.
  22. . أنوار الهداية الخميني 2: 139 ـ 142.