الفرق بين المراجعتين لصفحة: «المعنی»
Abolhoseini (نقاش | مساهمات) |
(لا فرق)
|
مراجعة ٠٤:١٠، ٨ سبتمبر ٢٠٢١
المعنى: وهو الدلالة و البيان، وهناك مباحث حول هذا الاصطلاح من قبيل: المعاني المستقلّة وغير المستقلّة، وعلاقة المعاني بألفاظها، والمعاني الحقيقية والمجازية، وسريان قبح المعاني وحسنها إلى ألفاظها،والمعاني الذاتية والحدثية، المعاني الخبرية والإنشائية، المعاني الاسمية والوصفية، والمعاني الجزئية والكلّية، سنستعرض هذه المباحث للقارئ الكريم.
تعريف المعنی
المعنى في اللغة: هو ما دلّ عليه اللفظ واحتواه[١].
ويأتي بمعنى بيان الشيء وتفسيره[٢].
واستعمله أصوليون في المعنى الأوّل دون الثاني[٣].
الحكم الإجمالي ومواطن البحث
هناك بحوث متعددة للمعنى نتعرّض لها ضمن العناوين التالية:
1 ـ المعاني المستقلّة وغير المستقلّة
المعاني المستقلّة هي المعاني التي تدلّ عليها ألفاظها من دون الاستعانة بألفاظ اُخرى، ويعبّر عنها بـ المعاني الاسمية في مقابل المعاني الحرفية غير المستقلّة التي لا تدلّ عليها ألفاظها إلاّ بالاستعانة بألفاظ اُخرى[٤]، ويعبّر عنها أيضا بالمعاني النسبية؛ لابتناء فهمها على ملاحظة معنيين مستقلّين[٥].
ولأجل توضيح الفكرة جيّدا نقول: ذكر بعضهم أنّ الكلمة تنقسم في اللغة إلى اسم وفعل وحرف، والأسماء تدلّ على معانٍ نفهمها من نفس ألفاظها، سواء سمعناها مجرّدة أو في ضمن كلام.
وأمّا الحرف فلا يتحصّل له معنى إلاّ إذا سمعناه ضمن كلام.
ومدلول الحروف هو الربط بين المعاني الاسمية كما في قولنا: «النار في الموقد تشتعل» فإنّ كلمة «في» تدلّ على ربط مخصوص بين مفهومين اسميين، وهما النار والموقد.
ولما كان كلّ ربط يمثّل نسبة بين طرفين، صحّ القول بأنّ المعاني الحرفية معانٍ ربطية نسبية، وأنّ المعاني الاسمية معانٍ استقلالية، وكلّ ما يدلّ على معنى ربطي نسبي يعبّر عنه اُصوليا بالحرف، وكلّ ما يدلّ على معنى استقلالي يعبّر عنه بالاسم.
وأمّا الفعل فهو مكوّن من مادّة وهيئة، ونريد بالمادّة الأصل الذي اشتقّ الفعل منه، ونريد بالهيئة الصيغة الخاصّة التي صيغت بها المادّة.
أمّا المادّة في الفعل فهي لا تختلف عن أيّ اسم من الأسماء، فكلمة «تشتعل» مادّتها الاشتعال، وهي ذات مدلول اسمي، لكن الفعل لا يساوي مدلول مادّته، بل يزيد عليه، بدليل عدم جواز وضع كلمة «اشتعال» موضع كلمة تشتعل، ممّا يدل على أنّ الفعل يزيد بمدلوله عن مدلول المادّة، وهذه الزيادة تنشأ من الهيئة. وبذلك نعرف أنّ الفعل لا يمكن التعويض عنه في سياق الكلام بمجموع اسمين، ممّا يعني أنّ مدلول الهيئة معنى نسبي ربطي؛ ولهذا استحال التعويض المذكور.
وهذا الربط الذي تدلّ عليه هيئة الفعل ربط قائم بين مدلول المادة ومدلول آخر في الكلام، كالفاعل في قولنا: «تشتعل النار» فإنّ هيئة الفعل مفادها الربط بين الاشتعال والنار.
وبذلك يتّضح أنّ الفعل مركّب من اسم، وهو المتمثّل بمادّته، ومن حرف وهو المتمثّل بهيئته، ممّا يعني أنّ اللغة تنقسم بنظرة تحليلية إلى قسمين: اسم وحرف، وليس لها قسم ثالث[٦].
2 ـ علاقة المعاني بألفاظها
في كلّ لغة تقوم علاقة بين مجموعة من الألفاظ ومجموعة من المعاني، ويرتبط كلّ لفظ بمعنى خاصّ ارتباطا يجعلنا كلّما تصوّرنا اللفظ ينتقل ذهننا فورا إلى تصوّر المعنى، وهذا الاقتران بين تصوّر اللفظ وتصوّر المعنى وانتقال الذهن من أحدهما إلى الآخر هو الذي يطلق عليه اسم الدلالة، فكلمة الماء مثلاً تعتبر دالّة على السائل ذي الخصوصيات المعروفة، والسائل يكون مدلولاً لها.
وهذه العلاقة بين تصوّر اللفظ وتصوّر المعنى تشابه إلى درجة ما العلاقة بين النار والحرارة، فكما أنّ النار تؤدّي إلى الحرارة، كذلك تصوّر اللفظ يؤدّي إلى تصوّر المعنى.
ومن هنا أمكن القول بأنّ تصوّر اللفظ سبب لتصوّر المعنى، كما تكون النار سببا للحرارة، غير أنّ علاقة السببية بين تصوّر اللفظ وتصوّر المعنى مجالها الذهن، بينما علاقة السببية بين النار والحرارة مجالها العالم الخارجي[٧].
والسؤال الأساسي هنا عن مصدر هذه العلاقة التي توجد في اللغة بين اللفظ والمعنى، وكيفية تكوّنها، فكيف أصبح تصوّر اللفظ سببا لتصوّر المعنى، مع أنّ تصوّر كلّ واحد منهما يختلف كلّ الاختلاف عن تصوّر الآخر.
وللإجابة على هذا السؤال هناك عدّة اتجاهات نحاول التعرّض لها كما يلي:
الاتّجاه الأوّل: وهو الاتّجاه القائل بأنّ العلاقة بين اللفظ والمعنى علاقة ذاتية ناشئة من طبيعة اللفظ، كما تنشأ الحرارة من النار والضوء من القمر[٨].
ولأجل أن يكون هذا الاتجاه مقبولاً لابدّ من تفسير الموقف تفسيرا معقولاً وشاملاً؛ لأنّ دلالة اللفظ على المعنى وعلاقته به إذا كانت ذاتية وغير نابعة من أيّ سبب خارجي، وكان اللفظ بطبيعته يدفع الذهن البشري إلى تصوّر معناه، فلماذا يعجز غير العربي عن الانتقال إلى تصوّر معنى كلمة «ماء» عند تصوّره لهذه الكلمة؟ ولماذا يحتاج إلى تعلّم اللغة العربية لكي ينتقل ذهنه إلى المعنى عند سماع الكلمة العربية وتصوّرها، وهل هذا إلاّ دليل على عدم كون العلاقة بين اللفظ والمعنى ذاتية[٩]؟!
الاتّجاه الثاني: هو الاتّجاه الذي يؤكّد على أنّ سبب نشوء هذه العلاقة في كلّ لغة هو وضع الألفاظ لمعانٍ معينة، فتكتسب الألفاظ نتيجة ذلك علاقة بتلك المعاني، ويصبح كلّ لفظ يدلّ على معناه[١٠].
وأورد على هذا الاتّجاه بأنّه لم يقدّم تفسيرا مناسبا للعلاقة بين اللفظ والمعنى، إذ لو لم تكن بينهما علاقة ذاتية فكيف تمكّن مؤسّس اللغة من إيجاد هذه العلاقة، وهل يكفي مجرّد تخصيص اللفظ وتعيينه للمعنى لئن يكون سببا لتصوّره[١١]؟
الاتّجاه الثالث: هو الاتّجاه القائل بأنّ العلاقة بين اللفظ والمعنى تنشأ من تعهد الواضع بألاّ يأتي باللفظ إلاّ إذا قصد تفهيم معناه، فتنشأ بسبب ذلك ملازمة بين الإتيان باللفظ وقصد تفهيم معناه[١٢].
ولما كان هذا الاتّجاه يتضمّن افتراض عملية استدلالية وانتقالاً منطقيا عقلائيا تتضمنّه عملية الوضع، رفض البعض الأخذ به، لمخالفته للواقع العقلائي البدائي الذي ترعرعت اللغة في أحضانه قبل استكمال مدركات الإنسان التي لا ترقى إلى مستوى التعقيدات والمصادرات العقلائية[١٣].
الاتّجاه الرابع: اتّجاه القرن الأكيد، والذي يعتبر اقتران اللفظ بالمعنى مرارا عديدة ولو على سبيل الصدفة، يؤدّي إلى إيجاد علاقة ذهنية بينهما توجب استدعاء تصوّر أحدهما لتصوّر الآخر، وكذا لو وقع الاقتران بصورة غير متكررة وفي ظرف مؤثّر يوجب الانتقال من أحدهما إلى الآخر[١٤].
والكلام فيما يمتاز به هذا الاتّجاه عن سائر الاتّجاهات الاُخرى يأتي في مصطلح (وضع).
3 ـ تداعي المعاني
هو انسباق أحد المعنيين بمجرّد سماع الآخر أو خطوره في الذهن بسبب كثرة اقترانهما أو التقائهما في ظرف مؤثّر يؤدّي إلى حدوث ارتباط وثيق بينهما، فيكون أحدهما داعيا إلى تصوّر الآخر.
ومثاله في كثرة الاقتران انسباق صورة أحد الصديقين عند رؤية الآخر بسبب كثرة رؤيتهما معا وعدم افتراق أحدهما عن الآخر.
ومثاله في وقوعهما في ظرف خاصّ انسباق اسم البلد بمجرّد سماع اسم المرض الذي ابتلي به فيه؛ لشدة الارتباط الحاصل بينهما بسبب هذا الظرف الخاصّ[١٥].
وقد وقع البحث في تداعي المعاني من جهتين:
الجهة الاُولى: في إمكان اعتبار تداعي المعاني أساسا لحدوث العلاقة بين الألفاظ ومعانيها في عملية الوضع.
وهذه النظرية تظهر من كلام الشهيد الصدر في بعض بحوثه[١٦]، لكنّها لم تلق ترحيبا من بعض تلامذته الذي رفض اعتبار تداعي المعاني أساسا لتنظيم العلاقة المذكورة، لابتناء التداعي ـ باعتقاده ـ على لحاظ كلّ واحدة من المعاني بصورة مستقلّة عن الاُخرى، بخلاف دلالة الألفاظ على معانيها التي يكون لحاظ اللفظ فيها مندكا في لحاظ المعنى عن طريق القرن الأكيد أو الظرف المؤثّر، فليس في لحاظ الألفاظ في علاقة اللفظ بمعناه وجودا مستقلاًّ عن لحاظ معانيها، بل هي متّحدة معها وفانية فيها، بخلاف تداعي المعاني التي يكون لحاظ كلّ واحدة منها مستقلاًّ عن لحاظ الاُخرى[١٧].
الجهة الثانية: فيما ذكره المشهور من عدم توقّف الدلالة التصوّرية على إرادة المتكلّم للمعنى، بل يكفي في تحقّقها صدور اللفظ من دون قصد، حتّى ولو كان ناتجا من اصطكاك حجرين.
وخالف في ذلك الشيخ الرئيس[١٨]، والملاّ نصير الدين الطوسي[١٩]، ومن تبعهما [٢٠] حيث اعتبروا الدلالة تابعة للإرادة، نافين صفة الدلالية عن اللفظ الذي ليس مدلوله مرادا للمتكلّم؛ لدخوله حينئذٍ في دائرة تداعي المعاني التي تحدث بأدنى مناسبة؛ لأنّ الدلالة ـ باعتقادهم ـ تابعة للإرادة، فكما أنّه لا دلالة لعلامات المرور المطروحة في الشوارع في غير محلّها المناسب، كذلك لا دلالة لكلام الساهي والغافل على معنى معيّن؛ لعدم إرادة لافظه لمعناه، فهو داخل في دائرة تداعي المعاني ولا علاقة له بالدلالة.
وهذا يعني انحصار عنوان الدلالة بالتصديقية وخروج التصوّرية من هذا العنوان.
وعليه لا يكون تقسيم الدلالة إلى تصوّرية وتصديقية إلاّ من باب تقسيم الشيء إلى نفسه وغيره[٢١].
4 ـ المعاني الحقيقية والمجازية
المعاني الحقيقية هي المعاني التي وضعت الألفاظ لها واستعملت فيها من دون الاستعانة بقرينة، بخلاف المعاني المجازية التي لم توضع الألفاظ لها ولم تستعمل فيها إلاّ بقرينة صارفة عن المعنى الحقيقي[٢٢].
ولما كان مجال التجوز واسعا صارت المعاني المجازية أكثر بكثير من المعاني الحقيقية[٢٣].
وهناك بحوث متعددة في الحقيقة والمجاز كحمل اللفظ على أقرب معانيه المجازية وكون استعمال الألفاظ في معانيها المجازية بالطبع لا بالوضع، وعلامات الحقيقة والمجاز، ومسألة حمل الألفاظ على معانيها الحقيقية حتّى ولو كان الغالب في الاستعمال هو المعاني المجازية، وغير ذلك من مسائل مذكورة في مصطلحي (حقيقة ومجاز).
5 ـ سريان قبح المعاني وحسنها إلى ألفاظها
ذكر صاحب الكفاية بأنّ قبح المعاني وحسنها يسريان إلى الفاظها فتكتسب الحسن والقبح منها بعد أن لم تكن متّصفة بها [٢٤]، فكلمة الغائط مثلاً تعني المكان المنخفض، وإنّما صارت قبيحة بسبب ذهاب الناس حال التخلّي إلى مكان منخفض للتستر من الناظر فصار هذا اللفظ بسبب كثرة استعماله حقيقة في الغائط ـ بمعناه المعروف اليوم ـ فسرى قبحه إلى اللفظ وصار ذكره مستقبحا بعد أن لم يكن كذلك.
وهناك من أضاف إلى فكرة سريان قبح المعاني إلى ألفاظها فكرة سراية تعقيد الألفاظ إلى معانيها [٢٥]، ومن أمثلة ذلك ما نقل عن عيسى بن عمر عندما سقط من حماره واجتمع الناس حوله، فقال: «ما لكم تكأكأتم عليّ تكأكأكم على ذي جنّة، افرنقعوا عنّي»، فسرى تعقيد الألفاظ إلى معانيها التي كان يقصدها [٢٦]، مع أنّه كان بإمكانه التعبير عن تلك المعاني بألفاظ مأنوسة لا يستصعبها السامعين، فيقول مثلاً: «مالكم اجتمعتم عليَّ كاجتماعكم على مجنون» ثُمّ يطلب منهم التفرّق عنه.
إلاّ أنّ هناك من رفض سراية قبح المعاني إلى الألفاظ مدعيا عدم اتّصاف اللفظ بقبح المعنى وإنّما ينتقل الذهن إلى المعنى عند سماعه اللفظ فقط فلا سراية لقبح المعنى إلى اللفظ، بل يبقى القبح في حدود المعنى[٢٧].
ولعلّ هذا الإشكال يجري أيضا في فكرة سراية تعقيد الألفاظ إلى معانيها، وإن لم يتعرّض له المستشكل في كلامه.
6 ـ المعاني الذاتية والحدثية
المعاني الذاتية: هي المعاني الحاكية عن ذوات موجودة من دون لحاظ عنصر الحدث فيها، كالإنسان والحيوان والشجر والحجر وسائر الأشياء الاُخرى الموجودة حولنا.
وأمّا المعاني الحدثية: فهي المعاني الحاكية عن حدوث فعل أو حالة معيّنة.
ويعبّر عنها أيضا بالمعاني المصدرية[٢٨]، كما في الإعطاء الحاكي عن صدوره من المعطي، وكما في الضرب الحاكي عن صدوره من الضارب، وغير ذلك من معاني حدثية حاكية عن صدورها من محدثها.
وقد تعرّض العلماء للمعاني الذاتية والحدثية في الاُصول والفقه في مناسبات متعددة، فتعرّضوا لهما في الاُصول مثلاً بمناسبة تفسيرهم لمادّة الأمر مثلاً فقالوا: بأنّ لها معانٍ ذاتية كالشأن والغرض، كما أنّ لها معنى حدثي وهو الطلب[٢٩].
ولما كانت هذه المعاني متباينة ماهية، رفض السيّد الخوئي ما ذكره المحقّق النائيني[٣٠] من إمكان الجمع بينها تحت عنوان واحد، وهو عنوان «الواقعة التي لها أهمّية في الجملة» مبررا رفضه بعدم إمكان الجمع بين معانٍ ذاتية جامدة غير قابلة للاشتقاق، وبين معانٍ حدثية قابلة للاشتقاق؛ لكونها غير متجانسة ماهية؛ لأنّ الجامع المذكور إما أن تكون معانيه حدثية أو جامدة ولا ثالث لهما، وعلى كلا التقديرين لا يكون الجامع المذكور جامعا حقيقيا، إذ على الأوّل لا ينطبق على المعنى الجامد، وعلى الثاني لا ينطبق على المعنى الحدثي.
وممّا يشهد لعدم التجانس أنّ الأمر بمعنى الطلب يجمع على (أوامر)، بينما يجمع في معانيه الجامدة الاُخرى على «اُمور»، فيقال مثلاً: بقي هنا اُمور، ولا يقال: أوامر[٣١].
وأمّا في الفقه، فقد تعرّضوا للمعاني الذاتية والحدثية في موارد متعددة، كما في باب التجارة مثلاً، فقالوا: بأنّ التجارة تطلق على ثلاثة معانٍ:
الأوّل: التجارة بمعناها الحدثي المصدري، وهي صدور المتاجرة من التاجر.
والثاني: التجارة بلحاظ معناها الحدثي الاسم المصدري، وهي النتيجة الحاصلة من فعل التجارة.
والثالث: التجارة بمعنى الأعيان التي يتاجر بها، وهي في هذا القسم اسم لذات، وليست حدثا.
وقد ذكر بعضهم: بأنّ أيّ حكم من أحكام التجارة يتعلّق بأيّ واحد من هذه المعاني الثلاثة يسري إلى الآخر بالعناية، كما هو الشأن في جميع ما يكون بينهما تلازم بحسب الأنظار العرفية لا الدقّة العقلية[٣٢].
وهناك أمثلة كثيرة اُخرى للمعاني الحدثية والذاتية مذكورة في الاُصول والفقه، تركنا التعرّض لها مراعاة للاختصار.
7 ـ المعاني الاسمية والوصفية
قد يستعمل اللفظ ويراد به معناه الاسمي كلفظ «حبيب» الذي وضع اسما لشخص معيّن بذاته.
وقد يستعمل ويراد به الوصف الذي تلبست به الذات كتلبس زيد بصفة المحبوبية من دون أن يكون اسما وعنوانا له.
ولما كان بين المعنى الإسمي والوصفي تباين في الماهية فلا يصحّ إرجاع أحدهما إلى الآخر، وإن أمكن أن يكون اللفظ مشتركا بينهما [٣٣].
8 ـ المعاني الخبرية والإنشائية
المعاني الخبرية: هي المعاني الثابتة بذاتها بغض النظر عن الإخبار عنها والكشف عن وجودها، كما في هطول الأمطار الثابتة بغض النظر عن الإخبار عنها، ومن هنا قد يكون الخبر صادقا إذا طابق الواقع، وقد يكون كاذبا إذا لم يطابقه[٣٤].
وأمّا المعاني الإنشائية فالمشهور[٣٥] أنّها حقائق لا ثبوت لها بغض النظر عن الألفاظ الدالّة عليها كالمعاني المستفادة من الأمر والنهي والاستفهام والنداء والتمني والتعجب وغيرها من معانٍ لا تتحقّق إلاّ بتحقّق ألفاظها التي تنشأ بها [٣٦]، ومن هنا فقد فسروا الإنشاء بإيجاد ما لم يوجد إلاّ باللفظ؛ ولذا لا يصحّ اتّصاف الإنشاء بالصدق والكذب، لتحقّق المعاني الإنشائية بمجرّد تحقّق ألفاظها [٣٧].
لكن هناك من أنكر على المشهور هذه المقولة، مدعيا عدم معقولية إيجاد اللفظ للمعنى لكون المعاني موجودة في الواقع الذهني، ولا يصحّ اعتبار اللفظ من أسباب إيجادها أصلاً، ويؤيّده ما ذكر بأنّ الإنشاء عبارة عن إبراز الاعتبار الذي هو أمر نفساني، فهو لذلك يستبطن إخبارا عمّا في النفس من الحالات الاعتبارية أو الحقيقية، وعليه لا يكون هناك فرق بين الجملة الإنشائية والخبرية؛ لأنّ كلاًّ منهما حاكٍ عمّا في النفس من الحالات الاعتبارية أو الحقيقية، فيكون مدلولهما واحدا [٣٨].
وأورد عليه: بأنّه لا إشكال في وجود تفاوت بين المعاني الخبرية والإنشائية، فلو كان مدلولي الإخبار والإنشاء واحدا لما كان هناك اختلاف بينهما، والذي يقصده المشهور من كون الإنشاء (إيجاد للمعنى باللفظ) هو عدم تحقّق المعنى الإنشائي بمجرّد اعتباره في النفس أو الإخبار، بل لابدّ من اقتران الاعتبار باللفظ والصيغة المخصوصة، فلا يكفي في البيع مثلاً اعتبار تمليك مال بمال في اُفق الذهن والنفس، بل لا يكفي حتّى الإخبار عنه مالم يكن مقرونا بلفظ صالح لإنشائه بين الطرفين، وبذلك يتّضح دور اللفظ في إيجاد المعاني الإنشائية ومدى ارتباطها وتأثّرها به، بخلاف المعاني الإخبارية التي لا تتأثّر باللفظ؛ لكونه مجرّد حاكٍ عن ثبوتها وكاشف عن وجودها [٣٩].
9 ـ المعاني الجزئية والكلّية
المعاني الجزئية: هي المعاني الخاصّة التي يمتنع صدقها على كثيرين، كـ أسماء الأعلام وأسماء المدن والأرياف.
وأمّا المعاني الكلّية: فهي التي لا يمتنع صدقها على كثيرين، كالإنسان والحيوان اللذين لهما أفراد كثيرة[٤٠].
وقد ذكر بعض أصوليون بأنّ الإطلاق و التقييد يجريان في المعاني الكلّية، وأمّا المعاني الجزئية فلا يجريان فيها؛ لعدم إمكان تضييقها وتحديد دائرتها بعد أن كانت من الأساس محدودة بحدود خاصّة.
ولما كانت المعاني الجزئية غير قابلة للتقييد فمن الطبيعي ألاّ تكون قابلة للإطلاق؛ لأنّ الإطلاق إنّما يمكن في مورد يمكن فيه التقييد، ولما كان التقييد غير ممكن في المعاني الجزئية، فالإطلاق مثله[٤١].
إلاّ أنّ هناك من رفض هذه الفكرة، معتقدا صلاحية المعاني الجزئية لئن تكون محلاًّ للإطلاق والتقييد؛ لأنّها مهما كانت محدودة يمكن اتّصافها بحالات متفاوتة يتقيّد الحکم ببعضها دون بعض، كما لو قال المولى: «إذا تأدب زيد فأكرمه» فإنّ زيدا وإن كان لا يمثّل إلاّ نفسه، إلاّ أنّ اختلاف حالاته تجعله في معرض الإكرام أحيانا ولا تجعله كذلك أحيانا اُخرى[٤٢].
وبعبارة اُخرى: إنّ الإطلاق والتقييد في المعاني الجزئية إنّما يكون في دائرة سعة الأحوال وضيقها، بخلاف المعاني الكلّية التي يكون الإطلاق والتقييد فيها في دائرة سعة الأفراد وضيقها [٤٣].
وعلى أيّ حال، فإنّ الإطلاق و التقييد الأفرادي وإن كان لا يجري في المعاني الجزئية إلاّ أنّ الإطلاق والتقييد الأحوالي يجري فيها بدون إشكال[٤٤].
المصادر
- ↑ . اُنظر: تاج العروس 19: 711، مادّة «عنى».
- ↑ . المفردات في غريب القرآن: 591.
- ↑ . اُنظر: اُصول الفقه المظفر 1 ـ 2: 64 ـ 66.
- ↑ . دروس في علم الاُصول 1: 89 ـ 90.
- ↑ . الفوائد العلية البهبهاني 2: 318، بداية الوصول في شرح كفاية الاُصول (آل راضي) 2: 59، بحوث في علم الاُصول (الهاشمي) 1: 254.
- ↑ . دروس في علم الاُصول 1: 89 ـ 90.
- ↑ . دروس في علم الاُصول 1: 81 ـ 82.
- ↑ . نسب هذا القول إلى عباد بن سليمان الصيمري وأصحاب التكسير وجماعة من معتزلة بغداد اُنظر: مفاتيح الاُصول: 1، والقوانين المحكمة: 194.
- ↑ . دروس في علم الاُصول 1: 82 ـ 83.
- ↑ . اُنظر: بحر الفوائد 2: 58 ـ 59.
- ↑ . دروس في علم الاُصول 1: 83.
- ↑ . بدائع الأفكار المحقّق الرشتي: 36، درر الفوائد (الحائري) 1: 45، محاضرات في اُصول الفقه 1: 48.
- ↑ . بحوث في علم الاُصول الهاشمي 1: 79.
- ↑ . المصدر السابق: 81 ـ 82.
- ↑ . دروس في علم الاُصول 1: 90 ـ 92.
- ↑ . بحوث في علم الاُصول الهاشمي 1: 82.
- ↑ . أضواء وآراء 1: 31.
- ↑ . الشفاء المنطق: 41 ـ 42.
- ↑ . الجوهر النضيد خواجه نصير: 8.
- ↑ . دراسات في علم الاُصول 1 : 32 ، اُصول الفقه المظفر 1 ـ 2 : 65 ـ 67.
- ↑ . اُصول الفقه المظفر 1 ـ 2: 65 ـ 67.
- ↑ . الفصول في الاُصول 1: 46، الأحكام الآمدي 1 ـ 2: ، اُنظر: المنطق (المظفر) 1 ـ 3: 40.
- ↑ . اُنظر: بدائع الصنائع أبو بكر الكاشاني 4: 131، إشارات الاُصول (الكرباسي): 48 ـ 49، غاية المسؤول في علم الاُصول 1: 102.
- ↑ . كفاية الاُصول: 36.
- ↑ . مقالات الاُصول 1: 61 ـ 62.
- ↑ . الصحاح 1: 66، مادّة: «كأكأ»، لسان العرب 3: 3372، مادّة: «كأكأ».
- ↑ . محاضرات في اُصول الفقه 2: 21.
- ↑ . بحوث في علم الاُصول الهاشمي 1: 284، كتاب البيع (الخميني) 1 : 60.
- ↑ . كما في بدائع الأفكار الرشتي: 199.
- ↑ . أجود التقريرات 1: 131.
- ↑ . محاضرات في علم الاُصول 2: 5.
- ↑ . مهذب الأحكام 16: 7 ـ 8.
- ↑ . اُنظر: بحر الفوائد 8: 227.
- ↑ . اُنظر: المنطق المظفر 1 ـ 3: 50 ـ 51، المحصول (الرازي) 2: 101 ـ 103، الأحكام (الآمدي) 1 ـ 2: 253.
- ↑ . أضواء وآراء 1: 150.
- ↑ . اُنظر: المنطق المظفر 1 ـ 3: 51.
- ↑ . اُنظر: المنطق المظفر 1 ـ 3: 51 ـ 52.
- ↑ . اُنظر: مصباح الاُصول 3: 71.
- ↑ . اُنظر: أضواء وآراء 1: 150.
- ↑ . المنطق المظفر 1 ـ 3: 57. اُنظر أيضا: المحصول (الرازي) 1: 77.
- ↑ . اُنظر: مطارح الأنظار 1: 236 ـ 337.
- ↑ . مناهج الاُصول الخميني 1: 352، معتمد الاُصول (الخميني): 340.
- ↑ . تحريرات الاُصول مصطفى الخميني 5: 396.
- ↑ . بحوث في علم الاُصول الهاشمي 1 : 332 ، المباحث الاُصولية 2: 341.