حياة الإمام علي بن الحسين ع السياسية من منظور الإمام الخامنئي
حياة الإمام علي بن الحسين ع السياسية من منظور قائد الثورة الإسلامية الإمام السيد علي الخامنئي (حفظه الله) عنوان مقالة مستخرجة من كتابه القيم "پژوهشی در زندگی امام سجاد(ع)(بحث في حياة الإمام السجاد عليه السلام) الذي صدر عام 1361 هـ.ش (1982م)، يتناول سماحته (دام ظله) بالتحليل الدقيق الأبعاد السياسية والفكرية لحياة الإمام الرابع من أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، حيث يؤكد أن الإمام زين العابدين (عليه السلام) كان يقوم بعملية التبليغ والبناء الثقافي المتدرج لنظام الحكم الإسلامي الأصيل الذي يمثله النموذج العلوي الإلهي للحكم، وكان تنقسم توجيهات الإمام (عليه السلام) الإرشادية إلى قسمين رئيسيين:المواعظ الموجهة لعامة الناس والمواعظ الموجهة للخواص،وأما فيما يخص القسم الأول الموجه للعموم: كان يعتمد الإمام (عليه السلام) بشكل أساسي على الاستشهاد بآيات الذكر الحكيم، وكان يتجنب النقد المباشر والصريح للسلطة الحاكمة، مع التركيز على تقديم الفكر الإسلامي الأصيل في قالب النصح والإرشاد. وفي هذه المقالة نستعرض بحسب ما ورد في هذا الكتاب الرصين الجوانب السياسية من حياة ذلك الإمام الهمام كما طرحها قائد الثورة الإسلامية، حيث نقدم فيما يلي خلاصة وافية لما جاء في هذا الصدد:
المنهج الدعوي للإمام السجاد (عليه السلام) في الموعظة
تنقسم توجيهات الإمام زين العابدين (عليه السلام) الإرشادية إلى قسمين رئيسيين: المواعظ الموجهة لعامة الناس، والمواعظ الموجهة للخواص اي للشيعة، وفيما يخص القسم الأول الموجه للعموم: كان يعتمد الإمام (عليه السلام) بشكل أساسي على الاستشهاد بآيات الذكر الحكيم، وذلك بسبب افتقار عامة الناس في تلك المرحلة للمعرفة الكافية بمقام الإمامة وموقع الإمام السجاد (عليه السلام)، وكذلك كان يتجنب النقد المباشر والصريح للسلطة الحاكمة، ضرورة التقية والمحافظة على الكيان الشيعي في تلك الظروف العصيبة، مع التركيز على تقديم الفكر الإسلامي الأصيل في قالب النصح والإرشاد.
النموذج العملي للمواعظ العامة
كان الإمام (عليه السلام) يبدأ خطابه الوعظي بعبارات جامعة مثل: "أيها الناس! اتقوا الله واعلموا أنكم إليه راجعون..." ثم يتابع (عليه السلام) موضحاً: "واعلموا -رحمكم الله- أنه إذا أتاك نكير ومنكر، فإن أول ما يسألانك عنه: عن ربك الذي كنت تعبده، وعن نبيك الذي أرسل إليك، وعن دينك الذي كنت تدين به، وعن كتابك الذي كنت تتلوه..." هذا المنهج الحكيم في التبليغ والإرشاد يعكس البعد الاستراتيجي في تفكير الإمام (عليه السلام) وحرصه على حفظ الرسالة الإسلامية ونشر تعاليم أهل البيت (عليهم السلام) بالحكمة والموعظة الحسنة، مع مراعاة ظروف المرحلة وطبيعة الجمهور المستهدف، ثم يصل الإمام السجاد (عليه السلام) إلى النقطة المحورية والأساسية فيقول: "وَعَن إمامِكَ الَّذي كُنتَ تَتولّاهُ" (ويُسألونك عن إمامك الذي كنت تتولّاه) في لسان الأئمة (عليهم السلام) لا فرق بين مسألة الإمامة ومسألة الولاية والحكومة. فالإمام الذي يُذكر هنا هو خليفة الرسول (صلى الله عليه وآله) الذي يتكفل هدايتك الدينية كما يتكفل شؤون حياتك الدنيوية. فالإمام هو قائد المجتمع، وطاعته واجبة في الأمور الدينية والدنيوية على السواء، وعندما يقول الإمام السجاد (عليه السلام): "يُسألونك عن إمامك"، فإنه يعني أنهم سيسألونك: هل اخترت الإمام الحق؟ وهل من يحكمك ويقود المجتمع هو الإمام الشرعي؟ هل رضي الله بإمامته؟ بهذه الطريقة الهادئة والوعظية، كان الإمام (عليه السلام) يوقظ الناس ويحسسهم بمسألة الإمامة، في وقت كانت بنو أمية تحرص على إبعاد أي نقاش حول الإمامة والحكومة. وفيما يخص المواعظ العامة للإمام السجاد (عليه السلام)، يجب الانتباه إلى نقطتين أساسيتين:
خطاباته لهي كانت تذكيراً وتنبيهاً أكثر مما هي تعليم
هذه الخطابات ليست مجرد تعليم، بل هي تذكير وتنبيه أكثر مما هي تعليم. ففي ذلك الزمان لم يكن قد حصل انحراف في أصول الدين، لكن الناس كانوا قد نسوا بسبب الانغماس في الحياة المادية، فطمسوا قضايا التوحيد والنبوة والمعاد.
تأكيده وفقاً للخطة العامة في إقامة الحكومة الإسلامية
ويؤكد الإمام السجاد (عليه السلام) - وفقاً للخطة العامة والهدف النهائي المتمثل في إقامة الحكومة الإسلامية على منهج أهل البيت (عليهم السلام) - على مسألة الإمامة تأكيداً خاصاً. فالإمام زين العابدين (عليه السلام) كان يذكر الناس في مواعظه العامة بمسألة الولاية والإمامة والحكومة، لكن بأسلوب لا يثير حساسية الأعداء، وفي نفس الوقت ينبه الغافلين.
المواعظ الخاصة للإمام السجاد (عليه السلام)
هذه المواعظ هي تلك التي وجّهها الإمام السجاد (ع) إلى شيعته بشكل مباشر، حيث يتّضح أن المخاطَبين هم من المعارضين للنظام الحاكم، وكان الهدف منها بناء الكوادر القادرة على تحمّل المسؤوليات المهمة في حال قيام الحكومة الإسلامية. ومن الأمثلة على هذه المواعظ الخاصة ما ورد في كتاب "تحف العقول"، حيث يبدأ الإمام (ع) موعظته بقوله: «كَفَانَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ كَيْدَ الظَّالِمِينَ وَبَغْيَ الْحَاسِدِينَ وَبَطْشَ الْجَبَّارِينَ، أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ». وهذا الخطاب يدلّ على أن الإمام ومخاطَبيه يشتركون في مواجهة الخطر والتهديد من قبل النظام الحاكم. ثم يتابع الإمام (ع) موعظته قائلًا: لا يخدعكم الطغاة وأتباعهم الدنيويون. فإن هذه الأحداث التي تواجهونها ليلًا ونهارًا — في زمن القمع والاضطهاد — تُضعف العزيمة، وتُقلل الحماس للجهاد، وتُنسي الهداية الحاضرة، وتُذهل عن معرفة أهل الحق.
يحذّر االشيعة بمُجالسة الفسّاق، وإعانة الظالمين
ويحذّر الإمام السجاد (ع) الشيعة فيقول: «اجتنبوا مُجالسة الفسّاق، ولا تُعينوا الظالمين». ومن الواضح أن الإمام (ع) كان يجمع مجموعة من المؤمنين والموالين، ويُشجّعهم عبر أسلوب الموعظة، ويحذّرهم من الاقتراب من نظام الحكم الجائر (عبد الملك بن مروان)، ويحفظ حيويّتهم وإصرارهم ليومٍ يمكنهم فيه التأثير في إقامة الحكومة الإسلامية.
إستحضار تجارب الماضي المؤلمة لأتباعهم ليثبّتهم في نضالهم
كما أن الإمام السيد السجاد(ع) كان يستحضر تجارب الماضي المؤلمة لأتباع أهل البيت (في كربلاء، واقعة الحرة، استشهاد حجر بن عدي، وغيرها) ليثبّت الشيعة في نضالهم. فيقول (ع):«واي نفسي! إنكم من الأحداث الماضية والتجارب السابقة — من الفتن المتراكمة والغرق فيها — تستطيعون استخلاص العبر، لتتجنّبوا الضالين وأهل البدع والمفسدين في الأرض». ثم يطرح الإمام السجاد (ع) مسألة الإمامة والولاية بصريح العبارة:«قدّموا أمر الله وطاعته، وطاعة من أوجب الله طاعته. ولا تُقدّموا طاعة الطغاة — كعبد الملك بن مروان — على طاعة الله ورسوله وأولي الأمر الحقيقيين»، وبهذا الكلام، كان الإمام زين العابدين (ع) يُروّج ويُهيّئ الأرضية الثقافية للنظام السياسي الذي ينشده، وهو الحكومة العلوية الإلهية الإسلامية.
رسالة الحقوق للإمام السجاد (عليه السلام)
رسالة الحقوق للإمام السجاد (ع) هي وثيقة مفصّلة بحجم كتاب، أرسلها الإمام إلى أحد أصحابه، وقد بيّن فيها الحقوق المتبادلة بين الأفراد والجماعات. تتناول هذه الرسالة - بالإضافة إلى حقوق الله تعالى وحقوق الأعضاء والجوارح والجيران والأسرة - الحقوق المتبادلة بين الحاكم الإسلامي والشعب، وذلك بأسلوب هادئ غير تصادمي، دون ذكر الصراع من أجل إقامة الحكومة الإسلامية في المستقبل. وقد كُتبت هذه الرسالة أساسًا لترسّخ في أذهان المسلمين طبيعة العلاقات والحقوق المتبادلة بين الحاكم والمحكوم، تحضيرًا لقيام الحكومة الإسلامية المنشودة التي كان الإمام السجاد (ع) يطمح إليها.
رد الإمام على محمد بن شهاب الزهري
كان عبدالملك بن مروان يقرأ القرآن بكثرة حتى عُدّ من القرّاء المعروفين، لكن عندما أُخبر بوصوله إلى الخلافة والحكم، قبّل المصحف ووضعه جانبًا قائلاً: "هذا فراق بيني وبينك" (أي اللقاء في القيامة!). وقد تحققت كلمته، إذ توقف عن مراجعة القرآن، مع محافظته على المظاهر الخارجية، حيث لم يعارض الأفكار الإسلامية علانية أبدًا، ولتبرير ظلمه وجرائمه تحت غطاء الشرعية، احتاج عبدالملك بن مروان إلى علماء البلاط، وكان 'محمد بن شهاب الزهري' أحد هؤلاء العلماء.
محمد بن شهاب الزهري عالم البلاط الأموي
وكان لمحمد بن شهاب الزهري مكانةٌ عاليةٌ في البلاط الأموي، حتى إنه كُتب أنه ذات مرة دخل المسجد الحرام فوجد هيئة الحكم قد هيّأت له استقبالًا رسميًا مهيبًا، مما أثار دهشة العلماء والمحدّثين الحاضرين. يقول معمر: "كنا نظن أننا حفظنا عن الزهري عددًا كبيرًا من الأحاديث، حتى قُتل الوليد بن عبد الملك، فرأينا أوراقًا كثيرة تُحمل على الدواب وتُخرج من خزانته، وقيل لنا: هذه علوم الزهري!" أي أن الزهري قد دوّن كمًّا هائلًا من الأحاديث بتكليف من النظام الأموي، حتى احتاج نقله إلى دواب! وبعد أن أصبح الزهري مرتبطًا بالخلافة الأموية، انحرف حتى إلى وضع أحاديث مزورة ضد الإمام السجاد (ع) وأهل البيت (ع). ومن الأمثلة على ذلك ما نُقِد في كتاب "أجوبة مسائل جار الله" للسيد عبد الحسين شرف الدين، حيث ذكر حديثين موضوعين منسوبين للزهري، أحدهما يدعي – والعياذ بالله – أن أمير المؤمنين عليًا (ع) كان جبريًا! والآخر يُصوّر حمزة سيد الشهداء كشارب للخمر! ومن الواضح أن الزهري سعى عبر هذه الأحاديث الكاذبة إلى تشويه صورة العترة الطاهرة، وتصويرهم كمسلمين عاديين – بل أقل شأنًا – في محاولة لاغتيال شخصيتهم الفكرية والروحية.
رسالة الإمام السجاد (ع) الحارقة للزهري
ورد في كتاب "تحف العقول" رسالة قوية للإمام السجاد (ع) يهاجم فيها الزهري وبدعه، حيث يقول (ع): "اتخذت وليًا من أعداء الله، وقبلت ما أعطوك مما لم يكن لك!" ثم يتابع الإمام (ع): "أما أقل ما حملت فهو أنك حولت رعب الظالمين إلى أُنس، ومهّدت لهم طريق الضلال! ألم يصنعوا بك قطْبًا تدور عليه رحى مظالمهم، وجسرًا يعبرون عليه إلى باطلهم؟! لقد أشككت العُلماء بفعلِك، وجذبت جهلة الناس إليهم!" ويختتم الإمام (ع) بقوله: "لم يستطع أقرب وزرائهم ولا أعوانهم أن يقدموا لهم ما قدّمتَ! لقد جعلت فسادهم في أعين الناس إصلاحًا!"
ملاحظة ختامية
رغم أن الإمام السجاد (ع) لم يُظهر مواجهة صريحة مع النظام الأموي خلال 34 سنة من إمامته، إلا أن نشاطه التربوي وتأسيسه لكوادر مخلصة أثار شكوك بني أمية، حتى تعرّض للأذى أكثر من مرة. ومن المؤكد – حسب الروايات التاريخية – أنه سُيق مكبّلًا بالحديد من المدينة إلى الشام في إحدى المرات (وإن اختلفت الروايات حول كونه في كربلاء أو غيرها). وتعرض الإمام (ع) للتعذيب مرارًا، حتى استُشهد مسموماً سنة 96 هـ في عهد الوليد بن عبد الملك على يد عملاء الخلافة.
المصدر
- [كتاب "پژوهشی در زندگی امام سجاد(ع)" (بحث في حياة الإمام السجاد) – تأليف آية الله السيد علي الخامنئي، صدر عام 1982م (80 صفحة)].