الإمام الباقر

من ویکي‌وحدت

الإمام الباقر: أبو جعفر المعروف بالباقر. كان من سلالة النبوة ومن أحفاد رسول الله (صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم) وخامس أئمة أهل البيت الطاهر، كان ذاكراً خاشعاً صابراً، رفيع النسب، عالي الحسب، وكان عارفاً بالخطرات، كثير البكاء والعبرات، معرضاً عند الجدال والخصومات. وكان أحدُ مَن جمع العلم والفقه والشرف والديانة والثقة والسؤدَد. ولد بالمدينة المنورة في مطلع رجب، وقد عاش (عليه السّلام) في مطلع صباه، المحنة الكبرى التي مرّت على أهل البيت في كربلاء، وقتل فيها جده الإمام الحسين (عليه السّلام)، وإخوته وأنصاره، وشاهد بعدها المصائب التي حلَّت بأهل البيت ومحبيهم من الحكام الطغاة الذين اتّبعوا الشهوات، واستباحوا الحرمات، وعلَوْا في الأرض، وأفسدوا فيها، فاتجه الامام في ذلك الجوّ المشحون بالظلم، إلى الدفاع عن مبادئ الإسلام، ونشر تعاليمه، فالتفّ حول الامام الآلاف من العلماء، وطلاب العلم لدراسة الفقه، والحديث، والتفسير، والفلسفة، والكلام، وغير ذلك من العلوم حتى أُطلق على تلك الحلقات التي كانت تجتمع في مسجد المدينة اسم الجامعة، التي نمت وتكاملت في عهد ولده الإمام جعفر الصادق (عليه السّلام). وكان الإمام الباقر(عليه السّلام) مقصد العلماء من كل بلاد العالم الإسلامي، وما زار أحد المدينة إلَّا عرّج على بيت محمد الباقر يأخذ عنه. وكان يقصده أئمة الفقه الإسلامي، كـ سفيان الثوري، و سفيان بن عيينة و أبي حنيفة شيخ فقهاء العراق، وقد أحصى الشيخ الطوسي في رجاله ستاً وستين وأربعمائة ممّن روى عن الباقر(عليه السّلام).

الإمام محمّد الباقر (57 ــ 114ق)

وهو ابن الإمام السجاد علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب القرشي، الهاشمي، خامس أئمة أهل البيت الطاهر، أبو جعفر المعروف بالباقر. ولد بالمدينة المنورة في مطلع رجب، وقيل في الثالث من صفر سنة سبع وخمسين، وقيل: ست وخمسين. [١]

كلمات العلماء حول شخصية الإمام الباقر

قال محيي الدين بن شرف النووي: سمّي بالباقر، لَانّه بقر العلم، أي شقّه، فعرف أصله وخفاياه.
وجاء عن جابر بن عبد الله الأنصاري. أنّه قال: لقد أخبرني رسول اللّه (صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم) بأنّي سأبقى حتى أرى رجلًا من ولده، أشبه الناس به، وأمرني أن أُقرئه السلام، واسمه محمد يبقر العلم بقرا. وذكر أن جابر كان يصيح في مسجد رسول اللّه (صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم): يا باقر علم آل بيت محمّد.
وقال فيه القرظي:
يا باقر العلم لَاهل التقى ؛ وخيرَ من لبّى على الاجبل
ومدحه مالك بن أعين الجهني ( ت 148 هـ ) بالابيات التالية:
إذا طلب الناس علم القرآن ؛ كانت قريش عليه عيالا
وإن قيل: اين ابن بنت الرسول ؛ نلتَ بذاك فروعاً طوالًا
نجومٌ تهلَّلُ للمدلجين ؛ جبال تورّث علماً جبالا

الجوّ الذي عاش الباقر فيه

وقد عاش الباقر (عليه السّلام) في مطلع صباه، المحنة الكبرى التي مرّت على أهل البيت في كربلاء، وقتل فيها جده الإمام الحسين (عليه السّلام)، وإخوته وأنصاره، وشاهد بعدها المصائب التي حلَّت بأهل البيت، ومحبيهم من الحكام الطغاة الذين اتّبعوا الشهوات، واستباحوا الحرمات، وعلَوْا في الأرض، وأفسدوا فيها، فاتجه الامام في ذلك الجو المشحون بالظلم إلى الدفاع عن مبادئ الإسلام، ونشر تعاليمه، فالتفّ حول الامام الآلاف من العلماء، وطلاب العلم لدراسة الفقه، والحديث، والتفسير، والفلسفة، والكلام، وغير ذلك من العلوم حتى أُطلق على تلك الحلقات التي كانت تجتمع في مسجد المدينة اسم الجامعة، التي نمت وتكاملت في عهد ولده الإمام جعفر الصادق (عليه السّلام) وقيل: شاء اللَّه لمذهب أهل البيت وفقههم، فقه علي بن أبي طالب (عليه السّلام) الذي أخذه عن الرسول بلا واسطة، أن ينسبا إلى حفيده جعفر بن محمد الصادق، الذي اشترك مع أبيه في تأسيسها، واستقل بها بعد وفاته، لا لَانّ له رأياً في أُصول المذهب أو فقهه، يختلف فيهما عن آبائه وأحفاده، وهو القائل: « حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدي، وحديث جدي حديث رسول اللّه » وحديث رسول اللّه هو قول اللَّه، لا لذلك، بل لَانّه وأباه تهيأ لهما ما لم يتهيأ لغيرهما، واستطاعا في تلك الفترة القصيرة المشحونة بالاحداث التي كانت كلَّها لصالحهما، أن يملآ شرق الأرض وغربها، بآثار أهل البيت وفقههم، ويحقّقا ما لم يتيسر تحقّقه لمن سبقهما، ومن جاء بعدهما، لذلك نُسبا إلى الإمام الصادق، كما يبدو ذلك لكل من تتبع آراء أهل البيت في فقههم ومعتقداتهم.

أوّل من سبق إلى تدوين الفقه

وقد أُخذ معظم فقه أهل البيت ( عليهم السلام ) من الامامين الباقر وولده الصادق ( عليهما السلام )، وجهد الإمام الباقر(عليه السّلام) على تربية جماعة، فغذّاهم بفقهه، وعلومه، فكانوا من مراجع الفتيا في العالم الإسلامي ومن مفاخر هذه الأُمة، وذكر أنّ الشيعة هي أوّل من سبق إلى تدوين الفقه.
يقول مصطفى عبد الرزاق في كتابه «تمهيد لتاريخ الفلسفة ص 302»: ومن المعقول أن يكون النزوع إلى تدوين الفقه، كان أسرع إلى الشيعة، لَانّ اعتقادهم العصمة في أئمتهم أو ما يشبه العصمة، كان حرياً إلى تدوين أقضيتهم، وفتاواهم.

مقصد العلماء من كل بلاد العالم الإسلامي

وكان الإمام الباقر(عليه السّلام) مقصد العلماء من كل بلاد العالم الإسلامي.
قال الشيخ محمد أبو زهرة: وما زار أحد المدينة إلَّا عرّج على بيت محمد الباقر يأخذ عنه، وكان ممّن يزوره من يتشيّعون لآل البيت في السر، ومن نبتت في نفوسهم نابتة الانحراف، إذا فرخت في خلايا الكتمان الذي ادرعوا به، آراء خارجة عن الدين، فكان يصدّهم، ويردّهم منبوذين، مذمومين.
وكان يقصده أئمة الفقه الإسلامي، كـ سفيان الثوري، و سفيان بن عيينة[٢] و أبي حنيفة شيخ فقهاء العراق.
وكان يرشد من يجيء إليه[٣]

من روی عنهم ومن رووا عنه

وقد أحصى الشيخ الطوسي في رجاله ستاً وستين وأربعمائة ممّن روى عن الباقر(عليه السّلام).
حدّث عنه: أبان بن تغلب الكوفي، و أبو حمزة ثابت بن أبي صفية الثمالي، والحكم بن عُتيبة، وربيعة الرأي، و الأعمش، و زرارة بن أعين، و عبد اللَّه بن عطاء، وعبد الرحمن الأعرج، و الأوزاعي، ومحمد بن علي بن النعمان الملقب بـ مؤمن الطاق، وخلق كثير.

مناظرات الإمام الباقر

ومن أجوبة الامام (عليه السّلام) ومناظراته، ما روي من أنّ نافع بن الأزرق[٤] جاءه يوماً يسأله عن مسائل في الحلال والحرام، فقال له الإمام أبو جعفر الباقر وهو يحدّثه: «قل لهذه المارقة بم استحللتم فراق أمير المؤمنين، وقد سفكتم دماءكم بين يديه في طاعته، والتقرّب إلى اللَّه بنصرته؟ وإذا قالوا لك لَانّه حكَّم الرجال في دين اللَّه، فقل لهم: قد حكَّم اللَّه تعالى في الشريعة رجلين من خلقه، فقال: «فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِه ِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ ا للهُ بَيْنَهُما»[٥]، وحكَّم رسول اللّه (صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم) سعد بن معاذ في بني قريظة، فحكم فيهم بما أمضاه اللَّه، أوما علمتم أن أمير المؤمنين، إنّما أمر الحكمين أن يحكما بـ القرآن ولا يتعدّياه، واشترط ردّ ما خالف القرآن من أحكام الرجال، وقال حين قالوا له حكَّمت على نفسك من حكم عليك، قال: ما حكَّمت مخلوقاً، وإنّما حكَّمت كتاب اللَّه، فأين تجد المارقة تضليل من أمر بـ الحكم بـ القرآن، واشترط ردّ ما خالفه لولا ارتكابهم في بدعتهم البهتان؟ » فقال عبدالله بن نافع: هذا واللَّه كلام ما مرّ بمسمعي قط، ولا خطر مني على بال وهو الحق إن شاء اللَّه.
وروي أنّ اعرابياً أتى أبا جعفر(عليه السّلام) فقال: أرأيت ربك حين عبدته؟ فقال: «لم أكن لَاعبد شيئاً لم أره» فقال: كيف رأيته؟ فقال: «لم تره الابصار بالمشاهدة والعيان، بل رأته القلوب بحقائق الإِيمان، لا يدرك بالحواس، ولا يقاس بالناس، معروف بالآيات، منعوت بالعلامات، لا يجوز في القضية، هو اللَّه الذي لا إله إلَّا هو». فقال الاعرابي: اللَّه أعلم حيث يجعل رسالته.
وأمّا ما قيل في حقّ الامام (عليه السّلام) من كلمات فهي كثيرة ننقل منها ما يلي: عن عبدالله بن عطاء، قال: ما رأيت العلماء عند أحد أصغر علماً منهم عند أبي جعفر الباقر، لقد رأيت الحكم عنده كأنّه متعلَّم. ويعني الحكم بن عتيبة.
وعن سلمة بن كهيل: في قوله: «لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ»[٦]، قال: كان أبو جعفر منهم.
وقال ابن سعد: كان عالماً عابداً ثقة، وروى عنه الأَئمّة أبو حنيفة وغيره.
وقال ابن كثير: كان ذاكراً خاشعاً صابراً، وكان من سلالة النبوة، رفيع النسب، عالي الحسب، وكان عارفاً بالخطرات، كثير البكاء والعبرات، معرضاً عند الجدال والخصومات.
وقال الذهبي: وكان أحد من جمع العلم والفقه والشرف والديانة والثقة والسؤدَد، وكان يصلح للخلافة. وقال كمال الدين محمد بن طلحة الشافعي: هو باقر العلم وجامعه، وشاهر علمه ورافعة، متفوق درّه وراضعه، ومنمق دُرّه وواضعه، صفا قلبه، وزكا عمله، وطهرت نفسه، وشرفت أخلاقه، وعمرت بطاعة اللَّه أوقاته، ورسخت في مقام التقوى قدمه، فالمناقب تسبق إليه، والصفات تشرف به.

حِكَمه ومواعظه

وممّا أثر عن الامام (عليه السّلام) من الحكم والمواعظ، قال: «عالم ينتفع بعلمه أفضل من ألف عابد».
وقال: «إنّ اللَّه خبأ ثلاثة أشياء في ثلاثة أشياء: خبأ رضاه في طاعته، فلا تحقرنّ من الطاعة شيئاً، فلعل رضاه فيه، وخبأ سخطه في معصيته، فلا تحقرنّ من المعصية شيئاً، فلعل سخطه فيه، وخبأ أولياءه في خلقه، فلا تحقرنّ أحداً فلعلَّه ذلك الولي».
وقال (عليه السّلام) في وصف شيعته: «إنّما شيعة علي (عليه السّلام) المتباذلون في ولايتنا، المتحابّون في مودتنا، المتزاورون لِاحياء الدين، إذا غضبوا لم يظلموا، وإذا رضوا لم يُسرفوا، بركة على من جاوروا، وسلم لمن خالطوا».
وقال: «إنّ أسرع الخير ثواباً البرّ، وأسرع الشر عقوبة البغي، وكفى بالمرء عيباً أن يبصر من الناس ما يعمى عليه من نفسه، وأن يأمر الناس بما لا يستطيع أن يفعله، وينهى الناس بما لا يستطيع أن يتحول عنه، وأن يؤذي جليسه بما لا يعنيه».
قال ابن كثير الدمشقي: هذه كلمات جوامع موانع، لا ينبغي لعاقل أن يغفلها.

وفاته

توفي (عليه السّلام) بالمدينة في سابع ذي الحجة، وقيل في ربيع الاوّل أو الآخر سنة أربع عشرة ومائة، وقيل غير ذلك. ودفن بالبقيع مع أبيه الإمام زين العابدين وعم أبيه الحسن بن علي (عليهم السلام).

الهوامش

  1. الطبقات الكبرى لابن سعد 5- 320، التأريخ الكبير 1- 183 برقم 564، المعارف 125، المعرفة و التاريخ 1- 360، تاريخ أهل البيت (عليهم السلام) لابن أبي الثلج 131، مروج الذهب 4- 41 و 57 و 67، الكافي للكليني 2 500- 495، مشاهير علماء الامصار 103 برقم 420، الثقات لابن حبان 5- 348، الفهرست لابن النديم 56، الإرشاد للمفيد 265، حلية الاولياء 3- 180، الرجال للطوسي 102، طبقات الفقهاء للشيرازي 64، اعلام الورى بأعلام الهدى 264، تهذيب الكمال 26- 136، مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب 4- 178، الكامل في التأريخ 5- 62، تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي 302، تهذيب الاسماء و اللغات 1- 87 برقم 18، كشف الغمة في معرفة الأَئمّة 2- 328، مختصر تاريخ دمشق لابن منظور 23- 77، تاريخ الإسلام (سنة 101 120) 462، سير أعلام النبلاء 4- 401، تذكرة الحفاظ 1- 124، الوافي بالوفيات 4- 102 برقم 1583، مرآة الجنان 1- 247، البداية و النهاية 9- 321، تهذيب التهذيب 9- 250، النجوم الزاهرة 1- 273، الفصول المهمة 210، طبقات الحفاظ 56 برقم 107، طبقات المفسّرين للداودي 2- 200، شذرات الذهب 1- 149، جامع الرواة 1- 9، بحار الانوار 46- 212، أعيان الشيعة 1- 650، الذريعة إلى تصانيف الشيعة 1- 315، الصواعق المحرقة 201، سيرة الأَئمّة الاثني عشر 2- 195، حياة الامام محمد الباقر- عليه السّلام- لباقر شريف القرشي ج 1 و 2.
  2. ولد ابن عيينة عام (107 ه) فلا يتم ما ذكره أبو زهرة.
  3. تاريخ المذاهب الإسلامية: 639.
  4. قال آية اللّه الشيخ السبحاني: و لعل المناظر هو عبد اللّه بن نافع الازرق، لَانّ نافعاً قُتل عام (65 ه) و للإِمام عندئذ من العمر دون العشرة، و قد نقل ابن شهر آشوب بعض مناظرات الامام مع عبد اللّه ابن نافع، فلاحظ. بحوث في الملل و النحل: 4- 201.
  5. النساء - 35
  6. الحجر - 75