الحکم

من ویکي‌وحدت

الحكم: اصطلاح شرعي وهو خطاب الشارع المفيد فائدة شرعية، أو هو جعل الشارع التکليف المتعلّق بأفعال العباد کالوجوب والحرمة. وله مراتب وأقسام نذکرها في هذا المقال.

تعريف الحکم لغةً

... وأحكمتُ الرجل وحكّمته عن كذا وكذا، أي منعته عنه. قال أبو حاتم: قال الأصمعي: فاحْكم بني فلان عن كذا وكذا، أي أمنعهم [١]. قال أبو عبيد: قوله: حكِّم اليتيم أي أمنعه من الفساد وأصلحه كما تصلح ولدك، وكما تمنعه من الفساد. قال: وكلُّ من منعتَه من شيء فقد حكّمته وأحكمتَه [٢].
الحكم أيضا: القضاء بالعدل... [٣].

تعريف الحکم اصطلاحاً


عرّف الحكم بعدّة تعاريف:
منها: خطاب الشرع المتعلّق بأفعال المكلّفين بالاقتضاء أو التخيير [٤] أو الوضع [٥].
ونسب مجمل هذا التعريف إلى عامّة الأشعرية [٦]، بل نسب إلى جمهور الاُصوليين [٧]، أو هو الشائع [٨].
ومنها: الأحكام هي القضايا الشرعية [٩].
ومنها: خطاب الشارع المفيد فائدة شرعية [١٠].
ومنها: الاعتبار الشرعي المتعلّق بأفعال العباد تعلّقا مباشرا أو غير مباشر [١١].
ومنها: التشريع الصادر من اللّه‏ لتنظيم حياة الإنسان، سواء كان متعلّقا بأفعاله، أو بذاته، أو بأشياء اُخرى داخلة في حياته [١٢].
بناءً على تعريف الحكم بالخطاب، فإنَّ الحكم لدى الأصوليين هو الخطاب الشرعي، بينما يطلق الحكم لدى الفقهاء على أثر الخطاب ومضمونه من الحرمة و الوجوب و الاستحباب و الكراهة و الإباحة [١٣].
لكن أشكل بعض الأصوليين على تعريف الحكم بالخطاب بأنَّه غير صحيح؛ باعتبار كون الخطاب يعكس الحكم وليس الحكم ذاته [١٤].
ويُذكر أنَّه لا أثر عمليا لهذا الخلاف [١٥].

مراتب الحكم

فرض الاُصوليون مراتب للحكم الشرعي، قياسا له على الحكم الذي يصدر من المولى البشري أو المقنِّن الوضعي. وهي عبارة عن المراحل التي يمرّ بها الحكم، واختلفوا في هذا المجال.
استظهر شرّاح (كفاية الاُصول) المراحل التالي ذكرها من كلمات المحقّق الخراساني [١٦]. وحدّدوها بما يلي:
1 ـ مرحلة الاقتضاء أو الشأنية: وفي هذه المرحلة يكون هناك مقتضي أو مقتضيات، كالمصلحة أو المفسدة، لإصدار المولى حكما محدّدا.
2 ـ مرحلة الإنشاء: وهي مرحلة إيجاد المعنى باللفظ إيجادا لفظيا وصياغة المعنى المراد باللفظ. وقد يعبَّر عنها بمرحلة جعل القانون، ويصبح للحكم في هذه المرحلة وجود.
3 ـ مرحلة الفعلية: في هذه المرحلة يبلغ الحكم درجة كونه حكما حقيقيا وحاملاً بعثا أو زجرا جدّيا بالحمل الشائع الصناعي، بحيث يكون له أفراد ومصاديق. وفرق الحكم هنا عن مرحلة الإنشاء كونه هناك يتمُّ بالحمل الأوّلي.
4 ـ مرحلة التنجُّز: وهي مرحلة استحقاق العبد العقاب عند المخالفة واستحقاق الثواب عند الامتثال، وتحصل بعلم المكلَّف بالحكم، فالعلم يجعل العقل يحكم باستحقاق العقاب عند المخالفة [١٧].
وأشكل على هذه المراحل بأنَّ الاقتضاء لايمكن اعتباره من مراتب الحكم؛ لأنَّ الحكم في هذه المرحلة غير متحقّق، وهي مرحلة قوّة واستعداد فقط. ومرحلة الإنشاء كذلك، فهي من قبيل كتابة القاضي الحكم في الدفاتر والسجلاّت، فلا يطلق على الحكم هنا حكم. ومرحلة الفعلية لاتطلق على الحكم، وإذا أطلقت لاتكون من مراتبه. أمَّا التنجُّز فهو وصف عقلي اعتباري للحكم الفعلي؛ لأجل تعلّق علم المكلّف به أو قيام الحجّة عليه، والحكم الفعلي لايكون ناقصا قبل العلم، ولا يصير بعد العلم تامّا أو مؤكَّدا [١٨]. كما أشكل الإمام الخميني على هذه المراحل بأنَّ الاقتضاء من مقدّمات الحكم، والتنجُّز من لوازمه، وعليه فلا يكونان من مراتب الحكم. واختار مرتبتين للحكم دارجتين في سنِّ القوانين في السياسات المدنية، هما مرتبة الإنشاء، ومرتبة الفعلية [١٩]. وهكذا فعل غيره كذلك [٢٠].
ويذهب بعض آخر إلى أنَّ للحكم مرتبة واحدة، وهي مرتبة الجعل والاعتبار؛ لأنَّ المجعول به عين الجعل، ولا يمكن التفكيك بينهما، ولا فرق بينهما إلاَّ بالاعتبار،ووجود الحكم لايتصوّر إلاَّ بوجود الجعل والاعتبار، ولا وجود آخر له، بينما يذهب المحقّق النائيني إلى وجود مرتبتين للحكم، هما الجعل والمجعول، وأنّهما يختلفان وليسا متّحدين [٢١]. أمَّا الشهيد الصدر الذي استخدم اصطلاح مبادئ الحكم للإشارة إلى المراحل المزبورة فيرى وجود مرحلتين للحكم، هما: مرحلة الثبوت، ومرحلة الإثبات، كما يرى لمرحلة الإثبات خطوات ثلاث يتخطّاها كلّ مشرّع غالبا، وهي:
1 ـ الملاك: وهو عبارة عن وجود مقتضٍ، من مصلحة أو مفسدة، تستدعي حكم المشرِّع.
2 ـ الإرادة: وهي عبارة عن الحالة النفسية التي تحصل للمشرِّع قبل التشريع.
3 ـ الاعتبار: وهو عبارة عن افتراض أو صياغة افتراضية للحكم قبل إصداره.
وبعد اكتمال هذه الخطوات يأتي دور مرحلة الإثبات وإبراز هذا الحكم إلى عالم الوجود من خلال إصداره وتبيينه بالكلام مثلاً [٢٢].

الألفاظ ذات الصلة

1 ـ تكليف

ذكر أكثر من تعريف للتكليف، فعرّفه بعض: بإلزام ما على العبد ما فيه كلفة ومشقّة إمّا في فعله أو في تركه [٢٣].
وعرّفه بعض آخر: بالخطاب بأمر أو نهي [٢٤].
وقد ناقش بعض الاُصوليين في شمول التكليف للأحكام غير الإلزامية، أي الاستحباب والكراهة والإباحة، باعتبارها غير ذات كلفة [٢٥]. وعليه يكون الفرق بين التكليف والحكم في كون عنوان التكليف صادقا على الوجوب والحرمة فقط، وصدقه على باقي الأحكام تجوّز، ولأجل ذلك التجوّز تشترك بحوث كلٍّ منهما في موارد غير قليلة.
أمّا على التعريف الأوّل فيبدو مرادفا للحكم وفق بعض تعاريفه التي تراه خطابا.

2 ـ خطاب

وهو الكلام الموجَّه من شخص إلى آخر، أو من المخاطِب إلى المخاطَب، وفرقه عن البيان في أنَّ الأخير أعمّ من الكلام، فيشمل الفعل والتقرير كذلك [٢٦]. و الخطاب في حقيقته كاشف عن الحكم وليس الحكم ذاته، كما ورد تعريفه بالخطاب من قبل بعض الاُصوليين.

3 ـ بيان

وهو الدلالة أو ما دلَّ على الحكم الشرعي، وفرقه عن الخطاب في أنَّه لايختصُّ بالكلام والألفاظ، بل يشمل الدليل غير اللفظي، مثل فعل الرسول(ص)[٢٧]. وعليه البيان كاشف عن الحكم الشرعي ودالّ عليه.

المصادر

  1. . ترتيب جمهرة اللغة 1: 433، المصباح المنير: 145 مادّة «حكم».
  2. . تهذيب اللغة 4: 69 مادّة «حكم»، لسان العرب 1: 901 مادّة «حكم».
  3. . تاج العروس 16: 160 مادّة «حكم».
  4. . نهاية السؤل 1: 47، البحر المحيط 1: 117.
  5. . القواعد والفوائد 1: 39، إرشاد الفحول 1: 35، تعليقة على معالم الاُصول 1: 61.
  6. . ميزان الاُصول 1: 119.
  7. . اُصول الفقه الإسلامي الزحيلي 1: 37 ـ 38.
  8. . القضاء والشهادات الأنصاري: 232.
  9. . الواضح في اُصول الفقه 1: 6 و 13.
  10. . الإحكام الآمدي 1 ـ 2: 85 .
  11. . الاُصول العامّة للفقه المقارن: 51 .
  12. . دروس في علم الاُصول 1: 176 .
  13. . اُصول الفقه الخضري بك: 18، اُصول الفقه الإسلامي (الزحيلي) 1: 41.
  14. . اُنظر: القوانين المحكمة: 5 و 204، الفوائد المدنية: 396، دروس في علم الاُصول 1: 52.
  15. . اُصول الفقه الخضري بك: 18.
  16. . كفاية الاُصول: 258.
  17. . نهاية الدراية 3: 24 ـ 28، بداية الوصول في شرح كفاية الاُصول 5 : 20 ـ 22، عناية الاُصول 2: 53 ـ 55 .
  18. . لمحات الاُصول: 411 ـ 413، منتقى الاُصول 4: 93 ـ 96، نهاية الدراية 1: 270.
  19. . أنوار الهداية 1: 38 ـ 39، مناهج الوصول 2: 24 ـ 25، تسديد الاُصول 1: 335.
  20. . نهاية الاُصول: 395.
  21. . نهاية الأفكار العراقي ج4 ق1: 32، منتقى الاُصول 2: 117، نهاية الدراية 2: 646، المباحث الاُصول‏ية 4: 46 و 128 و 134، دروس في علم الاُصول 1: 286 ـ 287.
  22. . دروس في علم الاُصول 1: 176 ـ 177.
  23. . الواضح في اُصول الفقه 1: 34، البحر المحيط 1: 341.
  24. . روضة الناظر: 26.
  25. . الإحكام الآمدي 1 ـ 2: 105 و107، البحر المحيط 1: 341 ـ 342، إرشاد الفحول 1: 43.
  26. . اُنظر: الذريعة 1: 8 ـ 15، العدّة الطوسي 1: 8 ـ 11، معارج الاُصول: 49، اللمع: 104، المحصول 1: 409 ـ 417، الإحكام (الآمدي) 1 ـ 2: 85 .
  27. . الذريعة 1: 329، المستصفى: 191.