أهل الرأي

أهل الرأي: أي أهل الفكر والعلم في موضوع ما، مثل قولهم: أهل الإجماع.

تعريف الرأي لغةً

والرأي مهموز، من قولهم: رأيت رأيا حسنا... وكذلك رأيت بالعين. والرأي: منتهى البصر، رأي العين منتهى بصرها[١].
الرؤية بالعين تتعدّى الى مفعول واحد، وبمعنى العلم تتعدّى الى مفعولين. وقال ابن سيدة: الرؤية النظر بالعين والقلب[٢].

تعريف الرأي اصطلاحاً

استخدم الأصوليون مفردة الرأي وعلى طول تاريخ علم الأصول بمعان مختلفة، منها نفس المعاني اللغوية الواردة لها، لكن يبدو أنّ أكثر الاستخدامات لهذه المفردة فى المدوّنات الأصولية وردت للإشارة إلى المعاني الاصطلاحية، والتي نوردها هنا: وهي قد ترادف المعنى اللغوي، وقد تخالفه:
1 ـ تقدير بفكر، وهو المعنى الدارج حاليا سواء في أصول الفقه أو في غيره. وفي هذا السياق يستخدم اصطلاح «أهل الرأي» أي أهل الفكر والعلم في موضوع ما، مثل قولهم: «أهل الرأي والتدبير»[٣] أو «من أهل الرأي والعلم والصلاح»[٤] أو «أنّ اللغوي ليس من أهل الرأي والاجتهاد بل ينقل ما يسمع»[٥] أو «وكلّ واحد من الصحابة ممّن كان من أهل الرأي والرواية»[٦].
2 ـ الحكم أو القول المختار، فإذا كان في الفقه فالحكم الفقهي، وإذا كان في الأصول فالحكم الأصولي، مثل قولهم: «هذا رأي السيّد المرتضى»[٧] أو «على رأي السيّد الاُستاذ»[٨]. أي حكم المجتهد في الموضوع وقوله، هو الوجوب.
3 ـ الحكم بالأصلح والأحوط والأسلم في العاقبة[٩].
4 ـ الحکم في الدين بغير نصّ، بل بما يراه المفتي أحوط وأعدل في التحريم أو التحليل[١٠].
5 ـ نظر المجتهد في الأدلّة الشرعية، فيقال: يرى المجتهد. وفي هذا المجال حملت بعض الروايات التي تضمّنت مفردة الرأي على هذا المعنى، وهي مثل رواية معاذ قال لمّا بعثه النبي(ص) إلى اليمن قال: كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟ قال: أقضي بكتاب اللّه‏. قال: فإن لم تجد في كتاب اللّه‏؟ قال: فبسنّة رسول اللّه‏. قال: فإن لم تجد في سنّة رسول اللّه‏ ولا في كتاب اللّه‏؟ قال: اجتهد رأيي، ولا آلو. قال: فضرب رسول اللّه‏(ص) صدره، وقال: الحمد للّه‏ الذي وفق رسول اللّه‏ لما يرضاه رسول اللّه‏[١١].
ورواية اُخرى وردت حول ابن عباس: إذا سئل عن شيء فإن لم يكن في كتاب اللّه‏ ولا عن رسول اللّه‏(ص) ولا عن أبي بكر ولا عن عمر اجتهد رأيه[١٢].
وعن عبيدة قال: قال علي: «أجمع رأيي ورأي عمر على عتق أمّهات الأولاد، ثُمّ رأيت بعد أن أرقهنّ فقلت له: إنّ رأيك ورأي عمر في الجماعة أحبّ إليّ من رأيك وحدك في الفرقة»[١٣].
6 ـ الإدراك القطعي أو الظنّي الحاصل للمجتهد من النظر في الأدلّة[١٤].
7 ـ ما استنبطه الفقيه من الأدلّة الشرعية[١٥].
8 ـ اجتهاد العالم بما يقابل الكتاب والسنة[١٦].
9 ـ بمعنى القياس و الاستحسان[١٧]. وهو كثير في عرف الاُصوليين و الفقهاء والروايات بالخصوص الواردة منها عن طرق الإمامية.
يقول الرازي في هذا المجال: «وعن ابن مسعود رضى‏الله‏عنه في قصّة بروع أقول فيها برأيي وإنّما قلنا إنّ الرأي عبارة عن القياس؛ لأنّه يقال للإنسان: أقلت هذا برأيك أم بالنصّ؟ فيجعل أحدهما في مقابلة الآخر. وهذا يدلّ على أنّ الرأي لا يتناول الاستدلال بالنصّ سواء كان جليا أو خفيا»[١٨].
وعندما تستعمل هذه المفردة بهذا المعنى كثيرا ما تقرن بـ القياس أو الاستحسان، فيقال: «مدرسة الرأي والقياس»[١٩] أو «الرأي والاستحسان»[٢٠].
وباعتبار أنّ الاجتهاد في عرف قدماء الأصوليين كان يعني القياس والاستحسان تقرن مفردة الرأي بالاجتهاد أحيانا، فيقال: «الاجتهاد والرأي»[٢١] كما أنّ إطلاق عنوان أصحاب الرأي على أبي حنيفة وأمثاله[٢٢] والحنفية عموما[٢٣] من هذا الباب.
10 ـ اعتقاد إدراك صواب الحکم الذي لم ينصّ عليه[٢٤].
11 ـ ما تخيّلته النفس صوابا دون برهان[٢٥].
12 ـ طلب الحقّ بضرب من التأمّل[٢٦].
13 ـ الاعتبارات الظنّية و الاستحسانات العقلية[٢٧].
وهذه المعاني لا تكون بالضرورة استخدمت في زمن واحد، بل من المحتمل أنّ بعض المعاني تقدّمت أو تأخّرت عن البعض الآخر، فقد يكون معنى للرأي مستخدما في عهد ما لم يكن مستخدما في عهد آخر، وقد يضاف معنى جديد للرأي في عهد ما ـ كما شأن الكثير من المفردات ـ لم يستخدم من ذي قبل، بل قد تستعمل بمعنيين في وقت واحد لكن في مكانين، فقد نقل عن إبراهيم النخعي قوله: «إنّ أكثر الرأي في المدينة يطلق على معنى المصلحة بخلاف رأي العراق الذي يعني القياس»[٢٨].

مدرسة الرأي

استخدم اصطلاح مدرسة الرأي من قبل المتأخّرين، ويراد منه الاتجاه الذي تزعّمه أبو حنيفة في القرن الثاني من الهجرة، حيث ذهب إلى القول بالقياس والاستحسان في المستحدثات التي لم يرد فيها نصّ، أي أنّها اعتمدت العقل كأساس لرؤيتها وسعت لفرض دور أساس له في عملية استنباط الأحكام، وأقحمته في الاستنباط تحت عناوين مثل القياس و الاستحسان.
ومركز هذه المدرسة الكوفة في قبال مدرسة الحديث التي كانت تشدّد على الالتزام بنصوص القرآن والحديث وعدم الخروج عنهما[٢٩].
هناك دراسات وافرة أجريت على مجمل زوايا وأبعاد المدرسة، منها: سبب ذهاب أبي حنيفة إلى هذه الفكرة، ويقال في هذا المضمار: إنّ السبب هو شيوع فكرة نقص وعدم كفاية الشريعة المتمثلة بالقرآن والسنّة عن الشمول للمستحدثات وأنّ هناك حاجة للعقل لتغطية ذلك النقص[٣٠]. ويقال كذلك: إنّه لم يصحّ لدى أبي حنيفة من الأحاديث المنقولة عن الرسول(ص) إلاّ القليل، وقد قدّرت الأحاديث التي قبلها دون العشرين حديثا[٣١]. أو سبعة عشر حديثا كما ورد عن ابن خلدون[٣٢].
ولا يبعد هذا، فإنّ الخطيب البغدادي نقل كثيرا من الأحاديث التي لم يقبلها أبو حنيفة وأطلق تجاهه ألفاظا قاسية، كما نقل أقوال بعض علماء ذلك الزمان في حقّه، وهي قاسية جدّا، معتبرين أخذه بالرأي باطلاً وضلالاً، مع توصيفات سلبية اُخرى[٣٣].
وفي التفريق بين مدرسة الحديث و مدرسة الرأي يُذكر فرقين:
أحدهما: أخذ مدرسة الرأي بالرأي وعدم التوقّف بما ورد في النصوص، وهو عكس ما عملت به مدرسة الحديث.
وثانيهما: تفريع المسائل في مدرسة الرأي وعدم الاكتفاء بالواقع من الحوادث بل يفترضون المسائل ويستنبطون لها الأحكام[٣٤].
أمّا سبب تبلور مدرسة الرأي في الكوفة والتوجّه نحو الحديث في المدينة فيعود إلى عدّة أسباب:
الأوّل: تأثّر فقهاء كلّ من المدرستين بشيوخهم. فقد تأثّر فقهاء المدينة بشيوخهم الصحابة المقلين من الأخذ بالرأي والساعين للوقوف عند النصوص.
الثاني: كثرة الأحاديث ووفرتها في المدينة لكثرة رواتها وقلّتها في الكوفة، متى خلق حاجة للأخذ بالرأي في الكوفة دون المدينة.
الثالث: طبيعة الحياة في البلدتين، فإنّ المدينة كانت تعيش حياة بسيطة خالية من المستجدات والتعقيدات، بينما الكوفة كانت تعيش معقدة تعود إلى تواجد حضارات قديمة وتقاليد وعادات وتيارات فكرية متنوّعة واقوام شتّى[٣٥].

نسبة الرأي إلى المجتهد لا الإسلام

إنّ كثيرا من الأحكام والفتاوى التي يطلقها المجتهد هي في حقيقتها عبارة عن اجتهادات بالرأي، قد تصيب الواقع وقد تخطئه، ولا يقين بإصابتها للواقع، كما هو رأي المخطئة، أو تصيب الواقع دائما، كما هو رأي المصوّبة.
وبناءً على رأي المخطئة، ينبغي وصف الحكم أو الفتوى بالرأي ضرورة، ولا ينبغي نسبته إلى اللّه‏ أو الشارع؛ لعدم اليقين من كونه يعكس رأي الشارع.
والأمر يتوقّف على حجّية أو عدم حجّية ما استند به لاستنباط الحكم أو الفتوى، فإذا كان حجّية ما استند به قطعيا صحّت نسبة المؤدى أو الحکم أو الفتوى إلى اللّه‏، وإن كان غير قطعي فلا يصحّ. فالأمر يعود إلى الحجّية ما إذا كانت قطعية أو ظنّية، فإن كانت قطعية صحّ الإسناد وإلاّ فلا يصحّ، بل يحرم الإسناد فيما إذا كانت الحجّة غير مقطوع بها[٣٦].
وقد أشارت إلى هذا المعنى بعض الروايات مثل الرواية التالية: بريدة الأسلمي قال: كان رسول اللّه‏(ص) إذا أمر أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصّة نفسه بتقوى اللّه‏ وبمن معه من المسلمين خيرا، ثُمّ قال: «وإن حاصرت أهل حصن فأرادوك على أن تنزلوهم على حكم اللّه‏ فلا تنزلهم على حكم اللّه‏، ولكن أنزلهم على حكمك فإنّك لا تدري أتصيب حكم اللّه‏ فيهم أم لا»[٣٧].

الألفاظ ذات الصلة

1. اجتهاد

وله أكثر من تعريف، منها: ما يرادف الرأي الباطل، لكن أكثر التعاريف، وخاصّة المتأخّرة، الواردة في ذيل هذا الاصطلاح تتجّه نحو تعريفه ببذل الجهد لتحصيل العلم أو الظن بالحكم الشرعي[٣٨].
وبناءً على تعريفه ببذل الجهد يكون فرقه عن الرأي المستخدم في كلمات المتأخّرين في أنّ الاجتهاد سعي المجتهد لأجل بلوغ الصواب، بينما الرأي الاعتقاد بصواب الحكم المدرك.
أمّا تعبير «اجتهاد الرأي» فهو مرادف للاجتهاد، ولذلك قيل فيه: إنّه أعمّ من القياس؛ لأنّ الاجتهاد قد يكون من خلال القياس وقد يكون من خلال آليات اُصولية اُخرى أو حتّى من خلال الاستدلال و الاستنباط عبر النصوص.
يقول الآمدي: «اجتهاد الرأي أعم من القياس؛ وذلك لأنّ اجتهاد الرأي كما يكون بالقياس، قد يكون بالاجتهاد في الاستدلال بخفي النصوص من الكتاب والسنة وطلب الحکم فيهما، على التمسّك بـ البراءة الأصلية...»[٣٩]. لكن استخدم بمعنى القياس و الاستحسان، وفي هذا المضمار وردت مؤلّفات مثل: «النقض على ابن الجنيد في اجتهاد الرأي» لـ الشيخ المفيد، حيث يبدو منه نقد ابن جنيد الإسکافي على اجتهاده، ولابدّ أنّ مراده من الاجتهاد هنا هو القياس الذي ينسب العمل به إلى ابن الجنيد.
كما نقل ابن حزم عن سفيان بن عيينة: «اجتهاد الرأي هو مشاورة أهل العلم لا أن يقول برأيه»[٤٠].

2. قياس

جلّ التعاريف اتّجهت إلى تعريف القياس بأنّه إلحاق مسألة غير منصوص على حكمها الشرعي بمسألة منصوص على حكمها للاشتراك بينهما في العلّة[٤١].
لكن وكما تقدّم هناك استخدامات للرأي يبدو منها فرض الترادف بين هذه المفردة ومفردة القياس. وبناءً على تعريف الرأي بالقياس فهما مترادفان وإلاّ فيخلتفان حسب التعريف المختار للرأي.

3. استحسان

هناك طوائف من التعاريف الواردة لهذا المصطلح، أحدها عدّته وجها من وجوه الاجتهاد، وثانيها عدّته وجها من وجوه القياس وأدرجته تحت موضوعه، وثالثها اعتبرته ترجيحا لأحد الحكمين أو الدليلين، ورابعها أدرجته تحت المصالح المرسلة[٤٢].
وبناءً على بعض استخدامات مفردة الرأي فإنّ الاستحسان يرادف الرأي، وبناءً على التعاريف الاُخرى للرأي فشأنه يختلف عن الاستحسان حسب التعريف المختار.

أقسام الرأي

قسّم الرأي إلى قسمين:
الأوّل: الرأي الصحيح أو المحمود، وهو الذي لم يردع عنه، أو وردت أدلّة على صحّته.
الثاني: الرأي الباطل أو المذموم، وهو الذي لم يرتضه الشارع أو ردع عنه أو وردت أدلّة على عدم صحّته[٤٣].
وقد ورد عن البعض تعريف الرأي بأنّه تقدير بفكر، وهو المعنى الدارج حاليا في اللغة العربية سواء في أصول الفقه أو في غيره. وهو بهذا يكون شاملاً للرأي السديد والسقيم.
وقد وردت مادّة رأي بهذا المعنى في القرآن الكريم كذلك مثل قوله: «وَ يَرَى الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ الَّذِى أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ»[٤٤]. وهذا هو الرأي الصحيح والمحمود.
وقوله تعالى: «قَالَ الْمَلأَُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِى سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَـذِبِينَ»[٤٥]. و «أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَءَاهُ حَسَنًا»[٤٦]. وهذا الرأي من النوع السقيم والمذموم[٤٧].

حكم الرأي

يختلف حكم الرأي باختلاف معناه، فإذا كان بمعنى القياس و الاستحسان فحكمه حكمهما، وإذا كان بمعنى آخر فحكمه حكم ذلك الآخر.
ومن المسلّم بين جميع الطوائف والمذاهب أنّ الرأي مقابل النصّ (سواء كان قرآنا أو سنّة مقطوعة النسبة إلى المعصوم) ليس حجّة، وهو ما يسمّى بالقياس مقابل النصّ[٤٨] أو الاجتهاد مقابل النصّ[٤٩]، والنقاش الدائر بين المذاهب الإسلامية في جواز إعمال الرأي يخصّ موضوعما لا نصّ فيه، أي الموارد التي لم يرد فيها نصّ من القرآن أو السنة.
وقد وردت الكثير من الروايات عن طرق أهل السنة تناولت الرأي وذمّته جلّها، وذمّت أصحابه والقائلين بها، وقد أوردها بعض الأصوليين مثل: الجصاص[٥٠]، وابن حزم[٥١]، والغزالي[٥٢]، والرازي[٥٣]. وهي من قبيل: روي: «إيّاكم و أصحاب الرأي، فإنّهم أعيتهم الأحاديث أن يخفضوها فقالوا بالرأي»[٥٤].
وعن مسروق قال: قال عبداللّه‏: «ليس عام إلاّ الذي بعده شرّ منه ولا عام خير من عام ولا أمة خير من أمة، ولكن ذهاب خياركم وعلمائكم ويحدث قوم يقيسون الاُمور برأيهم فينهدم الإسلام وينثلم»[٥٥].
كما ورد الكثير من الروايات الذامّة للرأي والقول به وأصحابه عن طرق الشيعة كذلك، مثل الروايات التالية:
عن الرسول(ص): «إيّاكم و أصحاب الرأي فإنّهم أعيتهم السنن أن يحفضوها فقالوا في الحلال و الحرام برأيهم، فأحلّوا ما حرّم اللّه‏»[٥٦].
وقول علي عليه‏السلام: «من نصب نفسه للقياس لم يزل دهره في التباس، ومن دان اللّه‏ بالرأي لم يزل دهره في ارتماس»[٥٧].
وعن أبي عبداللّه‏ عليه‏السلام: «إيّاك أن تفتي الناس برأيك، أو تدين بما لا تعلم»[٥٨].
ويرى البعض أنّ الروايات التي تحمل هذا المضمون قد بلغت مستوى التواتر عن طرق الشيعة[٥٩].
والرأي في هذه الروايات محمول على مثل القياس والاستحسان[٦٠].
لكن قد يستثنى من تلك الروايات مثل رواية معاذ التي يبدو منها تقرير الرسول(ص) الأخذ بالرأي من قبل المجتهد، وهي:
قال لمّا بعثه النبي(ص) إلى اليمن قال: كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟ قال: أقضي بكتاب اللّه‏. قال: فإن لم تجد في كتاب اللّه‏؟ قال: فبسنّة رسول اللّه‏. قال: فإن لم تجد في سنّة رسول اللّه‏ ولا في كتاب اللّه‏؟ قال: اجتهد رأيي، ولا آلو. قال: فضرب رسول اللّه‏(ص) صدره وقال: الحمد للّه‏ الذي وفق رسول اللّه‏ لما يرضاه رسول اللّه‏[٦١].
إلاّ أنّ الرأي هنا ـ على فرض صحّة الرواية ـ محمول على مثل ما ذهب إليه ابن حزم من إرادة معنى (الحكم بالأصلح والأحوط والأحسن في العاقبة)[٦٢].
وهمّ بعض بتأويل الروايات التي تذهب إلى ذمّ الرأي وتحذّر من ممارسته وحملته على الرأي الباطل لا القياس[٦٣]. يقول الآمدي: «وأمّا ما ذكروه من السنة في ذمّ الرأي فيجب حمله على الرأي الباطل، كما ذكرناه جمعابين الأدلّة»[٦٤]، أو على الرأي الذي صدر في موارد ورد فيها نصّ من القرآن أو السنّة، أو تبريرات اُخرى[٦٥].

حجّية رأي المجتهد

بناءً على المعنى الدارج حاليا للرأي، وهو الحکم، فقد وردت عدّة بحوث ونقاشات في هذا المضمار، منها: ما هي أدلّة حجّية ما يصدره المجتهد أو الفقيه أو المفتي من رأي أو حكم أو فتوى بناءً على أدلّة شرعية؟ ومنها: ما حكم رأي المجتهد بعد موته، هل يبقى على حجّيته أو لا؟ ومنها: هل المجتهد مصيب دائما أو يخطأ أحيانا؟[٦٦] وقد توزّعت هذه البحوث في الفقه والأصول وأدرجت تحت عناوين مثل: الاجتهاد و التقليد.

المصادر

  1. . ترتيب جمهرة اللغة 2: 7 مادّة «رأي».
  2. . لسان العرب 2: 1412 مادّة «رأي».
  3. . الخلاف 5: 459.
  4. . السرائر 3: 162.
  5. . منتهى الاُصول 2: 85.
  6. . لمحات الاُصول: 4.
  7. . السرائر 2: 472.
  8. . دروس في علم الاُصول 2: 324.
  9. . الإحكام ابن حزم 7: 368.
  10. . ملخص إبطال القياس والرأي والاستحسان: 4.
  11. . نقل الحديث مع اختلافات في الألفاظ اُنظر: سنن أبي داوود 3 ـ 4: 303، ح 3592، السنن الكبرى 10: 114.
  12. . جامع بيان العلم وفضله ابن عبدالبرّ 2: 58.
  13. . السنن الكبرى 10: 348.
  14. . منتهى الدراية المروج 10: 507 أدلة جواز تقليد الميت.
  15. . نهاية النهاية 2: 54.
  16. . تمكين الباحث من الحكم بالنصّ: 23.
  17. . المحصول 2: 265.
  18. . المحصول 2: 61 ـ 266.
  19. . المجموع النووي 11: 76، روضة الطالبين (النووي) 8: 87 و92، الجوهر النقي (المارديني) 3: 291، المحلى (ابن حزم) 12: 83.
  20. . السرائر 2: 684، الإحكام ابن حزم 5 ـ 8: 192 و1167، الاعتصام (الشاطبي) 1: 182.
  21. . الفصول في الاُصول 3: 366، الإحكام الآمدي 3 ـ 4: 264، أحكام القرآن (الجصاص) 2: 305.
  22. . مباحث الاُصول الحائري 1: 471.
  23. . تعليقة على معالم الاُصول القزويني 4: 429 و7: 39 و40.
  24. . كتاب الحدود في الاُصول: 64.
  25. . الإحكام ابن حزم 1: 45.
  26. . الكافية في الجدل الجويني: 58.
  27. . عناية الاُصول في شرح كفاية الاُصول الفيروزآبادي 3: 128.
  28. . الاجتهاد و التقليد في الشريعة الإسلامية وعند الإمام أبي حنيفة النعمان: 342.
  29. . توضيح الرشاد الطهراني: 22 ـ 23، النص والاجتهاد (شرف الدين): 13 ـ 15.
  30. . المعالم الجديدة للأصول: 55 ـ 56.
  31. . علوم القرآن الحكيم: 234.
  32. . مقدّمة ابن خلدون: 444.
  33. . تاريخ بغداد 13: 385 ـ 426.
  34. . المدخل إلى الشريعة الإسلامية عبدالكريم زيدان: 136 - 138.
  35. . اُنظر: مقدّمة ابن خلدون: 445، نشأة الفقه الاجتهادي وأطواره السايس: 75، تاريخ المذاهب الإسلامية (أبو زهرة): 259، المدخل الفقهي العام (الزرقاء): 199 - 201.
  36. . تمكين الباحث من الحكم بالنصّ: 23 ـ 24، دروس في علم الاُصول 2: 53 ـ 54، مصباح الاُصول 2: 112 ـ 116، منتقى الاُصول 4: 134.
  37. . سنن الترمذي 3: 860، مسند أحمد 6: 492، صحيح مسلم 3: 1356، كتاب الجهاد والسير: 22521، الباب 2 ح 3، بحار الأنوار 21: 60.
  38. . الإحكام الآمدي 3 ـ 4: 396، منتهى الوصول: 209، فواتح الرحموت 2: 362، نهاية الوصول 5: 167، معالم الدين: 238.
  39. . الإحكام الآمدي 3 ـ 4: 296.
  40. . الإحكام ابن حزم 6: 208.
  41. . اُصول الفقه أبو زهرة: 104، المحصول 5: 339، الإحكام (الآمدي) 3: 165.
  42. . اُنظر: الإحكام الآمدي 3 ـ 4: 391، القوانين المحكمة: 299، نهاية السول 4: 398، إرشاد الفحول 2: 266، اُصول الفقه (أبو زهرة): 245.
  43. . الاُصول العامة: 326.
  44. . سبأ: 6.
  45. . الأعراف: 66.
  46. . فاطر: 8.
  47. . تمكين الباحث من الحكم بالنصّ: 20 و27 ـ 29.
  48. . اُصول السرخسي 2: 66، فتح الباري 13: 240، تحفة الأحوذي 4: 213، عون المعبود 8: 5.
  49. . بدائع الأفكار: 255، كشف اللثام 1: 172، الرسائل الفقهية الخاجوئي 1: 393، الحدائق الناضرة 11: 200.
  50. . الفصول في الاُصول 4: 60 ـ 63.
  51. . الإحكام ابن حزم 6: 213.
  52. . المستصفى 2: 119.
  53. . المحصول 2: 274.
  54. . سنن الدارقطني 4: 146.
  55. . المعجم الكبير الطبراني 9: 105.
  56. . عوالي اللئالئ 4: 65.
  57. . الكافي 1: 58.
  58. . الكافي 1: 42.
  59. . هداية المسترشدين 3: 690.
  60. . دروس في علم الاُصول 1: 59 ـ 60 و2: 310، مباحث الاُصول الحائري 1: 567 و2: 233.
  61. . نقل الحديث مع اختلافات في الألفاظ، اُنظر: سنن أبي داوود 3 ـ 4: 303 ح 3592، السنن الكبرى 10: 114.
  62. . الإحكام ابن حزم 6: 208.
  63. . اُنظر: الإحكام الآمدي 3 ـ 4: 312.
  64. . الإحكام الآمدي 3 ـ 4: 312.
  65. . الفصول في الاُصول 4: 64 ـ 65، اُصول السرخسي 2: 133.
  66. . مقالات الاُصول 2: 507 ـ 510، نهاية الأفكار ج 4، ق 2: 260 ـ 263، المستصفى 2: 213، الاُصول العامة للفقه المقارن: 595.