هبة الدين الشهرستاني
السيّد محمّد علي الحسيني الحائري الكاظمي المعروف بهبة الدين الشهرستاني: أحد مشاهير علماء الإمامية، ورائد من روّاد التقريب.
الاسم | هبة الدين الشهرستاني |
---|---|
الاسم الکامل | محمّد علي بن حسين بن محسن بن مرتضى بن محمّد الحسيني الحائري الكاظمي المعروف بهبة الدين الشهرستاني |
تاريخ الولادة | 1884م / 1301هـ |
محلّ الولادة | سامرّاء / العراق |
تاريخ الوفاة | 1967م / 1387هـ |
المهنة | عالم ديني، ورائد من روّاد التقريب |
الأساتذة | الشيخ محمّد كاظم الخراساني، والسيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي، وشيخ الشريعة الأصفهاني |
الآثار | أضرار التدخين، الدلائل والمسائل، المعجزة الخالدة، الهيئة والإسلام، منتخب الأُصول، شرح مفتاح الحساب، جبل قاف، قاموس الفقه، معجم الفقه، قاموس الفلسفة، الدين في ضوء العلم، الزواج المؤقّت، ثقات الرواة، توحيد أهل التوحيد، الأئمّة والأُمّة، أحكام النساء، حاشية التبصرة،توحيد الكلمة بكلمة التوحيد |
المذهب | شیعي |
الولادة
ولد السيّد محمّد علي بن حسين بن محسن بن مرتضى بن محمّد الحسيني الحائري الكاظمي المعروف بهبة الدين الشهرستاني في سامرّاء سنة 1301 ه (1884 م).
النشأة
نشأ السيّد الشهرستاني في كنف أبوين صالحين ربّياه على حبّ العلم والتقوى والورع، ونما وترعرع في جوّ هيمن عليه زعيم ديني كبير هو المجدّد السيّد محمّد حسن الشيرازي (1814 ـ 1895م) صاحب فتوى التبغ الشهيرة، التي جعلت الدوائر الاستعمارية تحسب للقيادات الدينية الوطنية ألف حساب، فحاولت ما استطاعت تعطيل دورها إمّا بشكل مباشر أو غير مباشر عن طريق صنائعها في العالم الإسلامي. وقد تأثّر الفتى بتلك المواقف التي تربي النفوس على الاعتزاز والاعتداد، وربّما تفتّح في وعيه كيف يكون رجل الدين فوق رجل السلطة والسياسة، سيّما وأنّه كان يرى بيت المجدّد الشيرازي أضحى قبلة العلماء والأحرار يتوجّهون إليه من العراق والهند وإيران وغيرها من البلدان.
بعد وفاة المجدّد الشيرازي انتقل السيّد هبة الدين مع والده إلى كربلاء، وهي موطن آبائه وأجداده، وبعد وفاة والده انتقل إلى النجف للدراسة فيها بتوجيه من أحد أصدقاء أبيه، فتوطّنها لمدّة خمسة عشر عاماً.
الدراسة
تعلّم السيّد في سامرّاء، وأكمل بعض المراحل الدراسية في كربلاء، وانتقل إلى النجف الأشرف سنة 1320 ه، وحضر الأبحاث العالية على أكابر المجتهدين، كالشيخ محمّد كاظم الخراساني، والسيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي، وشيخ الشريعة الأصفهاني.
وكان تلميذاً يتوفّر على ذكاء وقّاد، فتقدّم في دروسه ليكون واحداً من أبرز تلامذة السيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي. وقد بلغ مكانة سامية في العلم والفضل والأدب، وشهد له عدد من العلماء بالاجتهاد.
إجازة الرواية
يروي بالإجازة عن: الشيخ حسين النوري، والسيّد إسماعيل الصدر، والآخوند الخراساني، والسيّد حسن الصدر، والسيّد عبد الصمد الجزائري، وغيرهم.
ويروي عنه:الشيخ آغا بزرك الطهراني، والسيّد محمّد رضا الخرسان، والسيّد شهاب الدين المرعشي، والشيخ محمّد علي المدرّس التبريزي، والشيخ محمّد علي اليعقوبي، وآخرون.
النشاطات العلمية والفكرية
تضلّع السيّد الشهرستاني من الفقه والأُصول والعقائد والرياضيات والهيئة، واتّصل بالعلماء ورجال الفكر في العراق وإيران ومصر وسوريا ولبنان والحجاز واليمن والهند، وناصر الدعوات الإصلاحية، وهاجم بعض التقاليد الطارئة على الأذهان بكلّ شجاعة وثبات.
وفي ذلك الوقت، فتح أبواب التدريس في العلوم الأربعة: البلاغة، المنطق والفلسفة، الهيئة والنجوم، وأصول الدين وفروعه. وكان السيّد متحدّثاً لبقاً، ومصوّراً بارعاً للمباحث العلمية، ومجدّداً مبتكراً، فأقبلت عليه جموع الشباب المتعطّش للعلم والمعرفة من الأسر النجفية المعروفة ومن أبناء الجاليات الأخرى لتغترف من معينه.
وامتد طموحه ليتصل بالمجامع العلمية والنوادي الأدبية في البلاد العربية والإسلامية. فأخذت الصحف والمجلّات والمطبوعات الحديثة تنهال عليه من كافّة الأرجاء، ممّا ساهم بشكل فعّال في ربط النجف بالعالم الخارجي لتحيط بما يحدث فيه من جديد.
أسّس عام 1328 ه مجلّة علمية- سياسية سمّاها مجلّة «العلم»، وهي أوّل مجلّة عربية صدرت بالنجف، وحرّر كثيراً من المقالات الأدبية والعلمية.
النشاطات السياسية والجهادية
جال السيّد في عدّة أقطار، كسوريا ولبنان ومصر والحجاز واليمن والهند، وساهم في حركة الجهاد ضدّ القوّات الإنجليزية المحتلّة سنة 1333 ه، وخاض المعترك السياسي ابتداءً من سنة 1324 ه.
حينما اندلعت الحرب العالمية الأولى عام 1914 بدأ دور مهمّ من حياة هذا المصلح، حيث برز كمجاهد ومناوئ صلب لجيوش الاحتلال الإنجليزي التي بدأت غزوها للعراق، وأعلن حينها علماء الشيعة الجهاد ضدّ الإنجليز، ودافعوا عن الدولة العثمانية رغم سياستها الطائفية الظالمة ضدّ الشيعة طيلة قرون، ولكنّهم تناسوا جراحاتهم لأنّ الأمر دار بين دولة كافرة وأخرى مسلمة.
قاد السيّد هبة الدين قوّة من عشائر آل فتلة وبني حسن والعوابد تحرّكت في أوائل محرّم من عام 1333 هـ عن طريق الفرات إلى أن التحق بالشعيبة من الجناح الأيمن الذي كان في مقدّمته المجاهد السيّد محمّد سعيد الحبّوبي. وعند انكسار جيش الجهاد عاد إلى النجف وقد ألمّ به المرض.
وفي هذه الفترة اتّصل به القادة الأتراك وطلبوا منه رسم خطّة لإعادة الكرّة للجهاد عن طريق كوت الإمارة، وهكذا كان. فخاض السيّد مع بقية العلماء والعشائر والجيش التركي معركة أخرى ضدّ الجيش الإنجليزي الغازي. وكان النصر حليفهم هذه المرّة، حيث استطاعوا محاصرة الجيش الإنجليزي الغازي وأسر جميع أفراده، وعددهم اثنا عشر ألف رجل بالإضافة لقائده الجنرال (طاوزند).
وبعد احتلال الإنجليز للعراق أقام السيّد الشهرستاني في كربلاء، وأخذ يكّون حلقات علمية في مدرسة باب السدرة يلقي فيها محاضرات في التفسير، ويؤلّف الكتب التي تشيد بهذا العلم وغيره، لكن سعيه في مقاومة الاحتلال لم يتوقّف، وحينما حلّ الإمام محمّد تقي الشيرازي في كربلاء اتّصل به السيّد هبة الدين ولازمه، ثمّ مثّله لدى (السير ولسون) الحاكم السياسي البريطاني العامّ في العراق، لنقل مطالب العراقيّين في الحرّية والاستقلال، ولمّا لم ينفّذ الإنجليز شيئاً من تلك المطالب أفتى الإمام الشيرازي بالثورة ضدّ الاحتلال، فانطلقت الرصاصات الأولى على الإنجليز في الرميثة لتكون إيذاناً بإعلان الثورة الشاملة التي عمّت العراق من أقصاه إلى أقصاه، حيث سيطر الثوّار على المدن المهمّة، وهزموا الحكّام الإنجليز وكوّنوا إدارات وطنية بعد معارك عنيفة وكبّدوا الجيش المحتلّ خسائر جسيمة في الأرواح والمعدّات والأسرى، غير أنّ عدم تكافؤ ميزان القوى العسكرية بين الطرفين، ووفاة القائد الأعلى للثورة الإمام الشيرازي وأسباب كثيرة أخرى لا مجال لتفصيلها أثّر على معنويات الثورة، واستطاع الإنجليز اقتحام مدينتي كربلاء والنجف، وألقوا القبض على السيّد الشهرستاني مع جمع من أصحابه، وأرسل إلى الهندية (طويريج) ثمّ الحلّة، حيث بقي في السجن مدّة تسعة أشهر. ويذكر الزركلي في (الأعلام): أنّ الإنجليز قد حكموا عليه بالإعدام، لكن أصدر بعدها (جورج الخامس) ملك بريطانيا قراراً بالعفو العام، فأطلق سراحه مع بقية المعتقلين.
وبسبب التداعيات التي خلّفتها ثورة العشرين وما آلت إليه الأحداث السياسية اضطرّ الإنجليز إلى قبول قيام سلطة عراقية وطنية. وعندها رشّح الملك فيصل بن الحسين كي يكون ملكاً للعراق حيث زار النجف ثمّ كربلاء التقى الشهرستاني مع جمع من العلماء في الحرم الحسيني المطهّر، وبعد وصوله إلى بغداد بدأت الاستعدادات لتشكيل أوّل وزارة عراقية بعد الحكم الوطني عام 1921.
فطلب منه الملك فيصل الأوّل مؤكّداً عليه قبول وزارة المعارف، فوافق بدافع الحرص على تربية النشئ تربية إسلامية صحيحة، وشجّعه على ذلك بعض رجال الدين، وحين استلم الوزارة بدأ برسم الخطط لتقليص النفوذ الإنجليزي في المعارف، واستبدال المناهج الأجنبية بالمناهج الدينية، لأنّ التعليم واحدة من النقاط الحسّاسة التي يهدف الاستعمار للسيطرة عليها وتوجيهها لصالحه. حينذاك كان لكلّ وزير عراقي مستشار بريطاني يدير الأمور من وراء الستار، ففصل مستشاره (كابتن فاول) دون باقي الوزراء، واختلف مع زملائه في ذلك. وحينما عرضت التوصيات بالانتداب كان المخالف الأوّل لبنوده، ولمّا لم يجد عوناً على تنفيذ تقريره الطويل بهذا الشأن فضّل الاستقالة من وزارة عبد الرحمان النقيب..
غير أنّ الملك فيصل عاد وألحّ عليه بقبول رئاسة مجلس التمييز الشرعي الجعفري، لكنّه اعتذر، بيد أنّ العلماء أصرّوا عليه بقبوله لكفاءته، فوافق بشرط أن ترفع درجة القضاء الجعفري من نوّاب قضاة إلى قضاة، فأجيب طلبه وصدر الأمر بذلك. فاتّجه إلى تنظيم هذا المجلس الذي هو الأوّل من نوعه، وحدّد موقف باقي المحاكم القضائية المرتبطة به، وانتخب مجموعة من الرجال الصالحين للانتساب إليه.
وفي هذا الطور من حياته فاجأهُ القدر القاسي بذهاب بصره، فصمّم على الاستقالة واعتزال العمل، إلّا أنّ المسؤولين لم يستغنوا عنه لحاجة السلطات القضائية له، وبقي يشغل هذا المنصب قرابة أربع عشرة سنة.
وفي سنة 1345هـ استقال من منصبه، فرشّح نائباً عن بغداد في البرلمان العراقي، وبقي فيه حتّى انحلّ.
التأليفات
له ما يربو على مائة وستّين مؤلّفاً في مختلف العلوم والمعارف، منها: أضرار التدخين، الدلائل والمسائل، المعجزة الخالدة، الهيئة والإسلام، منتخب الأُصول، شرح مفتاح الحساب، جبل قاف، قاموس الفقه، معجم الفقه، قاموس الفلسفة، الدين في ضوء العلم، الزواج المؤقّت، ثقات الرواة، توحيد أهل التوحيد، الأئمّة والأُمّة، أحكام النساء، حاشية التبصرة، ذخيرة المؤمنين، شرح شرائع الإسلام، المنظومة الكمالية، نهضة الحسين، المعارف العالية، وجوب صلاة الجمعة، أنيس الجليس، توحيد الكلمة بكلمة التوحيد، جابر والكيمياء، دليل القضاة، الساعة الزوالية، السحر (ديوان شعره)، سياحة الهند، شرح الصدور، الشيطان في الميزان، عجمة العرب، العزاء الحسيني، المدرسيّات.
الوفاة
بقي السيّد الشهرستاني في مدينة الكاظمية، فأعاد صياغة مؤلّفاته العلمية وإتمام ما لم يتمّه، كما أسّس عام 1360 هـ مكتبة الجوادين في الصحن الكاظمي الشريف، فنقل إليها كتبه وظلّ يضيف إليها حتّى أصبحت من أكبر المكتبات وأغناها، وكان له فيها مكان خاصّ يستقبل زوّاره، وكانت الأسئلة المختلفة توجّه إليه من شتّى البلاد فيجب عليها، وجمعت بعض الأسئلة المختلفة.
توفي (رضوان الله عليه)-وهو بصير العينين- عام 1967م، ودفن في الكاظمية.
الجهود التقريبية
كان السيّد الشهرستاني من جملة المشاركين والمساهمين في دار التقريب بين المذاهب الإسلامية بالقاهرة، وله مقالة في مجلّة «رسالة الإسلام»، وكتاباه «توحيد أهل التوحيد» و «توحيد الكلمة بكلمة التوحيد» خير شاهدين على جهوده في مجال الوحدة الإسلامية والتقريب بين المذاهب.
يقول ضمن مقالة له نشرتها مجلّة «رسالة الإسلام» القاهرية: «من أهمّ مزايا شهر رمضان أنّه ربيع اتّحادنا، ورمز تقريب القلوب، وتأليف الشعوب، وموسم اجتماعي تعمر فيه المساجد والمعابد، وتكثر فيه أندية الخلطاء والخلصاء، ويتزاور الإخوان والجيران وحداناً وزرافات، ممّا يؤدّي إلى تصفية القلوب، وتزكية النفوس، وغسل الصدور من حفائظ الأحقاد والإحن، باعتذار هذا لذاك، وحنان ذاك على هذا، وحركات جاذبية الحبّ من كلٍّ إلى كلٍّ، وكثرة التردّد والتودّد، وبذلك صار سيّد الشهور، كما في الحديث المأثور.
ومن مزايا هذا الشهر المبارك فرض الصيام في أيّامه، والصيام خير وسيلة لإصلاح النفس، لإصلاح الجسم، لإصلاح المجتمع.
وفيه إشعار المسلمين بأنّهم أُمّة واحدة، لا فرق بين قاصيهم ودانيهم، ولا بين غنيهم وفقيرهم، يصومون معاً، ويفطرون معاً، ويشعر بعضهم بشعور بعض.
وقد أشار الإمام جعفر بن محمّد (عليه السلام) إلى أهمّ الغايات في فلسفة الصوم قائلًا: «إنّما فرض اللَّه على عباده الصوم؛ ليستوي الأغنياء والفقراء في هذا البلاء، وليدرك الأغنياء ما يجري على هؤلاء»، فيؤثروهم على أنفسهم رحمةً وحناناً، فتزول أخطار المجتمع.
فيا أيّها المسلمون: ها هو ذا قد أظلّكم شهر رمضان، شهر الهدى والفرقان، وفي هدى القرآن كلّ الخير والبركة من صلاح وإصلاح وتعاون وتضامن، فوحّدوا صفوفكم، ووحّدوا قلوبكم، ووحّدوا شعوبكم، «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَة اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها» (سورة آل عمران: 103)».
المصدر
(انظر ترجمته في: معارف الرجال 2: 319- 320، أعيان الشيعة 10: 261، الأعلام للزركلي 6: 309، معجم المؤلّفين 11: 49، شعراء الغري 10: 65- 94، هكذا عرفتهم 2: 195- 212، معجم رجال الفكر والأدب 2: 761- 762، مع علماء النجف الأشرف 2: 453- 454، معجم رجال الفكر والأدب في كربلاء: 223- 224، موسوعة طبقات الفقهاء 14: 759- 761، أعلام اليقظة الفكرية في العراق الحديث:157-159، المنتخب من أعلام الفكر والأدب: 556- 560، معجم الشعراء للجبوري 5: 144- 147، المعجم الوسيط فيما يخصّ الوحدة والتقريب 2: 382- 383).
وراجع الموقع الألكتروني:www.erfan.ir