موازنة تفوق القوة الصاروخية على القوة الجوية (مذكرة)
موازنة تفوق القوة الصاروخية على القوة الجوية، عنوان مذكرة تشير بالاستناد إلى تقارير "مؤسسة الشؤون الأمنية الوطنية اليهودية" (JINSA)، إلى تحليل التفوق الصاروخي للجمهورية الإسلامية الإيرانية[١].ففي 24 يوليو 2025، نشرت المؤسسة المذكورة تقريرًا ذكرت فيه أن "14% من صواريخ دفاع (تاد - TAD) الإسرائيلية دُمّرت خلال الحرب الأخيرة ضد إيران"، بينما كشفت تقارير إسرائيلية أخرى موثوقة أن الكيان الإسرائيلي اضطر في منتصف الحرب التي استمرت 12 يومًا إلى تطبيق سياسة تقنين استخدام هذه الصواريخ، مما يعني أنه بحلول منتصف الحرب، تم استهلاك نصف صواريخ (تاد) البالغ عددها 605 صواريخ - التي حصل عليها إسرائيل من أمريكا قبل الحرب مباشرة للدفاع عن منشآتها الحساسة.
عجز صواريخ (تاد) الدفاعية
رغم اعتبار صواريخ (تاد) أكثر أنظمة الدفاع تطورًا في العالم، إلا أنها فشلت في مواجهة غالبية الصواريخ الإيرانية، فقد ذكرت بعض المراكز الإسرائيلية أن أنظمة الدفاع، بما فيها صواريخ (تاد)، تمكنت من اعتراض وتدمير 35% فقط من الصواريخ الإيرانية، بينما تشير نفس المؤسسة (JINSA) إلى أن إيران أطلقت 541 صاروخًا.
الإذن بنشر صور إصابات الصواريخ الإيرانية
قبل يومين، ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أنه سُمح لها بنشر لقطات تُظهر إصابات الصواريخ الإيرانية وحجم الدمار، إذ ظهر في أحد المقاطع المنشورة إصابة عدة صواريخ إيرانية لمصفاة حيفا (بما فيها غرفة التحكم)، ما أدى إلى اشتعال النيران فيها، ولا يُعد ما ورد في تقرير (JINSA) - المنشور على موقع جامعة ولاية واشنطن دي سي - أو في تقارير المصادر الإسرائيلية الأخرى غريبًا، فالحقيقة أنه حتى الآن، لم يُحقّق أي نظام دفاعي - مهما بلغت قوته أو تعدد طبقاته - حماية كاملة للدولة التي تمتلكه، وتؤكد الإصابات المتتالية للصواريخ الإيرانية في مناطق حساسة تابعة للكيان الإسرائيلي، مثل القاعدة الاستخباراتية الحساسة (نفاتيم)، وكذلك إصابات صواريخ إيران في قاعدة (العديد)- المُجهزة بأحدث طبقات الدفاع - هذه الحقيقة، مما يعكس "نسبية الردع" في النهاية.
الردع

يعتقد البعض أن ردع دولة ما لدولة أخرى يعني أن تصل "الدولة أ" إلى مستوى من القدرات الهجومية والدفاعية يجعل "الدولة ب" غير قادرة على مهاجمتها، لكننا نعلم أن دولًا مثل الولايات المتحدة وروسيا، التي تمتلك أقوى الجيوش وأحدث الأسلحة، لم تتمكن من حماية قواتها وقواعدها وأراضيها بشكل مطلق من أعدائها الذين قد يكونون أصغر منها بكثير. فقبل شهرين، تعرضت روسيا لهجوم بطائرات مسيرة أوكرانية ولم تتمكن من صد جميع الأسلحة المعادية التي اخترقت حتى عمق 5000 كيلومتر داخل أراضيها، وكذلك الولايات المتحدة، رغم امتلاكها أحدث الأسلحة الهجومية والدفاعية، تعرضت لهجمات من أعدائها وفشلت في حماية قواعدها وقواتها بشكل مطلق، فخلال السنة الماضية فقط، تعرضت قواعد أمريكية في "اليرموك بالأردن" و"عين الأسد بالعراق" و"العديد بقطر" للهجوم عدة مرات، كما هاجمت القوات اليمنية سفنًا حربية وتجارية أمريكية في المحيط الهندي والبحر الأحمر مرارًا، ولم تتمكن الولايات المتحدة من منعها من مواصلة الهجمات إلا عبر التفاوض والاتفاق وليس عبر القوة العسكرية، لذلك، فإن الردع - وهو مفهوم بالغ الأهمية وقد أكد عليه الله تعالى في كتابه - لا يعني منع الهجمات المعادية بشكل مطلق أو تجنب الصراع تمامًا، بل يعني في المصطلح العسكري المتعارف عليه أن تصل دولة ما إلى مستوى من القدرات والإدارة العسكرية يجعل العدو يضطر إلى حساب أمور كثيرة قبل مهاجمتها، ولا يجرؤ على الاعتداء عليها تحت أي ظرف.
ضربة مؤثرة للعدو
خلال المشهد الذي استمر 12 يومًا، أثبتت إيران قدرتها على ضرب العدو خلال عملية "الوعد الصادق 3". فقبل ذلك، توصل العدو إلى استنتاج مفاده أنه قادر على توجيه ضربات لإيران دون أن تتمكن الأخيرة من الرد بشكل فعال، وكشفت مصادر إسرائيلية مؤخرًا أن نتنياهو قال لدونالد ترامب خلال زيارته لأمريكا قبل أسبوعين من الحرب: "سنوجه ضربة لإيران لن تتمكن بعدها لعشرات السنين من إطلاق صواريخ نحو إسرائيل". لكن ما هو مؤكد اليوم، بعد الحرب التي استمرت 12 يومًا - والتي كانوا هم من بدأها وهم من طلبوا وقف إطلاق النار - هو أن أمريكا وإسرائيل اقتنعا بأنهما غير قادرين على خلق وضعية ردع حقيقية ضد إيران، وأن إيران قادرة على الصمود في وجه الضربات وضرب عدوها بقوة، حتى لو واجهت تحركًا مشتركًا من أمريكا وإسرائيل، وحتى لو امتلك الكيان المحتل كل أسلحة العالم، كما حدث في الحرب التي استمرت 12 يومًا.
تغيير معادلات العدو
في اليوم الثاني للحرب، سعى الكيان الصهيوني لتجسيد هيبته الأمنية أمام إيران معلناً أن "سماء إيران مفتوحة أمامي وسأضرب أي مكان أريده"، كما أكد ترامب في نفس اليوم أن "الحرب تسير بتفوق الجيش الإسرائيلي على الجيش الإيراني"، لكن بحلول اليوم الثالث، عندما واجهت الحرب تفوق النيران الإيرانية، لم يعد لدى جيش الكيان ما يقوله. لقد كان واضحاً تماماً أن إسرائيل وضعت رهاناً خاصاً على قوة سلاحها الجوي وعدد طائراتها مقارنة بإيران، وظنت أنها قادرة على تحويل تفوقها الجوي إلى حاجز أمام إطلاقيات إيران، لكن في اليوم الثالث، حلّت حسابات جديدة محل هذه التقديرات الخاطئة.
ألغاز العدو
من اليوم الثالث وما بعد الموجة الصاروخية الإيرانية الكاسحة، شغل سؤالان أذهان القادة العسكريين الإسرائيليين والأمريكيين: هل يمكن للطائرات المهاجمة التغلب على صواريخ إيران؟ وما هي أنظمة الإطلاق الأخرى التي تمتلكها إيران في جعبتها؟ وفي هذا السياق، خرجت عمليات إطلاق الصواريخ الإيرانية بشكل كبير عن سيطرة الأنظمة الدفاعية الإسرائيلية باهظة الثمن والأسطورية.
إصابة 65% من الصواريخ الإيرانية لأهدافها
مؤسسة "جينسا" البحثية (التابعة لـAIPAC والموالية للكيان الصهيوني) اعترفت في تقريرها بأن 65% من الصواريخ الإيرانية أصابت أهدافها، بينما أشارت تقارير إسرائيلية أخرى إلى إصابة 90% من الصواريخ، والجدير بالذكر أن نسبة الصواريخ التي سقطت على نقاط حساسة في الكيان الصهيوني ازدادت مع اقتراب اليوم الثاني عشر للحرب، حيث كانت عمليات الإطلاق الأخيرة حتى الساعة 6 صباح يوم الثلاثاء (يوم انتهاء الحرب) باستخدام صواريخ جديدة دقيقة ومثالية بدون أي أخطاء، وهكذا تلقى الجيش الإسرائيلي إجابات لأسئلته: في المواجهة بين الصواريخ والطائرات، تفوق الصاروخ هو الأقوى، أن إيران رغم تنوع صواريخها المنطلقة، لا تزال تحتفظ بقوة صاروخية أكبر في جعبتها. فهمت قيادة جيش الكيان المحتل من هذا أن إيران ربما أعدت صواريخ أكثر قوة للإطلاق، لذلك خرج الجيش الإسرائيلي في اليوم الثالث من مرحلة الجرأة والغرور، وفي اليوم السادس تخلّى عن سياسة المخاطرة.
الأوهام والتصورات الخاطئة
من المؤكد أن جيشًا بدأ الحرب في 23 خرداد (12 يونيو) بمجموعة من الاستنتاجات والافتراضات، لن يتمكن بهذه السرعة من التوجه نحو خيار الحرب مع إيران بنفس تلك الافتراضات والحسابات، وبعبارة أخرى، أطلقت إسرائيل الحرب ضد إيران في 23 خرداد وهي متيقنة من انتصارها السريع، لكنها هُزمت بسرعة، كان هذا الانتصار قائمًا على ركائز تبين لاحقًا أنها وهمية وخيالية، ومن هذه الركائز الوهمية:
- الركيزة الوهمية الأولى: أن الضربة القوية على عدة مواقع حساسة في النظام الإيراني ستخرج قيادة إيران عن السيطرة، هذا الافتراض قد بُطل الآن.
- الركيزة الوهمية الثانية: أن القيادة العسكرية الإيرانية ستصبح سلبية بعد سلسلة من الضربات المحسوبة، مما سيمكن العدو من تحقيق سلسلة من الانتصارات المتتالية، هذا الافتراض أيضًا قد بُطل.
- الركيزة الوهمية الثالثة: أن الاعتماد على سلسلة من التفوقات التكنولوجية سيسمح لها بالسيطرة على منظومة الأسلحة الإيرانية وتعطيلها، التقارير الصادرة بعد الحرب من الجيش الإسرائيلي تشير إلى أن هذه النسبة لم تكن كافية لتعطيل القدرة الدفاعية الإيرانية أو التأثير بشكل جدي على قدرتها الهجومية، فهذا الافتراض الثالث قد بُطل أيضًا.
- الركيزة الوهمية الرابعة: أن المعارضين الداخليين في إيران سينضمون إلى الهجوم الخارجي كعنصر مساعد ويُحدثون فوضى في الجبهة الداخلية، ما حدث أبطَل هذا الافتراض أيضًا، وبالتالي،لا تستطيع إسرائيل، بناءً على تقييمات 22 خرداد، أن تضع أهدافًا مشابهة لأهداف الحرب التي دارت بين 23 خرداد و3 تير (12 يونيو - 24 يونيو) وتشن هجومًا على إيران.
- وهم "الانتصار على إيران: بمعنى آخر، لا يمكن لإسرائيل أن تبدأ حربًا جديدة ضد إيران بافتراض "الانتصار على إيران"، لأنها قد شنت حربًا بهذا الافتراض وحشدت كل قوتها وقوة الغرب لتحقيق النتيجة، لكنها هُزمت، ومع ذلك، هذا لا يعني أن أمريكا وإسرائيل قد تخلتا عن الصراع مع إيران بسبب الهزيمة في الحرب التي استمرت 12 يومًا، فيجب أن ندرك أن الصراع لا يحدث دائمًا بهدف تحقيق النصر على العدو. فالحرب يمكن أن تبدأ بهدف إلحاق الضرر بالعدو وردعه عن تنفيذ إجراءات هجومية، كما حدث في العديد من الحروب.
لذلك، فإن المؤسسة العسكرية الإيرانية، مع ثقتها بنفسها واعتمادها على الانتصار في الحرب الأخيرة ودراسة نقاط القوة والضعف بدقة وتقييم قدرات وأوجه القصور لدى أعدائها، لا تغفل عن مكائد العدو. فإسرائيل وأمريكا لم تتمكنا من تحقيق أهدافهما في حرب الـ12 يومًا، وهذه الإخفاقات نفسها قد تكون سببًا لتحركاتهما العسكرية الجديدة ضد إيران.
القدرة العسكرية الإيرانية
أثبتت تجربة الحرب الـ12 يوماً أن القوة العسكرية الإيرانية تمتلك الذكاء الكافي لمواجهة تحركات العدو، والقدرة اللازمة لضربه بشكل مؤثر، فقد تم تنفيذ الهجوم على القاعدة الأمريكية "العديد" والمركز العسكري الحساس "بئر السبع" الإسرائيلي في ليلة واحدة وبشكل متزامن، ولقد كان هذا المناور مظهراً للقوة وإثباتاً للإرادة، وبالتالي، فإن القوة العسكرية الإيرانية - التي أثبتت ثباتها وحكمتها - في حال مواجهة أي عدوان جديد، ستفرض هزيمة ساحقة أخرى على العدو بضربة أكثر دقة وأشد فتكاً، وبتصميم أكبر.
مواضيع ذات صلة
- الجمهورية الإسلامية الإيرانية
- عملية الوعد الصادق 3
- الهجوم الأمريكي على المواقع النووية الإيرانية 2025
- الهجوم الإسرائيلي على إيران 2025
الهوامش
- ↑ بقلم سعد الله الزارعي
المصدر
- موازنة تفوق القوة الصاروخية على القوة الجوية (مذكرة يومية)، نشرت في: موقع صحيفة "كيهان" الإلكتروني، تاريخ النشر: 26 يوليو 2025 م وتاريخ الاطلاع:27 يوليو 2025 م.



